أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - مظهر محمد صالح - الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .














المزيد.....

الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8330 - 2025 / 5 / 2 - 00:19
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


لم تكن دعوة عادية بل استثنائية من جارنا الرجل الوقور الصارم الذي اعتاد ان يسوق سيارة (شوفرليت ستيشن) فارهة من موديل حديث قبل ستين عاماً ونحن ننظر اليه بهيبة عن بعد ، و الذي كان يعمل مديراً في واحدة من مصانع العاصمة بغداد لانتاج المشروبات الغازية وقت ذاك.
- ناداني نجله ، ان والدي يناشدنا ممن هم في سن العمل وجعلوا المحلة في هرج ومرج من كثرة النقاشات السياسية ، من يرغب فيهم العمل في عطلة الصيف لقاء اجر يومي في ذلك المشغل الكبير في اطراف العاصمة بدلاً من اللهو في عطلة مدرسية طويلة وصيف بغدادي سياسي ساخن.
- تحضرت انا ونجله في اليوم التالي عند الصباح الباكر ، وانا لا افقه شي وقتها عن طبيعة العمل الذي سأتولاه وما هو الاجر الذي سيساعدني ربما على شراء بدلة مدرسية وحذاء ومستلزمات دراسية تغنني عن والدي او ربما اتمتع بأجرٍ سيمكنني من الذهاب الى السينما او شراء كتاب عن نضالات الطبقة العمالية وشعاراتها ( يا عمال العام اتحدوا ) وغير ذلك من الاحلام الثورية وانا اقول في سري ما انا الا مُركب من تقاليد برجوازية وفكر طبقي ثوري في آن واحد ، واذ اختل منه عنصر تطاير البناء النفسي وتطايرت وتفتت اركانه.
ونجل من شغلنا يهون عليّ لاتهتم فستجد في مشغل العمل صفوة من القوم وان فيهم من يرفع راية العدل والرحمة آيا يكون …! قلت في سري العمال صفوة من الشغيلة يعكسون نضالات الطبقة العاملة، فكيف نحن ابناء الطبقة الوسطى المبلغون برسالتهم نحل محلهم ؟ اذ ظل والدي الموظف الحكومي المكافح يوفر لنا نحن الاخوة الخمسة منذ زمن بعيد براتبه المحدود عيشاً جميلاً مريحاً .
- وهنا وددت يومها الاستقلال بدخل جزئي وانا شديد التاثر بفكر الطبقة العاملة وكفاحها ونضالاتها في العيش وبناء السعادة الانسانية بشقاء اليد والعقل .
- كان اليوم الاول للإلتحاق بالعمل حقا من اكثر ألايام إرهاقاً لكي انتصر لنفسي وللطبقة العاملة بفضل الحظ رغم ضعف بنيتي ، حيث توليت وانا بهمة الشباب وعنفوانه وجديته عمل مراقبة القناني الفارغة لمتابعة درجة نظافتها وتماسك زجاجاتها من اية كسور كي ازيل المكسور او المثلوم منها من على مسار التدقيق الميكانيكي الكهربائي الذي تسير عليه القناني المغسولة الواحدة بعد الاخرى ، ثم انتقل عملي في الاسبوع الاخر وبالاجر المحدود نفسه ، لمراقبة القناني المملوءة وحذف من مسار التعبئة المهشم منها جزئيا او كليا وازالته من الذهاب او الافلات عبر المسار الآلي الى نقطة تجميع المنتج النهائي وهي عالية الجودة و مكتملة التعبئة ، او حتى خالية من الحشرات التي مررها مراقب القناني الفارغة قبلي على خط انتاجي سابق .
- مرت الايام العجاف التي كان اصعبها هو العمل ليلاً ، وانا اتلقى وجبة طعام في فترة الاستراحة مكلفة الثمن بعد ان فقدت وجبات الطعام الجاهزة التي كانت تهيأها والدتي في ازمنة الكسل والراحة في بيتنا ومطبخها العظيم الفاره ، وبدات اقارن يومها بين مشاق العمل حين اصبحت شاباً كادحاً في صيفٍ بغدادي متعب ، وبين طالب ريعي من الطراز الرفيع اعتاش على مداخيل والده ، وهي المعادلة الاقتصادية الصعبة الاولى التي وضعتني في مرتكز الثقافة الاقتصادية والتفكير يومها بنمطين من العيش بين الكادح وبين المثقف الريعي.
- لم يمر شهر وانا امارس عملي بجدية ولكن بدأ الارهاق يدب بين شراين واوردت جسدي الانساني وانا انتظر متى اتسلم اجري الذي لايوازي ما كان يدفعه لي والدي من تخصيص شهري من راتبه المحدود وقت ذاك وكنت الابن الاصغر الاكثر دلالاً و الاكثر ثورية في تحسس نضالات الطبقة العاملة وفقراء الامة .
- وذات ليلة حمقاء واثناء العمل ومع انبلاج الفجر الذي اخذني النعاس فيه وانا التقط زجاجة مهشمة من خط الانتاج تعرض كف يدي اليسرى الى جرح غائر واخذ الدم يسيل بقوة ، وانا اتلفت واذ مراقب العمل ( سركال العمل ) يطلق صيحة شاقة وعلى ملامح وجهه الذي احتقنت قسماته شكاً من دون الماً ورحمة …وهو يقول هل تعلمت الدرس الاجوف من العمال الاخرين ايها الاحمق ؟ قلت له وما هو الدرس ايها الرجل ؟ قال انت من تقصدت من فج كف يمينه من يساره ليتمتع باجازة لقاء الجرح الغائر وبأجور لا تستحقها ؟ هنا فهمت مغزى ثورات العمال يوم تلقى عليهم التهم الباطلة وانها العتبة الاولى للاستغلال والاغتراب ….!!! وقلت في سري لابد ان تنزل من حقك لضعفك فما ينبغي لي ان لا اتصدى لحكم السركال وانا ضعيف …!!!
- تركت المشغل وقلت في سري بالرغم من ذلك فقد انتصرت ثانية بفضل الحظ وعدت الى البيت وفظلت العيش ( ريعاً ) على مخصص والدي لاحفظ ( كرامتي ) من (سراكيل ) الانتاج الذين هم اشد ظلما وقسوة في حياة اجرها قليل و عملها مرهق ، وتحيطك اتهامات الباطل يميناً وشمالاً لكي اعود شديد الدلال قريبا من والدي بعيدا عن قصص الاستغلال ودروسها العملية الاولى ، ولكي امارس نضالاتي من اجل الطبقة العاملة وكفاح الجماهير بالكتاب وسرية العمل السياسي …. وانتهيت اقتصاديا عاش تجربة صراع الطبقات ، تحولت من اسراب القناني المهشمة لشركة المياه الغازية ومعاناتها حتى تلقفتني زنزانة السجن واختفيت مع احرار الكلمة والعقل في هذه المرة بين سجانين لايقلون جورا وظلما من سراكيل شركة المشروبات الغازية بعد عامين ونيف من حادثة المشغل.انها انماط من القمع الانساني ،في بلاد بنت صلاتها بين اشجار المر ممن احضرتها من مشاغل العمل وغرستها في زنازين القمع والدكتاتورية لدهور من الزمن الطويل.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيمياء المالية العامة العراقية في مواجهة التحديات الخارجية ع ...
- الامبريالية المالية و الماركنتالية الجديدة تحت راية واحدة : ...
- نهاية الحرب الروسية الاوكرانية:القطبية الثنائية وتجارة الصدا ...
- صناعة القطبية الثنائية: روسيا والترامبية الجديدة
- الوزير روبيو ويوم الاربعاء في الذاكرة البغدادية.
- روسيا وايران والشرق الاوسط الجديد. وجهة نظر…!!
- الحرس الجديد لملء الفراغ السياسي الريعي التقليدي في البلاد.
- الترامبية الجديدة : امبريالية بلا تكاليف..!!
- مكان خلا من صورته: خاطرة في بنك هولندا المركزي.
- صعود القوة وهبوط الديمقراطية : اميركا في حوار بين الدبلوماسي ...
- حكيم الاستثمارت في الاسواق الرمزية : راي داليو ..!!
- نهايات حروب الشرق الاوسط بين كثافة الدولة -الامة وكثافة الاي ...
- ثمن الاغتراب القسري :الكانتونية السورية انموذجاً ..
- عندما نتنفس الحرية في لحظة بيضاء او داكنة.
- علم الانسان البغدادي او الانثروبولوجيا البغدادية.
- ذوبان الدولة-الامة في الدولة-العائلة..!! المسألة السورية
- تشغيل الخط النفطي العراقي السوري / سيناريو افتراضي
- انتظار يالطا الجديدة -حرب سوريا الراهنة واستراحة الكيان الإس ...
- الترامببية الجديدة :قانون نوبك وتوازن ناش Nash equilibrium
- الشخصية المستقلة ومطرقة التحيز السياسي : بين القبيلة والقومي ...


المزيد.....




- احتمال الصراع الأهلي في سوريا يزداد
- الجالية الروسية بعمّان تحتفل بيوم العمال
- نائب وزير الخارجية التركي لبي بي سي: -حرب غير مسبوقة تُشنّ ض ...
- إقالة أم استقالة؟ مستشار الأمن القومي يغادر منصبه على وقع تس ...
- قاضٍ أمريكي يفرج عن الطالب الفلسطيني محسن مهداوي ويؤكد حقه ا ...
- سوريا: أنباء عن اتفاق بتسليم السلاح الثقيل ودخول الأمن إلى ا ...
- مركبة فضاء سوفيتية ضلت طريقها وتعود إلى الأرض بعد نصف قرن
- السودان.. الدعم السريع تقصف العاصمة وسط تحذيرات أممية
- مفوض أممي: الرعب في السودان لا حدود له
- سلطات رومانيا ترحل مراسل RT إلى تركيا


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - مظهر محمد صالح - الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .