أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل














المزيد.....

سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8378 - 2025 / 6 / 19 - 02:56
المحور: قضايا ثقافية
    


يا إلهي… ما أجمل هذه المدينة التي تتكئ بهدوء مهيب على ضفاف الفرات، مدينة تشكّل حاضرة الجنوب وروحه.
إنها الناصرية، القوة التاريخية الناعمة في بناء الحضارة الهيدروليكية لسومر وأور.

ففي خمسينات القرن الماضي، كانت هناك لمسات ظلّت حاضرة، تُوشّي المدينة بجمال خافت وسحر متجدّد ، انها مدينة تنام وتصحو على خرير المياه المتدفقة ، وتاريخ لا ينضب.

جلستُ على كورنيشها، في صيفٍ لم يفقد فيه الفرات شيئًا من هدوئه، ولا من غزارة أسماكه التي كانت تُرى وهي تخوض معارك صغيرة مع التيار، معه أو ضده، كأنها تشارك في سردية المدينة اليومية ، كان المنظر يمنح للحياة لذّة لا تتكرّر ، لذّة تربطك بجذر لا يفنى ، و بحاضر يشرب من نبع التاريخ.

زرتُ سوق المدينة، فإذا به مشهد آخر من الدهشة !!انها سلاسل من الأسماك الصغيرة، جرى اصطيادها وتجفيفها وتقديدها بملح الارض ، تُعرض على مئات الحبال في مشهد تعبق فيه رائحة الفرات ، وهو يتحوّل من نهرٍ إلى طعام .. إلى هوية.

تلك الأسماك الصغيرة، التي لا تتعدى بضعة سنتيمترات، كانت تختزن في ذاكرتها طقوسًا طويلة من العشق الشعبي ، والطلب عليها كان مدهشًا، كما لو أنها وجبة مقدّسة في ذاكرة أهل المدينة.
سألتُ عمي، وقد كنتُ زائرًا غريبًا: “كيف يُؤكل هذا النوع من السمك؟”
تبسّم وقال: “هناك طقوس لا تقلّ قداسة عن إعدادها ، إنها وجبة تتوسّط صحون الرز العنبر كسلطان حقيقي.”
ثم همس مبتسمًا: “انتظر ، الى حين تناول وجبة من الزوري المقدد… وستعرف لماذا لا يزال هذا السمك يحسم الجدل، من جيل إلى جيل، بذوق سومري الأصل، عربيّ المذاق، لا ينقطع.”

شاءت العقود والأيام أن أكون، بعد سنوات، في سوق شعبي بمدينة أوتاوا الكندية، في شتاء عاصف تساقطت فيه الثلوج من كل جانب. وفجأة، ها هو السمك المقدد نفسه يُعرض، لكن بأحجام كبيرة، معلّقة على رفوف من الخشب والمعدن ، كأنها إرث غذائي لأبناء المهاجرين من سكان البلاد الأصليين.

أثارني المشهد، وسألت الباعة عن طريقة إعداده؟قالوا إنها عادة قديمة ورثوها عن أجدادهم، الذين كانوا يجهّزون السمك المجفف قبل مواسم الشتاء القاسية حين تنعدم وفرة الطعام.
واليوم، أصبح تناوله طقسًا من الترف، واحتفاءً بذاكرة البلاد.

جمعتُ أفكاري، وبدأت أقارن بين السمك المقدد في سوق الناصرية، والسمك المجفف في سوق أوتاوا، فتراءى لي أن منطق الحضارات وبناء الحياة، قد تم اصطياده ذات يوم بسنارة واحدة.

وفي ربيع هادئ، وقد بلغت من العمر عتيًّا، أخذتني أقدامي إلى ضفاف البحر المتوسط في بيروت ، قررت يومها أن أُشبع جوعي في مطعم قديم يحمل اسم “شاطئ البحر”.
سألت عن وجبة سمك، فأجابني النادل: “لدينا أسماك تُدعى سلطان إبراهيم، اختر ما شئت منها، وسنُعدّها لك في الحال.”
جلستُ أنتظر، فيما ذهني يسبح بين الفرات، ونهر أوتاوا، وبحيرات كندا، وحوض المتوسط. وبعد دقائق، جاءني الطبق ، كانت الوجبة من الزوري المقلي، لكن بأحجام أكبر، وشكل أدهشني، وطعم لا يُنسى.
حينها، أدركت تمامًا أن رغبات الشعوب مهما اختلفت في إعداد السمك وطبخه ، فإن “الزوري السومري المقدد” سيبقى ملك الأسماك في حوض الرافدين حتى وإن تبدّل اسمه إلى “سلطان إبراهيم” أو تعلّق في أسواق أوتاوا او بيروت وبأحجام وسِعات أكبر ،
فالطعم واحد… والحكاية واحدة لا تنقطع.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة
- اطفال الآيس كريم في قاعة صندوق النقد الدولي: تربية ناعمة في ...
- رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس ...
- هل بقي للحياة من طَعم؟
- في سنغافورة: الألماس خلف الزجاج، و الفقراء خلف الأمل
- مصافحة دبلوماسية ناعمة بلا عناء ولكن…؟
- لماذا يرتفع الدينار العراقي في السوق الموازي ؟.
- بين العقل والمال : رحلة في دهاليز التفكير الطبقي…!!
- بين انحناء العامل واستواء السوق:قراءة في وهم التكافؤ
- القمة العربية الاولى في الكويت : ذكريات حزينة برفقة الرئيس ا ...
- الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .
- كيمياء المالية العامة العراقية في مواجهة التحديات الخارجية ع ...
- الامبريالية المالية و الماركنتالية الجديدة تحت راية واحدة : ...
- نهاية الحرب الروسية الاوكرانية:القطبية الثنائية وتجارة الصدا ...
- صناعة القطبية الثنائية: روسيا والترامبية الجديدة
- الوزير روبيو ويوم الاربعاء في الذاكرة البغدادية.
- روسيا وايران والشرق الاوسط الجديد. وجهة نظر…!!
- الحرس الجديد لملء الفراغ السياسي الريعي التقليدي في البلاد.
- الترامبية الجديدة : امبريالية بلا تكاليف..!!
- مكان خلا من صورته: خاطرة في بنك هولندا المركزي.


المزيد.....




- كيف انتقلت من كونك قائدًا معارضًا لجزء من حكومة سوريا؟ الشيب ...
- مصر.. جدل بسبب طماطم -القلب الأبيض- والحكومة تقدم تفسيرًا عل ...
- غموض فوق المتوسط.. تقارير عن مسيّرات تركية تراقب -أسطول الصم ...
- لقاء ترامب - نتانياهو: ما مدى جدية خطة إنهاء حرب غزة هذه الم ...
- عاجل: قتيل وعدة إصابات بإطلاق نار وحريق داخل كنيسة في ولاية ...
- ترامب يلمح إلى -شيء لافت- في محادثات غزة وعاهل الأردن يتحدث ...
- وسط توتر مع الأطلسي ...روسيا تهاجم أوكرانيا بمئات المسيرات و ...
- شاهد.. قوة قسامية تقتحم موقعا عسكريا إسرائيليا بخان يونس
- رمضان 2026.. الدراما السورية تتحضر بخلطة من الإثارة والتراث ...
- نجاحها مذهل.. هل تهدد منصة -سبستاك- وسائل الإعلام التقليدية؟ ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل