أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - في بلد نفطي : أمة تغفو… وسحلية تستيقظ














المزيد.....

في بلد نفطي : أمة تغفو… وسحلية تستيقظ


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 19:02
المحور: قضايا ثقافية
    


غادرت المطار متجهًا إلى قلب العاصمة القديمة، المدينة التي كانت يومًا ما مركز القرار في هذا البلد الإفريقي الكبير، والمطلة على خليج غينيا الاستوائي، حيث تتزاحم الطبيعة بجمالها الساحر: غابات كثيفة، وسماء رطبة، وأرض مشبعة بالحياة.
لكن هذا السحر لا يلبث أن يخبو أمام وطأة الرطوبة العالية، وتحذيرات لا تنتهي من تفشي السرقة… أو حتى من زاحف مسالم، يشبه التمساح لكنه أصغر حجمًا، يتسلل بين الأقدام بكثافة غريبة، ويُدعى ببساطة: “نام”.

لم يكن “نام” مجرد اسمٍ لسحلية، بل تحوّل فورًا إلى رمزٍ محمّل بالدلالات ، فمنذ لحظة وصولي إلى باحة المطار، لاحظت أن غالبية من في المكان — في الحافلات، الأرصفة، صالات الانتظار — كانوا في غفوة جماعية ،حتى السائقون، والمسافرون، والعاملون… بدا كأن النوم اجتاح المدينة دون سابق إنذار.
سألت مرافقي الشاب الداكن السمرة عن ذلك الحيوان الابيض الصغير الذي يتجول بين الأرجل بلا خوف، فقال مبتسمًا: “اسمه نام”.
اختلطت عليّ الصورة: شعب نائم، وسحلية يقظة… تحمل الاسم ذاته لفعل النوم.
قلت له مازحًا: ومن هو اليقظ في هذه المدينة العظيمة؟
فأجابني، بنبرة نصفها سخرية ونصفها أسى:
“السُرّاق وحدهم لا ينامون هنا… فهم على درجة من الابتكار في الحيلة لم يعرفها تاريخ القارة الإفريقية.”
يا لها من مفارقة..مدينة مكتظة بالبشر، لكنها تغفو بعمق ،وحدهم اللصوص وسحليات “نام” يتحركون بيقظة حادة، وحضور دائم.
في اليوم التالي، وقبل أن أنهض من نومي في الفندق، رغبت في مشاهدة خضرة إفريقيا عبر نافذة غرفتي. وما إن فتحت الستارة حتى فوجئت بسحلية “نام” ملتصقة بزجاج النافذة، تتأملني بعينين جامدتين.
أغلقت الستارة فورًا، وجلست أتأمل رمزية المشهد:
كائن يقظ، يراقب إنسانًا نائمًا.
في طريقي إلى وزارة المالية التي ترقد في نصف غابة خضراء ، ولكن لابد من ان اسلك شوارع تتزاحم فيها سحليات “نام” كما لو كانت كلابًا حارسة ، ولكن دون نباح. اقتربت من المبنى، فوجدت السائقين داخل سياراتهم وقد أخذهم النوم عن العالم، وكأنهم في سبات جماعي رسمي.
أما داخل تلك الوزارة الافريقية الشامخة ، فكان الوضع مشابهاً؛ معظم الموظفين في غفوة صامتة، عدا قلة ربما كانت يقظتها من النوع الحذر… أو المرتبط بالمال.
عدت من الاجتماع وأنا أطرح على نفسي سؤالاً يتكرر:
لماذا يغفو هذا الشعب خارج وقت النوم، ويترك اليقظة لسحلية؟
سألت أحد الحاضرين — وقد قدّم نفسه على أنه اقتصادي متخرج من جامعة بريطانية — عن هذا المشهد المتكرر، فأجابني بهدوء التكنوقراط :
“النوم هنا لم يعد مجرد راحة، بل انسحاب سلبي من الواقع..!!
ضغط الحياة، البطالة، الفقر، الحرارة الخانقة، انقطاع الكهرباء، الضوضاء، والبعوض… كلها تدفع الناس إلى النوم، لا للراحة، بل للهروب.”
ثم أردف:
“أعمالهم موسمية أو متقطعة. لا دوام ثابت، ولا طلب دائم على خدماتهم. فينتظرون، ويغفون… في انتظار الفرصة التي قد لا تأتي.”
فقلت له:
“في هذا البلد النفطي ، يبدو أن هناك إيقاعًا مرنًا بين النوم والعمل… بين اليقظة والسرقة… بين البشر والسحالي “نام”… ابتسم الرجل بصمت اسمر …!!
إنها حياة يصعب فهمها… في بلد شديد التنوع والانقسام، لكن تجمعه مفارقة واحدة: أن الكائن الوحيد المتأهب، المتحرك، المتربص… هو هذا الزاحف الصغير… “نام”.
هكذا بدت لي تلك البلاد النفطية التي ظننتها ستغدو نموذجًا للتنمية واليقظة، فإذا بها تنام، لا على وسادة من حرير، بل على هشيم الإهمال وتراكم الفقر.
فيها لا تصحو إلا الغرائز… سحلية ترقبك دون أن تغمض جفنًا، ولصّ لا يرتاح إلا حين يقتنص شيئًا من تعب الناس أو غفلتهم.
غادرت العاصمة في القارة السوداء وفي خاطري سؤال مؤلم:
هل يمكن أن تكون “اليقظة” في عالمنا العربي والإفريقي مجرد امتياز للكائنات الصامتة، بينما يرزح الإنسان تحت قيد “النوم الوجودي”؟
وفي ذهني ظل يرنّ صوت الجواهري الجريح:
نامي جياعَ الشعبِ نامي
حرّستكِ آلهةُ الطعامِ
نامي فإن لم تشبعي
من يقظةٍ… فمِنَ المنامِ!



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجغرافيا السياسية تحسم الانتصار: من حروب الأرض إلى معركة ال ...
- حوار الطالب وعامل النظافة : كرامة تلامس البحر
- الحي 798: ركيزة العاصمة بكين في الاقتصاد البنفسجي
- وضعت الحرب أوزارها على سجادةٍ إيرانيةٍ شديدةِ التوهج : سردية ...
- شلالات فكتوريا… ليس هديرها استعمارًا، بل إفريقياً سردية ثقاف ...
- حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل
- الولايات المتحدة في الشرق الاوسط: حربٌ بلا حرب
- سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل
- سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة
- اطفال الآيس كريم في قاعة صندوق النقد الدولي: تربية ناعمة في ...
- رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس ...
- هل بقي للحياة من طَعم؟
- في سنغافورة: الألماس خلف الزجاج، و الفقراء خلف الأمل
- مصافحة دبلوماسية ناعمة بلا عناء ولكن…؟
- لماذا يرتفع الدينار العراقي في السوق الموازي ؟.
- بين العقل والمال : رحلة في دهاليز التفكير الطبقي…!!
- بين انحناء العامل واستواء السوق:قراءة في وهم التكافؤ
- القمة العربية الاولى في الكويت : ذكريات حزينة برفقة الرئيس ا ...
- الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .
- كيمياء المالية العامة العراقية في مواجهة التحديات الخارجية ع ...


المزيد.....




- حرب أوكرانيا.. لماذا وضعت -مهلة الـ50 يوما- -صقور روسيا- من ...
- ما هي صواريخ “باتريوت” التي تحتاجها أوكرانيا بشدة لصد الهجما ...
- إسرائيل تعد بوقف الهجمات على الجيش السوري جنوبي البلاد
- مهلة -نهائية- لإيران لإبرام اتفاق نووي.. وتلويح بـ-سناب باك- ...
- إسرائيل تنشئ نقاطا جديدة وتُمهّد لبقاء طويل في غزة
- إسرائيل تفتح تحقيقا في عبور عشرات الدروز الحدود إلى سوريا
- ترامب: شحن الأسلحة إلى أوكرانيا -بدأ بالفعل-
- الطيران الإسرائيلي يستهدف مواقع بالسويداء.. وسقوط قتلى وجرحى ...
- رغم فوضى -إكس- و-غروك-.. ماسك يفوز بعقد قيمته 200 مليون
- -رجال الكرامة-: مقتل وإصابة 50 من عناصرنا في أحداث السويداء ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - في بلد نفطي : أمة تغفو… وسحلية تستيقظ