أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - مظهر محمد صالح - تأميم المصنع الوطني: التاريخ الذي أحزن والدي














المزيد.....

تأميم المصنع الوطني: التاريخ الذي أحزن والدي


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 18:11
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


عاش والدي موظفًا حكوميًا ، يُعد من أبناء الطبقة الوسطى، يتحمّل أعباء عائلته صغيرها وكبيرها. كان يجد متعة في التسوّق لتأمين احتياجات بيتنا من راتبه الشهري كموظف تربوي ، إلى أن اصطدم عشية ثورة تموز 1958 بأيام قليلة ، بحادثة اقتصادية قاسية ، إذ قام قصّاب المدينة، الرجل النظيف الرائع، برفع سعر لحم الغنم فجأة إلى 120 فلسًا للكيلوغرام الواحد!

تعجّب والدي حين سأل قصّابنا المحترم ، عن سبب هذا الارتفاع المفاجئ، فأجابه:
“إنها تحرّكات سعرية لا أعرف مصدرها، لكنها بُنيت على معلومات مشوشة أو ملونة بشأن مستقبل الاستقرار الاقتصادي مع الانتقال من العهد الملكي إلى الجمهوري.”
ظل والدي يحتفظ بثلاثين أو أكثر من أسهم شركة السمنت العراقية ، التي كان قد اشتراها وقت تأسيس الشركة في العام 1936، وهي من الشركات الناجحة آنذاك. كانت تلك الأسهم مصدر فرح مزدوج له كل عام:
الأول، عندما يتلقى طردًا بريديًا كبيرًا يحمل الحسابات الختامية السنوية للشركة بجداول محاسبية منتظمة التبويب لا نفقه نحن الصغار منها شيئًا،
والثاني، حين يصله طرد آخر يحمل إشعارًا بحصته من الأرباح السنوية، والتي كانت تبلغ نحو خمسة دنانير، بكونه من صغار المساهمين.

كان والدي، الموظف الحكومي التربوي الأنيق، يصرف أرباحه السنوية في تفصيل بدلة رجالية لدى أمهر خيّاطي العاصمة بغداد، أولئك الذين تُضرب بهم الأمثال في الدقة والوضوح في التصميم.

مضت سبع سنوات على حادثة ارتفاع أسعار اللحوم، وسط ضوضاء التبدلات السياسية، إلى أن تلقّى والدي صدمة جديدة !! بتأميم ذلك المصنع في العام 1964.

ظل والدي يتساءل ، وهو يجلس في دائرة عائلية كبيرة:
“أيّ برجوازية هذه التي تمت مصادرة هذه الأسهم القليلة منها؟!
لقد حُرمت، يا أولادي” — ونحن الأبناء الخمسة ملتفّين حوله — “من دون أن أُخِلّ بدخلي الشهري، ومن دون أن أطمع، بل كنت أتمتع بملبس سنوي لائق من حقوق ملكية لا تتعدى عوائدها ثمن بدلة واحدة!”…كانت تلك لحظة عزلة بين والدي المواطن البسيط وسلطات اقتصادية اعتقدت أنها تحارب الرأسمالية، فيما كانت في الحقيقة تقوض ثقة الطبقة الوسطى بالمستقبل.

كان يوم التأميم للمصنع الوطني يومًا حزينًا عليه…

انقضت سنوات قليلة بعدها، وترك زهو ملبسه، ودخل عالم التقاعد،
وهو يراقب أن بناة الصناعة وازدهارها قد أصبحوا قيد الرحيل،
وأن بلادنا قد انتهت بـ”أنـياب اقتصادية مخلوعة الصناعة”،
وأن دواليبها قد توقّفت في صراعات وحروب،
ولم تبدأ من جديد، إلا بعد ضياع سبعة عقود من رحيلها، وهي ترفع معاول لا ترحم جسدها.

دخلنا اليوم من هذا القرن ما سُمِّي بـ”السلام الصناعي”،
لكن والدي توفّي، وتوفّي الآباء المؤسسون،
ونحن امام جيلٌ ينتظر آباء الصناعة الجدد في عالم الصناعة الحديثة، وانه جيل قد لايعلم شيئًا عن حلم الملكية الصغيرة أو بدلة من أرباح وطنية، ونحن في عالم باتت مصانعه تدخل
مرحلتها الخامسة، التي تربط الذكاء الصناعي بالذكاء البشري،
في خلية نحل رقمية، لا تعرف سوى أن تلتقط قطرات الرحيق وتحوّلها إلى عسل الإنتاج.
إنها رؤية سيبقى عنوانها:
دواليب مصانع الغد بدأت ترسم مساراتها، ولا مناص من ركوب قطارها. فالاقتصاد ليس مجرد أرقام وسياسات، بل حكايات، وبدلات سنوية، وطموحات صامتة كانت تدور في بيوت الطبقة الوسطى.
وإذا كنا اليوم نؤسس لصناعة حديثة، فلا ننسَ أن نضع للناس مكانًا فيها…
لا بمصادرة أحلامهم البسيطة ، بل بإشراكهم فيها، ولو بسهم صغير.
انتهى/////



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربطة العنق: متلازمة التعليم والأناقة في بغداد
- حرب السويس تشتعل… وخالتي تبحث عن ابنها
- حكاية خبز .. بين أمستردام ومدينتي
- جون تايلور في بغداد: حين التقت السياسة النقدية بجنرالات اللي ...
- نزار قباني على رصيف الذكرى… ليتني لم أره فرحًا
- مؤتمر باندونغ: يوم هزّ عرش طفولتي
- الحانة الويلزية: ملتقى التاريخ الجامعي والتراث الفيكتوري
- ساعة اليد المتواضعة: الزمن مرآت للطبقات
- زيمبابوي : درس في الانكسارات الاقتصادية
- راس المال الرمزي تحت جدران المدينة المحرمة.
- الصدمة الثقافية: جوهر الانسان و وهم الاختلاف
- دموع الذكريات على سفوح الجبال
- الهوية واللغة والطبقة الاجتماعية: بين ويليام لابوف وإبراهيم ...
- قصابون من نوع آخر..! من دفاتر مفاوضات اقتصادية في لندن …إنه ...
- كارل ماركس في العصر الرقمي: من مانهاتن إلى الاغتراب الآلي
- صيد التروتة من ينابيع الجبال
- مدينةٌ تخفت في جلابيبها.
- سان فرانسيسكو: قوة تكنوقراط ناصحة !
- في الطريق إلى هوليوود: مفارقات لا تنتهي
- الحادي والعشرون من ديسمبر… النور الذي يسبق العاصفة


المزيد.....




- نتنياهو يتحدث عن -اتفاق ممكن- مع سوريا.. ويوجه رسالة للبنان: ...
- نتنياهو يهاجم القادة الذين اعترفوا بدولة فلسطينية: -لن نقدم ...
- -أرسلنا لهم رسالة ووصلتهم-.. شاهد ما قاله نتنياهو عن تفجير أ ...
- وسط مقاطعة واسعة لكلمته: نتنياهو يرحّب بجهود لبنان -لنزع- سل ...
- هل توجد حضارات أخرى تعيش خارج كوكب الأرض؟
- فيضانات قياسية تضرب البنجاب وتعمّق التوتر بين الهند وباكستان ...
- غارة إسرائيلية تستهدف بناية سكنية في حي الرمال وسط مدينة غزة ...
- مدارس النخبة تحتكر التفوق بامتحان القبول الجامعي في إيران
- شهادات مروعة لأطباء دوليين عملوا في غزة
- روسيا تنتقد تهديدات زيلينسكي وأوكرنيا تتحدث عن فشل عسكري روس ...


المزيد.....

- علاقة السيد - التابع مع الغرب / مازن كم الماز
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - مظهر محمد صالح - تأميم المصنع الوطني: التاريخ الذي أحزن والدي