مظهر محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 00:12
المحور:
حقوق الانسان
يبقى الرهان على فعل الخير في زمن اللايقين، مغامرة لا يخوضها إلا من اختار أن يعيش بقلبه قبل حساباته. ففي أحد مفاصل حياتي، وجدت نفسي أمام رهان لا يقل خطورة عن القفز في المجهول ..أن أسدد دَين أسرة فقيرة من دخلٍ لا أضمن استمراره.
كان القرار إنسانيًا في ظاهره، نبيلًا في جوهره، لكنه محفوف بمخاوف تلتف على الروح كالأفعى.
ماذا لو انقطع الدخل غدًا؟ ماذا لو تحول دفء هذا العطاء إلى برودة تشرد لتلك الأسرة؟
وماذا لو صارت سعادتي المؤقتة عبئًا أخلاقيًا لا يُحتمل؟
كان الفقر يلتفّ حول يقيني، كما يلتف الغيم حول شمعة في العتمة، أما ضميري فكان يتقلب على جمر الأسئلة، لا يستقر على يقين، ولا يجد مخرجًا إلا في الصمت.
إن أخطر ما في الرهان الأخلاقي أنه لا يقوم على منطق الربح والخسارة، بل على الإيمان بأن الخير وإن كان محفوفًا بالخطر، يظل أكرم من السلامة المبنية على التردد.
العطاء في مثل هذه اللحظات لا يُقاس بمقداره، بل بجرأته.
فهو امتحان للنية في مواجهة هشاشة الواقع، وهو قرار بأن نستمر في أن نكون بشرًا، رغم كل ما يدفعنا إلى عكس ذلك.
إن أعظم صور العذاب ليست في العوز، بل في أن ترى طريق الخير وتخشى أن تسلكه، لا لأنك تفتقر إلى الرحمة، بل لأنك تفتقر إلى الضمان.
وهنا، فقط، يصبح الضمير ميدانًا لصراع وجودي:
أيهما أثقل؟ وجع الضمير الصامت، أم وجع الخوف من المجهول؟
لقد أدركت لاحقًا أن العطاء لا يخضع لحسابات السوق، ولا يلتزم بتقلبات الرزق.
إنه فعل حر، يعلو على الظروف، ويتجذّر في القلب لا في الجيب.
وفي النهاية، لم يخسر أحد.
بقي الخير، وبقي اليقين، ولو على حد السكين.
وختامًا، أدهشني ما كتبه المفكر السياسي الكبير حسين العادلي في خاطرة بعنوان “الرَّهن”، حيث يقول:
• يخسَر الشَّريف (السِّباق)، إن كانَ (الرِّهَان) على الوَضَاعَة.
• (أَخَسُّ) رِهَان أن ترهَنَ ما ليسَ لَك، و(أَبْشَعُ) رِهَان أن ترهَنَ ما أؤتُمِنتَ عَليه.
• مَن يَرهَن (كلِمتَه) يُراهِن على شَرفِه، إنَْما المَرءُ كَلمَة.
• (المُرَاهِن) على اللَّحظة الأخيرة، يفقد جميع اللَّحظات.
• الأمَانة (رَهن) المسؤوليّة، ورهينَة المسؤوليّة الذِّمَّة.
• في (السِّياسَة) لا تُراهِن على ثلاث: الأيديولوجية، الشِّعار، والخَندق!!
• القَائِد الذي يُرَاهِن على (الصّدفة)، كالمُرَاهِن على جميع خِيول السِّباق!!
• (السِّياسيّ) الذي لا يَرهَن ضَمِيره للشَّعب (يَخون)، والحَاكِم الذي لا يَرهَن ذِمَّته للدَّولة (يطغَى)…
إنها تأملات ترسم خطوط الرهان الحقيقي… لا على الأشياء، بل على القيم …في ازمنة نعيش مراراتها في عالم الشرق الذي تتقاذفه الهموم والأحزان ومجاهيل الحياة.
#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟