أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - الحي 798: ركيزة العاصمة بكين في الاقتصاد البنفسجي















المزيد.....

الحي 798: ركيزة العاصمة بكين في الاقتصاد البنفسجي


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 01:21
المحور: قضايا ثقافية
    


حتى وإن لم تكن من هواة الفنون التشكيلية وسواها، فإن التجوال في عوالم العاصمة الصينية بكين لا بد أن يوقظ شهيتك الفطرية لاستكشاف أسرار الفن الصيني وتقلباته عبر تاريخ هذه الأمة العريقة.
وبين رغبة صادقة دفعتني لاكتشاف هذا الحي الفني القديم، بأبنيته الصناعية العتيقة وشوارعه المنظمة، سألتُ مضيفي:
“ما الذي يعنيه هذا المكان بالنسبة لي؟”
فأنا قادم من عالم يبحث في الجفاف الفكري، عالم الاقتصاد، وقد أفنيتُ فيه مسيرتي العلمية، بعيدًا عن رومانسيات الحياة وبهاء الفن.
ابتسم ذلك الشاب الصيني، الذكي المُلهم، وقال:
“ألم تسمع بالاقتصاد البنفسجي؟”
قلت: “نعم، سمعتُ به.”
فقال:
“هذا الحي، المعروف بـ 798 Art Zone، أو حي داشانزي الفني (Dashanzi Art District)، هو أحد رموز الاقتصاد البنفسجي في بلادنا. فمنذ أن غادرنا مرحلة الثورة الثقافية في ستينيات القرن الماضي، ذلك الزمن الذي طغى فيه التصحر الثقافي ووحدانية الفكر، بدأنا نلج عالماً بنفسجياً جديداً، يجمع بين الاقتصاد، والثقافة، والفن.”
وأضاف:
“هذا الحي الذي نخطو فيه اليوم كان موطنًا لورش ومصانع عسكرية، تم نقلها لاحقاً إلى مناطق صناعية حديثة تُجسد ملامح الثورة الصناعية الثالثة والرابعة. أما هذه الأبنية القديمة، فقد تحوّلت إلى منتجع فني وثقافي نابض بالحياة، يرتاده الملايين من الزوار، ويعج بمحبي الفنون من شتى بقاع الأرض ، يأتون ليتذوقوا عبق الماضي الصيني، ويتلمّسوا ضربات ريشات الحاضر، في لوحاتٍ تجسد ثورة الفنون التشكيلية الصينية.”
في تلك اللحظة، قلت في سري:
لقد أخذني هذا الشاب إلى قلب الاقتصاد البنفسجي… ذلك الفرع الناشئ من علم الاقتصاد، الذي يُحوّل الثقافة والفن إلى أدوات للتنمية، ويمنح للجمال قيمةً إنتاجية واقتصادية ، وعلى النحو
الذي ادخلنا في نقاش عميق حول مفهوم الاقتصاد البنفسجي (Purple Economics)، بوصفه بُعدًا رابعًا في التنمية المستدامة، يضاف إلى الأبعاد التقليدية الثلاثة: الاقتصادي، الاجتماعي، والبيئي.
فالاقتصاد البنفسجي يثمّن التنوع الثقافي، ويعزز الهوية والإبداع، ويمنح الجمال والمعنى قيمة مضافة داخل السلع والخدمات.
إنه علم لا يكتفي بمنطق الإنتاج والاستهلاك، بل يُعيد الاعتبار للجماليات، وللبُعد الرمزي، وللثقافة كعنصر مركزي في بناء اقتصاد إنساني.
لذا فان الاقتصاد البنفسجي هو تيار اقتصادي جديد يسعى إلى دمج الثقافة والهوية والبعد الإنساني في كل مجالات الاقتصاد (الصناعة، الخدمات، السياسات العامة وغيرها) ويهدف إلى جعل التنمية أكثر شمولًا وارتباطًا بالإنسان والمكان، بحيث لا تكون اقتصادية بحتة ولا ثقافية بحتة، بل هجيناً يخدم الرفاهية المستدامة.
وتذكرنا سوية إسهامات مُنظر الاقتصاد البنفسجي الأول إليزا بيليغريني (Elisa Pellegrini)، وهي خبيرة اقتصادية إيطالية، ويُنسب إليها مع زملائها في “المعهد الأوروبي للاقتصاد البنفسجي” (Institut de l’économie pour une culture de la paix) صياغة المفهوم بشكل أكاديمي منذ أوائل الألفية الثالثة.
ثم عاد مضيفي ليؤكد أن كل نشاط اقتصادي يحمل بُعداً ثقافياً، وأن كل منتج يُمكن أن يروي قصة، أو يحمل رمزية، أو يتضمن قيمة جمالية.
وقد أصبحت الصناعات الإبداعية — من فنون وسينما وموسيقى وحرف — محركات حقيقية للتنمية، تسهم في خلق فرص العمل، وتعزيز الابتكار، وتراكم رأس المال البشري.
بل إن الاقتصاد البنفسجي يوفّر ما أسماه بـ “ندرة الجمال”، حيث يصبح الذوق والإبداع عناصر إنتاج ذات قيمة اقتصادية، لا مجرد ترف أو كماليات. كما أنه يواجه خطر تجانس السوق (standardization)، ويعزز الهويات الثقافية والمحلية في مواجهة العولمة المسطحة.
إنه علمٌ عظيم، تحوّلت بفضله مدنٌ تاريخية مثل فلورنسا، وفاس، وكيوتو إلى مراكز عالمية للنمو الثقافي–الاقتصادي.
وهنا، تذكرت شارع المتنبي في بغداد، وكيف أصبح رمزية معاصرة للاقتصاد البنفسجي في بلادنا، حيث تلتقي الثقافة، والحياة اليومية، والاقتصاد الإبداعي.
واللون البنفسجي ذاته، كما قلت لمضيفي، لم يأتِ من فراغ؛ إنه تعبير لوني يحمل رمزية الإبداع، والهوية، والتنوع، والمعنى.
دخلنا عمق الحي 798، وفاجأني تمثال برونزي اللون مرتفع للرئيس الصيني الراحل ماو تسي تونغ… ولكن بدون رأس! لم أعرف السبب حتى اللحظة ، الاحتفاظ بتمثال بدون رأس ، لكن الرمزية الفنية كانت صارخة في هذا المكان.
وبينما كنت أستغرق في تأمل التمثال، مرّ أمامنا موكب زفاف صيني جميل: اذ تزين العروسان، ببدلتي الزفاف، يقود كلٌّ منهما دراجة نارية، من الصناعة الصينية، في مشهدٍ ساحر يُجسد البساطة والفرح، كما لو كان لوحة من الحياة اليومية داخل معرض فني.
واصلنا التجوال بين المعارض التشكيلية ومنتجات الحرف اليدوية، وتوقفت طويلاً عند أعمال عظيمة، تُجسد هموم الثورة الثقافية البروليتارية العظمى
في العام 1966 ، وهي واحدة من اكثر الفصول اضطرابا في تاريخ الصين الحديث ومآسيها. ومن أغرب ما رأيت، لوحة تجسد ثلاث نساء من بنات الهوى، وقد أُجبرن على ارتداء بدلة العمل “الماوية” اثناء الثورة الثقافية البروليتارية كدلالة على أعمال السخرة التي اجتاحت الصين في حقبة القمع الثقافي.
ضحكنا، أنا ومضيفي، من رمزية هذا المشهد الساخر، الذي يجسد التمرد الخفي على ماضٍ صعب ، مثله وضع ((احمر)) الشفاه بشكل مفرط او مبالغ به جدا …!!!، وهو تعبير رمزي بائس لقسرية النظام الذي سبق لحظة تحوله الكبرى بعد العام 1976 ، حينما دخلت الصين عهد الإصلاح الاقتصادي، وبدأت تطبيق نموذج “نظام سياسي واحد باقتصادين”: أحدهما السوق الحر، والآخر اجتماع ، وشعارها المسار السلمي نحو التنمية…!
يومها غادرت الصين حقبة عمل السخرة، نحو زمنٍ جديد يُكافئ العمل المنتج ، ويثمّن الإبداع، ويرفع من قيمة الإنسان.
تلك هي الصين اليوم، التي ارتقت بشعبها وفكرها إلى مصافّ الدول العظمى، وتحولت من اقتصاد منغلق إلى اقتصاد الإبداع والثقافة، متحررة من قيود الدولة الشمولية وظلم الدولة المركزية، إلى دولة اجتماعية عادلة ،قائمة في بنية لايتقاطع اقتصادها البنفسجي مع فلسفة (الفينك شوي -feng shui) التي يستخدمها الشعب الصيني بمعتقداته في تقرير واعتماد الطاقة الإيجابية عند العمل واختيار بيئة المكان وغيرها
((اي من خلال بلوغ ثلاثية قوية في الحفاظ على الاهداف الانسانية بغية الوصول الى : الخير او الثروة و الصحة واخيراً الحظ السعيد ))
الا ان النظام القانوني (الذي يخضع اليه الشعب الصيني في تلك البلاد والذي يُعد الاساس المتين في توفير مقومات العمل والعدالة لمسارات بشرية جمعية متماسكة وقوية ) يقوم في مبادئه على اولوية ثلاثية أُخرى تختلف عن فلسفةً الفنك شوي وقوامها : - اولوية النظام على الحرية.
‏‎- اولوية الواجب على الحق.
‏‎- اولوية مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد.

ختاماً، في ظل إقتصاد يوفر الحرية والعدالة والكرامة و الثقافة ، فان اللون بنفسجي جاء اختياره من تقاطع اللونين الاحمر والازرق ، فالأحمر هو لون الاقتصاد والإنتاج ، والأزرق هو لون الثقافة والفكر والروح. وحاصل جمعهما ،
يرمز إلى الاقتصاد ذي الطابع الثقافي أو الاقتصاد الذي فيه تحترم الهوية ويمنح المعنى للعمل والمنتَج حتى وان ظل جانبا ً من اقتصاده يتقلب في (رايات حمراء) وليس كلها بنفسجية بالضرورة .



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وضعت الحرب أوزارها على سجادةٍ إيرانيةٍ شديدةِ التوهج : سردية ...
- شلالات فكتوريا… ليس هديرها استعمارًا، بل إفريقياً سردية ثقاف ...
- حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل
- الولايات المتحدة في الشرق الاوسط: حربٌ بلا حرب
- سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل
- سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة
- اطفال الآيس كريم في قاعة صندوق النقد الدولي: تربية ناعمة في ...
- رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس ...
- هل بقي للحياة من طَعم؟
- في سنغافورة: الألماس خلف الزجاج، و الفقراء خلف الأمل
- مصافحة دبلوماسية ناعمة بلا عناء ولكن…؟
- لماذا يرتفع الدينار العراقي في السوق الموازي ؟.
- بين العقل والمال : رحلة في دهاليز التفكير الطبقي…!!
- بين انحناء العامل واستواء السوق:قراءة في وهم التكافؤ
- القمة العربية الاولى في الكويت : ذكريات حزينة برفقة الرئيس ا ...
- الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .
- كيمياء المالية العامة العراقية في مواجهة التحديات الخارجية ع ...
- الامبريالية المالية و الماركنتالية الجديدة تحت راية واحدة : ...
- نهاية الحرب الروسية الاوكرانية:القطبية الثنائية وتجارة الصدا ...
- صناعة القطبية الثنائية: روسيا والترامبية الجديدة


المزيد.....




- كعبٌ عالٍ وسقوطٌ مدوٍّ... حين تعثّرت نعومي كامبل ونهضت نجمة ...
- مدير IAEA: أجهزة الطرد المركزي بمنشأة فوردو النووية بإيران - ...
- مصور وناشط فلسطيني وثق الحرب بغزة في جولة أمريكية لجمع التبر ...
- قمة الناتو: إسبانيا تتحدى ترامب... تساؤلات: هل يظهر خامنئي ف ...
- السعودية..جدل بعد منع -البقالات- من بيع التبغ واللحوم
- تحطمت أسطورة إيران التي لا تقهر.. ما عليك معرفته الآن عمّا ق ...
- غزة: قتلى وجرحى في قصف على مدرسة وسموتريتش يهدد: إما وقف الم ...
- وصفه بالبطل.. ترامب يدعو لإلغاء محاكمة نتنياهو بتهم الفساد
- محللون والحرب الصهيونية الأمريكية على إيران
- تصريح صحفي صادر عن اللجنة التحضيرية للجبهة الوطنية الشعبية


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - الحي 798: ركيزة العاصمة بكين في الاقتصاد البنفسجي