أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر علي - دونالد ترامب وصناعة الخراب: قراءة في أخلاق القوة والتواطؤ!














المزيد.....

دونالد ترامب وصناعة الخراب: قراءة في أخلاق القوة والتواطؤ!


منذر علي

الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 17:12
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في نهاية أكتوبر عام 2023، كانت هناك لحظة فارقة يمكن أن تُنقذ غزة من دمارها المتواصل. كان يمكن للحرب أن تتوقف، لو أن الأنظمة العربية امتلكت إرادة سياسية حقيقية أو حدًا أدنى من الكرامة التاريخية. لو أنها تخلّت عن الازدواجية التي تجعلها تتحدث باسم فلسطين صباحًا، وتنسّق أمنيًا مع إسرائيل مساءً. لو أغلقت أجواءها ومياهها أمام آلة الحرب الصهيونية، وقطعت العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع العدو. لو مارست ضغطًا حقيقيًا على الدول الراعية للإبادة، كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وأعلنت أنّ استمرار مصالحها مرهون بوقف المجزرة. لو فعلت شيئًا من هذا لكانت غزة اليوم أقلّ رمادًا، وأقلّ دمًا.
لكنها لم تفعل. بل الأسوأ من ذلك، أنّ بعض هذه الأنظمة شاركت، صراحة أو ضمنيًّا، في استمرار الحصار، وقدمت غطاءً سياسيًا للإبادة، تحت شعار “محاربة الإرهاب” والحفاظ على الاستقرار”. بذلك تحولت من ضحايا تاريخيين للاستعمار إلى أدوات فعّالة في مشروعه الجديد. ما يجري ليس فشلاً في الموقف، بل إجهاض متعمّد لفكرة التضامن العربي لصالح شبكات نفوذ تمسك القرار السياسي بيد، وحقول الاستثمار والغاز والسلاح باليد الأخرى.
أما الغرب، الذي يدّعي الدفاع عن القيم الإنسانية، فقد وقف موقف الشريك المنفذ، لا المراقب. فترامب لم يبدأ من فراغ، بل استثمر رصيدًا من الصمت الرسمي العربي والغربي، ليحوّل معادلة الصراع إلى مشروع اقتصادي–عسكري يتجاوز فلسطين إلى الجغرافيا كلّها: إخضاع سوريا ولبنان والعراق، ثم ابتلاع اليمن بحجة “الأمن البحري”، ثم إكمال المشهد بضرب إيران وتدمير بنيتها النووية بمساعدة حلفائه في أوروبا، والاعتماد على جماعات منفى رخيصة تُدار كأدوات للهيمنة.
إنّ الفكرة الجوهرية التي يتحرك بها ترامب ومنظومته ليست “الحرية” ولا “الأمن”، بل إعادة هندسة الشرق الأوسط كمجال سيطرة واحد يخضع كليًا لمنطق المال والسلاح الأميركيين، ويؤمّن دولة إسرائيل كقاعدة دائمة للتوسع الإمبريالي. وكل ذلك يجري تحت عنوان مضلل: "نشر الديمقراطية" و"تحقيق السلام".
في هذا السياق، عندما يصطف بعض القادة العرب ليشكروا ترامب، فإنهم لا يشكرون وقفًا للحرب كما يدّعون، بل يشكرون الجلاد الذي أعاد ترتيب خرائط القتل، ووزّع الأدوار بعناية بين “المعتدلين” والمتطرفين”. هم يعرفون جيدًا أن مشروع ترامب ليس “سلامًا في غزة”، بل “هندسة جديدة للمنطقة” تجعل كل شبر منها تحت الرقابة العسكرية والاقتصادية لحلفاء واشنطن وتل أبيب. ومع ذلك، يقدّمونه بوجه مزيّن بابتسامة دبلوماسية وعيونٍ تخفي الإذعان.
مشهد الزعماء العرب وهم يتزاحمون في أروقة المؤتمرات لشكر راعي الإبادة ليس تفصيلًا بروتوكوليًا؛ إنه تجسيد لمأساة سياسية وأخلاقية. لغة الشكر هنا ليست امتنانًا، بل اعتراف بالهزيمة الطوعية أمام القوة. وهي نفس اللغة التي استخدمتها نخب ضعيفة تاريخيًا لتبرير الاستعمار القديم، ولكنها اليوم تُقدَّم بمفردات “الشراكة الاستراتيجية” و” التنسيق الإقليمي”.
ولو أراد أحد أن يتعامل مع خطاب الشكر هذا وفق منطق تشومسكي، لعلم أنه جزء من منظومة اللغة المُباعة—اللغة التي تعيد إنتاج الأكاذيب الكبرى وتخفيها في النبرة الدبلوماسية. فالسلطة تعرف أن الحقيقة لا تُحجب بالرصاص وحده، بل تُطمس بالكلمات المنمّقة أيضًا.
ترامب في هذا المعنى ليس فردًا، بل رمزٌ لمنظومة إنتاج الخراب: رجل سياسي يختصر بصَلَفٍ أسلوب القوة الذي يرى في العالم سوقًا مفتوحًا للابتزاز، وفي الشعوب مناطق ضغط لا أممًا ذات حق. وحين يقال له في العلن: “شكرًا على تحقيق السلام”، يعلم هو قبل غيره أنه صانع الحرب التي قُدّمت بوصفها خلاصًا.
ما يحدث في غزة اليوم ليس سوى مرآة تعكس هذا النمط من العالم الجديد الذي يتحدث تشومسكي عنه دائمًا—عالمٌ تحكمه الشركات والسلاح، وتُقاد فيه الحكومات الصغيرة بالتهديد المالي لا بالاقتناع الأخلاقي. أما الشعوب، المستنزفة والمرهقة، فهي تُستدعى فقط لتصدق الرواية الرسمية عن “ضرورة” الموت من أجل الاستقرار.
إنّ ترامب، بهذا المعنى، يستحق جائزة الإبادة الجماعية، مناصفة مع بنيامين نتنياهو، لا جائزة نوبل للسلام. ومن يمنحه الشكر لا يُعبّر عن الواقعية السياسية، بل عن إفلاس أخلاقي دمّر فكرة الأمة، وشرعن الخضوع.
في النهاية، سيبقى سجل التاريخ أوضح من بيانات الشكر: سيُذكر من دعم المذابح وصمت عن الدم باسم “التحالف”، ومن انحاز إلى الإنسان في وجه آلة الاستعمار المتجددة. فالقضايا العادلة لا تُهزم لأنها ضعيفة، بل لأنّ من تخلّى عنها كان أقوى في عجزه من أي عدوّ في قوّته.



#منذر_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مفتوحة إلى الأخ عبد الملك الحوثي: نداء للتبصر والمسؤول ...
- رسالة مفتوحة إلى مجلس القيادة الرئاسي اليمني: نداء للتبصر وا ...
- الاعتراف البريطاني بفلسطين: خطوة صائبة لكنها غير كافية!
- قمة الدوحة بين الجدية العربية والعبثية العبرية!
- الصهاينة في عدن: مشهد عبثي في مهد الثورة التحررية!
- العدوان الصهيوني على الدوحة وصنعاء وازدواجية الموقف العربي!
- التافهون الخونة لهم صرختاهم البغيضة أيضًا!
- اليمن في مرمى المشروع الصهيوني!
- هل يجوز نزع سلاح المقاومة اللبنانية؟
- رِهان الحكام العرب على سراب الصهيونية!
- رحيل صنع الله إبراهيم… صوت الذاكرة والاحتجاج!
- الوطنية بين وهم الانتماء وأدلجة الولاء: أيهمَا الأصل وأيهمَا ...
- إسرائيل تفترس سوريا وتعيد هندسة العالم العربي!
- ألا يستحق زعماؤنا جائزة نوبل... للسلام؟
- إيران: إرادة لا تُقهر بين النصر الرمزي وتحديات الهيمنة!
- العدوان الإمبريالي على إيران بين اليسار الحقيقي واليسار الزا ...
- الضمير المستأجر: منابر عربية تُمجّد القاتل وتدين الضحية!
- المفارقة المحزنة: حين يُطلب منك باسم العروبة أن تؤيد إسرائيل ...
- كيف يفكر الأوغاد صباح الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
- هل نحن على أعتاب ضربة ضد إيران؟


المزيد.....




- وزير الخارجية المصري لـCNN: نحتاج قوات أمريكية على الأرض في ...
- -غزل وحزم- مع نتنياهو ودعوة إيران للسلام.. أبرز ما جاء في خط ...
- ترامب يتوجه إلى شرم الشيخ.. ما النقاط العالقة في خطته بشأن غ ...
- بعد وقف إطلاق النار.. الفلسطينيون يواجهون كابوس البحث عن أحب ...
- حسن الشادلي كاتب الفرع المحلي للحزب بتيط مليل : رئيس الحكومة ...
- اتفاق غزة .. هل تستعيد مصر دورها الإقليمي أم تكتفي بالوساطة؟ ...
- إيمانويل ماكرون يرحب بدعوة الرئيس محمود عباس لقمة غزة
- -اعترفوا بفلسطين-.. توقف كلمة ترامب في الكنيست الإسرائيلي لف ...
- ما هي أهم مضامين خطاب ترامب في الكنيست الإسرائيلي؟
- حسن منيمنة: الغائب عن خطاب ترامب في الكنيست هو فلسطين


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر علي - دونالد ترامب وصناعة الخراب: قراءة في أخلاق القوة والتواطؤ!