أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - مظهر محمد صالح - بكاء الأمهات على بوابة سجن متخلف..














المزيد.....

بكاء الأمهات على بوابة سجن متخلف..


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 16:15
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


سارت الحافلة الصغيرة بين الصحراء والمزارع، تقطع مسافة ليست بعيدة عن مدينتنا. لكنها بدت لنا طويلة، مثقلة بالشوق، تحمل في داخلها قدور الطعام وروائح المطابخ البيتية ، وتزدحم بالنساء اللواتي ارتدين عباءاتهن السوداء، متجهات إلى السجن النائي حيث زُجّ بأبنائهن هناك . كان ذلك في خمسينيات القرن الماضي، في زمن عصيب غرقت فيه البلاد في صراعات أيديولوجية حادة، تتأرجح بين ما يُسمّى “التقدمي” و”الرجعي”، مصطلحات بدت في وقتها غامضة حتى لو رجع المرء إلى معجم أكسفورد للعلوم السياسية.

بلغنا “سجن الكرمة”، ذلك المبنى المتقشف المكتظ بالبشر، شبه الصحراوي في قسوته وعزلته. هناك، تعالت أصوات الأمهات عند البوابة، كل واحدة تبحث بعينيها ودموعها عن ولدها، فيما الأبناء من وراء القضبان يتلمسون وجوه أمهاتهم وسط الموجة ذاتها من البكاء. كنت صبياً صغيراً أحمل قدراً من الطعام، أتعثر في ممر طيني، ولا أدري أين انتهى مصير ذلك الطعام في زحمة المشهد، إذ غطى العويل على تفاصيل الحياة الصغيرة. أما أمي، فقد كانت هناك تبكي على شقيقي الأكبر.

في ذلك المشهد، لم يدهشني سوى صرامة أمٍ أخرى احتضنت ابنها المنكسر، وقالت له بجلادةٍ موجعة: “لسانك حصانك، إن صُنته صانك، وإن هنته هانك!”. كان الفتى يبكي بين يديها، وهي ترد عليه بأن هذا هو مصيره ، في بحر السياسة التي لم يعرف منها سوى أن تقوده إلى زنزانة قاسية في بناية متخلفة.

مضت عقود طويلة. رحلت أمي، ورحلت الأمهات جميعاً، وتوفي أخي، ومات معهم عصر الأيديولوجيات نفسه.
لكن الزمن الغريب يأبى إلا أن يترك مفارقاته: فالناحية النائية التي ضمّت ذلك السجن المتخلف، غدت اليوم قضاءً حديثاً، له فريق كرة قدم ينافس على بطولة البلاد، وفيه مطاعم من الدرجة الأولى. أما بناية السجن، فبقيت كئيبة، تستحضر بين جدرانها صدى بكاء الأمهات وروائح قدور الطعام، شاهدةً على زمنٍ منقضٍ، و تاريخٍ مثقل بالصراعات التي لم تنجح في أن تصوغ عقداً اجتماعياً يليق ببلادنا.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البنادق مقابل اللوبستر البحري: مقاربة في الاقتصاد السياسي لم ...
- وزارة الخزانة الأميركية .. قوة إمبراطورية وأسطورة ورقة نقدية ...
- تأميم المصنع الوطني: التاريخ الذي أحزن والدي
- ربطة العنق: متلازمة التعليم والأناقة في بغداد
- حرب السويس تشتعل… وخالتي تبحث عن ابنها
- حكاية خبز .. بين أمستردام ومدينتي
- جون تايلور في بغداد: حين التقت السياسة النقدية بجنرالات اللي ...
- نزار قباني على رصيف الذكرى… ليتني لم أره فرحًا
- مؤتمر باندونغ: يوم هزّ عرش طفولتي
- الحانة الويلزية: ملتقى التاريخ الجامعي والتراث الفيكتوري
- ساعة اليد المتواضعة: الزمن مرآت للطبقات
- زيمبابوي : درس في الانكسارات الاقتصادية
- راس المال الرمزي تحت جدران المدينة المحرمة.
- الصدمة الثقافية: جوهر الانسان و وهم الاختلاف
- دموع الذكريات على سفوح الجبال
- الهوية واللغة والطبقة الاجتماعية: بين ويليام لابوف وإبراهيم ...
- قصابون من نوع آخر..! من دفاتر مفاوضات اقتصادية في لندن …إنه ...
- كارل ماركس في العصر الرقمي: من مانهاتن إلى الاغتراب الآلي
- صيد التروتة من ينابيع الجبال
- مدينةٌ تخفت في جلابيبها.


المزيد.....




- الأمم المتحدة: الحديث عن منطقة آمنة في غزة مهزلة
- الاستخبارات التركية تكشف تفاصيل اعتقال -عميل للموساد- واسمه ...
- الأمم المتحدة: الحديث عن منطقة آمنة جنوب غزة مهزلة
- 5 شهداء غالبيتهم من الأطفال في قصف الاحتلال خيام النازحين بم ...
- الأمم المتحدة: الحديث عن منطقة آمنة جنوب غزة مهزلة
- في أقوى تصريح لها.. الأمم المتحدة تصف الحديث عن -مناطق آمنة- ...
- رغم دعوات الأمم المتحدة.. -فيفا- و-يويفا- يرفضان تعليق عضوية ...
- عشرات القتلى في الفاشر..والأمم المتحدة تدعو لـ-تجنب الفظائع- ...
- روسيا وأوكرانيا تتبادلان مئات الأسرى
- -بحجة- دعمها لحماس.. قاضية أميركية تقر بحصانة -الأونروا-


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - مظهر محمد صالح - بكاء الأمهات على بوابة سجن متخلف..