منذر علي
الحوار المتمدن-العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 02:35
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
اليوم، يغيب عن عالمنا صنع الله إبراهيم، الكاتب والمناضل الذي ظلّ، طوال ما يقارب تسعة عقود، شاهدًا على زمن عربي مضطرب، وفاعلًا في سجاله الأخلاقي والسياسي. ترجل عن صهوة الحياة وهو في الثامنة والثمانين، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا وفكريًا يتجاوز حدود السرد إلى مساحة المقاومة الرمزية والفعلية.
حياته كانت مشهدًا متشابك الخيوط بين الإبداع، والسجن والمنفى والعودة. في شبابه، ذاق مرارة الاعتقال السياسي، خمسة أعوام وأكثر، بصحبة نخبة يسارية مصرية حلمت بعدالة اجتماعية وحرية لا تقبل المساومة. خرج من الزنزانة ليواصل معركته بالكلمة، متنقلًا بين الصحافة المصرية، ووكالة الأنباء الألمانية في برلين الشرقية عام 1968، ثم موسكو حيث درس الإخراج السينمائي، قبل أن يعود إلى القاهرة عام 1974 في زمن الانفتاح الاقتصادي والسياسي الذي واجهه بعناد ورفض، متصديًا لهيمنة الرأسمال والتطبيع مع الكيان الصهيوني.
كتب صنع الله إبراهيم برؤية روائية مشحونة بالواقعية الرمزية، حافلة بوعي تاريخي لا ينفصل عن تحليل البنى الاجتماعية والسياسية. من نجمة أغسطس إلى اللجنة، ومن بيروت... بيروت إلى شرف وذات، كانت نصوصه فضاءً يلتقي فيه الأدب بالتأريخ النقدي للحاضر، مسلطًا الضوء على وجوه القمع والتهميش، ومترجمًا، في الوقت ذاته، بعض روائع الأدب العالمي، ومنها "التجربة الأنثوية: مختارات من الأدب النسائي العالمي".
كان رفيقه الفكري الأبرز، الناقد والمناضل محمود أمين العالم، من أعمق من قرأ تجربته الأدبية وارتبط بها فكريًا ونضاليًا. ولعل رفضه عام 2003 جائزة الرواية العربية، احتجاجًا على المناخ السياسي في مصر، لم يكن مجرد موقف شخصي، بل امتدادًا لمشروع حياته الذي قاوم الإغراءات وواجه التواطؤ. وفي السنوات اللاحقة، نال جوائز مرموقة، منها جائزة ابن رشد للفكر الحر (2004)، وجائزة كفافيس للأدب (2017)، وتكريم المثقفين المصريين له عند بلوغه الثمانين.
بترجمة أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والإسبانية، انتقل صوته إلى فضاءات أبعد، لكن ملامحه الفكرية بقيت متجذرة في تربة مصر والعالم العربي، حيث ظل الأدب عنده أداة تفكيك للسرديات المهيمنة وكشفًا لما تستره الخطابات الرسمية.
برحيله، يفقد الأدب العربي، ولا سيما أدب الموقف والالتزام، أحد أبرز فرسانه. ومع ذلك، فإن كتبه ستبقى، كما أراد لها، حصانًا جامحًا يذكّرنا بأن الكلمة، حين تقترن بالوعي، قادرة على مقاومة النسيان.
السلام لروحه، والخلود لذكره.
#منذر_علي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟