أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر علي - إسرائيل تفترس سوريا وتعيد هندسة العالم العربي!














المزيد.....

إسرائيل تفترس سوريا وتعيد هندسة العالم العربي!


منذر علي

الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 21:47
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لعلّ أسوأ ما في الكذب السياسي المعاصر ليس فجاجته، بل وقاحته. فبينما يخرج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ـ بملامح مصطنعة من الحياد ـ ليحثّ إسرائيل على "ضبط النفس" في قصفها لسوريا، تتساقط القنابل اليوم على دمشق في وضح النهار، في عملية لا يمكن فصلها بأدنى قدر من الموضوعية عن التنسيق الأميركي–الإسرائيلي–الغربي الممتد. إنَّها اللعبة القديمة الجديدة: سياسة العصا والجزرة، أو بتعبير أدق، سياسة "رفع العقوبات مقابل الولاء"، و"القصف مقابل إعادة التشكيل"، في سباق محموم لإخضاع ما تبقى من استقلالٍ في المنطقة.
ما يحدث في سوريَا لا يُفهم إلَّا بصفته جزء من مشروع استراتيجي متعدد الأبعاد: تفتيت ما تبقى من بِنَى الدولة، إفراغ النظام من أي محتوى سيادي، وتطويعه بالكامل ليصبح امتدادًا وظيفيًا للمشروع الصهيوني–الإمبريالي في المنطقة.

إسرائيل، التي طالما نُظر إليها بصفتها جسم غريب مزروع في قلب المشرق، لم تعد تكتفي بالبقاء. إنها الآن تُريد أن تُعيد تشكيل المحيط، لا لتتكيّف معه، بل ليُعاد تشكيله على صورتها: طوائف متناحرة، دويلات بلا سيادة، ونُخب وظيفية تُجيد التوقيع أكثر مما تُجيد التفكير.
سقوط النظام السوري في ديسمبر 2024، الذي أسفر عن إزاحة الأسعد وتنصيب الذئب، ـ كما تشير الوقائع ـ لم يكن مجرد لحظة انتقال سياسي، بل لحظة انهيار في التوازن الإقليمي. انسحاب إيران، وتقلص الحضور الروسي بفعل الحرب في أوكرانيا، وتدمير الجيش السوري، وتهميش الطوائف غير السنية، كلّها عناصر ألَّفتِ الأرضية المثالية لتدخل إسرائيلي أكثر وقاحة وعلنية.

أما الأنظمة العربية ـ أو ما تبقى منها ـ فلم تخرج عن النص. بعضها صمت، وبعضها الآخر بارك الضربات تحت الطاولة، في حين احتفل الطائفيون بانتصار السنة على الشيعة، كما لو أن التاريخ عاد إلى معركة صفين، حيث تُصبح إسرائيل معاوية، وخصومها عليًّا، ويُعاد تعريف الاحتلال بوصفه تحريرًا، والهيمنة بوصفها عدلًا.

في هذه اللحظة الحرجة، حاولت القيادة السورية الجديدة، على الأرجح بإيعاز خليجي–تركي، أن تُقدّم أوراق اعتمادها عبر بوابة التطبيع، فاجتمعت مع مسؤولين أمنيين إسرائيليين في أذربيجان قبل أيام، وسبق ذلك أن أعلنت الانفتاح على الغرب، وتبنت الليبرالية الجديدة، وأبدت استعدادها لتكون "دولة طبيعية" في المنظومة الإمبريالية.

لكن إسرائيل لم تكن تبحث عن تطبيع، بل عن تطويع. فهي لا تريد نظامًا يتصالح معها، بل نظامًا يُعاد تشكيله ليُصبح امتدادًا لها. المطلوب ليس فقط أن يُصافح النظام السوري إسرائيل، بل أن يتحول إلى نموذج وظيفي يخدم أمنها، ويُعيد إنتاج سرديتها، ويُشارك في مشاريعها بصفته ذراعًا لا شريكًا. ولذلك، فإن السيناريو المطروح ليس إنهاء الحرب، بل إعادة تفكيك سوريا بالكامل:

• يُطلب من النظام السنيّ الجديد أن يتحالف مع القُوَى المسيحية الانعزالية في لبنان للقضاء على المقاومة الشيعية.
• يُمنح الدروز حق إقامة كيانهم المستقل تحت رعاية إسرائيل.
• يُعاد ترسيم مناطق العلويين والمسيحيين لتكون دويلات محمية غربيًا.
• يُعطى الأكراد كيانًا خاصًا، مع ضمان مصالح تركيا في مقابل الولاء للمشروع الصهيوني في العراق.
• وفي النهاية، تُفرَض على سوريَا الجديدة وظيفة: أن تكون رأس حربة ضد فلسطين، وضد لبنان، وضد إيران، وضد كل ما تبقى من فكرة المقاومة.

ولأن المشروع الصهيوني لا يتوقف عند حدود فلسطين، فمن الطبيعي أن يمتد إلى اليمن، حيث تُبرَّر السيطرة على الجزر والموانئ والمنافذ الإستراتيجية، مثل باب المندب، بشعارات مألوفة: "مكافحة الإرهاب"، "وحماية حقوق الإنسان"، و"دعم حق تقرير المصير"... لمَن يطالبون بالانفصال، نيابة عن قُوَى لا تؤمن أصلًا بوجود وطن يمني موحّد.

ما يُثير القلق ليس فقط حجم المؤامرة، بل استعداد قطاعات واسعة من الشعوب للانخراط فيها، طائفيًا، أو قبليًا، أو جهويًا، أو أيديولوجي
فحين يُصبح العدو هو "الشيعي"، لا الغازي، وحين يُصبح "التدخل الإيراني" أكثر فظاعة من "الاحتلال الإسرائيلي"، نكون قد دخلنا مرحلة متقدمة من الانفصال عن الواقع، حيث تُدار العقول لا بالوقائع، بل بالخطط الماكرة المصمَّمة بعناية.

وهنا بيت القصيد:
الإمبريالية لا تنتصر لأنها أقوى، بل لأنها تجد وكلاء محليين يُقاتلون نيابة عنها، ويعيدون إنتاج خطابها بلغةٍ محلية، ويُبررون عدوانها باسم "التحرير"، وجنونها باسم العقلانية، واحتلالها باسم "السلام". فهل يدرك السوريون، واللبنانيون، واليمنيون، والمصريون، والعراقيون، حجم ما يُحاك ضدهم؟ أم سيظلون أسرى الانقسامات الطائفية، والولاءات الإقليمية، والأوهام التي تصوّر إسرائيل صديقًا، والمقاومة عدوًّا؟
في زمن يُعاد فيه تشكيل المنطقة وفق خرائط لا تُرسم في العواصم العربية، بل في غرف العمليات الغربية، لا بد من التذكير بأن الصمت ليس حيادًا، بل تواطؤًا. وأنّ الجهل نتيجة قرار سياسي، لا خلل معرفي. وأنّ التواطؤ مع الجزار لا يُنتج سلامًا، بل يُعمّق المجزرة. الخلاصة: إسرائيل تفترس سوريا... وتعيد هندسة العالم العربي على مقاسها، فماذا أنتم فاعلون؟



#منذر_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألا يستحق زعماؤنا جائزة نوبل... للسلام؟
- إيران: إرادة لا تُقهر بين النصر الرمزي وتحديات الهيمنة!
- العدوان الإمبريالي على إيران بين اليسار الحقيقي واليسار الزا ...
- الضمير المستأجر: منابر عربية تُمجّد القاتل وتدين الضحية!
- المفارقة المحزنة: حين يُطلب منك باسم العروبة أن تؤيد إسرائيل ...
- كيف يفكر الأوغاد صباح الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
- هل نحن على أعتاب ضربة ضد إيران؟
- نداء عاجل لوقف الحرب على الشعب اليمني
- عدوان صهيوني–إمبريالي شامل ووشيك على اليمن بين صمت السلطة وت ...
- يا عمال العالم، اتحدوا!
- الإمبريالية الأمريكية تناصر الإبادة الجماعية!
- الطغيان الأمريكي والعجز العربي: قراءة في موازين القوة!
- الاشتراكيون اليمنيون... مع مَنْ؟
- التحية بحجم السماء إلى المرأة في عيدها العالمي المجيد!!
- الصهيونية تزحف بخطى متسارعة على العالم العربي!
- الإمبريالية تؤجج الصراعات ثم تستثمرها: أوكرانيا واليمن نموذج ...
- ما معنى أن يكون المرء يساريًا ؟
- إسقاط الأسد وتنصيب الذئب!
- سوريا في قلب العاصفة: هل فقد العالم بوصلته؟
- هل يتعلم العرب مما يجري في اليمن و سوريا؟


المزيد.....




- لماذا تعتبر استقالة وزراء من حزب شاس -ضربة رمزية- لحكومة نتن ...
- هل فعلاً الإفطار أهم وجبة في اليوم؟
- تقارير عن -تقدم ملحوظ- في مفاوضات غزة، وأكثر من -90- قتيلاً ...
- الرئاسة السورية تعلن عن اتصالات مع قادة إقليميين لبحث التطور ...
- البيت الأبيض: إصابة الرئيس الأمريكي ترامب بقصور وريدي يسبب ت ...
- أربعة قتلى في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان وتل أبيب تعلن ا ...
- غارات إسرائيلية تستهدف السويداء والرئاسة السورية تتهم فصائل ...
- الولايات المتحدة: مجلس النواب يقر تشريعات غير مسبوقة لتنظيم ...
- أوروبا تهدد بتفعيل العقوبات الأممية على إيران إذا لم يتحقق ت ...
- إنذار أوروبي لإيران: إبرام اتفاق نووي قبل نهاية الصيف أو عود ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر علي - إسرائيل تفترس سوريا وتعيد هندسة العالم العربي!