أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل















المزيد.....

حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 04:52
المحور: قضايا ثقافية
    


قبل اقل من خمسة وعشرين عاماً كانت حيدر اباد مدينة الهند ألتي غفت على اكتظاظ ارصفتها بفقراء الامة الهندية ، كل يبحث عن حيز ليستلقي فيه نوماً من عناء حرمان يومه وجوع بطنه وبشكل منظم يسلب بهجتك في الحال، ولكنك تصحو على الرغم من ذلك بدهشة عمرانها وازدحام محال الذهب والماس فيها ومراكز ابحاثها الرقمية الهائلة .
فما بين الفقر المدقع والغنى الفاحش ترقد مقدمات التقدم العلمي حقا وانا اتقلب للمرة الاولى في حياتي بين خطابات التحليل الطبقي وحق الشعوب في النوم على مصابيح العدل وشمس حرياتها التي عجت بها خطب ( المنتدى الاجتماعي العالمي ) في تلك المدينة ، شاركت في ذلك التجمع ، الذي لم يعلو فيه فوق صيحات مفكري تيارات اليسار الهادرة اية مقولات في تطور تحليل التراكم التاريخي الاولي لراس المال ، يوم نهب الاستعمار البريطاني ثروات هائلة من اخشاب وذهب وجواهر تلك البلاد ، انه تجمع ساخن ضم تيارات اليسار من كولومبيا وكوبا في اميركا اللاتينية وباريس ولندن وافريقيا ومقاطع من بلدان ومعاهد واحزاب آسيا ، ولكن المدينة في الوقت نفسه تجدها منعزلة باردة عن مؤتمرها الاجتماعي العالمي .
فعند شروق الشمس على حيدر أباد وهي الأكثر عمراناً وتعاطياً وانسجاماً وتنسيقاً مع الطبيعة في تنظيم اشجارها وحدائقها وابنيتها الكلاسيكية والحديثة وشعارها clean and green ، تظهر من امامك متناقضات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية التي التقت على ارض حيدر اباد في صحوة زمنية فاصلة لمسالك من الافتراق والتلاقي
وعلى نحو لايصدق في مسارات الامم.
حدثني مضيفي الذي رافقني عن واحده من المراكز الرقمية الكبرى في الهند ليوضح لي انه يوم تغفو مقار الشركات الغربية في شمال العالم يتولى المركز الذي تشاهده من امامك ونحن في جنوب الارض ممن نسبقهم في الزمن اليومي بتحليل البيانات المالية وتدقيقها لشركات ومصالح شمال الارض عبر نسق تعاوني وفي عالم مبكر من اندماجات العولمة ، مفتخرا نحن الامة ربما الاولى تصديرا للخدمات الرقمية وغيرها … !! ولا يصدمك ايها القادم من حوض البحر المتوسط منظر ارصفة الفقر امام سعادة التقدم في شبه القارة الهندية ،فالحياة مازلت تعمل بقوة و بكفين من اللامساوة هنا ولكننا امة ناهضة ؟ قلت له ما هي جذور نهضتها؟ اجابني …من فوره..! انها مزيج ثقافي غني بسبب تعاقب الحضارات الإسلامية والهندية، ما جعلها مركزاً للتصوف،و الفن، والشعر الأوردوي، والعمارة الإسلامية..!!

انتهيت مساء من دعوة عشاء كبرى كانت من اطباق الطعام الهندي الساخن الذي لايرحم في غليان توابله وهو سيد المائدة بلامبالاة او منازع في حديقة قصر منيف ، وتسالت ماهي طبيعة هذا المكان الرائع بجمال عمرانه و ملامحه المعمارية الغريبة التي لم يهدرها الزمن … كان الجواب انها من منجزات الاسرة الحاكمة وقت ذاك التي تسمى اسرة (نظام الملك ) وهي الاسرة التي كانت تحكم حيدر آباد حتى نهايات حكمها في عملية عسكرية اطلق عليها بعملية بولو لكي يتم ضمها الى الهند عشية استقلالها في العام 1947 … ومات من هذه الاسرة من مات ، انها الاسرة التي اسست العمران والتقدم في حيدر اباد ، مدينة مناجم الماس والمعادن الثمينة ، ولكنها بالرغم من الغنى لم تستطع ان تلغي تفاصيل الفقر وتراكمه بشكل تاريخي.
هنا تذكرت المقبرة الملكية في بلادي
المجاورة لمدرستي ونهاية الملكية بعد عقد من نهاية امارة حيدر اباد في تطور زوال الملكيات الريعية في ظلال النفوذ البريطاني ؟؟؟ ، متسائلا هل توجد مقبرة ملكية تضم رفاة امراء حيدر اباد من البناة الذين شيدوا التقدم فيها منذ مطلع القرن العشرين يوم بادلوا الماس المنتج من مناجمها بالعمران الذي نشاهده الان ؟ اجابني مضيفي نعم ..! فتهيأت في اليوم التالي وتم تحضير ( التكتك) الذي ركبته للمرة الاولى في حياتي والذي لف بي ازقة حيدر اباد الضيقة وانتهيت ببيت شرقي شديد التواضع ، ذاك البيت الذي ضم في باحته الداخلية رفاة الاسرة الحاكمة ، حيث استقبلني شاب بهندام عصري يرتدي بدلة اوروبية جميلة وحذاء ابيض ورحب بي وعرف نفسه انه من بقايا الاسرة الحاكمة القديمة ، دخلت باحة المنزل التي ضمت القبور باطفالها ونسائها وأمرائها ممن توفى لمختلف الاسباب وكتبت شواهد بسيطة ، لا تتناسب ببساطتها مع تلك القصور والمباني الراقية الذي شرعوا في تشيدها في مطلع القرن الماضي و بتصاميم عصرية مطعمة بطابع العمارة التقليدية الهندية.
قلت في سري انها حيدر اباد قلب (الدكن) او جنوب القارة الهندية ، تتربع كجوهرة تتلألأ وسط غيوم الزمن الهندي وأمطاره ، مدينة تختصر تناقضات الملوك والفقراء، الترف والزهد، والسلطة التي انتهت على أعتاب القبور الشديدة البساطة .حيث تجد هناك
قصرها المنيف، قصر شومالا أو قصر شاو محل، الذي كان ذات يوم يضج بأصوات البلاط، بحوافر الخيول، وصدى الموسيقى الفارسية التي امتزجت بعبق التوابل الهندية، حين كان مقرَّ النِّظام – حاكم حيدر آباد – أغنى رجل في العالم حينها ، تُقدّر ثروته بآلاف الأطنان من الذهب والماس، وقد قيل إنه كان يملك قطاراً من الأحجار الكريمة يمكنه أن يطوّق المدينة بأكملها.
لكن العظمة التي تسكن القصر، لا تجد لها امتداداً في القبر المتواضع، حيث يرقد النظام الأخير مير عثمان علي خان، في ضريح بسيط، بلا قبة ذهبية، ولا رخام مزخرف، ولا حُجّاب يقفون على الأبواب . مجرد شاهد صغير يعلوه الغبار، يكتب نهاية رجلٍ حكم إمبراطورية بحجم قارة، وانتهى إلى حفنة تراب.
هكذا هي حيدر آباد، مدينة تتحدث بلغتين:
لغة القصور التي ارتفعت، ولغة القبور التي همست: ان كل ما في الأرض ومن عليها هي لي ، ولكن.. فان تركت قصراً للتاريخ فان نهاية العجب هي قبراً للدرس بلاشك ..!!
انتهت زيارتي للمقبرة المتواضعة بصمت ولم تنطق في تلك اللحظات سوى دمعتين الاولى لتواضع المقبرة الملكية و قبور الاسرة المالكة بعد ان غادروا قصورهم والثانية عندما تذكرت فقراء الليل الذين تكتض بهم ارصفة المدينة مساءً ليولوا هاربين من قسوة الفجر عند الصباح الباكر تاركين بعض الموتى والعاجزين الى قبور مماثلة لتستكمل دورة الحياة في حيدر اباد دون توقف .. بين الاعمار والتقدم والازدهار وتدفق الفقر بلا هوادة في عالم سيبقى لا يعرف العدالة.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الولايات المتحدة في الشرق الاوسط: حربٌ بلا حرب
- سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل
- سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة
- اطفال الآيس كريم في قاعة صندوق النقد الدولي: تربية ناعمة في ...
- رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس ...
- هل بقي للحياة من طَعم؟
- في سنغافورة: الألماس خلف الزجاج، و الفقراء خلف الأمل
- مصافحة دبلوماسية ناعمة بلا عناء ولكن…؟
- لماذا يرتفع الدينار العراقي في السوق الموازي ؟.
- بين العقل والمال : رحلة في دهاليز التفكير الطبقي…!!
- بين انحناء العامل واستواء السوق:قراءة في وهم التكافؤ
- القمة العربية الاولى في الكويت : ذكريات حزينة برفقة الرئيس ا ...
- الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .
- كيمياء المالية العامة العراقية في مواجهة التحديات الخارجية ع ...
- الامبريالية المالية و الماركنتالية الجديدة تحت راية واحدة : ...
- نهاية الحرب الروسية الاوكرانية:القطبية الثنائية وتجارة الصدا ...
- صناعة القطبية الثنائية: روسيا والترامبية الجديدة
- الوزير روبيو ويوم الاربعاء في الذاكرة البغدادية.
- روسيا وايران والشرق الاوسط الجديد. وجهة نظر…!!
- الحرس الجديد لملء الفراغ السياسي الريعي التقليدي في البلاد.


المزيد.....




- يوم -الجمعة 13-.. أضاعت ماسة خاتم خطوبتها في المطار ووجدتها ...
- بوتين يقول -أعتقد أن أوكرانيا كلها ملكنا- وكييف تتهمه بـ-ازد ...
- تفاصيل الاتفاق السوري التركي بشأن شمال حلب
- شاهد.. استقبال حاشد للنيجيري صادق بعد عودته إلى بلاده لقضاء ...
- 26 شهيدا بنيران الاحتلال في غزة والمعاناة الإنسانية تتفاقم
- الأمن السوري يعتقل وسيم الأسد في كمين
- سقطت الصخور فوق رؤوس المتنزهين.. فيديو يظهر لحظة انهيار جبلي ...
- انطلاق أسبوع الموضة الرجالي في ميلانو.. وهذه أبرز التوقعات
- تحليل جملة قالها ترامب عن سد النهضة وتأثيره على نهر النيل يش ...
- الأسد والشمس في واجهة حملة إسرائيل الرقمية ضد إيران


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل