أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - مظهر محمد صالح - الكرسي المكسور: ذكريات في عالم البيروقراطية الإدارية














المزيد.....

الكرسي المكسور: ذكريات في عالم البيروقراطية الإدارية


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 08:37
المحور: كتابات ساخرة
    


مضت خمسون سنة على واحدة من أغرب الحوادث في تاريخ الوظيفة العامة العراقية، حادثة طريفة وقاسية في آنٍ واحد، بطلها العم “أبو عمار”، الرجل الطيب الذي طالما اشتكى بصبر من الإهمال الوظيفي المزمن.
ففي صباح أحد الأيام، كان ينتظر كغيره من الموظفين، عودة المدير العام من مؤتمر “الأونكتاد” في جنيف، تلك المدينة السويسرية التي أصبحت عنوانًا للحسد بين موظفي الدائرة، لما تمثله من ترف إداري وسفر متكرر للمسؤول الكبير.

كان الجميع يترقب لحظة وصوله، لا لأسباب تتعلق بالسياسات أو التطوير المؤسسي، بل فقط للحصول على توقيع يخص إجازة أو سلفة مالية، أو تأييد يتيح لموظف شاب تقاضي سلفة مصرفية لشراء جهاز تبريد من “الشركة العراقية الأفريقية” آنذاك.

وفي ذلك الصباح ، جلس العم أبو عمار مهمومًا، يهمس بتذمر عن مصير طلبه الملقى على طاولة المدير منذ أسابيع. لكن فجأة، وبدون مقدمات، قام من مكانه، وجرّ كرسيه المهترئ خارج غرفة المدير العام، صارخًا في لحظة غضب، وسط ذهول الموظفين، في مشهد بدا أقرب إلى اشتباك داخل غابة فيتنام الملتهبة في تلك السنوات.
تجمعنا حوله، بينما تعالت الأصوات وارتفعت الهمهمات.
المدير العام، المرهق من السفر، انفجر غضبًا، واتّهم موظفيه بسوء الانضباط، متوعدًا بالعزل والطرد. ثم ختم نوبته الانفعالية بعبارته الشهيرة:

“اخرسوا أيها الجبناء، وليَعُد كلّ إلى مكانه!”

عُدنا، فعلاً، مثل سلاسل النمل إلى جحورها. ولم يبقَ سوى الكرسي المكسور، والعم أبو عمار شبه مغمى عليه. لم نعرف حينها هل حدث اشتباك فعلي أم أنها مجرد نوبة غضب عبثية.

وبعد أن ساد الهدوء… نسي أحدنا الحديث عن زفافه، وترك آخر ملف السلفة جانبًا، أما المدير العام فقد تلاشت من ذاكرتنا صورته الجنيفية الأنيقة ،
لكن وحده أبو عمار ظل حاضرًا، رمزًا لذكرى لا تُنسى.

اقتربنا منه حين أفاق، وسألناه:

“ما الذي جرى؟ ما أصل الحكاية؟”

ابتسم بتلك الطيبة التي عُرف بها، وقال بهدوء:

“قدّمت طلبًا بسيطًا لإحالة الكرسي المعطوب إلى شعبة الصيانة. المدير العام، المرهق من السفر، كتب على هامش الطلب:
(الأوليات، رجاءً).
فأحضرت الكرسي إلى غرفته وقلت له:
‘سعادتك… هذه هي الأوليات!’”

انفجر المكتب ضاحكًا. المدير العام رمى الكرسي خارجًا وهو يصرخ:

“اذهب أنت وكرسيك إلى الجحيم، أيها المجنون!”

ومنذ ذلك اليوم، تحوّل “الكرسي المكسور” إلى رمز بيروقراطي خالد، تتناقله الأجيال في أدراج دوائرنا، باعتباره واحدة من أشهر حوادث العبث الإداري في تاريخ الوظيفة العامة العراقية.

وهكذا ظل “الكرسي المكسور”، لا كأثاثٍ مُعطّل، بل كشاهدٍ صامتٍ على علاقة مضطربة بين المدير، والورق، والكرامة الإنسانية في مؤسساتٍ تُديرها التعليمات البيروقراطية لا البشر.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرهان على الخير في زمن اللايقين
- تدوير النفايات: بين هموم العلماء ومعاناة الفقراء
- ما بين مطرقة الحياة وسندان الغربة: عواطف تحت الثلج
- من تماثيل بوذا إلى رايات هتلر: الصليب المعكوف بين النور والظ ...
- كربلاء: فلسفة التضحية ومنهج الإصلاح في مواجهة الاستبداد
- في تظافر العلوم… تنهض الأمم
- سيدة الجنوب الاولى ومحراب الحسين: دموع لا تموت…!
- في بلد نفطي : أمة تغفو… وسحلية تستيقظ
- الجغرافيا السياسية تحسم الانتصار: من حروب الأرض إلى معركة ال ...
- حوار الطالب وعامل النظافة : كرامة تلامس البحر
- الحي 798: ركيزة العاصمة بكين في الاقتصاد البنفسجي
- وضعت الحرب أوزارها على سجادةٍ إيرانيةٍ شديدةِ التوهج : سردية ...
- شلالات فكتوريا… ليس هديرها استعمارًا، بل إفريقياً سردية ثقاف ...
- حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل
- الولايات المتحدة في الشرق الاوسط: حربٌ بلا حرب
- سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل
- سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة
- اطفال الآيس كريم في قاعة صندوق النقد الدولي: تربية ناعمة في ...
- رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس ...
- هل بقي للحياة من طَعم؟


المزيد.....




- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...
- يحقق أرباح غير متوقعة إطلاقًا .. ايرادات فيلم احمد واحمد بطو ...
- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...
- تنسيق كلية الهندسة 2025 لخريجي الدبلومات الفنية “توقعات”


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - مظهر محمد صالح - الكرسي المكسور: ذكريات في عالم البيروقراطية الإدارية