أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - منذر علي - إيران: إرادة لا تُقهر بين النصر الرمزي وتحديات الهيمنة!














المزيد.....

إيران: إرادة لا تُقهر بين النصر الرمزي وتحديات الهيمنة!


منذر علي

الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 21:55
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


في حين كان البعض ينتظر سقوطها، خرج الإيرانيون، بمن فيهم الإسلاميون، القوميون، واليساريون، إلى شوارع طِهران ومدن الجمهورية الأخرى، لا ليحتفلوا بانتصار تقليدي تُقاس فيه المكاسب بالأمتار، بل ليُعلنوا انتصار الإرادة على آلة الهيمنة، وصمود الدولة في وجه أكثر عدوانية النظام الدُّوَليّ.
توقف القصف، نعم، لكن المعنى الأعمق لم يتوقف.

ففي لحظة توقف الصواريخ، خرج الشعب الإيراني يرتل الآيات قرآنية، "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ"، و يردد هتافات وطنية، وينشد أشعار شعراء إيران العظام: أبو القاسم الفردوسي، وحافظ الشيرازي، وسعدي الشيرازي، عمر الخيام، وجلال الدين الرومي. لا لأنهم لا يعرفون فداحة الخسائر، بل لأنهم، على عكس من يسكنون في هامش التاريخ، يدركون أن الصمود في وجه القوة المطلقة هو وحده الذي يمنح المعركة معناها.

سيضحك المتهافتون.
سيكتبون، ببرود تحليلي سطحي، أنَّ إيران لم تنتصر لأنها لم تُسقط تل أبيب أو تُفكك البنية النووية لإسرائيل. سيقولون: ما هذا "النصر" الذي تتحدثون عنه، وقد قُتل القادة، وتضررت المنشآت، واهتزت البنية التحتية؟
لكن هؤلاء لا يفهمون شيئًا عن طبيعة الصراع، ولا عن منطق الإمبريالية، ولا عن المعنى الرمزي للبقاء. إنهم، مخرجات جهاز الدعاية الإمبريالي، لا يعترفون بالنصر إلا حين يأتي من العواصم المنتصرة سلفًا.
فالنصر، في معادلات الهيمنة، لا يُقاس بعدد الأهداف المصابة، بل بقدرة المستهدف على عدم السقوط.

أن تبقى دولة من دول "العالم الثالث"، محاصرة منذ أكثر من أربعة عقود، واقفة على قدميها، قادرة على الرد، قادرة على توجيه ضربة موجعة لقواعد عسكرية إسرائيلية، وإحداث شلل في منشآت اقتصادية في صفد، وحيفا، وتل أبيب، وبئر السبع، وأشدود — كل ذلك من دون حماية من أحد، ومن دون غطاء دولي، ومن دون تواطؤ مع أحد، هو بحد ذاته شكل من أشكال الانتصار الأخلاقي والسياسي.

إن إيران، في هذه الجولة، لم تُحطم إسرائيل، ولم تُسقط الإمبريالية، لكنها أثبتت أن مشروع الهيمنة ليس قدَريًا، وأن الدولة التي ترفض الانحناء يمكنها أن تُحدث صدعًا في جدار القوة المهيمنة في العالم.

نعم، سقط قادة، وتضررت مواقع نووية، وربما أُخلي بعضها استباقيًا، لكن النظام لم ينهَر، ولم يُعلن الاستسلام، ولم يعد الشاه الصغير، ابن الشاه الكبير، الموالي لإسرائيل، ولم تُرفع راية بيضاء.

الذين ابتهجوا فجر الثالث عشر من يونيو، أولئك الذين رأوا في القصف الإسرائيلي–الأمريكي تصفية حساب تاريخي مع الثورة الإيرانية، يختنقون اليوم مع شروق شمس الرابع والعشرين من يونيو.

لقد ظنوا أن الإمبريالية ستعيد ترتيب الشرق الأوسط وتحكمه من جديد عبر وكلائها المحليين، لكنهم فشلوا في قراءة التاريخ كما فشلوا في فهم الجغرافيا: لا يمكن لدولة تُولد من رحم ثورة شعبية عارمة، أن تُقصف حتى الموت، لأنها لا تُختزل في أبنية ومرافق، بل في وعي جمعي لا تمحوه الصواريخ.
لقد قالت إيران، على لسان قادتها، ما لا تجرؤ كثير من الدول على قوله: "نحن لا نعتدي، لكننا لا نسمح بالعدوان".

وفي هذا الموقف، يتحقق المعنى السياسي الأسمى: أن السيادة لا تمنح، بل تُنتزع، وأن الكرامة الوطنية ليست امتيازًا، بل حق يُدافع عنه، ولو وحدك، ولو في وجه أعظم ترسانة حربية عرفها التاريخ.

إن توقف الحرب لا يعني انتهاء المعركة.
إيران اليوم، على الرغم من الجراح، لا تزال تمتلك بنيتها العلمية، ومشروعها النووي المدني، وترسانتها الصاروخية، بما في ذلك البالستية والفرط صوتية، ولم تُجبر على توقيع اتفاق إذلال، ولم تُحاصر إرادتها.

الرسالة التي فشلت الإمبريالية في إيصالها هي أن الهيمنة وحدها لا تكفي لإخضاع من يؤمن بحقه في الوجود السياسي المستقل.

هذه الحرب، كما كل حروب الهيمنة، لم تكن تهدف إلى تدمير إيران فقط، بل إلى تدمير الفكرة التي تمثلها إيران في هذه اللحظة التاريخية: استقلال القرار، ورفض التطبيع، واستمرار دعم فلسطين، وامتلاك مشروع استراتيجي خارج عباءة واشنطن وتل أبيب.

وهنا نصل إلى النقطة الجوهرية:
العدوان لم يكن على "نظام ولاية الفقيه" فقط، بل على ما تبقى من هامش حرية في عالم يُعاد تشكيله على مقاس السوق، وعلى مقاس الحلفاء الصامتين.
ولذلك، فإن من احتفلوا بالعدوان، هم الذين أزعجهم صوت المقاومة، لا شكل النظام.
هم الذين أرادوا لإيران أن تسقط، لا لأنها تقمع شعبها، بل لأنها لا تقمع ضميرها السياسي، ولم تنضم لجوقة المطبّعين، ولم تتخل عن فلسطين لتُقبل على موائد "السلام الإبراهيمي".

في عالمٍ تتراجع فيه القيم، وتُشرعن فيه الإبادة، وتُسوّق فيه الهزيمة بصفة حكمة، يبدو أن مجرد البقاء — بشرف — هو نصر.

وإيران، في هذا السياق، لم تنتصر عسكريًا فقط، بل انتصرت أخلاقيًا: لأنها لم تُخضع شعبها، ولم تُساوم على سيادتها، ولم تُغيّر جلدها لتُقبل في نادي "الأنظمة العاقلة".

الذين احتفلوا بالقصف، اليوم يبتلعون مرارة فشلهم.
أما من راهن على صمود الكرامة، فهو يرى في هذا التوقف المؤقت للحرب مجرد فصل من فصول طويلة، عنوانها:
أن لا أحد يُهزم ما دام لم ينكسر.



#منذر_علي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدوان الإمبريالي على إيران بين اليسار الحقيقي واليسار الزا ...
- الضمير المستأجر: منابر عربية تُمجّد القاتل وتدين الضحية!
- المفارقة المحزنة: حين يُطلب منك باسم العروبة أن تؤيد إسرائيل ...
- كيف يفكر الأوغاد صباح الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
- هل نحن على أعتاب ضربة ضد إيران؟
- نداء عاجل لوقف الحرب على الشعب اليمني
- عدوان صهيوني–إمبريالي شامل ووشيك على اليمن بين صمت السلطة وت ...
- يا عمال العالم، اتحدوا!
- الإمبريالية الأمريكية تناصر الإبادة الجماعية!
- الطغيان الأمريكي والعجز العربي: قراءة في موازين القوة!
- الاشتراكيون اليمنيون... مع مَنْ؟
- التحية بحجم السماء إلى المرأة في عيدها العالمي المجيد!!
- الصهيونية تزحف بخطى متسارعة على العالم العربي!
- الإمبريالية تؤجج الصراعات ثم تستثمرها: أوكرانيا واليمن نموذج ...
- ما معنى أن يكون المرء يساريًا ؟
- إسقاط الأسد وتنصيب الذئب!
- سوريا في قلب العاصفة: هل فقد العالم بوصلته؟
- هل يتعلم العرب مما يجري في اليمن و سوريا؟
- التحديات الداخلية والخارجية أمام الدولة السورية!
- العرب بين المساوم والمقاوم!


المزيد.....




- بلاغ المكتب الوطني للنقابة الوطنية للعاملين بالتعليم العالي ...
- بيان مشترك .. الاحزاب الشيوعية في البلدان العربية تدين العد ...
- الاحزاب الشيوعية في البلدان العربية تدين العدوان الأمريكي - ...
- تيسير خالد يهنئ الشعب الايراني بانتصاره على العدوان وحلف ترا ...
- لا للعدوان الصهيوني -الامبريالي ضد ايران، نعم لفلسطين مستقلة ...
- لمحة عن التكنولوجيا المستخدمة في ملاجئ الأغنياء
- الشيوعي العراقي يدين العدوان الامريكي ويدعو إلى وقف الحرب ال ...
- تحميل كتاب شابور حقيقات: إيران من الشاه إلى آيات الله، حول ا ...
- أممية رابعة : اختتام أعمال الدورة الثالثة عشرة للمدرسة الإقل ...
- في مواجهة الحرب بين إيران وإسرائيل، ثمة طريق ثالث ممكن!


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - منذر علي - إيران: إرادة لا تُقهر بين النصر الرمزي وتحديات الهيمنة!