أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس سيتي














المزيد.....

رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس سيتي


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 20:47
المحور: قضايا ثقافية
    


لم يكن دخولنا إلى مدينة كنساس سيتي، في أحد أيام الربيع الهادئة من الغرب الأوسط الأميركي قبل عقد ونيف، مجرد مرورٍ عابر. فقد كانت الزيارة إلى فرع البنك الاحتياطي الفيدرالي هناك جزءاً من رحلة استكشافية لفريق تصميم مشروع البنك المركزي العراقي الجديد، برفقة مهندسي شركة زها حديد، للوقوف على أحدث الطرازات المعمارية والتقنية في البنوك المركزية العالمية.

كنساس سيتي، المدينة الهادئة الصاخبة، حضارة في قلب الريف الأميركي، تمتد على حدود ولايتي ميزوري وكنساس. إنها قلب موسيقى الجاز، وعاصمة الباربيكيو، ومفخرة الغرب الأوسط. لكن خلف هذا الوجه الثقافي النابض، تستقر واحدة من أقوى المؤسسات النقدية: البنك الاحتياطي الفيدرالي في كنساس سيتي، المرموق في تصميمه، والعالي في أمانه، والمتطور إلى حد الذهول في أنظمته الرقمية.

دخلنا المبنى المشيّد عام 2008، والذي يُعد من بين أحدث مباني البنوك المركزية في العالم من حيث التقنية والأمان. ففي قاعة مجلس الإدارة، لفتني يومها الخشب اللامع على طاولة الاجتماع، والأثاث المذهل في صمته الهادئ. كان لقاؤنا مع الفريق الإداري والهندسي للبنك حافلاً، حيث عرضوا لنا كيف أصبحت العمليات النقدية مؤتمتة بالكامل، من العدّ إلى التحقق إلى التخزين، بواسطة الروبوتات الذكية.

كنا شهودًا على كيفية عدّ وفرز وتدقيق العملة الورقية بالدولار، ورأينا كيف يُكتشف القليل النادر من النقد المزيف، وكيف يُتعامل معه بهدوء تقني يشبه الجراحة، دون إثارة أو ضجيج…!

يُعد بنك كنساس سيتي أحد البنوك الـ12 في نظام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ذلك النظام الذي تأسس عام 1914. وهو يغطي “المنطقة العاشرة” التي تشمل سبع ولايات من قلب أميركا. وقد عُرف تاريخيًا بميله إلى السياسة النقدية المتشددة (Hawkish)، مؤيدًا لرفع أسعار الفائدة لضبط التضخم، خاصة في فترات الأزمات الأخيرة (2021–2023).

لكن الاحتياطي هناك ليس مجرد مؤسسة مالية، بل هو أيضًا مركز للتفكير، والبحث، والتخطيط، وإحدى المؤسسات القليلة التي ما تزال تؤمن بدور “العقل الاقتصادي المستقل” في عصر الضغوط السياسية والرقمية.

عدنا إلى فندقنا بعد يوم طويل ومثير، محمّلين بالمعرفة والانبهار. وبينما كنا نستريح في بهو الفندق، إذا بمجموعة من الرجال يدخلون بأزياء رُعاة البقر التقليدية: القبعات العريضة، الأحذية الجلدية، والسترات القطنية… كانت تلك لحظة “صدمة رُعاة البقر”.

تذكرت حينها كل التدابير الأمنية الصارمة في البنك الفيدرالي، من ميدان الرمي التدريبي تحت الأرض إلى تقنيات الحماية الرقمية. قلت في نفسي: “هل يعقل أن يكون هؤلاء قادمين من فيلم قديم؟ هل يحملون مسدساتهم معهم؟”

اقترب أحدهم، فرأيت أن جُعبة سلاحه لم تعد تحمل مسدس كولت، بل هاتفًا ذكيًا من أحدث الطرازات. نظرت حولي، فوجدت الجميع مثلهم: رجال كاوبوي يحملون هواتف، لا مسدسات!

ضحكتُ في سري، وقلت: “لقد تحولت هذه البلاد من كاوبوي صغير إلى كاوبوي كبير، وأصبحت التكنولوجيا الرقمية هي سلاحها الجديد. من الخيول إلى الأقمار الصناعية، ومن البارود إلى الذكاء الاصطناعي.”

إنه مشهد يُلخّص ببراعة دورة القوة في حياة الأمم الإمبريالية. ولا أدري لماذا تذكرت، وأنا أكتب هذه السردية، خاطرة للمفكر الكبير حسين العادلي، يقول فيها:

“تُنصَب المصائد للغُفَّل، وكل محاذِر ناج.”



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل بقي للحياة من طَعم؟
- في سنغافورة: الألماس خلف الزجاج، و الفقراء خلف الأمل
- مصافحة دبلوماسية ناعمة بلا عناء ولكن…؟
- لماذا يرتفع الدينار العراقي في السوق الموازي ؟.
- بين العقل والمال : رحلة في دهاليز التفكير الطبقي…!!
- بين انحناء العامل واستواء السوق:قراءة في وهم التكافؤ
- القمة العربية الاولى في الكويت : ذكريات حزينة برفقة الرئيس ا ...
- الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .
- كيمياء المالية العامة العراقية في مواجهة التحديات الخارجية ع ...
- الامبريالية المالية و الماركنتالية الجديدة تحت راية واحدة : ...
- نهاية الحرب الروسية الاوكرانية:القطبية الثنائية وتجارة الصدا ...
- صناعة القطبية الثنائية: روسيا والترامبية الجديدة
- الوزير روبيو ويوم الاربعاء في الذاكرة البغدادية.
- روسيا وايران والشرق الاوسط الجديد. وجهة نظر…!!
- الحرس الجديد لملء الفراغ السياسي الريعي التقليدي في البلاد.
- الترامبية الجديدة : امبريالية بلا تكاليف..!!
- مكان خلا من صورته: خاطرة في بنك هولندا المركزي.
- صعود القوة وهبوط الديمقراطية : اميركا في حوار بين الدبلوماسي ...
- حكيم الاستثمارت في الاسواق الرمزية : راي داليو ..!!
- نهايات حروب الشرق الاوسط بين كثافة الدولة -الامة وكثافة الاي ...


المزيد.....




- إيران تكشف اسم القائد الجديد لأركان الجيش بأمر من خامنئي بعد ...
- ترامب يوجه تحذيرا شديدا لإيران: يجب إبرام صفقة قبل أن يضيع ك ...
- مسرور بارزاني يتحدث لـ CNN عن تعزيز فرص الاستثمار في إقليم ك ...
- خامنئي يعيّن قائدا الحرس الثوري بعد اغتيال حسين سلامي
- تاريخ العلاقات بين إيران وإسرائيل من -السر المعلن- في زمن ال ...
- بعد سنوات من التهديد.. ما سر تحرك نتنياهو الآن ضد إيران؟
- تركيا ـ -ديانيت- تحتكر تفسير القرآن وتفرض -إسلاما تمليه الدو ...
- -درع- إسرائيل: كيف تعمل منظومة -القبة الحديدية-؟
- هجوم إسرائيل على إيران: ضربة موجعة لطموح -صانع السلام- ترامب ...
- الجيش الإسرائيلي: هاجمنا أكبر موقع لتخصيب اليورانيوم في إيرا ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس سيتي