أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - شلالات فكتوريا… ليس هديرها استعمارًا، بل إفريقياً سردية ثقافية من الجنوب الإفريقي














المزيد.....

شلالات فكتوريا… ليس هديرها استعمارًا، بل إفريقياً سردية ثقافية من الجنوب الإفريقي


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 00:11
المحور: قضايا ثقافية
    


“حين تتكلم الطبيعة بلغة السياسة، لا تصرخ… بل تهدر بشموخ الماء.”

هنا، أيها الأحرار، لا نقف عند شلالٍ فحسب، بل عند الحدّ الفاصل الذي رسمته خرائط الاستعمار بين دولتين من شعبٍ واحد: روديسيا الشمالية (زامبيا) وروديسيا الجنوبية (زمبابوي).
عند هذا القوس الجغرافي الذي انحنى مع نهر الزمبيزي، عجبتُ من قدرة الجغرافيا أن تُجزّئ الهوية، لا لشيءٍ إلا لأن النهر قرّر أن ينتهي بصيغة الماء الهادر.

إنه نهر الزمبيزي، ينحدر، كأغلب أنهار الأرض، من الشمال إلى الجنوب، في طاعةٍ طبيعية لتضاريس القارة الإفريقية وانحداراتها ، لكن ما فعله الاستعمار هنا، هو أنه جعل من الانحدار الطبيعي حدًا سياسيًا.

وفي يومٍ إفريقيٍ نصف مشمس، تخلّلته نسمات جنوبية لا برد فيها ولا وهج، سألتُ مضيفي أكثر من سؤال عن تاريخ الاستعمار منذ العهد الفيكتوري لإفريقيا، فأجابني بعينين لامعتين:

“هذه شلالات فكتوريا… ثاني أكبر شلالات العالم. ولكنها، في قلوبنا، هي الشلالات الأولى.”

قلت في سرّي: يا لها من شلالات!
لا توصف بالجمال وحده، بل بالرهبة التي توقظ فيك سؤال الهوية. كأنها تشقّ طريقها بين غابات إفريقيا الجنوبية، فتجمع بين زيمبابوي وزامبيا بهديرٍ واحد، يهتف: نحن هنا… واحد.

أخبرني مضيفي، وأنا أطلّ على مخارج الشلالات من شرفة الفندق:

“غدًا، قد يحالفك الحظ لتستمع إلى خطاب رئيس وزرائنا، وهو يتفقّد هذا المكان السياحي.”

ولأني دائم الفضول لما يقوله القادة حين تخاطبهم الطبيعة، أسرعت صباحاً، بعد فطور إفريقي شهي، لأرى وأستمع !!
وقف الرجل الأسمر، مهيبًا على الضفة، يخاطب جمهورًا صغيرًا… وربما يخاطب الشلال نفسه، ثم قال، بصوت يشبه المطر:

“البياض الذي حكمنا لم يكن لونًا، بل نفيًا… نفيًا لصوت الأرض، لصوت الغابات، لصوت الأمهات في الأكواخ، ولضحكة الأطفال في موسم المطر.
لكننا اليوم نتكلم… لا لنردّ الإهانة، بل لنردّ الجمال إلى مجراه.”

كانت كلماته تتماهى مع هدير الماء، وكأن الشلال ينطق بها قبله، ثم ختم قائلاً:

“من هذه اللحظة، (وقبل أقل من خمسين عامًا) إلى الأمام، نعلن أن هذه ليست شلالات فكتوريا… بل شلالات إفريقيا!
فالسياحة ليست مجرد اقتصاد، بل حكاية نرويها للآخرين عنّا.
شلالات فكتوريا ليست من صنعنا، لكنها اليوم تحت رعايتنا.
وما كُتب باسم فكتوريا، سنعيد كتابته بلغة قبائلنا، بلغة المطر، بلغة الزمبيزي.”

صفّق الحضور طويلًا، وسمعتُ الشلالات تصفق معهم… لا بالكفين، بل بالصوت الأبدي للماء.

نظرت إلى مضيفي وقلت:

“لقد سمعتُ خطابًا يشبه هدير الشلال… لا يخاطب الأذن فقط، بل القلب أيضًا.”

فقال، مبتسمًا:

“في إفريقيا، حتى الطبيعة تتكلم سياسة… لكنها لا ترفع صوتها كثيرًا.”

ضحكنا بصوتٍ خافت، ثم أردف:
“نحن القوى السمراء… هكذا نتحرر، ولكن ببطء.” انها افريقيا ما بعد الاستعمار.

ثم طلب مني ارتداء الملابس الواقية من رذاذ الشلال، حيث كنا على وشك الانطلاق في جولةٍ ذابت فيها الألوان، وانمحت الفوارق.
هناك، عند مرتسم الشلال، لم نرَ حدودًا… بل رأينا متعة تجاوزها.
في حضرة الماء المتساقط كأغنيةٍ قديمة تماثل هدير أعالي الفراتين في بلادي ، وأنا في عالمٍ إفريقيٍ ساحر، شديد الجمال، بدا لي أن الطبيعة ما زالت تنطق ..
لكنها تنطق بصوت الحرية لإفريقيا… لا بصوت الضجيج.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل
- الولايات المتحدة في الشرق الاوسط: حربٌ بلا حرب
- سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل
- سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة
- اطفال الآيس كريم في قاعة صندوق النقد الدولي: تربية ناعمة في ...
- رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس ...
- هل بقي للحياة من طَعم؟
- في سنغافورة: الألماس خلف الزجاج، و الفقراء خلف الأمل
- مصافحة دبلوماسية ناعمة بلا عناء ولكن…؟
- لماذا يرتفع الدينار العراقي في السوق الموازي ؟.
- بين العقل والمال : رحلة في دهاليز التفكير الطبقي…!!
- بين انحناء العامل واستواء السوق:قراءة في وهم التكافؤ
- القمة العربية الاولى في الكويت : ذكريات حزينة برفقة الرئيس ا ...
- الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .
- كيمياء المالية العامة العراقية في مواجهة التحديات الخارجية ع ...
- الامبريالية المالية و الماركنتالية الجديدة تحت راية واحدة : ...
- نهاية الحرب الروسية الاوكرانية:القطبية الثنائية وتجارة الصدا ...
- صناعة القطبية الثنائية: روسيا والترامبية الجديدة
- الوزير روبيو ويوم الاربعاء في الذاكرة البغدادية.
- روسيا وايران والشرق الاوسط الجديد. وجهة نظر…!!


المزيد.....




- البندقية تُخفي السرّ الأكبر..تفاصيل خطط زفاف جيف بيزوس في مد ...
- لكموه بعنف واعتقلوه.. شاهد ما حدث لوالد 3 من جنود مشاة البحر ...
- عهد جديد لحلف شمال الأطلسي.. ما الجديد؟
- مسؤول أمني إيراني ينفي استهداف إسرائيل بهجمات صاروخية بعد وق ...
- هدنة بين إيران وإسرائيل.. وترامب: رجاء عدم انتهاك وقف النار ...
- إيران بين المكاسب والخسائر: قراءة في حصيلة المواجهة مع إسرائ ...
- مشاورات على رماد المنشآت: هل لا تزال هناك إمكانية للتفاوض عل ...
- تهميش ونقص في الحماية.. أين يقف فلسطينيو 48 من معادلة الصراع ...
- إيران -تعاقب الشيطان- بضرب قاعدة العديد القطرية.. وطهران لم ...
- بعد قصف إسرائيل لمنشأة فوردو.. ما الذي تبقى من قدرات إيران ا ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - شلالات فكتوريا… ليس هديرها استعمارًا، بل إفريقياً سردية ثقافية من الجنوب الإفريقي