أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مظهر محمد صالح - ما بين مطرقة الحياة وسندان الغربة: عواطف تحت الثلج














المزيد.....

ما بين مطرقة الحياة وسندان الغربة: عواطف تحت الثلج


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 01:11
المحور: سيرة ذاتية
    


عندما تضيق بك سُبل الحياة وأنت في غربة الدراسة، يغدو كل شيء قابلاً للتصدّع ، تتداخل مصاعب المعيشة مع قسوة الدروس الجامعية التي لا ترحم، وتتزاحم المتطلبات في وجه مدخول شهري لا يكفي سوى لأيام معدودة ، ومعي ثلاثة أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم رافقوني في رحلة التحصيل العلمي. قال لي كثيرون: اطلب المساعدات الاجتماعية لأطفالك، فالمبالغ التي قد تحصل عليها توازي مدخولك الشهري، وربما تنقذك من عناء الحاجة.

كنت بين نارين: نار الطموح العلمي، ونار الخوف من أن تجوع عائلتي. فذهبتُ إلى دائرة الإرشاد الطلابي في تلك الجامعة الكندية، حيث بدا الدفء الإنساني غائبًا، والتعامل أقرب إلى الجفاف المؤسسي.
وجدّت هناك رجلًا ستينيًّا طيب، يشبه أهل القرى في وداعته، فشدّني أمل باهت لم ألمسه منذ زمن. نظر إليّ وابتسم وقال لي بعد حوار الغرباء:

“أيها الرجل، إن دفعتَ ضريبة على دخلك، فبإمكانك حينها الحصول على شهادة تؤهّلك لتقديم طلب إعانات الأطفال.”

في خضم هذا الأمل الرمادي، وصلتني رسالة من المصرف الذي أودعتُ فيه آخر ما أملك لزمن الحاجة — مبلغًا لا يتجاوز ألفي دولار. وكانت الرسالة تُعلمني أن فائدة سنوية زهيدة، لا تزيد على مئة دولار، قد أُضيفت إلى حسابي، لكنها خضعت لضريبة الدخل!

شعرت بلحظة فرح خادعة. قلت في نفسي: ها أنا من دافعي الضرائب الآن، مواطن مسجَّل في عالمٍ لا يعرفني. ظننتُ أنني أصبحت مؤهلاً للحصول على إعانة لأطفالي الثلاثة، ولو لتأمين طعام كريم، ما دامت الملابس تُؤمَّن من منافذ بيع “المستعمل” التي يتخلّى فيها الميسورون عن فائضهم للفقراء.

وفي صباح اليوم التالي، توجهتُ متفائلًا إلى دائرة الضرائب ، دخلتُ مبنًى رماديًّا كئيبًا، وأحسست أن البوابة الدوّارة التي واجهتني هناك لم تُصنع إلا لاختبار قوة الإرادة.
وبعد انتظارٍ ثقيل، وصلت إلى شباك تجلس خلفه سيدة أربعينية، تنظر في الوجوه كما تنظر في ملفات بلا عواطف. شرحتُ لها وضعي، وقدّمتُ رسالة المصرف التي تُثبت أنني دفعت ضريبة دخل، وقلت بثقة:

“أعتقد أنني الآن أضع قدمي على عتبة إعانات الأطفال.”

ابتسمت ببرود وقالت:

“ارفع موطئ قدمك هذا من هنا! نحن لا نعترف إلا بالدخل الناتج عن العمل. ادخل سوق العمل، تعرّق، اجتهد، ثم تعال نتحدث. أما أرباح الوديعة المصرفية، فهي لا تُقاس بميزاننا.”

ثم رمت الورقة نحوي وقالت:

“انصرف إلى غربتك.”

خرجتُ بخيبة أمل ثقيلة، وكأن نافذة الحياة قد أُغلقت نصفها في وجهي.

كان درسًا قاسيًا، لكنه لا يُنسى: بين مطرقة الحياة وسندان الدراسة، هناك دائمًا من يدفع الثمن بصمت… من دون حق، ولا اعتراف، ولا حتى ابتسامة دافئة من موظفة الضرائب!



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تماثيل بوذا إلى رايات هتلر: الصليب المعكوف بين النور والظ ...
- كربلاء: فلسفة التضحية ومنهج الإصلاح في مواجهة الاستبداد
- في تظافر العلوم… تنهض الأمم
- سيدة الجنوب الاولى ومحراب الحسين: دموع لا تموت…!
- في بلد نفطي : أمة تغفو… وسحلية تستيقظ
- الجغرافيا السياسية تحسم الانتصار: من حروب الأرض إلى معركة ال ...
- حوار الطالب وعامل النظافة : كرامة تلامس البحر
- الحي 798: ركيزة العاصمة بكين في الاقتصاد البنفسجي
- وضعت الحرب أوزارها على سجادةٍ إيرانيةٍ شديدةِ التوهج : سردية ...
- شلالات فكتوريا… ليس هديرها استعمارًا، بل إفريقياً سردية ثقاف ...
- حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل
- الولايات المتحدة في الشرق الاوسط: حربٌ بلا حرب
- سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل
- سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة
- اطفال الآيس كريم في قاعة صندوق النقد الدولي: تربية ناعمة في ...
- رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس ...
- هل بقي للحياة من طَعم؟
- في سنغافورة: الألماس خلف الزجاج، و الفقراء خلف الأمل
- مصافحة دبلوماسية ناعمة بلا عناء ولكن…؟
- لماذا يرتفع الدينار العراقي في السوق الموازي ؟.


المزيد.....




- احتفال ينتهي بذعر وهروب للنجاة.. إطلاق نار يحوّل لم شمل سنوي ...
- أكبر رئيس في العالم يسعى لولاية ثامنة
- شباب مبدعون.. مهارات وابتكارات ذكية بأيد شبان في عدد من دول ...
- احتفالات فرنسا بالعيد الوطني تبرز -جاهزية- الجيش لمواجهة الت ...
- فرنسا.. أي استراتيجية دفاعية لمواجهة التهديدات الأمنية المتف ...
- أعداد القتلى إلى ارتفاع في اشتباكات متواصلة.. ما الذي يحدث ف ...
- زيلينسكي يستقبل مبعوث ترامب على وقع هجمات متبادلة بين روسيا ...
- زيلينسكي يقترح النائبة الأولى لرئيس الوزراء لقيادة الحكومة ا ...
- أكسيوس: إدارة ترامب تلاحق موظفي الاستخبارات باختبارات كشف ال ...
- الأحزاب الحريدية تعتزم الاستقالة من حكومة نتنياهو


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مظهر محمد صالح - ما بين مطرقة الحياة وسندان الغربة: عواطف تحت الثلج