أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لخضر خلفاوي - في-الأدب و اللاأدب-؛ أسرار، خيانات و حَيَوات..و -شريف الفاتح الأفغاني-..ما لم يُقرأ عن -المركيز- حتّى الآن!(ج2)















المزيد.....



في-الأدب و اللاأدب-؛ أسرار، خيانات و حَيَوات..و -شريف الفاتح الأفغاني-..ما لم يُقرأ عن -المركيز- حتّى الآن!(ج2)


لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 21:06
المحور: الادب والفن
    


-ملف نقدي/ تحرير و ترجمة بقلم: لخضر خلفاوي*
À propos de « Littérature et Grossièreté» secrets, trahisons et multiples vies... que n a-t-on pas lu jusqu à présent sur « Le Marquez» !

"غابرييل غارسيا ماركيز وعزلة "الإنسان العربي"*1

-أولا: لماذا تعرّضت رواية "مئة عام من العزلة" المنشورة عام 1967 إلى الحظر و الانتقاد الشديد مرارا خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي من قبل جمعية المكتبات الأمريكية l American Library Association ؟- السبب هو أنّ العمل اعتمد على أسلوب سردي بذيء و غير مؤدّب و توصيف محتوى سرديات غارسيا بالجنسي الشديد الابتذال.
قارّيا، كانت بعض الأوساط المحافظة في الولايات المتحدة الأمريكية و في أمريكا الجنوبية و حتى عبر العالم تصِفُ فكر "غابريال غارسيا" في كتاباته بأنه فكر "مُخرب للقيم" و كاسر لكل الحدود و الأطر .. ولسنوات طويلة، رفضت سلطات الهجرة الأمريكية منحه تأشيرة الدخول إلى التراب الأمريكي. و عند انتخاب بيل كلينتون رئيسًا للولايات المتحدة عام 1993، رفع هذا الأخير حظر السفر المسلّط على الكاتب المثير (للقيم)، ثم (للجدل)!
-من المفارقات، أنه في الوقت الذي احتضنت فيه النخب اليسارية و العلمانية العربية و انسجمت متماهية مع رواية المركيز؛ و كانت فيه أمريكا التي تُعرف بِ(المارقة) أخلاقيا و بالمجتمع الشيطاني المُصدّر لكل الآفات و الإنحرافات الأخلاقية و عكس كل التوقّعات ظهرت فيهم أصوات على عكس الأوساط المثقفة الليبرالية العربية تنتقد بشدة رواية "غارسيا" "قرن من العزلة"؛ التي و دون مبالغة تُعتبر "الدّليل المرجعي" أو "النّاموس" الاستثنائي لتعلّم فنون العربدة و الأبوق على الأطر العرفية و القيم و الأخلاق. (ل.خ)
-Pourquoi l’œuvre de Garcia “Cent ans de solitude”, publié en 1967, a-t-il été interdit à plusieurs reprises et sévèrement critiqué dans les années 1980 et 1990 par l American Library Association ?
-La raison est que l ouvrage s appuyait sur un style narratif vulgaire et grossier. La critique décrivait le contenu des récits de García Márquez comme extrêmement vulgaire et sexuel. À l échelle continentale, certains cercles conservateurs aux États-Unis, en Amérique du Sud et même certains dans le monde entier ont qualifié les écrits de Gabriel García Márquez de « subversifs et contre valeurs » et une incitation de rupture avec toutes les frontières morales et de tous les cadres. Pendant de nombreuses années, les autorités américaines de l immigration ont refusé de lui accorder un visa d entrée aux États-Unis. Lorsque Bill Clinton a été élu président des États-Unis en 1993, il a levé l interdiction d’entrée imposée à l écrivain controversé, l’écrivain (de l’immoral) ! Ironiquement, à une époque où les élites arabes de gauche et laïques embrassaient et s intégraient au roman de Márquez, Et c est là où l Amérique était connue comme moralement « déviante » et comme une société satanique qui exporte tous les fléaux et les déviations morales. Contre toute attente, des voix sont apparues parmi elles qui étaient à l opposé des cercles intellectuels arabes libéraux, critiquant fortement le roman de Garcia « Un siècle de solitude », qui, sans exagération, est considéré comme le « guide de référence » ou une « loi » exceptionnelle pour apprendre les arts de la débauche et de transgressions s’attaquant à la morale, et visant les valeurs.(L.K)

-إلا أنّ الناقد العراقي* يراها أنها -تحفة- أدبية من أمريكا اللاتينية، "مائة عام من العزلة"، نُشرت عام 1967، تستعيد القصة الملحمية لسلالة بوينديا Buendia وبطريركها، "خوسيه-(جوزي)- أركاديو بوينديا" José Arcadio Buendia, ، مؤسس مدينة "ماكوندو الخيالية". هي رواية توثق المأساة و الدراما الإنسانية، كونها مرآةً لأي مجتمع مهدد بالهاوية و الانحطاط و التدهور.
**
"ناتْفلِيكسْ حوّلت رواية "مئة عام من العزلة" لصاحب نوبل للأدب الكولومبي - غابريال غارسيبا إلى مسلسل تلفزيوني. تستعيد هذه الرواية القصة الملحمية لقرية "ماكوندو" انطلاقا من تأسيسها إلى غاية تهاويها، مرورا بسنوات عظمتها و مجدها و صولا إلى أزماتها و صراعاتها. يطوّقُ هذه الرواية شعور قوي بالحزن و الإحباط، و يغذي هذا العمل عامل العزلة المهيمن. فمن المتضادات أو المفارقات أن هذه القصة، و التي تدور تفاصيلها في غابات كولومبية، تبدو كأنّها تتحدث بصوت "العالم العربي".
-كان من الممكن جدّا أن يكتب رواية "مئة عام من العزلة" كاتب عربي معاصر، كون درجة الاغتراب و الشعور بالتشرّد المُهيمنان بتأثير واضح على الشخوص أو الشخصيات هو أمرٌ مشترك بين الشعب الكولومبي و الشعوب العربية قاطبة.
فإلى جانب الواقع الاستعماري الذي خلق واقعًا قاسيًا من التبعية والتخلف، فإن الأوهام الأيديولوجية، و السّرابات الفكرية التي تطارد "شخصيات" غارسيا ماركيز لا تختلف كثيرًا عن تلك التي تؤثر سلبًا على الأوضاع الاجتماعية في العالم العربي.
**
-الأنانية وغياب الوعي السياسي ينبعان من فعل "تفتيت ذرّي" للمجتمع، والذي ينتج بدوره عن التشتت و -تفتيت المفتّت " أو -ذرْوَنة الذرّة*- l’atomisation de l’atome * بعد الوحدة و عن إرث و مخلّفات ناجمة عن الحروب أو الغزوات.
"ماكوندو" باتت قرية معزولة عن العالم الجغرافي، في حين العالم العربي هو أيضا صارَ معزولا رمزيًا عن هذا العالم؛ لأنه لم يعد قادرًا على التعبير عن ما هو "كوني".
- عزلة القرية تُقفِّيها أو تتخفّى وراءها (الوحدة) التي تؤثر على أبطال الرواية، مرورا بحيثيات تأسيس "ماكوندو"، محطات سقوطها و السفر بين الأمجاد والكوارث.
-تتميز قصة هذه العائلة المرموقة برُوّاد متّسِمون بالواقعية الأمريكولاتينية الساحرة.
سِجلّ من العالم مصغر معزول عن بقية العالم تكشف أساطيره عما هو مأساوي لدى البشر. الجانب الخيالي للفضاء لم يمنع الكاتب من إيصال للقارئ و بعمق حقائق حساسة للغاية.
**
-الإنسان الساقط:
-قد لا يكون للمجتمع المُعنَى في الرواية أي علاقة بالعالم العربي، إلا أنّ الروائي الكولومبي "غارسيا ماركيز" Gabo يشير إيحاءا إلى واقع عربي أثناء حديثه عن قارة أخرى.
يصوّر، بأسلوبٍ متفرّد للغاية، مصيرَ مجتمعٍ من خلال تحوّلات خطيرة ، من مجده إلى سقوطه، مرورًا بمحاولاتِ نهوضه المتكررة الفاشلة.
و هذا ما حاول أسلافنا فعله و كانوا مفعمين بالأمل بعد الاستقلال الذي أفضت إليه الحرب العالمية الثانية و ذلك الارتطام (بالدون جدوى).
-من هذا المنطلق تحديدًا تستمدّ الرّواية قوّتها بكلّ قسوة: إنها تتيح مُخاطبة الجميعَ عن واقعٍ خاصٍّ للغاية. وبأسلوبٍ شعريّ للغاية، و تتركُ انطباعًا باليأس، بالإحباط والتعاطف.. فمن المؤكّد أن كلَّ من يُتابع الواقع العربي، و مهتمّ براهنهِ عن كثبٍ أو حتّى من بعيد، قد يشعر به ولو لمرةٍ واحدةٍ في حياته. (تُنسى، كأنَّكَ لم تَكُنْ/
تُنْسَى كمصرع طائرٍ/ككنيسةٍ مهجورةٍ تُنْسَى،/كحبّ عابرٍ/
وكوردةٍ في الليل/ .... تُنْسَى. / محمود درويش)
**
-أُقتُلِعَ من جذوره، أُسقِطت قيمتهُ، و شُتِّت تشتيتا، و كُسّرَ تكسيراً، يُواجهُ العربيّ خروجه من التاريخ، يشاهد بوضوح عجزهُ عندما ينظر إلى سحنته في المرآة، يرى نفسه ملكًا ساقطًا، مُنكّساً. يُحب اجترار أمجاد الماضي البعيد، كإعادة مشاهدة الأفلام والاستماع إلى الموسيقى مجددًا ؛ التي تُذكّرهُ بأمجاد هذا الماضي الذي ولّى دون رجعة. إنها وسيلة لمداواة جراحه. لا يسعهُ إلا أن يحافظ على كرامتهِ رغم كل الظروف و رغم كل التصفيات و الإعدامات عبر التاريخ.
**
-جميع قراء أمريكا اللاتينية و سواهم يحفظون عن ظهر قلب الجملة الأولى من رواية "قرن من العزلة": "بعد سنوات عديدة، و بعد كل ما مرّ من مواجهات إعدامية و رمي جمرات الحرب، لا بد أن الكولونيل أوريليانو بويونديا colonel Aureliano Buendia تذكر تلك الظهيرة البعيدة عندما اصطحبه والده للتعرّف على الجليد. بذات القشعريرة المهولة أو أكثر تتولّد لدى كلّ من شهدَ سقوط بغداد..عندما يختفي عالم بأكمله.
**
-عبارة الناشطة النسوية الإيطالية المثيرة للجدل Fallaci "فالاتشي" تحملُ شيئًا يتجاوز خيال الإهانة، ويُجمّد الذّات في اللاوَصف حيث قالت: "هناك شيء مقزّز في الرجال العرب ما يُثير غثيان و اشمئزاز النساء ذوات الذوق الرفيع".
تحمل هذه العبارة شيئًا فظيعًا يتجاوز مجرد التعبير عن الغثيان أو التقزّز و الاشمئزاز. في جملة واحدة، أقصت -نسوياً- الرجل العربي عن الإنسانية. عبارة استبعاده من "ذوق النساء الرفيع"* يُصيب و يضرب أعمق جوانب الإنسان و تُحدد بذلك "فالاتشي" ركن ما هو غير جدير بالاهتمام في المكان والزمان. /سأتحدث في هذه القراءة عن هوية "النساء الذكيات و الذوّاقات" و تعريفهن للقراء بالمفهوم اليساري الليبرالي.
**
-للعودة إلى التاريخ، يجب أن يكون المرء قادرًا على ترجمة أغواره و باطنه إلى عمل أدبي مميّز. غابريال غارسيا ماركيز حقق إلى جانب مؤلفين آخرين من أمريكا اللاتينية
‏ Les écrivains latino-américains,
ثورة أدبية -وصفت - بالحقيقية؛ على خلاف النخبة الكُتّابية العربية التي أضاعت نفسها و عزلتها في قرابة(مئتين عاما) من خلال تقليد و تبعية الأدب الأوروبي و الغربي و الأجنبي ككل.. أمّا الأدب الأمريكو-لاتيني و بأسلحة الأدب الإبداعية، نجح في أن يصبح "معاصرًا لجميع البشر"، على حد تعبير أوكتافيو باز.
« le contemporain de tous les hommes », Octavio Paz.
-الإيحاء و المغزى واضحين: "يجب على الإنسان العربي أن يصبحَ معاصرا لجميع البشر".
-الأدب، هو اللغة، الأسلوب، الإيقاع و الشكل، ولكنه أيضًا -حسب الناقد العراقي- هو مشروع نهضة أخلاقية وفكرية. يضيف: يُبرز "غابو" أو غابريال غارسيا ماركيز باحترافية هذا المعنى في التنشئة الأدبية في أمريكا اللاتينية في الجملة الخامسة من "قرن من العزلة/ أو -مئة عام من العزلة": "كان العالم حديثًا جدا لدرجة أن أشياء كثيرة لم تكن لها مُسمّياتها بعد، ولذكرها، كان لا بد من الإشارة إليها بالأصبع".
« Le monde était si récent que beaucoup de choses n’avaient pas encore de nom et, pour les mentionner, il fallait les montrer du doigt. »
-ولهذا بات من الضروري و الأنسب تسمية الأشياء و دون الوقوع في مطبات و مكائد التنمير أو الكاريكاتير، و بالأخص دون إرضاء الأوساط و الصالونات الأدبية لمجرد نيّة الإرضاء و الإطراء.
-في مرحلتنا هذه، و الواضح للعيان التي لا يشوبها "عمى" أن البعض لا يتردّد في ارتداء "زي الانتهازي" برواية كاريكاتورية هنا، ومنصة جدلية بلا مبرر لعرض أنفسهم و شدّ الانتباه هناك، ثم ينتهي بهم الأمر إلى بيع أنفسهم!(و كذلكَ يفعلون!)
-إنّ الإبداع العظيم، المتميّز و المتفرّد يتطلب شجاعة ويستبعد كل مظاهر الجبن الفكري والأخلاقي!. فمذ بداية القرن العشرين، -على عكس الكتاب و المبدعين العرب- أعلنت شخصيات أدبية مهمة و كبيرة في أمريكا اللاتينية، أمثال "أستورياس وأوسلار بييتري وأليخو كاربنتير" Asturias, Uslar Pietri et Alejo Carpentier، ضرورة الانفصال عن التبعية الأوروبية. وهكذا، يستخدم الكُتّاب الكبار لغة قوية ومتقنة، لغة مكينة دون أن يتعثروا أو يتشتّتوا في مُطبّة الكتابة الإلهائية العابثة.
**
قبل أن تعاني "ماكوندو" من المأساة الكبرى، سيُكسر ظهور أو إشعاع الحب ما أنتجته و صنعته أنانية السكان. سيكتشف "أوريليانو سيغوندو" و "بيترا كوتس" Aureliano Segundo et Petra Cotes
معنى التضامن المشترك، التضامن المتبادل و فرحة مد يد العون لبعضهما البعض خلال الأزمات الاقتصادية التي ضربت مجتمعهما.
-يُعدّ تدخّل الحب، فرصة و -ذريعة-غارسيا ماركيز السّردية للإشارة إلى تأثير "النظام الاشتراكي" في إحياء المشهد السياسي في أمريكا اللاتينية، حتى لو أن قصة الحب المنجرّة بين "أوريليانو بابيليانو وأمارانتا أورسولا" Aureliano Babiliano et Amaranta Ursula ستُولّدُ وحشًا بذيل خنزير (!)
وستسبق الضربة القاضية لماكوندو.
**
-فالاشتراكية في العالم العربي، على الرغم من إخفاقاتها النسبية، تُعيد إلى الأذهان عصرًا من الأمل والتضامن. جملة واحدة من جمال عبد الناصر كانت كفيلة بإسقاط حكومة. فمن المُرجّح أن يكون الروائي العربي الكبير و المُستقبلي اشتراكيًا ورومانسيًا في آن واحد.
-في هذه الأثناء، يستطيع القراء إعادة قراءة خطاب قبول غارسيا ماركيز لجائزة نوبل، وهو خطاب ناري موجه لأميركا اللاتينية، التي لا تختلف كثيراً "عزلتها" في مواجهة "القمع والنهب والتخلي، و الإهمال"، كما وصفها الروائي غارسيا عن عزلة العالم العربي اليوم. هكذا كانت وجهة نظر انطباعية إطرائية ملفتة للكاتب و النّاقد العراقي "شاذِل نواف طاقة"
نُشرت في منصة le comptoir / عام 2019 .. و هذا ما حاولتُ أنا بدوري إعادة اقتباسه و ترجمته قدر مستطاعي المعرفي .
**
*أبناء غارسيا: "قرَّروا خيانة وصية المركيز ؛ ألم يخلق الأبناء لأجل هذا؟!"
« Nous avons décidé que c était une trahison. Mais les enfants sont faits pour ça. »
-*أبناء غابرييل غارسيا ماركيز ينشرون الرواية التي أراد الكاتب إتلافها و هو يصارع الخرف.
و للعلم فقط طلب الروائي الشهير من عائلته ألا تنشر مسودة رواية "حتى أغسطس « Jusqu en août » " أو "نلتقي في أغسطس"، التي كتبها وهو يُصارع الخرف في سنواته الأخيرة. لقد أخبر "غابريال غارسيا" ولديه أن مخطوط الرواية التي كان -يخرّف عليها - ليست مُخصصة لعامة الناس و لا يُجدرُ بها أن تنشر: "هذا الكتاب غير مُجدٍ، يجب إتلافه". لكن بعد عشر سنوات من وفاة غارسيا ماركيز عام 2014، خالف أبناؤه وصيته و فاجأوا الوسط الأدبي بنشر تلك الرواية، و أُتيحت في كثير من نقاط البيع في جميع أنحاء العالم. وكما صرّح "غونزالو غارسيا بَرشة" أنه اتخذ رفقة أخيه قرارهما بسرعة. يقول غارسيا بَرْشة:
« Nous avons conclu que le livre, bien qu inachevé, était plein de sens et très émouvant »
"أدركنا بالرغم من أن الكتاب كان غير مكتملا.. ثمّ قلنا في تشاور سريع أننا لسنا بحاجة إلى الكثير من المراجعة. فكّرنا في الأمر لثلاث ثوانٍ تقريبًا متسائلين: هل ما سنقدم عليه خيانةً لوالدنا، هل هي خيانة لرغبته؟" ويضيف: "فقررنا خيانته. أليسَ هذا ما خُلِق لأجله الأبناء!".
**
بطلة رواية "حتى أغسطس"/أو "سنتلقي في أوغسطس"/ Until August هي "آنا ماجدالينا باخ Ana Magdalena Bach "، امرأة أربعينية من بين طقوسها زيارة سنوية لقبر والدتها في جزيرة كاريبية.
-في إحدى هذه السفريات، اشتهت "آنا ماجدولينا" المتزوجة رجلاً غريبًا فدعته إلى غرفتها في الفندق.: و "عندما استيقظت، وجدت الرجل قد رحل. ثم، كل عام، تنطلق لتكرار و تجديد التجربة مع رجل غريب آخر".
- رواية "حتى أغسطس" هو أول عمل أدبي لغارسيا ماركيز يعطي فيه البطولة الشبه مطلقة لِ امرأة. و هي آخر مخطوطات و آخر أعماله الأدبية.
- كان ضمن "سعيه للاستمرار في الإبداع رغم صعوبة حالته"، هكذا وصفه أبناؤه في بيان صادر عن دار النشر ألفريد أ. كنوبف. Alfred A. Knopf.
وأضاف الورثة غارسيا من الأبناء: "وجدنا أن النص يتمتع بالعديد من المزايا الممتعة، ولا شيء يمنعنا من الاستمتاع بأبرز جوانب أعمال غابو و قدرته على الإبداع، ولغته الشعرية، وسرده القصصي الآسر، وفهمه للإنسانية، وشغفه بتجاربنا ومغامراتنا، وخاصة في ثيمِ الحب".
**
-مقتطف من رواية "سنلتقي في أغسطس" En Agosto Nos Vemos / Nous nous verrons en août
الصّادرة بنسختها الفرنسية عن منشورات Éditions Grasset.
(...في السادس عشر من أغسطس من كل عام، تقطع "آنا ماجدالينا باخ" مسافة طويلة لوضع باقة من "الزنابق" على قبر والدتها، ثم تختم نهارها بقضاء ليلتها في تلك الجزيرة الاستوائية الساحرة (بالكرائييب). قطفت آنا ماجدالينا من عمرها ستة وأربعين عامًا، حيث اقتطعت منهم ستة وعشرين سنة في علاقة طيبة مع زوجها الذي أحبته وأحبها. العذراء "آنا ماجدالينا" تزوّجت به و هي لم تُكمل بعد دراستها في الفنون و الآداب، و لم يكن لها من قبله حبيبا شريكا أو خليلا.. كان زوجها أوّل رجالها الذين وقفوا على عتبة عذرية جسدها؛ إلا أنّه، و في فضاء حانة ذلك "الفندق" الذي أقامت فيه ليلتها، تلتقي برجل سحرها و أيقظ فيها شغفا غريبا فأسرها على الفور بسحره.. -كان يحملها خوفٌ لذيذ لم تشعر به منذ ليلة زفافها- و أي تتعرف حميميا على زوجها أنداك .. و على الرغم من "اجتياح التحفظات التي كانت تزعج ضميرها". لا تزال في حالة صدمة من " إيقاع سرير غرفة الفندق الخالي من الحب".. بعد وقوعها في علاقة عابرة مع عاشق ليلة وحيدة دون تُتبع بغد واعد، كان يختلجها شعور قويّ بالإهانة لأن ليلة واحدة و هو ينصرف و يترك لها ورقة نقدية من فئة عشرين دولارًا على الطاولة.. تلبّسها في تلك الأثناء شعور الدونية بسبب ندوب الخيانة لزوجها و حبيبها الأوّل التي تُركت فيها و هي تشعرُ بأنها "تحمل وصمة عار على جبينها و لا يمكن أن تمر دون أن يلاحظها زوجها الذي أحبها كثيرًا وأحبته أكثر من أي شخص آخر".. شعور داخلي استعمر تفكيرها بعد الواقعة؛ بأنها لن تعود كما كانت أبدًا: "شعرت أنّها تغيّرت، صارت آنا ماجدالينا أخرى، "مختلفة وجريئة".
و في العام التالي، بمناسبة رحلتها التقليدية، كررت آنا ماجدالينا التجربة مع عاشق آخر أقامت في إطار علاقة حميمة في "ليلة واحدة" أخرى. (ضمن سلسلة خياناتها الصيفية) و منه سرعان ما تأثرت علاقتها بزوجها الذي كان يستشعر تغيّرها حتى أنّه واجهها في مرة من المرات بأسئلته-: "أنتِ تُدبرين و تُحيكينَ شيئًا ما". يتسلل الشك في حياة الزوجين ثم يستقرّ ... كانت آنا ماجدالينا ممزقة بين فكرة التحرر عقدة الذّنب المرتكب.. تبكي داخليا و تندب "سوء حظها لكونها امرأة في عالم الرجال"... ).
**
-إنّ نشر بشكل مفاجئ هذه الرواية بعد عشرية من وفاة عميد الأدب الكولمبي و أدب أمريكا اللاتينية جعل بعض النقّاد ينتقد و يدين قرار الأخوين بنشر كتاب والدهما.. و كتب "ماكس ليو" Max Liu من صحيفة "i": "كان على عائلته والناشرين احترام رغبته". ووفقًا ما نشرَ في صحيفة الغارديان من نقد: "لا أحد، باستثناء الناشرين الذين يتولون هذا الدور، يدّعي أن رواية "حتى أغسطس" هي تحفة أدبية"، ففي الوقت المزعوم كتابتها، كان المعني "غارسيا ماركيز" يُصارع مرض "الخرف المُتفاقم"، و كان عقله و قوة إدراكه أقل استقلالية.
و لقد صرح ناشر الكتاب، "كريستوبال بيرا" Cristóbal Pera، بأن غابريال في هذه الرواية ابتعد فيها عن "الواقعية السحرية" المعروف بها ، وهو نوع أدبي أتقنه غارسيا ماركيز قبل تدهور صحته -الذهنية العقلية-. للإشارة كان الكتاب الجزء الثاني من مشروع كتابة سلسلة روايات قصيرة خططها المؤلف لكتابة عن "الحب في زمن الشيخوخة". و يضيف النّاشر في هذه الرواية ربما كان للكاتب تلميحات و قرائن سردية تشير إلى أنه كان يستكشف أيضًا - وربما، لا أدري، ربما أكون مخطئًا - فإن هذه الرواية كانت رومانسية -في رأيي- لا يجتاح فيها الابتذال الرومانسي كثيرا، اعتقد شخصيا يمكن اعتباره عملا فنياً استثنائيا، ينهي رأيه الناشر "كريستوبال بيرا".
-فأشير هنا و لتذكير القراء الذين لم يقرأوا "قرن من العزلة/ أو "مئة عام من العزلة" هي الرواية التي أراها أكثر عربدة و معجم شيطاني بامتياز و انعكاس للواقع الكولمبي و لخراب العالم قيمياً؛ حيث "العنف بشتّى أنواعه، الجنس المفتوح على مصراعي الرذيلة، الزنا و زنا المحارم و القائمة المعجمية لكل الانحرافات؛ فنجاح هكذا أعمال يدلّ على أن في عالمنا المعاصر هذا "الكفر فيه أعند و أصمد و أقوى من الإيمان"، على حدّ قول سرد نفس الكاتب غارسيا في رواية "شيء من الحبّ و شياطين أخرى 1994.
-لا فروق كبيرة فيما يتعلّق بِنَفَسِ و ثيم غارسيا المسرودة بالنسبة لروايته:"الحبّ في زمن الكوليرا/ أين تشغل الحسية-الجسدية حيزًا كبيرًا من الكتاب، و بإسهاب يتحدث المؤلف غارسيا عن الإثارة الجنسية بشيء من الدقة، و ب استثارة سردية قوية توجيهية تأثيرية على عقل المتلقّي. في هذا الكتاب غالبًا ما يُلقي الكاتب غابو نظرة فكاهية على شخصياته، وخاصةً "فلورنتينو أريزا" Florentino Ariza و الانتقال بين اليأس والفجور و الأيروسيية الجامحة والهوس، ممزجًا بذلك سمات شخصية متباينة للغاية، بل ومتناقضة. يبدو أن صاحب نوبل للأدب غابريال غارسيا ماركيز يسعى في هذا المنجز رسم أو إقامة خط فاصل (مخلط الأوراق) في تناقض قوي بين الحب الرومانسي الأفلاطوني النقيّ والهوس الجنسي الدائم، وبين الانجذاب الجسدي الحسي، و البحت الاستمتاعي العابر، وغير المترتب عليه أي عواقب و لا التزامات."
**
-ومع ذلك، فإن رواية "حتى أغسطس" /أو "سنلتقي في أغسطس" ليست بالتأكيد أول عمل لأديب تمّ نشره ضد رغبته و عكس وصيته. فلمّا كان يلفظ أنفاسه الأخيرة على فراش الموت، طلب الشاعر "فيرجيل Virgile" إتلاف مخطوط مجموعته الشعرية الملحمية "*L Énéide الإنيادة*"، وفقًا للتقاليد الكلاسيكية". الحال نفسه: "عندما كان فرانز كافكا Franz Kafka هو أيضا مريضًا بمرض السل و بشكل متقدّم، طلب من صديقه ومنفذ وصيته، "ماكس برود" Max Brod حرق جميع أعماله".
-هذا الأمر يطرح بشدة إشكالا بعد جرأة نشر رواية غارسيا ماركيز "الجديدة" و إشعال الجدل حول شبهة و أخلاقيات "النشر بعد الوفاة الذي يخالف توجيهات المؤلف"، فلا ننسى أنَّ "التاريخ الأدبي حافل بأمثلة و نماذج على -أعمال شهيرة- ما كانت لترى النّور و تصل القراء لولا "خيانة" المنفذين للوصية و كذلك تجاهل الورثة لرغبات الكتّاب و الأدباء". هذا حسب قراءة مدونة الكاتبة و الصحفية Sonja Anderson* سونيا(سونجا) أندرسون* من شيكاغو.(الولايات المتحدة الأمريكية).
-حسب رأيي الشخصي عندي شكّ موضوعي من مصداقية هذه الرواية التي ظهرت بعد وفاة المركيز ب10 سنوات.. قد يكون قد تركَ مخطوطا ما لم يكتمل لكن -جشع- ورثته حملهم على التلاعب به و نشر (محتوى روائيا)، خصوصا أنّ ابنه مختصّ في كتابة السيناريوهات، رأى بعض النقاد أنه دون مستوى غابو السّردي المعروف به.. و هل يكون غابريال غارسيا في كامل قواه الفكرية و التركيزية كي يبني رواية؟ صحيح أن "الخرف" شبيه بخيال الكاتب أحيانا لكن الفرق بينهما أن الخرف المتعمّد يختلف عن الخرف المرضي المستبد بعقل الإنسان!
**
*إمرأة الظل "مرسيداس بَرْشَة"، ملهمة و"تمساح مقدّس" لغابرييل غارسيا ماركاز":
-توفيت "مرسيداس بَرْشَة"، في 15 أغسطس عن عمر يناهز 87 عامًا، الزوجة الرسمية للكاتب "غابرييل غارسيا ماركيز" بعد حياة مشتركة دامت 56 عامًا، كانت ذلك "الإلهام الخفي"، الذي أثّر بالتأكيد على الملامح السّردية لبعض شخصيات الروائي.
-"إلى مرسيدس، بالطبع"، هو إهداء مبوّب في كتاب "الحب في زمن الكوليرا"، رواية نشرها "غابو Gabo" / غابرييل غارسيا عام 1985.. من أهمّ إصدارات الكاتب بعد ثلاث سنوات من تتويجه ب جائزة نوبل في الأدب.- وهو كتاب عن الحب المحبط، المُصاب بالانتكاسات.
-في عام 1962، أهدى الكاتب الكولومبي "غارسيا" إحدى مجموعاته القصصية إلى "التمساح المقدس" في استعارة أو إشارة إلى "مرسُداس بَرْشَة" التي تزوجها عام 1958 بعد علاقة مفتوحة دامت عشر سنوات، في ملحق كنيسي "سيدتنا صاحبة الإغاثة الدائمة- بارانكويلا، شمال كولومبياNotre-Dame-du-Perpétuel-Secours de Barranquilla
"مرْسُداس راشال بَرْشَة باردو هي - "شريكتي الوحيدة في باليهات السُكر Sucre"،
“Mercedes Raquel Barcha Pardo ­– mon unique partenaire dans les bals de Sucre”
يذكرها بها الروائي في مذكراته - كانت نحيفة، ذات نظرة حادة. شعرها القصير جعل رقبتها طويلة جدًا، مما جعل المركيز أن يلقبها مزاحا ب "الزرافة" عام 1950.. أطلق "غابريال غارسيا" على عموده في صحيفة "إل هيرالدو" "اسم ثانٍ سِرّي". يُقال أنّ غابريال غارسيا التقى لأوّل مرة بمَرْسُداسْ في "السُكر" Sucre ، على الرغم من أن البعض يؤكّد أنهما التقيا في "ماغانغي" Magangué ، مسقط رأس "مَرْسُداس بَرْشة"، الواقع على ضفاف "نهر ماجدالينا"، شمال مقاطعة "بوليفار Bolívar". فتعرّف المركيز على "الطفلة" مرسداس و هي لا تتعدّى 12 سنة.
امرأة في الظل على أي حال، من المعروف أنها كانت تبلغ من العمر حوالي 12 عامًا عندما تعرف الماركيز على عائلتها، حسب ما ذكره "كيرفين لاريوس" في صحيفة البريد الدولي" الفرنسية في نهاية أغسطس 2020.
**
*كان المركيز يوزع الحبّ من خلال نطافه على معجباته، و يعني نشراً "تمساحهُ المقدّس" إهداءاته:
-(من ميزات التمساح أنّ له أسنان مخروطية الشكل وعضته قوية. و هو كَ الطيور، له قلب بأربع حجرات ونظام تدفق هواء أحادي الاتجاه حول الرئتين، ومثل الزواحف الأخرى، فهي من ذوات الدم البارد. و تجدر الإشارة بأنها حيوانات مفترسة فعّالة للغاية! فالتماسيح إقليمية وتهاجم إذا اقتربت منها.)
-على عكس ما يحاول أن يُقتنع به من قبل متابعي و محبّي و المعجبين ب Gabo كاتب "قرن من العزلة" و " القحبات الحزينات" و "الغرام في زمن الكوليرا"،و غيرها من الثيم التي تروي العلاقات الجنسية قبل الرومانسية أنّهُ كان وفيّا لتلك الطفلة (المُحوّلة عاطفيا و عقليا) من طرفه و تدعى "مَرسُداسْ" و التي مارس معها العشق و الحب سنينا طويلة و تزوجها رسميا بعد تقدمها إلى سنّ ال26 عاما ، و أنّ طيلة علاقتهما الرّسمية لم تكن لدى الكاتب المناضل " اليساري، النسوي" حياةً مزدوجة، علاقات غرامية و عشقية مع غيرها خارج ميثاق زواجه من "مَرسُداسْ" و خارج نطاق شهرته، في بيئة مهنية و اجتماعية مُشجعة ثقافيا العلاقات المفتوحة. من السذاجة المطلقة تصديق ذلك!
*
-كان "المركيز"، أو الكاتب Gabo "عدّاء التنورات القصيرة" coureur de jupons (زيرا لهنّ) بفائق السرّية و التحفظ، و شهوانيا كثيرا و لا يشبع من "ال......الجميلات، الحزينات، السعيدات، المتحررات، المتصالحات مع أنوثتهنّ و نزواتهنّ و شهواتهنّ".
حسب شهادات المقرّبين منه كان الكاتب واقعا ساحراً مؤثرا في استمالة مشاعر "الوسط النسوي" تماما كما -على طريقته- و تأثيره السّردي في أعماله إذْ عُرِفَ باحترافية نادرة في كيفية الإيقاع بالأنثى و إقناعها أينما وجدت مهما كانت ثقافتها أو بيئتها أو ديانتها لأنّه فهمَ و أدرك بذكاء شديد مذ بداية سطوع نجمه ما يجب -فعله و قوله - للأنثى فارتكز و اعتمَد طول حياته على ضمّ صوته السّردي و السّلوكي في قول و كتابة ما تُحبّ المرأة سماعه أو قراءته يقول صاحب الفكر اليساري بلُؤمٍ متعمّد الذي يريده من المرأة بأن تكون -مُتاحة للذكور - لكن بإرادتها :
"كم من رجل سمعته يقول إنه يتمنّى أن يجد -امرأة ذكية- في حياته!
أود أن أشجعهم على إعادة التفكير في الأمر مرارا...
-فالنساء الذكيات يتخذن القرارات بأنفسهن، ولديهن رغباتهن الخاصة، ويضعن حدودًا لذلكَ.
-المرأة الذكية لن تكون أبدًا محور حياتها لأنها تدور حولها. لن تسمح المرأة الذكية لنفسها بالتلاعب بها أو ابتزازها؛ إنها تتحمل المسؤولية.
-النساء الذكيات يسألن، ويحللن، ويجادلن، ولا يكتفين، ويمضين قدمًا.
و اعلمْ أيها الرجل أنه كان لهذا الصنف من النساء الذكيّات حياة من قبلك، ويعلمن أنهن سيستمرن فيها بعد رحيلك.
-المرأة الذكية -لا تحتاج إلى كفيل تُحذّر-، ولا تستأذنك و تطلب موافقتك.
-اعلمْ أيها الرجل الباحث عن امرأة ذكية؛ أن -هؤلاء النساء- لا يبحثن عن قائد، أو قدوة في علاقتهن بالرجل ، أو عن أب (وليّ أمر) يحل المشاكل اليومية، أو عن ابن لإنقاذ حياته و حمايتها. إنهن لا يرغبن في اتباعك أو وضع "تعليمة" ما على مسار أيّا كان.
-إنهن يرغبن رُبّما في السير إلى جانبكَ. إنهن يعلمن أن الحياة دون عنف حق، وليست رفاهية أو امتياز." .
-يعبّرنَ عن الغضب والحزن والفرح والخوف بنفس الطريقة و لأنهن يعرفنَ أن الخوف لا يجعلهن ضعيفات بنفس الطريقة التي لا يجعلهن الغضب ذكوريين.
-المرأة الذكية حرة لأنها ناضلت و قاتلت من أجل حريتها. و إنها ليست ضحية، بل هي ناجية . عبثا إن حاولتَ أيها -الرجل-(تقييدها أو تأطيرها) فحتماً أنّها ستعرف كيف تهرب و تنفلت. -تعرف المرأة الذكية أن قيمتها لا تكمن في مظهر جسدها.
لهذا فكر مرتين قبل الحكم عليها مثلا: بناءً على عمرها أو طولها أو حجمها أو سلوكها الجنسي، لأن هذا في حدّ ذاته إساءة عاطفية وهي تدرك ذلك جيداً. لذا -أيها الرجل-قبل أن تقول أنّكَ تنتظر أو تتمنّى امرأة ذكية في حياتك، اسأل نفسك عما إذا كنت مستعدًا حقًا لتكون جزءًا من حياتها؛ حياة هذه "المرأة الذكية*".(*غابريال غارسيا)
**
ما يثيرني عقليا و يسَلِّيني بشكل خاص فكر التيارات اللادينية و اليسارية الليبرالية -أخلاقيا- هو وقوعهم
في تناقضات الخطاب و ازدواجيته.
فالمتمعّن في الخطب الماركيزية التمجيدية للمرأة الذكية تجعلكَ تُجزم بأنّ غابريال غارسيا قد يكون هو نفسه (جبرائيل /جبريل) رسول الله لجميع الرسل و ربما أنه كان أكثر إنصافا لِ المرأة من "خالقها" نفسه. أكثر تسامحا و رحمة، أكثر تفهّما لها؛ و هو الذي يدافع عن نفسه و يدعو إلى عدم -إصدار الأحكام- على أيّ كان و ما كان للعرف و لا الدين أن يحكما على سلوك البشر و تحديدا النساء، إلا أنّهُ تناقض طيلة مسيرته مع سردياته المُختلفة و هو يتناول شخصية الأنثى. لماذا يوظف مصطلحات من المعجم الإنساني المشترك في إعطاء بعض -المنحرفات-وصف "المومس، الغانية، القحبة، البغي" عندما يريد الإشارة إلى منزلة "الأنثى" عندما تسقط في عالم البغاء و الرذيلة.. هل نماذج "المومس، البغي، الغانية" لسنَ "نساء ذكيّات"؟! لماذا إلحاق صفة إنزالية، ذامّة عرفيا و اجتماعيا و دينيا بالمرأة التي (بمحض حرّيتها) اختارت أن تمارس الجنس مع العديد من الشركاء في حياتها. بنظري حسب مفاهيم غارسيا و العالم الليبيرالي أخلاقيا هؤلاء -النموذج من النساء- لسْنَ سيّئات و لا ساقطات أخلاقيا كما يتهمهنّ (الرّب و دينه)، هنّ فقط نساء "حرّات" على مقاس متحررات جنسيا و سلوكيا. من لم يلفته انتباهه فإن اصطلاح "التحرّر الجنسي" لا يعني بالضرورة "التسيّب الجنسي"؛ بل قد يعني العكس، أي -التحرّر من عبادة الجنس و سطوته على النفس-، و الاستقلال عن هذه الشهوة و الترفّع عنها.بمعنى الاستغناء و التنصّل عنها.
-إلا أنّي أرى عنوان الرواية القصيرة بالإسبانية:
Memoria de mis putas tristes
« ذاكرة قحباتي الحزينات »
Mémoire de mes putains tristes
فيها ازدواجية مقارنة مع آراء غارسيا حول (قيمة المرأة) كشريك للرجل.. فلو كان غارسيا أخلاقيا مقتنعا بأن ممارسات غانياته و شخوصه المذكورة للمرأة الذكية لعنون روايته كالتالي:
"ذاكرة نسائي الحزينات"/
“Triste memoria de mis mujeres”
“Mémoire de mes femmes tristes”
لماذا لم يصفهن أو يعطيهنّ شرف توصيفهن بِ " عفيفات المجتمع و حرائره" .. لو كانت الرواية هذه بهذا العنوان لقلنا أن -المُعلّم-غارسيا أرحم في أحكامه الأخلاقية على النساء من كل الأديان و من الله ذاته، إلاّ أنّهُ وقع في واقع الأمر و سمّى الأمور بمسمّياتها و المُسمّيات فيها ما يُنزل و فيها ما يرفع كلّ حسب تصرف و تفاعل الأفراد في مجتمعاتهم. الأدهى من هذا كلّه أن -قوة الإغواء - و التأثير السّردي في هذه الرواية أقنع كثيرا من القراء و القارئات و جعل بعضهنّ يتمنّينَ أن يصبحن مثل هؤلاء الساقطات في تفاصيل و مجريات "قحباتي الحزينات". الحفر في القيم و الأخلاق و تجميل الآثام و الفواحش؛ فإنه ليس غريبا هذا التوجيه، و التوجّه الفكري لتيارات اليسارية الليبرالية في المنتوج الفني و الأدبي مذ استفحال تعاليم "المدارس الإنحطاطية".
**
إذن لم يكن الروائي غابريال ماركيز كغيره من المثقفين الكبار بمنأى عن شبهة (الشراهة الجنسية و المغامرات النسائية المتعددة السرّية و السّرية جدا)..
-لا يغيب عن مطّلع في الشؤون أمريكا اللاتينية أنها مجتمعات تسبح في أنواع شتى من المفارقات و الأزمات و التي شكّلت منجم ورشات المركيز في الكتابة و كولومبيا تحديدا معروفة بفوارقها و تناقضاتها الاجتماعية و المجتمع الكولومبي تربّى على جميع أشكال الانحرافات و جميع أشكال اللااستقرار السياسي و الأمني، حتى صار العنف من بين مؤشرات الهوية الكولومبية.
-الدعارة، السياحة الجنسية، العصابات و و تطاحنها من أجل "غنيمة الكوكائين و المخدرات، و الاغتيالات و الاختطافات و الجماعات الإجرامية المسلحة التي تناهض كل سلطة رسمية.. فهو مجتمع معقّد للغاية، عنيف للغاية، فاسد حتّى النخاع.
-كان المركيز يولي أهمية قصوى لما يفعله خارج حدود الكتابة و خارج الإطار الرسمي العائلي و المهني، فقد عمل قصار جهده طيلة حياته لحجب قدر السّرية الفائقة مغامراته و علاقاته النسائية عن الرأي العام و عن وسطه العائلي تحديدا أم ولديه "مارسُداس بَرْشَة"، تمساحهُ المقدّس، كما وصفها. كان حريصا للغاية بأن لا يخونه (نطافه) الذي كان يهديه بوقاية شديدة لفروج المعجبات به في ليالٍ عابرة، فهو لا يريد أن يقع في تناقض مع الصّورة التي سوّقها للعالم فيما يتعلّق بمدى حبّه لتمساحه المقدّس أو لصاحبة العنق الطويل "الزرافة مارْسُداسْ"..أكثر الأشخاص المقرّبين للماركيز و المكلّفين من قبله حماية أسراره و حياته الخاصة و مكلّفين بكتابة "سيرته الذاتية الرسمية" كما أرادها غابريال غارسيا و هما "داسو سالديفار و جيرالد مارتان"
‏Dasso Saldívar-/ Gerald Martin
بعد اشتهار المركيز
-إلا أنّ بعض من حيوانات الماركيز المنوية انفلتت من قبضة السّرية و استطاعت تأكيد حضورها و استقرارها في فرج إحدى المهووسات المعجبات من الطبقة المثقفة .
-عائلة الماركيز أيضا كانت بنفس الحرص المتقاطع مع حرص صاحب نوبل للأدب و هو عدم تسرّب أي تفصيل أو حادث من شأنه تشويه صورة (العائلة). فالكلّ يعلم بسلوك غابو Gabo لا يمكنه الإمتناع عن الحبّ و ممارسته في الأزمات و الحروب و في الأوبئة و في الصيف و في الشتاء و كل الفصول. و حدث الذي لم يُستحبّ حدوثه بالنسبة للعائلة و المحيطين و الحافظين لأسرار العميد إله الأدب اللاتيني الحديث.
في مقالٍ طويلٍ نُشر بقلم الصحفي "غوستافو تاتيس غويرا" Gustavo Tatis Guerra الذي كُشف فيه النقاب عن لغز و سر من أسرار مزعجة الذي طارد عائلة غابريال غارسيا ماركيز ومحيطه الأدبي لأكثر من ثماني سنوات. حيث كشف التحقيق النقاب على وجود ابنة مخفية (سرّية) نتجت من علاقةٍ خارج إطار الزواج ب"مارسُداسْ" مع المُعجبة و المُغرمة الصحفية المكسيكية "سوزانا كاتو" Susana Cato .. و حسب المصادر التي أثارت الموضوع وقتها تؤكّد أنه"من المرجح جدًا أن مارْسُداسْ" كانت لديها فكرة عما حدث بين سوزانا و زوجها غابريال ماركيز، لكنها التزمت الصمت حتى نهاية حياتها". و يرجّح أن كاتبي سيرة الماركيز الرئيسيين، داسو سالديفار وجيرالد مارتان، كانا على علم بالأمر، إلا أنهما التزما الصمت وفاءا لغارسيا و احترامًا لأحاسيس مارْسُداسْ حتى وافتها المنيّة.
-أمّا عن الصحفية العاشقة، العشيقة، أو المرأة الأخرى واحدة ممن كنّ يقاسمنَ جسد غارسيا و نطافه (بكل سرّية) مع مارْسُداسْ و هي أمّ إبنته السرّية و بعد كشف هذا السّر وضّحت الصحفية "فانيسا دي لا توريVanessa de la Torre " على لسان العشيقة:
"قبل وقت قصير من وفاة غابرييل غارسيا ماركيز، وصلت الشائعة إلى أذني، وطوال هذه السنوات الثماني التي كانت تزعجني و تؤرقني، فأردتُ التأكد من صحة المعلومات المسرّبة." بعد مقابلة مع سوزانا كاتو الصحفية العشيقة السّرية ، حيث وضّحت دون تردّد "أن علاقة غابو بها كانت عبارة عن "قصة حب طويلة الأمد. بل كانت قصة تواطؤ وإعجاب دائمين".
**
-حتى النهاية و إلى آخر رمق، ظل "غابو" أو غابريال غارسيا ماركيز يراقب عن قرب و بسرّية تامة ابنته.. أليس هو المركيز نفسه- يؤكّد كاتب الأوراق المسربة "غوستافو تاتيس" - حيث اعترف في تسعينيات القرن الماضي: "لكل كاتب ثلاث حيوات: حياة عامة، وأخرى خاصة، وأخرى سرية". وفي حالة "غارسيا" كما أرى فقد "لعبت النساء -الذكيّات المتفتّحات-دورًا محوريًا في كل واحدة من حيواته الثلاث".
**
-للمصادفة العجيبة بنفس العمر (87) عاما رحل غابريال غارسيا المركيز مذ زمن ثمّ لحقت به "مارْسُداسْ بَرْشَة"، امرأة الظل المشهور المعروفة بصفات عديدة: العاشقة، الزوجة و الصاحبة و بصفة الأم الشرعية لولديها و بصفة المكذوب عليها أيضا.. و بقت "سوزانا كاتو"، التي كانت و لا تزال امرأة ذكيّة، مثقفة، بصفة العشيقة السّرية و أمّ لإبنة نتاج زنا، غير شرعية سرّية تُدعى "إنديرا In-dir-a و عمرها اليوم 34 عاما(تشتغل كمنتجة تليفيزيونية) .. و نساء ذكيات كنّ في الطابور على علاقة ب غابو لا يعلم عدّتهم إلا الله؛ أو على الأقل في انتظار سقوط أسرار أخرى على صفحات الجرائد أمريكا اللاتينية متعلّقة بعلاقات المركيز اللاشرعية و السّرية !
-و على ضوء مرور أيام عن إعلان فوز كاتب "مجَري" بنوبل للأدب لا يزال كُتّاب العرب معزولين عن المشهد العالمي بسبب تبعيتهم الفكرية للكاتب الأجنبي و السير حرفيا على خطاه و لم يحدث ثورة كما فعلها كتاب نخبويون في أمريكا اللاتينية أو في وسط الأدب الروسي.
-ربما استطاع الكولمبي "غابو" غارسيا حيّا حتّى و هو في آخر أيام عمره يعاني قهر خَرفهِ أن يبني رواية .. و نُشرت و هو ميّتا ترجمت لكل اللغات؛ بينما في الجزائر مثلا مسرح آلاف السّنين من تعاقب الحضارات و الثقافات حُكِمتْ و نخبها في بداية هذه الألفية باسم رجل واحد لعهدة كاملة و هو بكامل "خرفه"!. مازال الإنسان العربي تنتظره مئات السّنين من العزلة.

*غارسيا المركيز و "شريف الفاتح الأفغاني*1":

(...أذكر في بداية هذه الألفية كان لي صديق -غير دائم-.. "أحمد علي شريف"، هو مصوّر محقق صحفي تابع لوكالة إخبارية في الشرق الأوسط، و انتهى به المطاف في الهروب إلى فرنسا من أفغانستان لمّا انتفت كل الشروط و الضمانات لبقائه حيّا، فلا تنظيم "طالبان" المتطرّف رحمه و لا الحكومة الأفغانية المؤقتة و اللامستقرة المدعومة بحكومات الحلف الأطلسي الغربي جعلته يمارس مهامه بأمان و بحرّية.. كان الرجل معزولا و محاصرا من كل الأطراف. كانت الأشهر الأولى من مكوثه في باريس صعبة للغاية في انتظار فرصة سانحة تسمح له بالتوغّل من خلال مضيق "الأنف الرمادي" Le cap Gris-Nez إلى قاع الشمال أكثر ، عندما يجتاز بحر "المانش" و المرور إلى إنجلترا (بريطانيا العظمى)، حيث يتواجد كثير من جاليته و معارفه و حتى بعض أقربائه.
و في جلسة من جلساته معي كان حزينا و شارد الذهن أحيانا، كنتُ أشعرُ بغربته و هو بجانبي نتبادل ثيم مواضيع مختلفة حتى باغتني بالتصريح عن مشاعره الباطنية التي -هلهلها- الاغتراب و الضياع المدقع:
-العزلة! العزلة! آه يا لخضر !
-ما بها ؟ عن أيّ عزلة تتحدث؟ أجبته.
-أنظر يا صديقي، كنت هناك بعد ذهاب القوات الروسية أجاهد لا للدفاع عن وطني المُخرّب بسواعد كل القوى الداخلية و الأجنبية بل لأبقى على قيد الحياة و لكي لا يشعر بطني و كذلك بطون أهلي بالخواء.. كنتُ هناك كالمخنوق، اختنق بشدة، الظروف التي تحدثت عنها بنت شيئا فشيئا عزلتي التي هربتُ منها، حوّلتني الظروف القاسية هناك إلى كائن ظلّ و سلبي يخشى الظهور خوفا على حياته..اعتقدتُ أن نجاح هروبي و وصولي إلى أوروبا ستتفتّح لي الآفاق و تُفكّ عزلتي و ازدهر بأفكاري.. صحيح لقد آمنتُ هذا المجتمع الذي آمنَني و احتضنني و شعرت بالأمان على روحي و وفّر لي الملبس و المأكل و المأوى المؤقت في انتظار تسوية وضعيتي الإدارية؛ إلا أنّي أشعر بأنّي كائن بلا روح..والله يا أخي لقد نسيت حتى شكله و تفاصيله و حتّى ذوقه! العزلة قاتلة.. أحتاج من يبددها قبل اجتياز بحر المانش يوما و إلا كنت من الهالكين!.
قلت له في استغراب:
-نعم أتفهّمك يا "شريف"، إلا أنّي تهتُ و ضعتُ في محاولة فهم الجملة الأخيرة (يا أخي لقد نسيت حتى شكله و تفاصيله و حتّى ذوقه! )، لم أفهم عن ماذا تتحدث!
يرسل قهقهة، ثم يجيبني مستغربا:
-و أنا الذي عهدتك ذكيا نبيها رغم (إعوجاج لهجتي الفرنسية)، كنتَ منصتا و بصيرا بالعبارة و تفهمها و هي طائرة حتى و لو كانت غير مجنّحة(فالمفردات تطير و تحلّق أيضا في فضاء المعنى!)..
احترتُ أكثر، و لم أفهم قصده، لأنّي لم اعتد على جرأته تلك:
-والله يا أخي لم أفهم ما ترمي إليه بعد !
-ياااااربّ! ما بكَ اليوم، إنّكَ بطيء الفهم.. لقد اشتقت إلى أنثى، إلى أنثى.. احتاج إلى أنثى و إلى بوابتها السحرية أدخل منها لأُعيدَ تكويني و أبعث أملي و صبري من جديد.. يا هذا .. يا أبا "ماجدة" العزلة جعلتني لا احتمل تراكم اشتهائي و حيواناته المستوحشة ترقص في صلبي رقصة "الطونغو" دون هوادة لوقت أطول!
*
-مهما حاولنا الالتقاء، مهما تباعدنا، مهما افترقنا، مهما اختلفنا، مهما تعانقنا، مهما تخاصمنا بعنف؛ تبقى الأنثى هذا الكائن البشري هو -المنفذ الوحيد-الذي لا يستطيع الذّكر الاستغناء عنه؛و يتيقُ بشغف دائم العودة إليه مثلما جاء منه أوّل مرة؛ على الرغم من الشرور المتبادلة التي زرعها بينهما و فيهما الغرور الشخصي و الشيطان
*
انفجرت ضحكا عليه و هو يفاجئني بجرأة جسورة، معترفا بحالته و معاناته للوحدة و العزلة العاطفية و الجنسية.
-يا رجل إن كنت فعلا تعاني من "الفقد" و من هذا الجانب و فتكت بكَ العزلة كما تقول، جد حاجتكَ سريعا، فهذه الأرض تزدحم بالنساء السهلات، اللائي يبحثن عن نفس الغاية.. أشهر كاملة و لم تستطع إيجاد واحدة منهن.. افعل مثل بعض إخواننا "العراقيين الشيعة"، ففي كل ليلة تقريبا يقيمون علاقة جديدة" مع امرأة ما، و لهم حاجتهم و حجتهم الشرعية المذهبية السّحرية. "زوجتُكِ نفسي، زوّجيني نفسكِ" "رضيتُ و رضيتِ" و الشغل صار "حلالا" عندهم ! عجبا ما منعك إذن أن تحصل على "أنثى" من هذا المجتمع طيلة هذه الأشهر.
-اتركني من أمر هؤلاء! أنا بصراحة معزول يا أخي، حيائي، عوِج لساني بالفرنسية، غير واثق من نفسي، لم استطع إيجاد حلّ لأقوم بفتح أنثى هنا .. أريد أن افتح أنثى و أراجع كل التفاصيل الحميمة معها و احفظ مراجعا معها جيدا الشكل و اللون و الرائحة و المذاق فيها.. دعكَ من غرابة ما أنا عليه، إن لم تسدِ لي بنصح أو حيلة أستطيع بها أن أفتح أنثى تبدد عزلتي فعلى الرحب و إن كانت عندك نيّة السخرية من حالي فاصمت أفضل!أجابني بحماسة و انفعال.
-هل فعلا تجد نفسك عاجزا على القيام بخطوة تقرّبك من أنثى قصد مراجعة تشريحية لجسدها و تصحيح مفاهيمك الحسّية و الحواسية و الوقوف عند رغباتك و نزواتك و تطلب منّي مُساعدة أو مشورة؟ عرّجت قائلا له.
-هذا بالضبط ما أُريده.. يا أخي .. ساعدني بالمشورة و دلّني إليه! ردّ على كلامي و النرفزة على وجهه القوقازي الأسمر .
-قلت له:
-طيب! ما دمت تريد المشورة فليكن ذلك.. فالأمر بسيط جدا اتبعه و سوف ترى أنه سيؤتي بأكله عن قريب إن -شاء الشيطان-! لا تنسَ، أنت في مدينة الملائكة والشياطين.
-إليّ به! إليّ و لا تحشر تنمُّرا ً منك الشيطان، دعه و شأنه، الشيطان هنا يقضي يومه الكامل سباحة و فسحة في الشهوات و الملذات دون توقف .. هو لا يدري بحالي لمّا أُصِبتُ بعمى الجسد الأنثوي و تفاصيله، لقد حدث لي خرفُ حسّي و حواسي في آن طيلة هذه الأشهر الطويلة دون -احتكاك- موضعي في هذه المدينة المنكمشة على نفسها و الباردة جدا .. باريس لا تليق بأبناء المشرق و لا المغرب و لا أبناء الجنوب، لو بقينا هنا طويلا سنشهد حتما ضمور أعضاءنا التناسلية تدريجيا. إليّ إذن دون تماطل بالنصيحة...
-هههههههة! ما أغربكَ و ما أعجبكَ هذا المساء يا أخي.. الأمر بسيط جدا، انصت إليّ جدا. لكن قبل أن أسدي لكَ النصيحة هل أنت من قراء الأدب الرومانسي و الأيروسي ؟ الأدب الذي تختلط فيه الرومانسية بالجنس؟
-عجبا لكَ أنتَ أيضاً! و ما شأن هذا بما أطلبه من نصيحة تذلل لي طرق فتوحاتي للإناث الفرنسيات هنا؟ و على كلّ ليس لي اطلاع كبير على منجزات الأدب البورنوغرافي أو الأيروسي المكتوب بالفرنسية أو العالمي، لقد نسيتَ أنّي قادم من بيئة منغلقة و متطرفة و كنت أعاني العزلة! يا رجل أنا بصراحة أريد أن أمارس ذلك واقعا لم أطلب منك هكذا عناوين لأمارس من خلال قراءتي هواية الاستمناء !
-يا غبي! انصت إليّ و لا تقاطعني، و إلا هذا فراق بيني و بينك !..اقتنِ من المكتبة أيّ كتاب يعالج الأيروسية كثيمة.. ثم تقرّب من أيّ أنثى و سلّم عليها أولا بلباقة، تعرف أنّ هذا سهل جدا.. و أطلب منها أن تعينك على قراءته في مقهى أو نادي و بأن تشرح لكَ مثلا ما يستعصي فهمه.. أو بإمكانك تقديمه في إطار دردشة مع إحداهنّ كهدية و كعربون تعارف مع أنثى عادية منعزلة بنفسها على طاولة أو على مقعد حديقة عمومية أو حتى في مكان عام أو في مركبة قطار الأنفاق .. على كلّ ، من تراها تروق لك شكلا و مضمونا، لا يهم سنّهنّ، إن كنّ في سنّ مبكّرة جدا أو كنّ متقدمات و تجاوزن الثلاثين، حتما ستجلب إليكَ انتباه احداهنّ.. هكذا كتب و ثيم تُلتهم هنا من قبل الإناث كما تلتهم الشكولاتة.. فقط اعلمْ و احذر أنّ هنا في هذا البلد و هذه القارة المزدوجة الخطابات، فلا تقع في فخّ"البيدوفيليا".. القوانين هنا لا ترحم، و بالأخص أنتم الأفغان لديكم سمعة سيئة في أوروبا و العالم. لأنهم لن يقولون رجل بالغ اغتصب فتاة قاصر، بل سيقولون إرهابي أفغاني مسلم، لاجئ اغتصب طفلة أوروبية لا تتعدى عمر ال15 ربيعاً!
-أوَ تعتقد أنّهُ سينجح الأمر!؟ يا رجل بالنسبة للشكل و المضمون و السّن لا يهمّ.. الأهم عندي الآن هو أن أُحدث القطيعة مع عزلتي هذه.. يا أخي تذكّر ما قلته لك في البدء، يجب أن استعيد ما بددته العزلة التي تقطع وجودي؛ افهم يا رجل .. ألا تفهم !؟"لقد نسيت حتى شكله و تفاصيله و حتّى ذوقه!".. فبماذا تنصحني؟ أي كتاب و أيّ كاتب تراه يقدّم لي فرصة "فتح" أنثى ما مهما كان سنها و عمرها و شكلها و ثقافتها ؟
كنتُ أنظر إليه بحيرة و بتعجّب و بشيء من المرح النفسي؛ كونه نقلني سلوك "شريف" الأفغاني من حالة إلى حالة و نسيت همومي و انشغالاتي الخاصة.فكّرتُ ملياّ ثم أطلقت زفيراً من الأعماق و أنا أحاول إعطائه ما يطلب من نصح و مشورة.
-لديكَ رواية "الحبّ في زمن الكوليرا"، أو "قرن من العزلة"، ابدأ أولا باقتناء هذين الروايتين فلإناثكَ المستقبليات حتماً ما يشتهينَ، تجد الرومانسية و الجنس و كل شيء .. عندما تنجح تبدأ في تجربة فتوحات إناثك المستقبليات، و لما أراكَ راضيا سأُشير عليك بعناوين أُخرى من الأدب الأوروبي و الروسي أيضا الزاخر بالجنس المُزخرف بذريعة الرومانسية و الحب التي يحبها الإناث في سنّ مبكرة جدا و الأكبر سنّا بكل تأكيد.
-طيبّ، تعتقد أن الأمر سينجح وفق ما قلت، لا أعرف محتوى هذه الأعمال رغم أنّي سمعت عنهم إعلاميا، تعتقد أن مؤلفات هذا الكاتب الكولومبي الماجن المشهور "غابريال غارسيا" ستخدم فتوحاتي مع النساء مستقبلا؟
-أنا متأكّد بأنها ستجلب حظ ما تبحث عنه و ستعيد استكشاف خارطة و جغرافيا ما تريد إعادة اكتشافه و ضيَّعتهُ لكَ عزلتك هنا..؛ فالغرض من اقتراح خطتي -حسب إلحاحكَ- هو جرّ النساء إلى المجون و تحبيبهن فيه. فلا تكفر ! و هي طريقة تأثيرية قديمة يستخدمها الرّجال في اجتياح مشاعر أيّ أنثى مهما كان سنّها، لأن تبادل هكذا نوع من الأدب "الماجن" الغرض منه هو فتح نقاش متبادل و رصد آراء و ردات فعل و انطباعات الطرف الآخر .. حتّى تجد النقاش حول ثيمة رواية ماجنة ما يتحوّل إلى إسقاط شخصي فتصبح الرواية تأثيرية و الأنموذج الذي يجب اتباعه.. الكتب كانت دوما "مراسيل" حب و غرام و واسطة العشاق مهما كانت نواياهم إلى يومنا هذا، من بعدها يكسّر الجليد عن طريق النّص الروائي البورنوغرافي و الأيروسي.. فقط اعلمْ أنّ إناثك المستقبليات سيقعن في حبّ "المركيز" أو غيره من الكتاب أولا قبل أن يسلّمنَ أجسادهنّ لكَ.. و ربما سيعبرنَ إلى صدر و أحضان و غرام و عشق المركيز بهوس شديد من خلال ملامستهنّ جسدكَ و تداخلهنّ معكَ، سيغمضنَ أعينهنّ و أنت تقوم بحملاتك و فتوحاتكَ. فقط، ركّز على الشكل، اللون، و الرائحة و لا تهمّك التفاصيل. و اعلمْ أخيرا في تجربتكَ المستقبلية؛ أن أوّل رواية أو كتاب كان وسيطا افتراضيا، غراميا أو جسرا للمرور إلى تطبيقات العشق على الواقع. ربما ستتاح لك أنتَ أيضا فرصة "عيش كتاب" بكل جوارحك كتجربة انتقالية إلى التجربة الواقعية.
كما ذكرت مذ قليل، لقد كانت الكتب دائمًا بمثابة "رُسُلا ملائكيين و شيطانيين" وسطاء للحب والعاطفة، ووسيلة للعشاق، أيًا كانت نواياهم، حتى يومنا هذا.
سيصبح ذلك الكتاب رمزا عاطفيا و مشاعريا قويا لا يفنى، يحيا أبدا في لاوعي أحدكما، و سيصير أقدس و أغلى كتاب من كل الكتب بأسرها لا يقبل التنظير و لا الانتقاص من شأنه و تعلو مكانته فوق كلّ الكتب المقدسة ذاتها. و ستشكرني ذات يوم و حينها سألقبكَ ب"شريف الفاتح الأفغاني"، هذا عندما تستأمنك أيضا إناث أوروبا على فروجهن!" *1) مقتطف من مخطوط روائي باللغتين /عربي/فرنسي/ للأديب لخضر خلفاوي...)
*1) Extrait d un manuscrit en cours de l écrivain Lakhdar Khelfaoui ..
——
-(ل.خ) (L.K)
*لخضر خلفاوي، أديب، مفكّر، مترجم، إعلامي و فنان تشكيلي (جزائري-فرنسي)
*Lakhdar Khelfaoui, écrivain, penseur, journaliste et artiste peintre (Franco-algérien).
octobre 2025أكتوبر








-*الإنيادة: هي قصة محاكمات إينياس الطروادي، الجد الأسطوري للشعب الروماني، ابن أنكيسيس والإلهة فينوس، منذ الاستيلاء على طروادة.
* -ذرْوَنة الذرّة*- l’atomisation de l’atome */ مصطلح من معجم الكاتب لخضر خلفاوي الخاص به.



#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)       Lakhdar_Khelfaoui#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من رواية *شيء من الحب وشياطين أخرى./ غابريال Gabo غارسيا مار ...
- *حول الرواية الأسطورة: -Frankenstein فرانكنشتاين- للكاتبة-ما ...
- *ملفّ بحثي:الحبّ، الخيانة الزوجية و العاطفية: المجتمعات و تح ...
- * - القُبل- منها ما أحيا و من -الحبّ السّام- ما قَتل: عندما ...
- -من مرويات فصول العودة من الشمال: -في وضع الطيران*..
- *دراسات: الDark Romance/توظيف الحبّ في مرويات الأدب العالمي ...
- * الحب: هل هو خدعة و توهّمات نفسية اعتقدنا بها أو هو محض اخت ...
- *الحبّ حقائق و دراسات من منظور الفلسفة و البيولوجيا العصبية ...
- *الحبّ من خلال حقائق و دراسات علمية (ج1)
- *رجال ريّا و سكينة (سيرة سياسية و اجتماعية): من مرويات الرّا ...
- كلّ القصّة و كل الفارق.. و ليس العليم كالحَليم!
- الوحدة و ضغط الإخفاء: بين الاستثمار النفسي و الاستدمار الذات ...
- -تيّار محاربة الفضيلة و إشاعة منحى كتابة الفواحش من خلال -خم ...
- *من وجدانيات فلسفة الإفلاس المُطلق: -مُحاكاة الموت-
- * الجرافيتي أذن الجدران الصامتة و لسان الأفكار المهمّشة/ كيف ...
- -الدُّوكسا- Doxa الجنسية: عندما تنزل النساء إلى الشوارع؛لعبة ...
- بعيون غربية ناقدة:Décadentisme littéraire تيار -الانحطاط الر ...
- *مَنْكَحة العَصر: المِسْتَرْ -دودو- و حيوانات أمريكا الأليفة
- *أولاد الزنا و -يشعوبَ و مَشعوبَ-!
- *أفكار فلسفية فكرية:شرّ المخلوقات !


المزيد.....




- استبدال بوستر مهرجان -القاهرة السينمائي-.. ما علاقة قمة شرم ...
- سماع الأطفال الخدج أصوات أمهاتهم يسهم في تعزيز تطور المسارات ...
- -الريشة السوداء- لمحمد فتح الله.. عن فيليس ويتلي القصيدة الت ...
- العراق يستعيد 185 لوحا أثريا من بريطانيا
- ملتقى السرد العربي في الكويت يناقش تحديات القصة القصيرة
- الخلافات تهدد -شمس الزناتي 2-.. سلامة يلوّح بالقضاء وطاقم ال ...
- لماذا قد لا تشاهدون نسخة حية من فيلم -صائدو شياطين الكيبوب- ...
- محمد المعزوز يوقع روايته -أول النسيان- في أصيلة
- مهرجان كتارا الـ11 يواصل فعالياته بمشاركة نخبة من الروائيين ...
- مهرجان كتارا الـ11 يواصل فعالياته بمشاركة نخبة من الروائيين ...


المزيد.....

- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لخضر خلفاوي - في-الأدب و اللاأدب-؛ أسرار، خيانات و حَيَوات..و -شريف الفاتح الأفغاني-..ما لم يُقرأ عن -المركيز- حتّى الآن!(ج2)