أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - مظهر محمد صالح - جون تايلور في بغداد: حين التقت السياسة النقدية بجنرالات الليبرالية الجديدة (من أرشيف اقتصادي تحت الاحتلال)














المزيد.....

جون تايلور في بغداد: حين التقت السياسة النقدية بجنرالات الليبرالية الجديدة (من أرشيف اقتصادي تحت الاحتلال)


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 00:05
المحور: مقابلات و حوارات
    


1. تمهيد :
بينما كانت بغداد تلملم جراحها بعد الغزو الأميركي في العام 2003، كانت ملامح سلطة نقدية جديدة تُرسم بهدوء خلف مكاتب مصفحة وبحماية مشددة. في أحد تلك الأيام، زار العراق عالم الاقتصاد الأميركي جون تايلور، صاحب واحدة من أشهر قواعد السياسة النقدية في العالم ، جاء بصفته ممثلًا لوزارة الخزانة الأميركية، لكنه لم يأتِ فقط بصفته تلك، بل كأستاذ في جامعة ستانفورد، يحمل نظريات اقتصادية تشكل حجر زاوية في مدرسة الليبرالية الجديدة.

في هذا المقال، أسرد تفاصيل لقائي مع تايلور ، وأتأمل مفارقة أن نظريته غزت البنوك المركزية حول العالم، بينما لم يحظَ هو بجائزة نوبل حتى اليوم … فهل كانت السياسة أقوى من النظرية؟

2. عالم اقتصادي بزيّ عسكري!

في الأشهر القليلة التي تلت الاحتلال الأميركي، كنت أعمل في دائرة الأبحاث بالبنك المركزي العراقي. و ذات صباح من شهر اكتوبر 2003 ، ابلُغت أن شخصية أميركية رفيعة ستحضر لافتتاح مزاد العملة الأجنبية ، وهو أداة نقدية أُدخلت حديثًا بهدف امتصاص السيولة، وضبط التضخم، واستقرار سعر الصرف.

بعد دقائق، قُدّمت لي الشخصية: انه جون تايلور.

رجل بزيّ شبه عسكري، يحمل أوراقًا وأفكارًا، ويقف وسط مؤسسة تحاول أن تستعيد دورها في مناخ من فوضى سياسية واقتصادية. كان غريبًا أن ترى أستاذًا من جامعة ستانفورد بهذا الحضور “الجنرالي”
جاء ليضع أولى لبنات السياسة النقدية في عراق ما بعد الغزو.

3. قاعدة تايلور : من التنظير إلى التطبيق في اقتصاد منكوب

خضنا نقاشًا اقتصادياً مطولًا ، فاجأته بقولي إنني كنت أدرّس “قاعدة تايلور” Taylor Rule لطلبة الدراسات العليا في جامعة بغداد، في ظل الحصار العلمي والاقتصادي القاسي. ابتسم وقال:

“هذا مبهر. لقد سبقتَنا إلى أفكاري في ظروف شديدة الصعوبة ، دعنا نناقش كيف يمكن تكييف تلك القاعدة لتخدم بلدكم.”

اذاً ما هي قاعدة تايلور؟

تقترح القاعدة أن يقوم البنك المركزي بتعديل سعر الفائدة وفقًا لعنصرين رئيسيين:
1. معدل التضخم: إذا تجاوز المستوى المستهدف، يجب رفع سعر الفائدة.
2. فجوة الناتج: إذا كان الناتج المحلي الاجمالي أقل من طاقته القصوى (كما في حالات الركود أو البطالة) فيجب خفض سعر الفائدة.

تُعد هذه القاعدة التي طُرحت في العام 1993 تحولًا مفاهيميًا في إدارة السياسة النقدية. وقد تبناها لاحقًا البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ضمنيًا، وأصبحت معيارًا عالميًا لقياس أداء البنوك المركزية.

لكن تايلر أقر أن تطبيقها في العراق، ذي الاقتصاد الريعي، يتطلب تعديلًا جوهريًا يأخذ بعين الاعتبار:
• تذبذب الإيرادات النفطية
• ضعف الإنتاج المحلي
• تضخم الهيكل المالي
• هشاشة المؤسسات

4. الاستقلال النقدي: الشرط الغائب

قال لي تايلور بوضوح:

“لا يمكن أن تُدار السياسة النقدية بفعالية , إذا كانت خاضعة للحكومة ، أو تُستخدم لتمويل العجز , بل يجب أن يكون البنك المركزي مستقلًا تمامًا.”

نوقشت تلك الفكرة مع العالم (المقاتل) جون تايلور ، ضمن اطار الحاجة الى إصلاح السياسة النقدية لبلادنا ، فقد عانى العراق طويلًا من تبعية السياسة النقدية للسياسة المالية، ولاسيما الإفراط في تمويل العجر بالإصدار النقدي، ما أدى إلى نوبات تضخم حادة وانهيار العملة ، كما في التسعينيات.
اذ تساعد قاعدة تايلور البنوك المركزية على اتخاذ قرارات غير عشوائية في ادارة اسعار الفائدة، بحيث تتماشى مع اهداف استقرار الاسعار والنمو الاقتصادي. وعلى الرغم انها ليست قاعده ملِزمه ، الا انهار تستخدم في معظم الاحيان كنقطة مرجعية لصنع السياسة النقدية.
وبهذا كان مزاد العملة الأجنبية خطوة مؤقتة تهدف إلى كسر تلك الحلقة ، إذ سُمح بامتصاص فائض الدينار عبر بيع الدولار وعلى وفق اليات تعقيم السيولة العامة ، ما ساعد في تقليص التضخم وكبح التوقعات التضخمية في السوق كحاجة مؤقتة.

5. حين لم يفز تايلور بجائزة نوبل

مرت السنوات ، وكنت أتابع في كل خريف إعلان الفائزين بجائزة نوبل في الاقتصاد. كنت أظن أن تايلور سيُكرم يومًا ما، لكن اسمه لم يظهر في القائمة.

ولكن سؤال في العمق: هل السياسة تحجب الجائزة؟

سألت زميلًا أكاديميًا في أميركا الشمالية:
“هل تعتقد أن ظهور تايلور في العراق، ببزّة شبه عسكرية خلال الاحتلال، كان أحد أسباب تراجع فرصه في الفوز بالجائزة؟”

أجابني بهدوء:

“نعم. الجائزة تغيرت كثيرًا. لم تعد تُمنح كما كانت لنجوم السوق الحرة مثل ميلتون فريدمان وغيره . فالاتجاه الآن نحو من يلامسون قضايا الفقر وعدم المساواة والتنمية البشرية وعلم الاقتصاد السلوكي… انه ميل واضح نحو اليسار الاجتماعي.”

6. قاعدة صمدت… رغم السياسة
رغم كل ذلك تبقى “قاعدة تايلور ” واحدة من أقوى أدوات التحليل النقدي في العالم. إنها تساعد صانعي القرار على الموازنة بين:
• مكافحة التضخم
• وتحفيز النمو الاقتصادي

ورغم أنها ليست وصفة جاهزة للدول النامية، لكنها تفرض منطق الانضباط والاستقلالية والشفافية، وهو ما تفتقر إليه الكثير من الأنظمة النقدية في العالم.

7. الاقتصاد بين القواعد والبنادق

كان لقائي مع تايلور مشهدًا رمزيًا لعالم متداخل ،
تختلط فيه النظرية الاقتصادية بالقوة العسكرية ، والحياد الأكاديمي بالاستراتيجية الجيوسياسية.

واليوم، وبينما تُمنح نوبل لاقتصاديين يدرسون الفقر وسلوك الإنسان، يبقى صاحب “قاعدة تايلور” في الظل… لا لأن فكرته ضعيفة، بل لأن ظهوره كان في ساحة حرب ، لا في قاعة محاضرات.

ختاماً ، هل ستُذكر القاعدة كنظرية غير متوجة؟ أم سيُعاد قراءتها في ضوء جديد يومًا ما؟

الزمن وحده كفيل بالإجابة.

لكن ما لاجدال فيه ، ان الاقتصاد لايتحرك في فراغ ، بل يتشكل دائماً في قلب السياسة وتوازناتها.


انتهى ///



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نزار قباني على رصيف الذكرى… ليتني لم أره فرحًا
- مؤتمر باندونغ: يوم هزّ عرش طفولتي
- الحانة الويلزية: ملتقى التاريخ الجامعي والتراث الفيكتوري
- ساعة اليد المتواضعة: الزمن مرآت للطبقات
- زيمبابوي : درس في الانكسارات الاقتصادية
- راس المال الرمزي تحت جدران المدينة المحرمة.
- الصدمة الثقافية: جوهر الانسان و وهم الاختلاف
- دموع الذكريات على سفوح الجبال
- الهوية واللغة والطبقة الاجتماعية: بين ويليام لابوف وإبراهيم ...
- قصابون من نوع آخر..! من دفاتر مفاوضات اقتصادية في لندن …إنه ...
- كارل ماركس في العصر الرقمي: من مانهاتن إلى الاغتراب الآلي
- صيد التروتة من ينابيع الجبال
- مدينةٌ تخفت في جلابيبها.
- سان فرانسيسكو: قوة تكنوقراط ناصحة !
- في الطريق إلى هوليوود: مفارقات لا تنتهي
- الحادي والعشرون من ديسمبر… النور الذي يسبق العاصفة
- المثقف المشرقي على مصفوفة الوحدة : بين ألتوسير وفوكو ودريدا
- الصين وحساسية الدولة العظمى: قوة ناعمة على مائدة الدولة
- شحاذ رقمي تحت الراية الحمراء
- أمُّ العراق… الكوت والجنة تحت قدميها!


المزيد.....




- أمل في -ناتو عربي- وخوف من -ولادة ميتة-، قمة الدوحة وذكرى ال ...
- ألمانيا.. قفزة كبيرة للشعبويين في انتخابات ولاية شمال الراين ...
- نهائي مثير .. ألمانيا بطلة أوروبا للسلة بعد الفوز على تركيا ...
- قفزة لليمين المتطرف في انتخابات محلية غرب ألمانيا
- طائرة نتنياهو ستسلك طريقا أطول لنيويورك خشية اعتقاله
- بين الطمأنة والضغط.. قراءة إسرائيلية في دلالات زيارة وزير ال ...
- 53 شهيدا بغزة منذ الفجر والاحتلال يواصل تدمير المباني
- رئيس الوزراء البريطاني يرفض -الترهيب- بعد مظاهرة حاشدة لليمي ...
- مظاهرة للمعارضة التركية استباقا لقرار المحكمة بشأن حزب الشعب ...
- تثبيت رئيس الوزراء الجزائري في منصبه وإعلان سادس حكومة في عه ...


المزيد.....

- تساؤلات فلسفية حول عام 2024 / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - مظهر محمد صالح - جون تايلور في بغداد: حين التقت السياسة النقدية بجنرالات الليبرالية الجديدة (من أرشيف اقتصادي تحت الاحتلال)