أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة














المزيد.....

سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 01:11
المحور: قضايا ثقافية
    


ظل مضيفي يهمس في اذني ان الحكمة الصينية تقول ما من رجل تكتمل رجولته الحقيقية مالم يتسلق ذلك السور العظيم ، قلت من هو قائلها فأجابني من فوره انها منسوبة لزعيم الصين العظيم ماوتسي تونغ ، وان السور ستجده لك ايها القادم من شرق المتوسط حاضراً في وجدان الامة الصينية يوم شغل مشاعل و أركان وزوايا جميلة في الأدب الصيني من الشعر والفن والتاريخ، مما جعله جزءًا من الوجدان الجمعي للامة الصينية .
ثم توقف هنيهة ، ليخبرني بان ذلك السور يحيط به الكثير من الأساطير الشعبية، منها قصة “منغ جيانغ نو” التي بكت على زوجها حتى انهار جزءاً من السور ، اذ عبرت تلك الرواية عن الحزن والمعاناة والتضحية، ما جعلت من السور على الدوام مكانًا له قدسية وجدانية وإنسانية تتلقاها مخيلة كل من يقصد بلاد الجنس الاصفر .
انه جدار الذاكرة… وجدار الأمة على مر العصور والايام في فترات الحرب والسلام ، وهي العمارة المتجذرة في الذاكرة القومية، والوجدان الثقافي، والرمزية التاريخية لشعب الصين .
ويُعدّ السور بعنوانه المعماري والحضاري رمزًا لصمود الصين ضد الغزوات ، خصوصًا من القبائل الشمالية.
فهو ليس مجرد حاجز مادي، بل رمزاً للدفاع عن الأرض والشعب والسيادة ، لذلك ينظر إليه الصينيون كعلامة على عزيمة الأمة وإرادتها في البقاء والاستمرار.
فامام هذا الوصف الذي اغرقني فيه مضيفي ، كانت رحلة صباح اليوم التالي صوب فضاء محيط العاصمة ، بعد ان قطعنا مسافة بنحو ساعة خارج مركز مملكة العالم الاوسط (بكين) ليلوح لنا من بعيد عملاق عمارة انتهى اخر بناءها في قرون العصر الوسيط ،ليجسد عبقرية الهندسة القديمة و التنظيم والإدارة الإمبراطورية ووحدة الشعوب الصينية تحت قيادة موحدة.
التفت الى مضيفي فوجدته مبتسما ، فقلت له متى تاخذ رجولتنا بالاكتمال كي نحقق نبؤة الزعيم ماوتسي تونع فاجابني بكلمات طيبة ان مناسيب بحار رجولتك ايها القادم من شرق المتوسط قد تعاظمت امواجها ولا يسعها الا سور الصين العظيم ، فضحكنا معاً . كان الجو قارس تلفه رياح غرب الصين الباردة ،فليس من امامنا الا ان نرتدي معطفا وقبعة تم استعارتهما من مجمع مركز سياحي جميل تحت السور لتبدا رحلة تسلق ذلك المكان الذي يتموج مع منعطفات الارض والعقل والذكريات في آن واحد.
انها عمارة حافظت على اجزاء سلامتها احتضنتها العاصمة الصينية بمعالمها ومجاهيلها التاريخية بعد ان طالت الحروب والانكسارات من اجمالي خطوط السور على مر التاريخ.
هنا شعرت بقوة الرجال وكمالها بان زيارة السور الذي شيد بالطول الكلي التاريخي ليشمل جميع مراحل البناء، والجدران، والحصون، والخنادق بنحو 21 الف كيلومتراً حقاً وعبر أكثر من 15 قرنًا من البناء، بدءاً من القرن السابع قبل الميلاد وحتى عهد أسرة مينغ خلال الفترة(1368–1644) ميلادية، وظلّت نفسي تزداد قوة وزهواً وتقول انها ليست فقط زيارة سياحة عابرة ، بل ملامسة حية لطقسٍ وطني صيني يعزز الهوية والانتماء مثلما يعزز رجولة زائريه…وكان السور يشكّل أمامي ممرًا حجريًا فيزيائيًا، لكنه في الحقيقة ممرٌ روحيّ إلى معنى الرجولة، والصمود، والانتماء… إلى ذاكرةٍ تنحتُها الأمم في الصخر وتغزلها في القصيدة.
وبقيت أتطلع الى ارض المكان وأجزاءه المصفوفة بالحجر المتقن وجدرانه المتماسكة من الحجر نفسه،وسألت مضيفي كم بقى من هذا المشيد بهذا الجمال المعماري والمنظور الحضاري بين الابواب والحصون والجدران ؟فتحسر الرجل ليخبرني بأسى ان الجزء المحفوظ أو المتبقي حاليًا منه، خاصة من عهد أسرة مينغ (وهو أفضل الأجزاء بنيةً وحفظًا)، يُقدّر بطول حوالي 8,850 كيلومترًا ،لكن من هذا الطول، بضعة مئات من الكيلومترات مقدرا اياها بين 500–600 كيلومتر وهي التي تُعد في حالة جيدة وقابلة للزيارة السياحية فحسب ومشتتة بين هنا وهناك.ثم دار حديث بيننا والرياح الباردة تدفع بنا يمينا وشمالا عن أسباب فقدان الأجزاء الأخرى ، فاجابني من فوره
ان عوامل الطبيعية كما حالنا اليوم هي التي ابتلعته من الأمطار وكذلك الزلازل فضلاً عن الإهمال في فترات تاريخية، حيث هب السكان المحليون الى استخدام حجارة السور في البناء والزراعة. ولاننسى ان الزحف العمراني الحديث قد تخطى الاسوار الى عوالم بكين الجديدة وغيرها من مقاطعات الصين التي امتد اليها السور …؟ فسور الصين العظيم لا يحيط بمدينة بكين فقط، بل يمتد عبر شمال الصين بالكامل، ويعبر عدة مقاطعات، وكان الغرض منه حماية حدود الإمبراطورية الصينية من الغزوات القادمة من الشمال، وليس فقط الدفاع عن العاصمة.
هنا تذكرت كل زيارات طفولتي وشبابي الى اور و بابل واشور … وحضارات بلادي التي هي الاخرى رمز اكتمال الرجولة المشرقية حتى من زارها اطلالا عبر تاريخ وادي الرافدين منذ تلك الألاف المتعاقبة من الدهور والازمنة ،يوم سارت عليها العجلة السومرية وأرختها الرقم الطينية ورماح وسهام وخيول الحرب ومعاول السلام.
انتهت زيارتنا و طوينا نهارنا بسرعة البرق تاركين خلفنا ذلك السور العظيم ، عائدين نحو قلب الأمة الصينية بكين ، عاصمة العالم الاوسط كما تسمى ، بصلابة الرجال المضاعفة يحميها سور الصين العظيم في شرق الاقصى ، متذكرا آثار بلادي الشرق اوسطية في بنية قوية ظلت عالقة في ذاكرة الحضارة الإنسانية باسوارها في بابل واشور وسومر وبغداد ، حيث مازالت الذاكرة القومية، والوجدان الثقافي، والرمزية التاريخية باقية بين امم الشرق وشعوبها الحية رغم صروف الدهر ، تتكللها عزيمة حفرت ذاكرتها (بالحجارة والطين والكلمات) على جسر الحضارة الواحد ، الذي امتدت اسواره من الشرق الى الشرق ، الذي لن تغيب عنه الشمس ، ما دامت حضارته موصولة على جسر واحد ، تبنيه الشعوب بأرادتها ، وتحرسه بذاكرتها ، ويعبره الإنسان حينما يتأمل رجولته في صلابة الصخر والريح والتاريخ.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اطفال الآيس كريم في قاعة صندوق النقد الدولي: تربية ناعمة في ...
- رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس ...
- هل بقي للحياة من طَعم؟
- في سنغافورة: الألماس خلف الزجاج، و الفقراء خلف الأمل
- مصافحة دبلوماسية ناعمة بلا عناء ولكن…؟
- لماذا يرتفع الدينار العراقي في السوق الموازي ؟.
- بين العقل والمال : رحلة في دهاليز التفكير الطبقي…!!
- بين انحناء العامل واستواء السوق:قراءة في وهم التكافؤ
- القمة العربية الاولى في الكويت : ذكريات حزينة برفقة الرئيس ا ...
- الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .
- كيمياء المالية العامة العراقية في مواجهة التحديات الخارجية ع ...
- الامبريالية المالية و الماركنتالية الجديدة تحت راية واحدة : ...
- نهاية الحرب الروسية الاوكرانية:القطبية الثنائية وتجارة الصدا ...
- صناعة القطبية الثنائية: روسيا والترامبية الجديدة
- الوزير روبيو ويوم الاربعاء في الذاكرة البغدادية.
- روسيا وايران والشرق الاوسط الجديد. وجهة نظر…!!
- الحرس الجديد لملء الفراغ السياسي الريعي التقليدي في البلاد.
- الترامبية الجديدة : امبريالية بلا تكاليف..!!
- مكان خلا من صورته: خاطرة في بنك هولندا المركزي.
- صعود القوة وهبوط الديمقراطية : اميركا في حوار بين الدبلوماسي ...


المزيد.....




- -نايكي- تُحيي فنًا عمره 5000 عام في أول تعاون لها مع علامة أ ...
- قتلى وجرحى ودمار جراء القصف الإيراني على إسرائيل
- مصر: الحكومة تضع حلولا بعد غلق إسرائيل أكبر حقولها للغاز.. و ...
- هل الهدف هو تغيير النظام الإيراني أو القضاء على البرنامج الن ...
- إيران وإسرائيل تعلنان أحدث حصيلة لقتلى الهجمات المتبادلة بين ...
- بعد أن أثار جدلا.. كاتس يتراجع عن تهديد سكان طهران
- حاملة الطائرات الأميركية -نيميتز- نحو الشرق الأوسط: هل تلوّح ...
- الجيش الإسرائيلي يسحب الفرقة 98 من غزة ويحشد عند حدود مصر وا ...
- فرقة -كوستروما- تؤدي عرضا بأوبرا القاهرة
- بن غفير يأمر الشرطة بإيقاف أشخاص يصورون أماكن سقوط الصواريخ ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة