أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - مظهر محمد صالح - وزارة الخزانة الأميركية .. قوة إمبراطورية وأسطورة ورقة نقدية (ذكريات ما بعد الاحتلال)














المزيد.....

وزارة الخزانة الأميركية .. قوة إمبراطورية وأسطورة ورقة نقدية (ذكريات ما بعد الاحتلال)


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8480 - 2025 / 9 / 29 - 00:44
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


كانت محطتي الأولى واشنطن، عاصمة الولايات المتحدة الأميركية ، جئت إليها للانضمام إلى مشاورات اقتصادية ومالية رسمية، هدفها الاساس تطوير العلاقات مع تلك الدولة ، التي دخلت بجيوشها كعاصفة واحتلت الأرض والسماء ، فيما كان علينا نحن التكنوقراط أن نسعى لإعادة بناء بلادنا في مجالي الاقتصاد والمال بعد أشهر قليلة من تلك العاصفة ، وأن نبحث عن سبل إقامة السلام والاستقرار .

وفي احدى الاجتماعات الروتينية ، وبينما كنت أغادر بناية فيدرالية مهيبة، برفقة أكاديمي أميركي متخصص في النظرية النقدية ، وعضو منتدب للعمل في برامج الصيرفة المركزية الحديثة في بلادنا، توقفنا عند جدران تزينها لوحات زيتية لرجال عبروا تاريخ وزارة الخزانة. استوقفني هناك وجه ألكسندر هاملتون (1757-1804)، أول وزير للخزانة الأميركية ومؤسس النظام المالي الحديث ، لم يكن مجرد وزير ، بل واضع فكرة أن الدولة تقوم على الثقة بالعملة قبل أي شيء آخر. لذلك اختيرت صورته لتزين ورقة الألف دولار في إصداراتها الأولى، تذكيراً بأن قيمة النقود ليست في الورق، بل في النظام الذي يحميها.

تأملت تلك الصور وسألت مرافقي عن الفئات الكبيرة من العملة الأميركية، فأخذني إلى لوحة تضم فئات صدرت ثم أُوقفت، مثل 500، 1000، 5000، 10,000، وأخيراً 100,000 دولار.
سألت بدهشة عن تلك الفئة النقدية الأخيرة و ظروف إصدارها و مصيرها. أجابني الرجل بأريحية ، انها صدرت في العام 1934 خلال فترة الكساد الكبير، وكانت مخصصة حصراً للتعاملات بين البنوك الفدرالية ووزارة الخزانة الاميركية ، ولم تُطرح قط للتداول العام ، وهي تحمل صورة الرئيس وودرو ويلسون، وتوقفت وظيفياً في العام 1935 مع تطور أنظمة التحويل الإلكتروني ، وهي اليوم لا توجد إلا في خزائن الدولة والمتاحف.

تذكرت عندها ما سمعناه في بغداد في العام 2003 ، شائعة عن ورقة أميركية بقيمة مئة ألف دولار دخلت الأسواق مع الاحتلال، وأنها ستكون مفتاحاً لثروة بلا حدود. لم يرها أحد فعلياً، لكن الناس تناقلوا خبرها في المقاهي والأسواق كما لو كانت حقيقة. بعض السماسرة عرضوا صوراً مطبوعة أو أوراقاً مزورة، وصدّقها من أنهكته الحروب والعزلة.

ففي أزمنة الفوضى تولد الأوهام بسهولة. شعب خرج من حصار طويل ووجد نفسه في عالم بلا ضوابط ، عملات مجهولة، أوراق بلا قيمة، وأحاديث عن ثروات تهبط من السماء. في مثل هذا المناخ الملون يكفي أن يقول أحدهم: “الأميركان جاؤوا بعملة جديدة” ليفتح باب الخيال على مصراعيه.

فورقة المئة ألف دولار لم تُتداول في العراق، ولم يكن لها وجود فعلي خارج خزائن واشنطن. لكنها تحولت إلى أسطورة مالية، صارت رمزاً لمرحلة انكشفت فيها هشاشة الثقة، حيث يمكن أن تُبنى أسطورة اقتصادية على ورقة لم يرها أحد.

اليوم، وأنا أستعيد تلك الذكريات، أرى الفارق بين الوزير هاملتون الذي جعل من الثقة بالعملة حجر الأساس لبناء دولة، وبين مخلفات واقعنا العراقي انذاك ، الذي عاش أسطورة ورقية في زمن الفراغ.
ختاماً، بين الورقة النقدية الأولى التي ولدت مع تأسيس أميركا، والورقة الخيالية التي جابت شائعات بغداد ، يظل الدرس واحداً ، العملة ليست أوراقاً تُطبع، بل منظومة ثقة تُبنى على الدوام.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأميم المصنع الوطني: التاريخ الذي أحزن والدي
- ربطة العنق: متلازمة التعليم والأناقة في بغداد
- حرب السويس تشتعل… وخالتي تبحث عن ابنها
- حكاية خبز .. بين أمستردام ومدينتي
- جون تايلور في بغداد: حين التقت السياسة النقدية بجنرالات اللي ...
- نزار قباني على رصيف الذكرى… ليتني لم أره فرحًا
- مؤتمر باندونغ: يوم هزّ عرش طفولتي
- الحانة الويلزية: ملتقى التاريخ الجامعي والتراث الفيكتوري
- ساعة اليد المتواضعة: الزمن مرآت للطبقات
- زيمبابوي : درس في الانكسارات الاقتصادية
- راس المال الرمزي تحت جدران المدينة المحرمة.
- الصدمة الثقافية: جوهر الانسان و وهم الاختلاف
- دموع الذكريات على سفوح الجبال
- الهوية واللغة والطبقة الاجتماعية: بين ويليام لابوف وإبراهيم ...
- قصابون من نوع آخر..! من دفاتر مفاوضات اقتصادية في لندن …إنه ...
- كارل ماركس في العصر الرقمي: من مانهاتن إلى الاغتراب الآلي
- صيد التروتة من ينابيع الجبال
- مدينةٌ تخفت في جلابيبها.
- سان فرانسيسكو: قوة تكنوقراط ناصحة !
- في الطريق إلى هوليوود: مفارقات لا تنتهي


المزيد.....




- سيلينا غوميز تعود إلى زمن هوليوود القديم في إطلالة حفل زفافه ...
- بعد أربع سنوات على افتتاحه..المبادرة المصرية تصدر نتائج تحقي ...
- انتخابات تشريعية حاسمة في مولدافيا، لماذا؟
- الكلاب تنهش جثث الشهداء بشوارع غزة والاحتلال يمنع الإسعاف من ...
- إصابة ضابط إسرائيلي بجروح خطيرة جنوب سوريا
- مريم دغمش الناجية الوحيدة من عائلة أبيدت تحت القصف بغزة
- 18 مفقودا في انهيار منجم غير قانوني في نيجيريا
- إقبال لافت بانتخابات الغابون وسط دعوات للشفافية
- محاكمة مغني راب في جزر القمر بسبب فيديو أحدث جدلا واسعا
- منتدى وارسو يحشد ضد روسيا وموسكو تهوّن وتحذّر


المزيد.....

- نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي ... / زهير الخويلدي
- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - مظهر محمد صالح - وزارة الخزانة الأميركية .. قوة إمبراطورية وأسطورة ورقة نقدية (ذكريات ما بعد الاحتلال)