أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - جدلية الظل والمصالحة مع الذات : القرين الخفي مرآة ديستوفسكي في مدننا














المزيد.....

جدلية الظل والمصالحة مع الذات : القرين الخفي مرآة ديستوفسكي في مدننا


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 00:10
المحور: قضايا ثقافية
    


تأملتُ طويلاً في رواية «القرين» للكاتب الروسي العظيم فيودور ديستوفسكي، ذلك العمل المبكر (1845) الذي وضع فيه بذور عبقريته في تحليل النفس البشرية، حين جعل من “القرين The double” مرآةً تكشف انقسام الذات او النسخة الثانية من الذات.
ففي روايته يجسد ديستوفسكي ، اتون ليلة ثلج عاصفة في مسالك ودروب مدينة سانت بطرسبورغ يلتقي فيها الموظف الصغير غوليادكين بشخصٍ يشبهه تماماً، لكنه على النقيض منه في السلوك ، حيث يصور الكاتب ان القرين هو شخص واثقٌ وجريء ومحبوب، بينما الأصيل خجولٌ ومنعزل. وهنا تتآكل هوية بطل الرواية تدريجياً تحت وطأة هذا الانقسام، حتى ينتهي في مصحّة عقلية، وكأن ديستوفسكي يسألنا جميعاً:
هل يمكن للإنسان أن يحتفظ بصفاء ذاته في مجتمع بيروقراطيٍّ يسحق الفردية؟

استعدتُ هذه الفكرة وأنا أقرأ للمفكر الكبيرحسين العادلي تأملاته في مفهوم “القرين”، حين طرق أبواب مدينةٍ شرق أوسطيةٍ افتراضية، قائلاً إن “الاقتران” يولد في لحظةٍ بين الإنسان وظله. حيث كتب العادلي نصوصا جميلة منها:

الألم قرين الحكمة، والعقول السطحية هانئة.
نِعم القرين القناعة، والطمع آفة الاتزان.
قَرينُ المرء منجذبٌ إليه، وكلُّ قرينٍ بالمقارن يقتدي.

هنا، يتخذ “القرين” بعداً اجتماعياً وأخلاقياً، لا نفسياً فحسب.
فكما في ديستوفسكي، يظل القرين مرآةً تكشف ما نخفيه، لكنه في المشرق مرآةٌ تعكس عجزنا عن التوازن بين الطموح والاتزان ، بين الشعارات والتطبيق.

وفي تأملي الشخصي، أدركتُ أن في أعماق كل إنسان قريناً خفياً، ليس شراً بالضرورة، بل هو الجزء المنفي من ذواتنا: رغباتنا الصادقة، مشاعرنا الطيبة التي لم تجد قبولاً، وطاقاتنا التي أُهملت في زحمة الامتثال الاجتماعي.
إن قمع هذا القرين لا يُطهِّر النفس، بل يزرع التمزق ، والمصالحة معه هي لحظة شجاعة، حين نقبل (ظلّنا) لا بوصفه عدواً، بل جزءاً مكملاً لإنسانيتنا.
فالظل لا يُمحى بالهرب، بل يُروّض بالتقبّل والوعي.
وقد صاغ كارل غوستاف يونغ ،عالم النفس السويسري هذا البعد في علم النفس التحليلي تحت اسم (الظل The Shadow) في مجموعة كتاباته 1951 وعدها الجانب المكبوت من الشخصية. فمواجهة الظل لا تعني إلغاؤه، بل تحويل طاقاته السلبية إلى إمكاناتٍ إبداعية.
فالتكامل النفسي، أو ما يسميه يونغ التفرد، لا يتحقق إلا حين تتصالح الأنا مع ظلها .
وهكذا يصبح القرين الخفي فرصةً لاختبار وعينا، لا تهديداً لسلامنا الداخلي.
إنّ القرين الخفي هو وجهنا الآخر الذي ينتظر أن نراه بصدقٍ لا بخوف ،
فهو حليفٌ محتمل فيما إذا أُضيء بنور الإرادة الحرة،
وعدوٌّ خفيٌّ إذا تُرك في ظلمة الإنكار.
وفي النهاية، لا نبلغ السلام إلا حين نصالح ظلّنا،
فنرى في أعماقنا ما كنّا نهرب منه
ونكتشف أن الطريق إلى الصفاء يمرّ عبر القرين نفسه.
انتهى الظل والمصالحة مع الذات : القرين الخفي
مرآة ديستوفسكي في مدننا

د. مظهر محمد صالح

تأملتُ طويلاً في رواية «القرين» للكاتب الروسي العظيم فيودور ديستوفسكي، ذلك العمل المبكر (1845) الذي وضع فيه بذور عبقريته في تحليل النفس البشرية، حين جعل من “القرين The double” مرآةً تكشف انقسام الذات او النسخة الثانية من الذات.
ففي روايته يجسد ديستوفسكي ، اتون ليلة ثلج عاصفة في مسالك ودروب مدينة سانت بطرسبورغ يلتقي فيها الموظف الصغير غوليادكين بشخصٍ يشبهه تماماً، لكنه على النقيض منه في السلوك ، حيث يصور الكاتب ان القرين هو شخص واثقٌ وجريء ومحبوب، بينما الأصيل خجولٌ ومنعزل. وهنا تتآكل هوية بطل الرواية تدريجياً تحت وطأة هذا الانقسام، حتى ينتهي في مصحّة عقلية، وكأن ديستوفسكي يسألنا جميعاً:
هل يمكن للإنسان أن يحتفظ بصفاء ذاته في مجتمع بيروقراطيٍّ يسحق الفردية؟

استعدتُ هذه الفكرة وأنا أقرأ للمفكر الكبيرحسين العادلي تأملاته في مفهوم “القرين”، حين طرق أبواب مدينةٍ شرق أوسطيةٍ افتراضية، قائلاً إن “الاقتران” يولد في لحظةٍ بين الإنسان وظله. حيث كتب العادلي نصوصا جميلة منها:

الألم قرين الحكمة، والعقول السطحية هانئة.
نِعم القرين القناعة، والطمع آفة الاتزان.
قَرينُ المرء منجذبٌ إليه، وكلُّ قرينٍ بالمقارن يقتدي.

هنا، يتخذ “القرين” بعداً اجتماعياً وأخلاقياً، لا نفسياً فحسب.
فكما في ديستوفسكي، يظل القرين مرآةً تكشف ما نخفيه، لكنه في المشرق مرآةٌ تعكس عجزنا عن التوازن بين الطموح والاتزان ، بين الشعارات والتطبيق.

وفي تأملي الشخصي، أدركتُ أن في أعماق كل إنسان قريناً خفياً، ليس شراً بالضرورة، بل هو الجزء المنفي من ذواتنا: رغباتنا الصادقة، مشاعرنا الطيبة التي لم تجد قبولاً، وطاقاتنا التي أُهملت في زحمة الامتثال الاجتماعي.
إن قمع هذا القرين لا يُطهِّر النفس، بل يزرع التمزق ، والمصالحة معه هي لحظة شجاعة، حين نقبل (ظلّنا) لا بوصفه عدواً، بل جزءاً مكملاً لإنسانيتنا.
فالظل لا يُمحى بالهرب، بل يُروّض بالتقبّل والوعي.
وقد صاغ كارل غوستاف يونغ ،عالم النفس السويسري هذا البعد في علم النفس التحليلي تحت اسم (الظل The Shadow) في مجموعة كتاباته 1951 وعدها الجانب المكبوت من الشخصية. فمواجهة الظل لا تعني إلغاؤه، بل تحويل طاقاته السلبية إلى إمكاناتٍ إبداعية.
فالتكامل النفسي، أو ما يسميه يونغ التفرد، لا يتحقق إلا حين تتصالح الأنا مع ظلها .
وهكذا يصبح القرين الخفي فرصةً لاختبار وعينا، لا تهديداً لسلامنا الداخلي.
إنّ القرين الخفي هو وجهنا الآخر الذي ينتظر أن نراه بصدقٍ لا بخوف ،
فهو حليفٌ محتمل فيما إذا أُضيء بنور الإرادة الحرة،
وعدوٌّ خفيٌّ إذا تُرك في ظلمة الإنكار.
وفي النهاية، لا نبلغ السلام إلا حين نصالح ظلّنا،
فنرى في أعماقنا ما كنّا نهرب منه
ونكتشف أن الطريق إلى الصفاء يمرّ عبر القرين نفسه.
انتهى



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بكاء الأمهات على بوابة سجن متخلف..
- البنادق مقابل اللوبستر البحري: مقاربة في الاقتصاد السياسي لم ...
- وزارة الخزانة الأميركية .. قوة إمبراطورية وأسطورة ورقة نقدية ...
- تأميم المصنع الوطني: التاريخ الذي أحزن والدي
- ربطة العنق: متلازمة التعليم والأناقة في بغداد
- حرب السويس تشتعل… وخالتي تبحث عن ابنها
- حكاية خبز .. بين أمستردام ومدينتي
- جون تايلور في بغداد: حين التقت السياسة النقدية بجنرالات اللي ...
- نزار قباني على رصيف الذكرى… ليتني لم أره فرحًا
- مؤتمر باندونغ: يوم هزّ عرش طفولتي
- الحانة الويلزية: ملتقى التاريخ الجامعي والتراث الفيكتوري
- ساعة اليد المتواضعة: الزمن مرآت للطبقات
- زيمبابوي : درس في الانكسارات الاقتصادية
- راس المال الرمزي تحت جدران المدينة المحرمة.
- الصدمة الثقافية: جوهر الانسان و وهم الاختلاف
- دموع الذكريات على سفوح الجبال
- الهوية واللغة والطبقة الاجتماعية: بين ويليام لابوف وإبراهيم ...
- قصابون من نوع آخر..! من دفاتر مفاوضات اقتصادية في لندن …إنه ...
- كارل ماركس في العصر الرقمي: من مانهاتن إلى الاغتراب الآلي
- صيد التروتة من ينابيع الجبال


المزيد.....




- برشلونة يُصعّد ضد الاتحاد الإسباني بعد إصابة يامال: أعطيناكم ...
- حزب الخضر البريطاني يدعو لحظر الجيش الإسرائيلي واعتباره جماع ...
- ميركل تلوم بولندا ودول البلطيق على حرب بوتين في أوكرانيا
- السودان: الجنائية الدولية تدين قياديا في ميليشيا الجنجويد با ...
- فـرنـسـا: لـوكـورنـو يـخـرج مـن الـبـاب ويـعـود من النافذة؟ ...
- احتجاجات -جيل زد- في المغرب: ما المرتقب من خطاب الملك محمد ا ...
- المغرب: اليوم العاشر من احتجاجات -جيل زد- والإعلان عن توقيفا ...
- فرنسا: ماكرون يكلف لوكورنو بإجراء -مفاوضات أخيرة- من أجل -اس ...
- هل يفجّر المستوطنون الضفة مع تحركات وقف الإبادة في غزة؟
- بديل القهوة الصحي.. هوس الماتشا ينذر بنفادها


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - جدلية الظل والمصالحة مع الذات : القرين الخفي مرآة ديستوفسكي في مدننا