أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - مظهر محمد صالح - زيمبابوي : درس في الانكسارات الاقتصادية














المزيد.....

زيمبابوي : درس في الانكسارات الاقتصادية


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 02:08
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


في كتاب حديث صدر في حزيران 2025 بعنوان :
‏How Countries go broke:The Big Cycle اي كيف تفلس الدول: الدورة الكبرى…!
للكاتب Ray DALIO… هذه الشخصية الاقتصادية التي وصفها هنري كيسنجر في يوم ما بانه الرجل ذو المواهب الخاصة في تشخيص الاجابات الجوهرية لعصرنا الراهن… وهو يطالعنا بكتابه اعلاه ، كيف تتّبع داليو في فصول كتابه تطور دورة (الديون الكبرى) منذ العام 1865 و حتى الوقت الراهن ، متوقفاً على تجارب الولايات المتحدة واليابان والصين ، وأمثلة من أوروبا ، مبيناً أن العالم الآن في مرحلة متأخرة من دورة الدين الكبرى ، مع خطر صعود أنماط إفلاس حكومي أو تلاشي نظام العملة إذا لم تُضبط السياسات المالية ، مقترحاً خطة 3%
التي تدعو لتخفيض العجز الحكومي إلى نسبة 3% من الناتج المحلي الاجمالي سنويا ، لضبط توازن الدين العام .
فالكتاب يقدم إطاراً فكرياً ثرياً لفهم كيف يمكن أن تتهاوى الدول ماليًا عبر تفاعل ديناميكي لعوامل مثل الديون، السياسة، تصور حال العالم من زوايا مختلفة ، والتكنولوجيا.
حيثُ يدعو داليو إلى قراءة أكثر دقة للتاريخ الاقتصادي الحالي، وتبنّي سياسات مالية تحوّطية قبل أن تتفلت الدورات الكبرى ، و يقدم الكاتب فهم شامل لـ دورة الدين الكبرى (Big Debt Cycle)
إذ يوفر داليو شرحاً شاملاً لهذه الدورة التي تتكون من مراحل اقتصادية تتكرّر تاريخياً. كما يوضح كيف تبدأ الدورة عادة بفترة من النمو الائتماني والإنتاج ، ثم تنتهي بأزمة انتشار الدين وفقدان القدرة على السداد .
ذكرني هذا الكتاب وانا اقلب ثناياه وفصوله (بزمبابوي) الدولة الافريقية الرائعة التي يحتضنها حزام الجنوب الافريقي و التي كانت تسمى في عصرها الاستعماري الراحل روديسيا الجنوبية ، وعاصمتها ساليزبري او هراري حاليا ، يوم زرتها في ربيع العام 1980 بعد استقلالها ، وهي بدت ليّ بقعة خضراء دافئة الجمال ، ومنجم ثروة معدنية خرج لتوّه من عباءة الاستعمار ، وهي تغتسل بالأمل ولمعان معدن النحاس.
كان الشارع الرئيس يفيض بالوجوه المشرقة ، صيدلي إفريقي يوزع ابتسامته على زبائنه كأنه يوزع معهم أحلام الاستقلال ، وبائع ساعات لبناني يحاول أن يقنع المارة بأن الوقت في زيمبابوي سيبدأ الآن ومن جديد. وفي زاوية مقهى قديم، جلس ضابط بريطاني متقاعد يتأمل الناس بصمت، يقرأ جريدة تلو الأخرى كمن يبحث في السطور عن معنى رحيل الإمبراطورية.
في تلك اللحظة، كانت الدولة الوليدة تحمل كل الوعود : حرية، خبز، وعدالة..لكن الوعود، حين تُهمل، تتحول إلى ديون مؤجلة.
فبعد خمسة وأربعين عامًا، لم تعد هراري كما عرفتها. فالعملة التي كانت رمز السيادة صارت مجرد ورق بلا قيمة. لم يعد الناس يحتفظون بالدولار الزيمبابوي في محافظهم ، استبدلوه بالدولار الأمريكي أو بالراند الجنوب إفريقي. ولم تعد الدولة سوى طيفٍ فقد هيبته، وصار السؤال يتردد على الألسنة: كيف تفلس الدول؟
تفلس حين يُصادر الأمل .. حين تُنتزع المزارع من أصحابها فجأة، فينهار الخبز قبل أن ينهار النظام الاقتصادي .
تفلس حين يُستبدل الاقتصاد بالفساد ، وحين تُطبع النقود كما تُطبع الأوهام.
تفلس حين تنكمش الثقة، لا حين تنكمش الخزينة.

ففي العام 2008، كانت الأوراق النقدية في زيمبابوي تُطبع بالأصفار التي لا تُحصى ، تريليونات بلا قيمة ، تذوب قيمتها قبل أن تصل إلى السوق. كان الناس يحملون أكياسًا من النقود ليشتروا بها رغيفًا واحدًا، ويضحكون بمرارة على دولةٍ جعلت من المال نكتة.
هكذا تفلس الدول..! ليس عندما تنفد مواردها فقط ، بل عندما ينفرط العقد الذي يربطها بمواطنيها. فالعملة ليست مجرد ورق ملوّن، بل عقد ثقة ، فإذا تصدّع العقد انهارت الدولة من داخلها، مهما بدت مؤسساتها صلبة.
إن قصة زيمبابوي تذكّرنا أن الإفلاس ليس رقماً في دفتر مالي، بل جرح في ضمير الأمة. حين يفقد الناس يقينهم بأن دولتهم قادرة على حمايتهم، يصبح كل شيء بلا معنى .. حتى النقود..!

حين تفلس دولة: اضحى عنوان حكاية زيمبابوي .
سابقى اتذكر صباح الثامن عشر من نيسان 1980، يوم كانت هراري تحتفل بلحظة ولادة وطن جديد. ارتفعت الأعلام في الساحات، وغنّت الجماهير لأرضٍ حُررت من ربقة الاستعمار، وحلمت بمستقبل زاهر تحت اسم جديد: زيمبابوي.
كانت المدينة يومها تضجّ بالأمل، والناس يتبادلون النظرات المضيئة التي تحمل معنى الانعتاق من الماضي والولوج إلى زمن الكرامة الوطنية.
لكن وبعد اقل من أربعة عقود ، تغيّر المشهد ، ففي شوارع هراري اليوم، يطول الوقوف في طوابير الخبز أكثر من زمن الاحتفال بالحرية. الأوراق النقدية تُحمل في أكياس كما لو كانت أوراقًا ميتة بلا روح، فيما لا تكفي لشراء حاجيات بسيطة. التضخم حوّل الملايين إلى أصفار عائمة، والعملة فقدت معناها كما فقدت الدولة نفسها الثقة التي وُلدت عليها.
يبقى السؤال كيف تفلس الدول؟ ليس فقط حين تنضب الموارد، ولا حين تتراجع التجارة أو ينحسر الاستثمار، بل حين تنهار الثقة بين الدولة ومواطنيها. فالثقة هي العملة الأثمن، وهي التي تسبق كل ورقة نقدية وكل رصيد في المصرف . وحين تتآكل بفعل الفساد، وسوء الإدارة، والتسلط، تتحول البلدان إلى جسدٍ بلا قلب.
زيمبابوي اليوم ليست قصة محاسبية عن نسب الدين والعجز، بل جرح في الضمير الإنساني: كيف يمكن لوطن خرج من الاستعمار مرفوع الرأس أن يسقط أسير عجزه الداخلي؟ كيف تتحول الأعلام المرفوعة في الميادين إلى رموز باهتة، أمام أعين جيلٍ لم يعش نشوة الاستقلال بل ورث مرارة الانهيار؟
يبقى الدرس الاول .. أن الدول لا تموت حين تعوزها الأموال، بل حين ينفرط العقد الأخلاقي الذي يربطها بشعبها.
فبقاء الأوطان.. تصنعها الثقة .. لا الذهب ولا العملة الصعبة..!
انها زيمبابوي .. بوابة الثراء في الجنوب الأفريقي.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- راس المال الرمزي تحت جدران المدينة المحرمة.
- الصدمة الثقافية: جوهر الانسان و وهم الاختلاف
- دموع الذكريات على سفوح الجبال
- الهوية واللغة والطبقة الاجتماعية: بين ويليام لابوف وإبراهيم ...
- قصابون من نوع آخر..! من دفاتر مفاوضات اقتصادية في لندن …إنه ...
- كارل ماركس في العصر الرقمي: من مانهاتن إلى الاغتراب الآلي
- صيد التروتة من ينابيع الجبال
- مدينةٌ تخفت في جلابيبها.
- سان فرانسيسكو: قوة تكنوقراط ناصحة !
- في الطريق إلى هوليوود: مفارقات لا تنتهي
- الحادي والعشرون من ديسمبر… النور الذي يسبق العاصفة
- المثقف المشرقي على مصفوفة الوحدة : بين ألتوسير وفوكو ودريدا
- الصين وحساسية الدولة العظمى: قوة ناعمة على مائدة الدولة
- شحاذ رقمي تحت الراية الحمراء
- أمُّ العراق… الكوت والجنة تحت قدميها!
- توازن السوق بإشارة سالبة؟ مشادة أكاديمية صامتة!!
- من عصر الفوانيس إلى الطاقة الشمسية: جدل لا ينتهي
- الكرسي المكسور: ذكريات في عالم البيروقراطية الإدارية
- الرهان على الخير في زمن اللايقين
- تدوير النفايات: بين هموم العلماء ومعاناة الفقراء


المزيد.....




- قمة منظمة شنغهاي: الرئيس الصيني يدين -عقلية الحرب الباردة- و ...
- بريطانيا تغلق سفارتها في القاهرة -مؤقتاً- بعد إزالة السلطات ...
- إدانات لقصف استهدف مستشفى شهداء الأقصى، وانطلاق أسطول كسر ال ...
- مؤسسة هند رجب تكشف تسلسل المجزرة الإسرائيلية بمستشفى ناصر
- الكابينيت الإسرائيلي يضع -غزة أولاً-.. ولا صفقة جزئية للأسرى ...
- بولتون يقرع ناقوس الخطر.. لبنان رهينة حزب الله والوقت ينفد
- تقرير: زلزال أفغانستان يقتل 250 شخصا على الأقل
- قمة الصين الأمنية: هل تشهد ولادة تحالف جديد ضد النفوذ الأمري ...
- خارجية بريطانيا تتحدث عن إغلاق مؤقت لمبنى سفارتها في مصر
- في الضفة.. كيف -تعاقب- إسرائيل الدول التي ستعترف بفلسطين؟


المزيد.....

- نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي ... / زهير الخويلدي
- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - مظهر محمد صالح - زيمبابوي : درس في الانكسارات الاقتصادية