لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)
الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 16:47
المحور:
الادب والفن
*ملف انطباعات و دراسات/ ترجمة من إعداد: لخضر خلفاوي
**
يقدم المُحرّر الأدبي الفرنسي ليونارد ديبريار في موقع "ليكليرور/أي الكشّاف، أو المُستطلع " التابع لمُجمّع "فْنَاكْ Fnac" الثقافي و الأدبي الفرنسي مجموعة مختارة حسب ذات المحرر لملف -أهمّ الأعمال الإيروسية- في مسيرة الأدب. فوقع الصّبر و التمحيص على خمس أعمال أحدثت جدلا كبيرا.
Les Liaisons dangereuses, de Pierre Choderlos de Laclos, 1782 (Le Livre de Poche)
1. "العلاقات الخطرة"، بقلم بيير شودرلو دو لاكلو، 1782 (كتاب جيبي).
و تجدر الملاحظة أنّ لبعض الروايات مصائرٌ مُفاجئةٌ للغاية. فعلى مدار تاريخ الأدب، تلاعبت بهكذا أعمال التحوّلات و الموضات والأعراف الفنية، فتارةً تُمجّد، وتارةً تُنبذ، وتارةً يُحكم عليها بالنسيان و الترك.
رواية "العلاقات الخطرة"، تعتبر في مجال -الأدب الخليع- حسب محرّر الدراسة المقارناتية تحفة أنجزها بيير شودرلو دو لاكلو، تجارب وثقت في روايةٌ مصدرها 175 رسالة كُتبت في عام 1779 ونُشرت عام 1782، وأصبح هذا المنجز عملاً رائداً في الوسط الفرنسي و الغربي إبان القرن الثامن عشر، و من الأمثلة السردية الجريئة التي اشتغلت على إثراء الرواية الخليعة/ أو السّرد الإباحي اللاأخلاقي.
لكن في القرن التاسع عشر و الطّرف الأول من القرن العشرين، وبعد أن استهدفتها المقاومة التعفّفية أدبيا متبوعة بالإدانة الأخلاقية مجتمعيا، اختفت الرواية الخليعة تمامًا من المشهد، كما لو أنها لم تكن موجودة أبدًا. ولم تُعتبر كفنّ روائي بقيمته الحقيقية إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وبدعم من كتّاب مثل مالرو، و تنصيب النصب التذكاري للأدب الإيروسي، و كرد اعتبار أو إحياء فنّ الخلاعة الأدبية بل و اعتبار الرّوي أو السّرد الخليع من أهمّ و أعظم المدارس الروائية الفرنسية حداثيا على الإطلاق. وإذا كان أسلوب "الاعترافات و إفشاء الرسائل الشخصية" الذي كان نشراً مخيفًا للوهلة الأولى، فقد استطاع أن يكون في متناول اليد رغم نقاوة الأدب الرصين المرتكز على الفضيلة. فهو استطاع الإيقاع بمكبوتات القراء من خلال منحهم انغماسًا مذهلاً في مشاعر مختلف الأبطال و الشخوص، في أكثر تفاصيلهم و أجزائهم بل في أدق جُزيئياتهم الحميمية. وذلك خلال ورشة نسج الرسائل المختلفة المتنوعة في الثِّيم و السياقات السّردية. و يلعب إلى حدّ التلاعب شودرلو دو لاكلو برموز السرد و أدوات طبخه لطبق الإيقاع بالقارئ في عوالم الإباحية و الخلاعة، مع تكثيفه لأساليب التشويق و دحض الشغف بشغف آخر!. قصة الرواية (علاقات خَطرة/ لييزون دونجوراز) هي في المقام الأول قصة انتقام من بطلة المنجز من أجل إجبار كونت جيركورت حبيبها السابق الذي خانها على دفع الثمن، تكلف الماركيزة دو ميرتويل صديقها المقرب، دو فالمونت، وهو غاوٍ مبين و هائل، و ذلك لتوصّله بإجبار خطيبة الكونت الفتاة الساذجة سيسيل فولانج على الاستسلام.
لكن المهمة "المقلب" أو المؤامرة لم تكن هيّنة بل كانت شاقة: أخذت تزرع سيسيل شغفًا سريًا بالشوفالييه دانسيني، مدرس الموسيقى الخاص بها، بينما يفكّر فالمونت في غزو أو فتح آخر، يراه تحديًا، وهو الرئيس التقي والحساس دي تورفيل. إذا كان الفجور والإثارة الجنسية في كل مكان، فهما مجرد دخان ومرايا واهمة. يسرد أو يروي تشودرلوس دي لاكلو هذه الهراءات بالتفصيل ليسخر منها بشكل أفضل، فيغنّي ضمنيًا قصيدة للحب والعشاق. يجدر بالذكر في هذا المقام أنّ هذا العمل ألهم عالم السينما؛ بالرغم من التعديلات التي لا تعد ولا تحصى في الفيلم الذي أخرجه ستيفن فريرز في التاريخ مع ثنائي جون مالكوفيتش / جلين كلوز في المقدمة.
**
2. رواية "جوستين أو مصائب الفضيلة"، للماركيز دي ساد، 1785 .
Justine ou les malheurs de la vertu, du marquis de Sade, 1785
-عندما يتعلق الأمر بالفضيحة والاستفزاز، فإن الكاتب العربيد بامتياز المستفز جدا الماركيز دي ساد يهتم دائمًا بدفع المؤشّر إلى الحد الأقصى. بعد أن أُطلق سراحه من السجن بفضل قيام الثورة الفرنسية ونهاية العهود الملكية التي أدانته بقسوة دون محاكمة، نشر رواية "جوستين أو لعنات الفضيلة"، وهي منجز صارخ للإثارة و التهييج الجنسيين، حيث سمح لنفسه بانتقاد خصومه بشدة و أهمهم و هو أعظم كاتب في ذلك العصر، جان جاك روسو. في الحقيقة، صُممت و بُنيت و شُكّلت هذه الرواية كردٍّ لاذع على رواية "جولي أو هيلويز الجديدة"، الرواية الأكثر قراءةً في القرن الثامن عشر، والتي روت قصةً شاعريةً أفلاطونية الطابع ذات قيم وروحانيةً عن شغفٍ بين عاشقين. نصٌّ يعتبره الإباحيون و محبّي الخلاعة بالنّص المُتزمّت للغاية، و لا يُناسب ذوق الماركيز دو ساد صاحب الفكر المتحرر و الخليع.
يروي الكاتب من خلال شخصية جوستين ثمن الرغبة الباهظ في الحفاظ على العفّة و الفضيلة مهما كلف الأمر. و هو ترميزا أو تجسيدًا لطبيعة روسو اللطيفة، تجذب جوستين غضب عالم منحرف وفاسق برغبتها في السير على خطى الله بأي ثمن وتجسيد شخصية أخلاقية مثالية. كحفر و هدم معاقل الفضائل و العفاف الأخلاقي تدافع بتبشير كبير هذه الرواية المزعجة فكريا عن الجريمة والرذيلة، وهي سلسلة من المشاهد الفاحشة والجنسية والخيالية حيث تعاني جوستين من غضب و سخط إنسانين داخلي متناقض الحالة حد الصّراع الداخلي و هي مدججة برغبات قذرة و سلوكات أكثر من خليعة يمكن القول "سادية بامتياز"!. روايات الماركيز دي ساد في عيون من تخلّوا عن الفضيلة و انغمسوا مُطبّعين و متورطين في مختلف الرذائل و عوالم الفسوق تُعتبر آسرة ومنومة و منعشة، لكنها تزلزل بلا رحمة!. و اعتبرها المدافعون عن الأدب الخليع رمزا لفرع من فروع الأدب و هو التيار الإيروسي الذي يلامس الانزعاج أحيانا. ذات الاتجاه جسّدهُ نابوكوف بعد قرنين من الزمان في رواية لوليتا (1955).
**
3. رواية"عشيق الليدي تشاترلي"، للكاتب د. هـ. لورنس، 1928.
3. L’Amant de Lady Chatterley, de D.H Lawrence, 1928
-عمد د. هـ. لورنس الكاتب الإنجليزي طوال حياته، ومن خلال أعماله الشعرية و منجزاته المستنطقة للجسد ، أن يروي قصة حياة جنسية أصيلة أو خام، بعيدة عن المحرمات والعار و محاكم القيم. أراد حسب توجهه و طريقته أن يستعمل البذيء و المدنس ليحتفي بالاتحاد/الاتصال/التداخل الذي يراه -مقدّسا- بين الكائنات والأجساد؛ لا أن يُسكت الرغبة الأنثوية مثلا . ودفع الكاتب الآبق الجامح في كتاباته الاستفزازية ثمنًا باهظًا لذلك. حيث تعرض للاضطهاد والرقابة كونه صُنّف وقتها كمروّج و منتج للمحتوى الفاحش الخليع و الإباحي، بل أُجبرَ الكاتب الرذائلي على النفي في فرنسا، مما جعله يستمرّ في الكتابة لنفس الثيم و المواضيع ذات صلة متضادة مع الفضائل و القيم. إذ تُعتبر رواية "عشيق الليدي تشاترلي"، التي نُشرت قبل وفاته بعامين، تتويجًا لحملته الفاحشية التي كان يراها نبيلة حسب وجهة نظره: "في هذه الرواية قطعتُ شوطًا كبيرًا. إنها بالنسبة لي جميلة ورقيقة وهشة كالعاهرة العارية". في عام 1917.
-كانت كونستانس ريد في العشرين من عمرها عندما تزوجت من كليفورد تشاترلي. وخلال إجازته، عاد الجندي إلى الخطوط الأمامية في الحرب العالمية الأولى، وأصيب بجروح خطيرة بعد بضعة أشهر. حُكم على كليفورد بالجلوس على كرسي متحرك فأقعدته الإعاقة، ولم يتمكن من إرضاء زوجته جنسيا و لا النجاح في إنجاب طفل منها. انسحب البطل المعطوب ودفعها بعيداًعنه. منها انطلقت كونستانس مهووسة برغبة الإشباع الجنسي بحثاً عن المتعة، ممارسة الجنس على نطاق واسع فارتبطت -ككل امرأة تتمتّع بطبع و عِرق العاهرات و البغايا- مقترنة بعشاق متعددين قبل أن تختبر و تجرّب شغفها و روحها وجسدها الذي لا يشبع مع ميلورز، حارس الصيد و ذلك في وكرها أو عقر دارها/ منزلها. لهذا أصبح دو إتش لورانس صوتاً لاستفزاز مزدوج في كتابته.
بالإضافة إلى بغاء و زنا كونستانس والأجساد التي تبتهج بممارسة الجنس اللامشروط و دون قيود، في الرواية تُسرد قصة اتحاد بيئتين لا علاقة لهما ببعضهما البعض. المرأة البرجوازية التي تقدم نفسها و تبذلها لعامة الناس دون تردد و هذا يكفي لإحداث الصدمة. ولكن من زاوية أخرى يوظف تجريب تجربة الجنس -كعودة إلى الطبيعة-. تختار البطلة كونستانس حارس اللعبة، وكوخها، والغابة، إلى غير ذلك من فضاءاتها المتاحة؛ لأنّها تمثل بشكل أو بآخر هروبًا من الغزو المدمر لعالم أو مجتمع صناعي متسارع التحوّلات و التقلّبات في كل شيء. هكذا عندما يتحول الأدب الخليع(الإباحي) إلى كتاب اجتماعي يوضع في الجيب رغم أنف الفضائل و القيم.
**
4. رواية "قصة O" ، أو قصة "أُو" كتبتها بولين رياج، 1954
4. Histoire d’O, de Pauline Réage, 1954
-عندما تصبح امرأة في الخمسينيات تحديدا من القرن الماضي، فلا شكّ أنّ الإثارة الجنسية تكون سرية للغاية. وهذا من تخصّص (آن ديكلو)، المعروفة أيضًا باسم دومينيك أوري، و المشهورة أيضًا باسم بولين رياج. هي علاقات سرية، يقودها شغف مثلي، وقصة حب خفية مع جان بولهان: عاشت حياة كامرأة حرة، تحتضن رغباتها دون قيود، وتمارس نفوذها في الخفاء. "قصة O"، روايتها الوحيدة التي يراها عشاق الخلاعة و سيرات الجنس الممنوع من أروع الأعمال من نوعها. للإشارة فإنه عند نشرها عام 1954، تصدرت هذه الرواية الخليعة عناوين الصحف وانقسم عالم الأدب إلى معسكرين. استشاط فرانسوا مورياك غضبًا واعتبرها وسِخة و مقززة و منحطة، بينما دافع عنها جورج باتاي. و حصلت بولين رياج بشكل مفاجئ على جائزة "المَغنَمان"، إلا أنّ كتابها مُنع للقاصرين وخضع للرقابة في كل مكان لكنّها رسخت شهرتها رغم سوء سمعتها. علينا الإشارة فقط إلى أنّه بيع من هذه الرواية ملايينا من النسخ وتُرجمت إلى حوالي عشرين لغة.
-هي شابة حرة ومستقلة، توافق على مرافقة حبيبها إلى قلعة في رواسي. هناك، تصبح جارية أو عبدة جنسية بمحض إرادتها و بمطلق موافقتها. تنتقل من رجل سيد مالك إلى مالك آخر، في زوايا القلعة المظلمة وأبراجها المحصنة، وتخضع للتوهّمات الجنسية (الفونتازم) والجلد، وتُوسم جسدها بمكواة ساخنة، ويُثقب عضوها التناسلي بأداة معدنية يحمل رموز اسم صاحبه... بوعي كامل، تغرق في حياة من الفجور والعبودية، عبودية الجنس المحرّم. تُعتبر "قصة أو" السّادية بمثابة إعلان حب (مفاجئ) لجان بولهان، مكتوبة ليلًا، سرًا، و دون هوادة أو محو، أو تبدو كحلم جنسي مجنون ، وهي رواية ملتهبة، مضطرمة، مضطربة بالرذائل لامرأة سمحت لأوهامها أن تسيطر عليها وتستهلكها واقعا.
**
5. رواية "فينوس إيروتيكا"،
للكاتبة أناييس نين، 1981.
5. Venus Erotica, d’Anaïs Nin, 1981
-كرمز، فإن المُنجز هذا حسب المُختصين يُعدّ أول كتاب لأناييس نين، الروائية الفرنسية من أصل كوبي، درست لأعمال الروائية الإيروسية الأساسية لِ، د. هـ. لورانس. كانت مفتونةً بالاستكشاف الأدبي للحميمية و لأدقّ التفاصيل الخليعة، كانت لا تكفّ عن سرد قصتها من كل زاوية، في عملٍ أشبه بمذكرات حياة ، أدب اعترافي ماجن صريح لإمرأة موجهة للقراء المولعين بهكذا كتابات. لكن بدايات الكاتبة كانت متعثرة. في أواخر أربعينيات القرن العشرين، وفي مواجهة ضائقة مالية خطيرة، قبلت أناييس نين ومؤلفون آخرون، مثل صديقها هنري ميلر، عمولةً أو منحة من ثري أراد الحصول على قصص قصيرة إيروسية من تأليف كتّاب مشهورين يحرّكهم الجموح ضد القيم و المجتمع. و حدث ما توقع أن يحدث أن -انكشفت الفضيحة-، إلا أنّ الأدب بقي حسب زعمهم في تلك الفترة. ورغم العقبات، و على صعيد شخصي ناضلت أناييس نين، وبعد مرور 30 عامًا، و تنجح -شخصيا- في نشر مجموعة من قصصها القصيرة، فينوس إيروتيكا، التي حسب محبّي الأدب الماجن و الرذائلي لا تزال حتى يومنا هذا واحدة من أبرز الأعمال الأيروسية الفاحشة.
*إنه استحضارٌ صريحٌ لملابسات الحب الممنوع، و تلك الرغبة الفردية و الشخصية في التجاوز للحدود، بمدعاة السعي و الإصرار الحاد وراء المتعة الأنثوية، وقصيدةٌ للازدواجية الجنسية: فكلُّ المقومات و التوابل متوفرةٌ في هذه النصوص ذات "التوجه النسوي النضالي القويّ" لمواجهة الخصم اللدود المصطنع و مبارزته و هو ما أُطلق عليه ب "النظام الأبوي" أو المجتمع الذكوري و ذلك لإثارة أكثر لغضب و استفزاز مجتمعٍ يرونهُ متزمِّتاً، دينيا ومُقيَّداً. هكذا يرى رواد الأدب الرذائلي الخليع تيارهم بأنه "علامةٌ على نجاح رواياتهم".
——- جوان 2025
*مصدر/لوكليرار.فناك.كوك/10أوت 2023
#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)
Lakhdar_Khelfaoui#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟