أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - مظهر محمد صالح - قصر النهاية: حين مررنا بالسجن ولم نعد إلى بابل














المزيد.....

قصر النهاية: حين مررنا بالسجن ولم نعد إلى بابل


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 18:51
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


(حوار الطالب والأستاذ)
في رحلةٍ جامعيةٍ عابرةٍ بين بغداد وبابل، يتقاطع الزمن الحضاري بزمن القسوة، حين يطلّ «قصر مخيف» من خلف السياج كظل لوطنٍ أنهكته السجون، فيصبح الطريق إلى بابل رحلة في الذاكرة والوجع معًا.

في صباحٍ رمادي من صباحات بغداد ، قبل نصف قرنٍ ونيف، انطلقت الحافلة الجامعية نحو بابل، كأنها تشقّ طريقها في جسد وطنٍ مثقلٍ بالندوب.
كانت الوجوه شابةً، ضاحكةً، تتبادل الحكايات عن التخرّج القريب، عن أحلامٍ لم تذبلها الخيبات بعد. جلستُ قرب النافذة ، و إلى جواري جلس أستاذي ، رجلٌ نحيلٌ بعينين غائرتين، يشبه الكتب القديمة التي لا يقرؤها أحد، لكنها تعرف كلَّ شيء.

بدأ يحدثني عن أيام دراسته في جامعة ستانفورد .. عن مكتباتها التي تشبه المعابد ، وعن حدائقها التي لا تعرف الحرب.
قال "هناك يعامل الانسان كفكرة ، لا كخطر".
كنتُ أستمع إليه كمن يشرب من نهرٍ بعيدٍ لا يعرف إن كان سيصل إليه يومًا.

ثم، بلا قصد، التفتنا معًا إلى سياجٍ موحشٍ يمرّ بمحاذاة الطريق.
خلفه كان سجنٌ رهيبٌ يختبئ ، لا يعلن عن نفسه، لكنه حاضرٌ كالكابوس.
قال لي بصوتٍ خافتٍ يشبه البكاء:

“هذا هو قصر النهاية… سبقتك إليه يا ولدي، كنتُ نزيله قبل عامين.”

نظرتُ إليه مذهولًا، فوجدتُ في عينيه بقايا صراخٍ لم يُسمع.
أردف بحزنٍ متهدّج:

“في هذا الوطن، لا فرق بين الحلم والجريمة.
الريح تطحن الغبار، كما تطحن البلاد أبناءها".

قلتُ له وأنا أستعيد وجوهًا منطفئة خلف القضبان:

“الجلادون كُثُر ، والتهمة واحدة: أن تحبّ الحرية ، وأن تؤمن بالكلمة.”

واصلت الحافلة طريقها نحو بابل، ونحن نتهامس كمن يخشى أن يسمعه الماضي.
وعند بوابة عشتار، وقف المرشد السياحي يشرح بفخرٍ عن شريعة حمورابي، وعن العدالة التي كانت.
لكنني تذكّرت أن في بلادي قصرًا آخر لا يشبه القصور، بل يشبه الجحيم.
قصرٌ ملكيٌ في القرن العشرين ، تمزّقت فيه كل الشرائع ، منذ ان أفلَ نجمهُ وبات سجناً في خرائط سجون شرق المتوسط، وسادت فيه شريعة واحدة : شريعة القسوة .. انه قصر النهاية..!

ذلك اليوم، كانت بابل تستعيد مجدها في عيوننا، بينما كان وطننا يسقط من أعيننا بصمت.

مضت الأعوام.
مات أستاذي في غربته، ولم تعد بابل تجمعنا.
بعضنا التهمته الحروب، وبعضنا ابتلعته المنافي، وبعضنا اختنق في صمته الطويل.

صرنا أجدادًا نحمل ذكرياتٍ لا تورث سوى الحنين، نحكي لأحفادنا كيف كنا نركب حافلةً كبيرةً نحو بابل، نضحك في الطريق ، غير عارفين إنا كنا نغادرها إلى الأبد… ولم يتبقَّ منها إلا وجع الذكريات.
(إنتهى)



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاي… نباتُ الصين العظيم من قرن الإذلال إلى الحرب التجارية ...
- اقتصاد الدموع : حين يصبح الحنين عملةً رمزية.
- خليجان يحرسهما قمر واحد – من أزمنة لا تموت رحلة تأملية بين ف ...
- السفرة المؤجَّلة: أزمنة لا تموت
- تحت ظلال شجرة النارنج: مدرسة زهاء حديد في بغداد
- جدلية الظل والمصالحة مع الذات : القرين الخفي مرآة ديستوفسكي ...
- بكاء الأمهات على بوابة سجن متخلف..
- البنادق مقابل اللوبستر البحري: مقاربة في الاقتصاد السياسي لم ...
- وزارة الخزانة الأميركية .. قوة إمبراطورية وأسطورة ورقة نقدية ...
- تأميم المصنع الوطني: التاريخ الذي أحزن والدي
- ربطة العنق: متلازمة التعليم والأناقة في بغداد
- حرب السويس تشتعل… وخالتي تبحث عن ابنها
- حكاية خبز .. بين أمستردام ومدينتي
- جون تايلور في بغداد: حين التقت السياسة النقدية بجنرالات اللي ...
- نزار قباني على رصيف الذكرى… ليتني لم أره فرحًا
- مؤتمر باندونغ: يوم هزّ عرش طفولتي
- الحانة الويلزية: ملتقى التاريخ الجامعي والتراث الفيكتوري
- ساعة اليد المتواضعة: الزمن مرآت للطبقات
- زيمبابوي : درس في الانكسارات الاقتصادية
- راس المال الرمزي تحت جدران المدينة المحرمة.


المزيد.....




- وزير الخارجية الأمريكي: قوة حفظ السلام في غزة ستضم دولاً تشع ...
- العودة الموجعة.. اللاجئون الأفغان بين مطرقة باكستان وسندان ط ...
- الأونروا تطالب الاحتلال بإيقاف ضم الأراضي في الضفة الغربية
- في بارقة أمل وسط الدمار.. -الأغذية العالمي- يعلن عودة عمل ال ...
- رغم تدمير المدارس.. -الأونروا- تطلق خطة طارئة لإنقاذ تعليم 3 ...
- الأونروا تنتقد تصريحات روبيو وتؤكد على حيوية دورها بغزة
- -لا وقت كافيا-.. النرويج تطالب بضغط دولي عاجل لإغاثة غزة وإن ...
- الإغاثة الإنسانية التركية تزيل الركام وتوفر المياه في غزة
- تحقيق لـ-هآرتس-: سبل التطهير العرقي بالضفة.. سلب ونهب وتهجير ...
- -الإغاثة الإنسانية- التركية تزيل الركام وتوفر المياه في غزة ...


المزيد.....

- رهائن عاصفة الصحراء / ملهم الملائكة
- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - مظهر محمد صالح - قصر النهاية: حين مررنا بالسجن ولم نعد إلى بابل