أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - الشاي… نباتُ الصين العظيم من قرن الإذلال إلى الحرب التجارية الناعمة.














المزيد.....

الشاي… نباتُ الصين العظيم من قرن الإذلال إلى الحرب التجارية الناعمة.


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 19:01
المحور: قضايا ثقافية
    


من جورج تاون الهادئة في واشنطن إلى بكين النابضة بذاكرة الإمبراطوريات، يمتد خيطٌ رفيع من البخار العطر، يصعد من أكواب الشاي ليحكي قصةً اقتصادية وثقافية عن قوةٍ ناعمةٍ نبتت من ورقةٍ خضراء.
ذلك الشاي الذي ألهب خيال الشعراء، وحرّك أساطيل الإمبراطوريات، كان ولا يزال شاهدًا على انتقال القوة من المدفع إلى المعنى، ومن الهيمنة الصلبة إلى التجارة الناعمة.

ففي شتاء هاديء ،تسللتُ إلى أزقة جورج تاون، المدينة القديمة الراقية في قلب واشنطن ، أبحث عن ركنٍ صغير أستريح فيه بعد يومٍ من الاجتماعات. شدّني مشهد واجهةٍ صينية الطراز تتوسطها صورة كوب شايٍ عملاق، كأن عبقه يسبق نكهته. دخلتُ المكان برفقة زميلي، نبحث عن استكانةٍ من الشاي الصيني تليق بمساءٍ هادئ.

جلسنا في قاعةٍ يلفها العطر والسكينة؛ أباريق خزفية بيضاء، أكواب دقيقة الحافة، ويدُ النادل تنساب في حركاتٍ محسوبة كأنها طقس مقدس. تذكرتُ شتاءات بلادي، حين يكون الشاي على مناقل الفحم سيد الاسترخاء ورفيق الحكايات العائلية.

وحين طلبنا الفاتورة على الطريقة البغدادية، جاءنا مدير المطعم بابتسامةٍ آسيويةٍ رقيقة وقال:

“أنتم ضيوفنا… الشاي في الصين لا يُباع، بل يُقدَّم.”

كان ذلك الدرس الأول في اقتصاد الذوق الصيني، حيث تتحول السلعة إلى قيمةٍ ثقافية، وتصبح الضيافة فلسفةً تسبق التجارة.

غادرتُ المكان وأنا أستعيد تاريخًا مريرًا: حين اندلعت حروب الأفيون بين الصين وبريطانيا في القرن التاسع عشر، حين رفضت الإمبراطورية الشرقية تجارة المخدرات الذي فرضته أوروبا لتعديل ميزانها التجاري.
لكنّ المدافع تفوقت على الحكمة؛ فكانت معاهدة نانكنغ (1842) التي منحت بريطانيا هونغ كونغ وفتحت الموانئ الصينية، ثم معاهدة تيانجين واتفاقية بكين (1860) التي شرّعت تجارة الأفيون رسميًا، لتبدأ مرحلة ما يسميه الصينيون قرن الإذلال.

بعد أعوام، رويتُ تلك الحكاية لصديقٍ صيني في بكين، فضحك وقال:

“نحن من زرع الشاي، والغرب هو من أدمنه. لذا ستكون ضيفي غدًا في بيت الشاي الأجمل في العاصمة بكين.”

وفي اليوم التالي، وجدتُ نفسي في قاعةٍ موسيقيةٍ راقية تؤدي فيها فتاتان بعمر الزهور ألحانًا صينية عذبة. أُحضرت أباريق الشاي تباعًا، وشرح مضيفي كيف يُزرع الشاي في أعالي الجبال، ويُقطف بأيدٍ ماهرة، ويُخمّر بمياه الينابيع نفسها التي تسقيه.

بعد الجلسة، دخلنا معرض الشاي الصيني، وهناك دهشتُ لأسعار الأقراص المضغوطة من أوراق الشاي اليابس؛ بعضها يتجاوز ثلاثة آلاف دولار للنصف كيلوغرام الواحد.
سألته بدهشة:
“ومن يشتري؟”
ابتسم قائلاً:

“الأوربيون الأثرياء… أحفاد من خاضوا حرب الأفيون، يشربون اليوم شاي بلادنا كتحيةٍ ناعمةٍ للتاريخ.”

ابتسمتُ في سري، وأدركتُ أن الشاي الصيني لم يعد مجرد شرابٍ، بل صار اقتصادًا رمزيًا، ومعركةً ناعمة بين واشنطن وبكين، تُخاض على موائد الشاي لا في ساحات القتال.
فمن حرب الأفيون إلى حرب التعريفات الكمركية، ظلّت ورقة الشاي الخضراء رمزًا لتحوّل القوة في العالم:
من الاستعمار بالسفن إلى التنافس بالأسواق،
ومن الهيمنة المسلحة إلى التأثير الصامت لكوبٍ يُحتسى ببطءٍ، لكنه يغيّر التاريخ.
انتهى



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقتصاد الدموع : حين يصبح الحنين عملةً رمزية.
- خليجان يحرسهما قمر واحد – من أزمنة لا تموت رحلة تأملية بين ف ...
- السفرة المؤجَّلة: أزمنة لا تموت
- تحت ظلال شجرة النارنج: مدرسة زهاء حديد في بغداد
- جدلية الظل والمصالحة مع الذات : القرين الخفي مرآة ديستوفسكي ...
- بكاء الأمهات على بوابة سجن متخلف..
- البنادق مقابل اللوبستر البحري: مقاربة في الاقتصاد السياسي لم ...
- وزارة الخزانة الأميركية .. قوة إمبراطورية وأسطورة ورقة نقدية ...
- تأميم المصنع الوطني: التاريخ الذي أحزن والدي
- ربطة العنق: متلازمة التعليم والأناقة في بغداد
- حرب السويس تشتعل… وخالتي تبحث عن ابنها
- حكاية خبز .. بين أمستردام ومدينتي
- جون تايلور في بغداد: حين التقت السياسة النقدية بجنرالات اللي ...
- نزار قباني على رصيف الذكرى… ليتني لم أره فرحًا
- مؤتمر باندونغ: يوم هزّ عرش طفولتي
- الحانة الويلزية: ملتقى التاريخ الجامعي والتراث الفيكتوري
- ساعة اليد المتواضعة: الزمن مرآت للطبقات
- زيمبابوي : درس في الانكسارات الاقتصادية
- راس المال الرمزي تحت جدران المدينة المحرمة.
- الصدمة الثقافية: جوهر الانسان و وهم الاختلاف


المزيد.....




- ترامب يهدد بـ-القضاء- على حماس إذا انتهكت اتفاق وقف إطلاق ال ...
- فيديو متداول لـ-جولة عمر البشير في شوارع مروي- بالسودان.. ما ...
- زياد زهر الدين.. قنصل سوري سابق يعلن توقفه عن العمل بالحكومة ...
- بعد الجدل حول تصريحاته عن الهجرة.. ميرتس يتعهد بإبقاء ألماني ...
- ملايين مستحقة لأندية ألمانية.. الديون تثقل كاهل فريق برشلونة ...
- الخط الأصفر.. ذريعة إسرائيل لانتهاك وقف إطلاق النار في غزة
- موريشيوس تجمّد أصول رجل أعمال مرتبط برئيس مدغشقر السابق
- الأوروبيون يناقشون العقوبات على إسرائيل بعد وقف إطلاق النار ...
- قبل سرقة المجوهرات الإمبراطورية.. محطات في تاريخ السرقات الت ...
- -ما خفي أعظم- يكشف أسماء وصور قتلة الطفلة الفلسطينية هند رجب ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - الشاي… نباتُ الصين العظيم من قرن الإذلال إلى الحرب التجارية الناعمة.