أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - دموع الذكريات على سفوح الجبال














المزيد.....

دموع الذكريات على سفوح الجبال


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8442 - 2025 / 8 / 22 - 07:02
المحور: قضايا ثقافية
    


لم تكن الجبال التي تحيط بدهوك مجرّد حجارةٍ وصخورٍ صامتة، بل كانت في ذاكرة صديقي (هيوا) عالمًا حيًّا يفيض بالحياة.
كان في طفولته يحمل حفنة قمحٍ تمنحها له أمّه كل صباح، فيخبّئها بعيدًا عن الطاحونة
وما إن يعود من المدرسة، حتى يتسلّق سفوح الجبل، ينثر الحبوب حول أعشاش الطيور الصغيرة، ويبتسم كأنّه يشارك الطبيعة سرَّ خبزها اليومي. وحين يهبط الغروب، يعود هيوا الصغير إلى البيت، وقد أسرته سكينة الجبل ورفقة الطيور.

مضت سنوات، وحين جلس إلى جانبي على ممرات الجبال، أخذ يستعيد ذكرياته بصوتٍ يختلط فيه الحنين بالألم. قال:
«كانت أمّي تصنع لي ربيعًا من القمح… لكن الحرب سرقت كل شيء.
يوم فررنا إلى هذه الجبال، هربت الطيور قبلنا من دويّ المدافع، وبقينا نحن وحدنا في مواجهة الجوع والثلج.
وهناك، حيث كنت أطعم الطيور، ماتت أمّي بردًا وجوعًا. لم تمنحنا السماء حفنة قمح، بل كفّنها الثلج الأبيض، فدفنتها في المكان الذي كان يعجّ بالحياة.

ارتعش صوته وتابع:
«فقدتُها كما فقدت الطيور أمهاتها. يومها أدركت أن الحرب لا تقتل الأحياء فقط، بل تسرق من الطفل قلبه وأمَّه معًا»

تأملتُ الجبال التي طالما تغنّى بجمالها، فإذا بها تذرف دموعًا خفية. لم تعد جداولها مياهًا جارية، بل صارت دموع ذكريات ، دموع أمٍّ احتضنها الجبل في صمته الأبدي، وطفلٍ ظلّ يبحث عن أملٍ في ربيعٍ لن يعود.

ساد صمته طويلًا، ثم أضاف ثانيةً بصوتٍ متهدّج:
«حلَّ الموت محلَّ السلام، وغابت الرحمة التي كانت تجمعني بأمّي كما كانت تجمع الطيور بأفراخها. فقدتُها كما فقدت الطيور أمهاتها، وغادرت جميعها إلى المجهول.»

عند المساء، تأملتُ الجبال من حولنا، فإذا بجمالها المهيب يخفي وراءه تاريخًا من الفقدان، كأن مياهها ليست سوى دموعٍ تنحدر من ذاكرة لا تهدأ، دموعٌ تحفظ الحكايات في صمتٍ يلتفُّ حول الصخور، ويتركك أمامها عاريًا من كل شيء، إلا من وجع الذكريات.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية واللغة والطبقة الاجتماعية: بين ويليام لابوف وإبراهيم ...
- قصابون من نوع آخر..! من دفاتر مفاوضات اقتصادية في لندن …إنه ...
- كارل ماركس في العصر الرقمي: من مانهاتن إلى الاغتراب الآلي
- صيد التروتة من ينابيع الجبال
- مدينةٌ تخفت في جلابيبها.
- سان فرانسيسكو: قوة تكنوقراط ناصحة !
- في الطريق إلى هوليوود: مفارقات لا تنتهي
- الحادي والعشرون من ديسمبر… النور الذي يسبق العاصفة
- المثقف المشرقي على مصفوفة الوحدة : بين ألتوسير وفوكو ودريدا
- الصين وحساسية الدولة العظمى: قوة ناعمة على مائدة الدولة
- شحاذ رقمي تحت الراية الحمراء
- أمُّ العراق… الكوت والجنة تحت قدميها!
- توازن السوق بإشارة سالبة؟ مشادة أكاديمية صامتة!!
- من عصر الفوانيس إلى الطاقة الشمسية: جدل لا ينتهي
- الكرسي المكسور: ذكريات في عالم البيروقراطية الإدارية
- الرهان على الخير في زمن اللايقين
- تدوير النفايات: بين هموم العلماء ومعاناة الفقراء
- ما بين مطرقة الحياة وسندان الغربة: عواطف تحت الثلج
- من تماثيل بوذا إلى رايات هتلر: الصليب المعكوف بين النور والظ ...
- كربلاء: فلسفة التضحية ومنهج الإصلاح في مواجهة الاستبداد


المزيد.....




- السعودية.. أصل نقوش خلف محمد بن سلمان والسيسي يثير تكهنات
- يد ترامب واختلاف لون جلده بصورة حديثة يثير تفاعلا
- كيف أدت سياسات إسرائيل إلى مجاعة في غزة؟
- مسؤول إسرائيلي: 20 ألف مقاتل لا يزالون لدى حماس
- الاحتلال يقتحم بلدة المغير بالضفة ويقتلع مئات أشجار الزيتون ...
- ماذا يجري في منزل مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق؟
- تعبئة كبرى بـ19 ولاية أميركية لمحاربة الهجرة والجريمة
- غوتيريش: مجاعة غزة كارثة من صنع البشر ولا مناص من العقاب
- متظاهرون بلندن يطالبون بفرض عقوبات على إسرائيل
- ترامب عن ملفات إبستين: -خدعة من الديمقراطيين-.. ولا ينبغي إي ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - دموع الذكريات على سفوح الجبال