أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر علي - مؤتمر ترامب للسلام في شرم الشيخ هندسة ماكرة لصراع جديد!














المزيد.....

مؤتمر ترامب للسلام في شرم الشيخ هندسة ماكرة لصراع جديد!


منذر علي

الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 21:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ليس ما جرى في شرم الشيخ "مؤتمر سلام" بالمعنى المألوف، بل عملية إعادة هيكلة للمنطقة تحت مظلة خطابٍ دبلوماسي مضلِّل. إن الحديث عن "وقف شامل للحرب" لا يعني سوى وقفٍ مؤقتٍ لأحد مظاهرها الأكثر صخبًا، تمهيدًا لمرحلةٍ جديدة من السيطرة الهادئة والممنهجة. فالحرب في غزة والضفة الغربية لن تتوقّف، بل ستغيّر أدواتها ووُجوهها. سيُنتزع سلاح المقاومة، وتُدمّر الأنفاق التي تمثّل شرايين الدفاع الشعبي، فيمَا تستمرّ عمليات الاغتيال والاستيطان والتدجين بأسماءٍ جديدة وتحت ذرائع منمّقة مثل "الأمن" و"الاستقرار" و"إعادة الإعمار".

غير أنّ هذا التعديل التكتيكي الداخلـي لا يُلغي استمرار الحرب في محيط فلسطين، بل يوسّع أفقها. فالمعارك ستنتقل إلى ساحاتٍ إقليمية، لتأخذ أشكالًا متعدّدة: اغتيالات سياسية، إشعال طائفي بين الشيعة والسنّة، نزاعات دينية بين المسيحيين والمسلمين في لبنان، وتأجيج التوتر بين الأقليات — من الدروز والأكراد — وسلطات الحكم السنيّة في سوريَا. السيناريو ذاته يُعاد إنتاجه في اليمن، حيث تُستثمر الانقسامات بين الحكومة المعترف بها دوليًا والمجلس الانتقالي وسلطة الحوثيين لإدامة الفوضى المقنّنة، وفي العراق عبر تناقضات السلطة المركزية مع الحشد الشعبي، ثم في جَنُوب آسيا بين باكستان وأفغانستان، و باكستان والهند. كلّ تلك الصراعات ليست حوادث طارئة، بل استراتيجيات دقيقة لإبقاء المنطقة في حالة احتراقٍ داخليّ دائم.

في ظلّ هذه الفوضى المنسّقة، ستجد الولايات المتحدة وإسرائيل الفرصة لتعزيز تحالفاتهما مع القُوَى السياسية المتماهية مع النزعات الصهيونية والرجعية، المناهضة لأيّ مشروع استقلال أو وحدة وطنية أو عربية. فبدل أن تُفرض الهيمنة عبر الجيوش، ستُمارَس عبر نخَبٍ عربية تُعيد إنتاج التبعية الاقتصادية والثقافية والسياسية بأيديها. وهكذا تُهيَّأ الأرض لمرحلة الانتحار السياسي الذاتي، حيث تدمّر الأنظمة مقوّمات السيادة من الداخل بلا حاجة لاحتلالٍ مباشر.

وستكون إيران الهدف التالي في هذه الخُطَّة الكوكبية. فالحصار الاقتصادي والتجفيف السياسي ليسا سوى مقدّمة لمحاولة إخضاع النظام أو تفكيكه من الداخل، بمساعدة معارضةٍ تعمل وفق أجنداتٍ متشابكة مع إسرائيل وبعض الدول الخليجية والغربية. وفي النتيجة، سيتمّ تعزيز مكانة إسرائيل لا باعتبارها مجرّد دولة، بل بوصفها محورًا استراتيجيًا للهيمنة الإمبريالية في المنطقة، وجسرًا بين القوة الغربية التقليدية ومصالحها في الشرق الأوسط.

في الأشهر والسنوات القليلة المقبلة، ستشهد المنطقة عملية ترويضٍ سياسيٍّ منظمة للعالم العربي. الهدف ليس إشاعة السلام، بل إنتاج القبول القسري بالتطبيع مع إسرائيل، بعد إنهاك الدول وتجريدها من الإرادة المستقلة. ومع هذا الإخضاع الناعم، تُعاد صياغة الجغرافيا السياسية بما يخدم إعادة التوازن العالمي لمصلحة القُوَى الإمبريالية الكبرى — الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وكندا، وأستراليَا، واليابان وكوريا الجنوبية — في مواجهة القُوَى الصاعدة كالصين وروسيا. فاليابان وتايلاند توظفان لمحاصرة الصين، وأوكرانيا تستنزف روسيا، بينما تواجه كوريا الشِّمالية والدول المستقلة في إفريقيَا وأمريكا الجنوبية ضغوطًا متزايدة لإعادتها إلى بيت الطاعة الاقتصادي.

بهذا المعنى، لا يُمكن قراءة "مؤتمر سلام ترامب" إلا باعتباره جزءًا من مشروعٍ يُعيد تعريف الحرب نفسها: حربٌ بلا جيوش، واحتلالٌ بلا دبابات، وسيطرةٌ تُمارَس بآليات الاقتصاد والدبلوماسية والإعلام. تحت شعار "السلام"، يجري تفريغ الوعي العربي من قدرته على الرفض، وتُبرمج المنطقة لتخدم مصالح الآخرين بينما تتوهم أنها تملك قرارها.
إن ما بعد مؤتمر شرم الشيخ هو بداية لمرحلة جديدة من الاستعمار، أكثر ذكاءً وأشد خطورة. فبدل القنابل، هناك الاتفاقيات؛ وبدل الاحتلال المباشر، هناك أنظمة تنفّذ أوامر الخارج عن طيب خاطر. السلام الموعود هو الوجه الهادئ للحرب المستمرة.

في نهاية المطاف، لا يكمن الخطر الحقيقي في مؤتمرات السلام الزائفة ولا في الاتفاقيات المصاغة في الغرف المغلقة، بل في قابلية الشعوب لتصديق الأوهام التي تُروَّج باسم الواقعية. فحين تُمنَح الهيمنة غطاءً لغويًّا من “السلام” و“الاستقرار”، تصبح اللغة ذاتها أداةً للاستعمار، ويغدو تزييف الوعي أخطر من الاحتلال العسكري. إنّ ما يواجهه العالم العربي اليوم ليس فقط غزوًا خارجيًا، بل تفكيكًا بطيئًا للوعي الجمعي — إذ يجري تحويل المواطن إلى متفرّج، والمجتمع إلى سوق، والثقافة إلى ملحقٍ بالدعاية السياسية.

لكنّ التاريخ لا يُكتب بحتميات السلطة وحدها. فكما أثبتت الشعوب في كل عصور القهر، يمكن للذاكرة أن تكون فعل مقاومة، وللكلمة أن تستعيد معناها كأداة تحرر. فحين يُستعاد الوعي، تُستعاد القدرة على الرفض، وحين يُستعاد الرفض، يبدأ التاريخ من جديد. إنّ كسر هذه الحلقة لا يتطلب جيوشًا، بل إدراكًا جمعيًّا بأنّ الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع بفعلٍ معرفيٍّ مستنير، ومعركة فكرية لا تقلّ خطورة عن معارك السلاح.



#منذر_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دونالد ترامب وصناعة الخراب: قراءة في أخلاق القوة والتواطؤ!
- رسالة مفتوحة إلى الأخ عبد الملك الحوثي: نداء للتبصر والمسؤول ...
- رسالة مفتوحة إلى مجلس القيادة الرئاسي اليمني: نداء للتبصر وا ...
- الاعتراف البريطاني بفلسطين: خطوة صائبة لكنها غير كافية!
- قمة الدوحة بين الجدية العربية والعبثية العبرية!
- الصهاينة في عدن: مشهد عبثي في مهد الثورة التحررية!
- العدوان الصهيوني على الدوحة وصنعاء وازدواجية الموقف العربي!
- التافهون الخونة لهم صرختاهم البغيضة أيضًا!
- اليمن في مرمى المشروع الصهيوني!
- هل يجوز نزع سلاح المقاومة اللبنانية؟
- رِهان الحكام العرب على سراب الصهيونية!
- رحيل صنع الله إبراهيم… صوت الذاكرة والاحتجاج!
- الوطنية بين وهم الانتماء وأدلجة الولاء: أيهمَا الأصل وأيهمَا ...
- إسرائيل تفترس سوريا وتعيد هندسة العالم العربي!
- ألا يستحق زعماؤنا جائزة نوبل... للسلام؟
- إيران: إرادة لا تُقهر بين النصر الرمزي وتحديات الهيمنة!
- العدوان الإمبريالي على إيران بين اليسار الحقيقي واليسار الزا ...
- الضمير المستأجر: منابر عربية تُمجّد القاتل وتدين الضحية!
- المفارقة المحزنة: حين يُطلب منك باسم العروبة أن تؤيد إسرائيل ...
- كيف يفكر الأوغاد صباح الهجوم الإسرائيلي على إيران؟


المزيد.....




- -القسام- تعلن أنها ستُسلّم جثتي رهينتين إسرائيليتين الأربعاء ...
- العتمة تخيّم على أوكرانيا.. تقنين واسع للكهرباء بعد ضربات رو ...
- مدغشقر: من هو مايكل راندريانيرينا العقيد الذي أطاح برئيس الب ...
- المغربي عثمان معما نجم الجيل الكروي الجديد
- أميركا تحذر روسيا -بدفع الثمن- إذا لم تنه حربها على أوكرانيا ...
- إصابة فلسطينيين في اعتداءات لجيش الاحتلال والمستوطنين بالضفة ...
- لماذا سارعت الأجهزة الأمنية بملاحقة العصابات المسلحة في غزة؟ ...
- جيش الاحتلال يخلف دمارا هائلا بحي الزيتون
- القسام: المقاومة التزمت بما تم الاتفاق عليه وسلمت كل من لديه ...
- تقارير إسرائيلية تكشف تضاربا بشأن فتح معبر رفح


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر علي - مؤتمر ترامب للسلام في شرم الشيخ هندسة ماكرة لصراع جديد!