أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - شحاذ رقمي تحت الراية الحمراء














المزيد.....

شحاذ رقمي تحت الراية الحمراء


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 02:53
المحور: الادب والفن
    


هالني ما لمسته في تلك البلاد العملاقة التي تُعرف بمملكة قلب العالم، أو كما يسميها أهلها: مملكة الوسط. إنها الصين بلد يضرب بجذوره في الأيديولوجيا الشيوعية، لكنه اليوم يعتلي قمة التقدم التكنولوجي برأسماليةٍ مصقولة بلون أحمر.
في هذا البلد، تبدأ رحلة المدفوعات الرقمية من أبسط التفاصيل: من تأجير ذاتي للدراجات الهوائية المصطفّة كخلايا نحل صفراء، تهدئها شمس بكين فوق أرصفة العاصمة ، اذ تجلس تلك الدراجات بانتظام حضري بديع، و ترفرف خلفها رايات الصين الحمراء على أبنية شاهقة تُجسد سيادة الدولة، وتُحاكي السوق بنكهة القهوة بالحليب ، انه نظام مزيجٌ من الاشتراكية والرأسمالية بقوة رقمية لا تُرى إلا في بلاد كهذه بالغالب،
فحتى البقالة هنا، تلك الوحدة التجارية البسيطة التي تُعرض فيها فواكه لا نعرف نصفها لوناً أو طعماً ،نحن أبناء حوض المتوسط، أصبحت جزءًا من المنظومة الرقمية.
فعلى الرصيف المقابل لاقامتنا ، كشك تصدره مربع ورقي صغير الشكل مطليّ بالأبيض والأسود، يحمل رمزًا غريبًا أدركت لاحقًا أنه QR – اختصارًا لـ “الاستجابة السريعة”. لتشتري الفاكهة، ثم تخرج هاتفك المحمول، تمرره على الرمز، وإذا بثمن الفاكهة ينتقل من محفظتك الرقمية إلى حساب البائع في غمضة عين.
دهشت من هذا التقدم الرقمي، لا في الأبراج ولا في الموانئ ولا في المصانع، بل في بقالة الطريق ، دهشةٌ جعلتني أحدث مساءً أستاذاً عراقياً يعمل في جامعة بكين منذ عقود حول انطباعاتي عن القوة الرقمية في بلاد التنين ، قال لي ضاحكًا: “هذه البلاد ستشاهد فيها العجب ، وروى لي أن مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني، الذي يحضره اكثر من الفي مندوب يمثلون ما يزيد على 96 مليون عضو في الحزب ، لا يمكن أن يُخترق رغم تشابه الوجوه. فالتكنولوجيا هنا تمسك بزمام الدخول والخروج، اذ تتطابق الوجوه مع قاعدة بيانات مركزية، وتكشف أي “وجه أصفر ملون غير أحمر” قد يندسّ بين الحاضرين.
تلك هي الصين، التي أصبحت تراقب أي مطلوب عن طريق صورته المخزّنة رقميًا لدى أقرب وحدة للشرطة. فلا حاجة بعد اليوم لتحريات مضنية، فالكاميرات في الشوارع، في الباصات، في المحلات، كلها تشارك في “اصطياد الوجه المطلوب” بدقة لا تخطئها العين ولا الخوارزمية.
عدت إلى الفندق، وإذا بالحياة الرقمية تهيمن عليه أيضًا: من الدخول إلى المصعد، إلى دفع الفاتورة، إلى شحن القهوة من آلة أوتوماتيكية. كأنك تعيش داخل منظومة تكنولوجية تُدار تحت عنوان “اقتصاد السوق الرقمي الأحمر” The Digital Red Market Economy ، لا شرق ولا غرب، بل عالم خاص تحكمه خوارزميات ذات راية شيوعية.
لكن ما صدمني فعلاً… لم يكن في كل هذا بل في ذلك “المتسول التقدمي”، رجل متوسط العمر، يحمل على وجهه ملامح تاريخ الثورة الثقافية، وعيناه تنضحان بقراءات قديمة من الكتاب الأحمر.
كان يجلس بهدوء في زاوية الشارع المؤدي إلى مبنى بيروقراطي، حيث كنا على موعد رسمي هناك . وكانما ذلك الرجل جاء من عصر آخر، ربما من زمن الرئيس ماوتسي تونغ، لكنه هبط فجأة في قلب الصين الرقمية!
تساءلت في داخلي: هل تسمح الصين بالتسول؟
أجابني مرافقي، الموظف الحكومي الصيني بانضباطه المعروف:
نعم، فالتسول ليس ممنوعًا قانوناً، لكنه ليس مباحًا بإطلاق. الدولة تراقبه وتحاصره إذا أصبح استغلاليًا أو هدد النظام القانوني إنها لا تُجرّم الفقر، لكنها تنظم وجوده في الفضاء العام.
اقتربت من الرجل بدافع إنساني ، أردت أن أضع بضع يوانات في يده، وإذا به يرفع لافتة بيضاء مربعة صغيرة عليها رمز QR، يطلب مني الدفع رقميًا!
ضحكت… ثم حزنت.
تذكرت متسولي شرق المتوسط ، حيث يغيب النظام ويغيب التنظيم وتغيب الكرامة أحيانًا ،لاسيما عندما يكون التسول فعل فوضوي . أما هنا، فهو فعل رقمي… منضبط… يشبه بقية مفردات الحياة الصينية.
فرغم الصورة الصارمة التي قد ترتسم عن الصين، فإنها لا تُحرّم التسول، لكنها تجعله “خاضعًا للضبط والتنظيم”، لا تسجن الفقير، لكنها لا تسمح له أن يُفسد النظام الحضري العام.
وهكذا، فإن التسول الرقمي تحت راية السوق الحمراء لا يُعدُّ نشازًا، بل جزءًا من سيمفونية الانضباط الصيني.
إنها الصين… حيث يتسول الناس باستخدام QR .



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمُّ العراق… الكوت والجنة تحت قدميها!
- توازن السوق بإشارة سالبة؟ مشادة أكاديمية صامتة!!
- من عصر الفوانيس إلى الطاقة الشمسية: جدل لا ينتهي
- الكرسي المكسور: ذكريات في عالم البيروقراطية الإدارية
- الرهان على الخير في زمن اللايقين
- تدوير النفايات: بين هموم العلماء ومعاناة الفقراء
- ما بين مطرقة الحياة وسندان الغربة: عواطف تحت الثلج
- من تماثيل بوذا إلى رايات هتلر: الصليب المعكوف بين النور والظ ...
- كربلاء: فلسفة التضحية ومنهج الإصلاح في مواجهة الاستبداد
- في تظافر العلوم… تنهض الأمم
- سيدة الجنوب الاولى ومحراب الحسين: دموع لا تموت…!
- في بلد نفطي : أمة تغفو… وسحلية تستيقظ
- الجغرافيا السياسية تحسم الانتصار: من حروب الأرض إلى معركة ال ...
- حوار الطالب وعامل النظافة : كرامة تلامس البحر
- الحي 798: ركيزة العاصمة بكين في الاقتصاد البنفسجي
- وضعت الحرب أوزارها على سجادةٍ إيرانيةٍ شديدةِ التوهج : سردية ...
- شلالات فكتوريا… ليس هديرها استعمارًا، بل إفريقياً سردية ثقاف ...
- حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل
- الولايات المتحدة في الشرق الاوسط: حربٌ بلا حرب
- سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل


المزيد.....




- مصر.. غرامة مشاركة -البلوغرز- في الأعمال الفنية تثير الجدل
- راغب علامة يسعى لاحتواء أزمة منعه من الغناء في مصر
- تهم بالاعتداءات الجنسية.. فنانة أميركية تكشف: طالبت بأن يُحق ...
- حمامات عكاشة.. تاريخ النوبة وأسرار الشفاء في ينابيع السودان ...
- مؤلَّف جديد يناقش عوائق الديمقراطية في القارة السمراء
- الأكاديمية المتوسطية للشباب تتوج أشغالها بـ-نداء أصيلة 2025- ...
- 5 منتجات تقنية موجودة فعلًا لكنها تبدو كأنها من أفلام الخيال ...
- مع استمرار الحرب في أوكرانيا... هل تكسر روسيا الجليد مع أورو ...
- فرقة موسيقية بريطانية تقود حملة تضامن مع الفنانين المناهضين ...
- مسرح تمارا السعدي يسلّط الضوء على أطفال الرعاية الاجتماعية ف ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - شحاذ رقمي تحت الراية الحمراء