أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لخضر خلفاوي - * الجرافيتي أذن الجدران الصامتة و لسان الأفكار المهمّشة/ كيف ترى الوجود جميلا و -جميلة- تزوّجت!؟















المزيد.....

* الجرافيتي أذن الجدران الصامتة و لسان الأفكار المهمّشة/ كيف ترى الوجود جميلا و -جميلة- تزوّجت!؟


لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 8357 - 2025 / 5 / 29 - 04:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


-كتب:لخضر خلفاوي

ال Graffiti أو الكتابة على الجدران و هي اشتقاق الكلمة اللاتينية graphium، "قلم" / عبارة عن نقوش أو رسومات يتم تنفيذها بشكل غير قانوني بشكل عام في الأماكن العمومية (جدران، نُصُب تذكارية، و وسائل نقل جماعية، في دورات المياه العمومية، و كل فضاء يمكننا تنفيذ الجرافيتي دون أن ينتبه له أحد). يمكن اعتباره شكلاً من أشكال التعبير التلقائي، وأحياناً كتيار فني حديث ينتمي لبقية فنون الشوارع و قد يكون العكس إذا صنّف كوسيلة تخريبية تلويثية تستهدف الأماكن العمومية، حسب السياقات يعتبر فعل "الجرافيتي" سلوك عصياني لبعض الأفراد و عليه فهو "غير قانوني" في كثير من البلدان إلا أنّ أصحابه لا يُجرّمون كبقية السلوكات الانحرافية. تعود نشأة الجرافيتي إلى العصور القديمة. حيث استخدمت العديد من الأدوات لتنفيذ رسومات و كتابات تعبيرية جرافيتية ك: الفحم، والفرشاة،، والطباشير، والأدوات الحادة، حتى تصل في شكل بأكثر ظهور في الستينيات، معتمدين أساسا على عبؤات رذاذ الطلاء والأقلام الخاصة بهذا التيار التشكيلي التعبيري المستغل الفضاءات العمومية و أحيانا الخاصة.
*
في العصر الحديث وراء ممارسة فن الجرافيتي أسباب مختلفة: توصيل رسالة سياسية أو نضالية أو انتقادية، أو نقل المعلومات، أو التنديد أو الهجوم، أو بنيّة التوجيه للرأي العام بطريقة فكاهية أو ساخرة، أو التعبير عن المشاعر الخاصة، أو بمحض دوافع تطبيقية تجميلية لواجهة محيطية أو فضاء.
*
في الوطن العربي كغيرها من باقي دول العالم لا تخلو شوارعنا و فضاءاتنا من هذه الوسيلة التعبيرية (اللارسمية)، و قد أتاحت "جدران" مدننا و قرانا و فضاءاتنا لكل فرد به فكرة تزعجه أو به سخط و لا يجد فضاءا رسميا يتبنّى أفكاره و رأيه و إرهاصاته و سخطه ربما على المجتمع أو على نفسه.. أو تفريغ مكبوتاته!
-العبقري و الميلياردير الشاب الأمريكي اليهودي الأصل "مارك زوكربيرج" لما كان طالبا في جامعة هارفارد و دخل في وعكة نفسية و عاطفية سببها صديقة له استلهم من (الجدار المادي) فكرة إنشاء "جدار افتراضي"، يعبّر فيه عن حالاته و رأيه مخترقا (تهكير ) شبكة الجامعة ببراعة و نشر محتواه غير المرخّص. و عليه يعرض حائط Facebook الخاص بأحد الأعضاء الكثير من المعلومات الرئيسية المتعلقة بـنشاطه على الشبكة الاجتماعية مثلا. و قد أتاحت "جدران الفيس" منذ 2004 على انتشار -مجازا- كل أنواع "الجرافيتي" المكتوب و المرسوم و المرئي و المسموع فقط تخضع هكذا ممارسات لقائمة من الضوابط التي فرضتها مؤسسة أو مجمع "ميتا Meta" المدير لجدران حسابات الفيس بوك اليوم !.
-يحضرني مشهد من طفولتي حيث مررت بالقرب من المستشفى حيث تقابله مدرسة عريقة ابتدائية و هي مدرسة "الأمير عبد القادر"، حيث سبق و أن تمدرستُ في هذه المؤسسة التربوية.. و شدّ انتباهي وقتها "جرافيتي" عظيم مكتوب بالبنط الكبير بطلاء أحمر فحوى هذا الجرافيتي عبارة تقطر سخط و أسى، صادمة جدا اعتبرها كل من مرّ بها (سابّة للذات الإلهية) و تنعت كفر صاحبها:
"يا دين الرّبْ عليّ!".. عادة في الموروث التعبيري الشعبي لعبارات عصيانية ساخطة كهذه تلفظ الجملة في حالة غضب شديد بين متخاصمين اشتدّ الجدل و التعصّب بينهما كقوله :( يا دينْ الرّب عليكْ!) و هي تحذير لفظي ساخط موجه للخصم أو المعاند.. لغويا الجملة لا تحمل أي دليل بياني على كفر المتلفظ بها. في السياق الشعبي في حالات غضب كهذه تعني (اللعنة على دين الرّب الذي تدين به !) هنا الجرأة -عن جهل و عصبية- هي في سبّ دين الآخر لاستفزازه أكثر !
ما حيّرني في القصة أن ذلك المجهول الذي (خطّ) هذه العبارة أنّهُ كان ساخطا غاضبا من نفسه إلى درجة أن سبّ دينه هو و لم يتعرّض لغيره ، سخط ذاتي و جلد ذاتي بأقصى ما يحمله من لوم للدين الذي اتبعه و لم تكافئه تبعيته لهذا الدين بحُسن طالعه و انفراج همومه، معتقدا أن (الذين يؤمنون) و أسلموا بهذا الدين لا يمسّهم لا نصب و لا همّ! كنت أقول في نفسي و أنا في سنّ المراهقة ما الذي حدث في حياة هذا المخلوق المجهول حتّى يصدم المارة و الرأي العام بالمدينة و يجعل مصالح البلدية تُسارع لمحو (الجرافيتي) الكافر بالأحمر بالطلاء الأبيض !
مرّ على ذلك الموقف ربما أكثر من أربعين عاما، و كنتُ أتمشى في شوارع المدينة بعد عودتي من أوروبا ، حتى وصلتُ حيّا من أحيائها على امتداد سور كبير لممرّ رئيس محاذي لمركز التكوين المهني -طريق ولاية خنشلة- بحي (الذئاب) أو حيّ "الذيوبة" نسبة للعوائل العريقة التي تحمل نفس اللقب(ذيب)!. الجبال تبدو قريبة جدا تحرس المدينة ، كان السّور المذكور مزخرف برسومات و خطوط تتبنّي حكما و مآثرا توعوية تحسيسية توثق هوية المدينة نفذها فنان من فناني المدينة الصاعدين يدعى "زعيم".. ما شدّني إلى هذه الجداريات المرسومة اجتياح أفكار "جرافيتية"وقعها (مجهول) باسم مُستعار اختار لنفسه اسما مستعارا و هو (إسلام Islem)، كانت تلك التدخلات الجرافيتية التي حاول صاحبها إيصال رسالة رفض و معارضة لما خطه خطاط المدينة من ( عبارات و حكم)...
و جاءت جرافياته المنفذة بطلاء أحمر لشد انتباه المارة حتى يُسمعُ صوته.
-الأجدر الذي جذب انتباهي أن (إسلام) الظل "الجرافيتيست" المتوحّش فرض قراءته الخاصة أو انطباعاته النقدية بشكل وامض. يبدو أنّ (إسلام) الظل مصطدم بالهوة السحيقة الموجودة بين الفضائل المزخرفة في القول على جدران مدينته و يريد أن يتحسّر بطريقته الساخرة و بفكره الخاص على "جوفائية" المواعظ و الحكم الجدارية و الواقع أكثر كارثية ..
-تقول عبارة من العبارات المخطوطة جداريا:
"بيدي أصنعُ بيئتي .. و بيدي أصنع غدي".
-يأتي انطباع (إسلام) كان وامضا بكلمة واحدة تقفي الجملة الأصلية:(قبري)..
-قبري: مرتبطة بإرادة يد الصّانع! تعني الكثير ...
-يستمر (إسلام) في سخريته من الوعظ الجداري:
فيقرأ مُقفّيا انطباعه على جملة "أخلاقك منارة تضيء مدينتك" ب كلمتين وامضتين ساخرتين لهما بعد المعنى و شساعته و هي جملة قصيرة تقترح على صاحب الأخلاق أن يكتفي بنوره و ألا يهدره في مدينة و مجتمع يعانيان من معضلة توظيف الأخلاق في سياقها السليم :
*(طفّي الضوء!)، أطفئ نور أخلاقك!
و يستمرّ الجرافيست المتوحش في انطباعاته الساخرة لكل ما دوّن على الجدران التابعة للسور :
-اليافطة تقول:"كن جميلا ترى الوجود جميلا" و كأنّه لم يعد يعنيه الجمال فكل شيء صار قبيحا بعد -زواج جميلة- عبارة ساخرة انطباعية تخفي تأويلات كثيرة:
*-جميلة تزوجت!
لم يكتفِ (إسلام) الظل في تنفيذ جرافياته كرد و انطباع وامض على "عبارات" خرجت من القوالب الجاهزة راح يغتنم فضاءا و مساحة عذراء ليدوّن جملة كاملة خاصة به حيث دوّن
"الجبال بياضت ..
يا درا قلوبكم !؟"، و هو يعيد مُساءلة ضمير أفراد المجتمع و يضرب مثلا بقمم و سفوح جبال بلدته المبيضة بالثلج :(الجبال أبيضّت أو بيّضت سيرتها و اغتسلت بالبرد، فماذا عن قلوبكم يا ناسْ!).
-هكذا أتاح الجدار لمجهول المدينة الغير راضٍ أن يوخز مجتمعه بهكذا انطباعات ارتجالية وامضة جرافيتية..
و يبدو أن (إسلام) الظل ، الجرافيست المجهول هو شاب من شباب الجزائر الذي يهمّه الوطن، يعيش في صراع اغترابي مع وجوده مع ذاته..فيكتب عبارة وامضة مفتوحة سهلة ممتنعة :"*الغريب يقول يا حْليلْ
و العارف كيما راك عارف" / هو يريد قول :
"الغريب في كبدٍ الغربة و نصالها الممزقة للروح الذي يجهل حتى أسباب غربته؛ أمّا العالم ، الواعي بمعضلاته و معضلات مجتمعه يزداد قهرا و كرباً من قهر الغرباء !!"
لهذا فإن جدران المدن و علاقتها المشبوهة بحركة أو ظاهرة الجرافيتي في كل الثقافات و المجتمعات تؤكد في بعض الأحيان أفكارا واعية لبعض أفراد المجتمع نعبّر من خلالها عن حزننا أو عن فرحنا أو عن معارضتنا لأمور تمس حياتنا أو للتعبير عن ملكات و جمال أرواحنا و لا نحتاج لأخذ الإذن من أحد، أو من جهة، أفكار و رؤى و ارهاصات مشروعة لكنها في فضاءات ممنوعة،الجرافيتي تبنى الفكرة و بعض الجدران متواطئة بعض الشيء ، تُحبّ من يخرج عن الإطار!.
-تستغلّ حركة الجرافيتي في المجتمعات الفضاءات و الجدران العامة للتعبير عن الوجه الآخر للوعي، هذا الوجه هو لا منظور لكنه مرئي!.
-ماي 2025



#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)       Lakhdar_Khelfaoui#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الدُّوكسا- Doxa الجنسية: عندما تنزل النساء إلى الشوارع؛لعبة ...
- بعيون غربية ناقدة:Décadentisme littéraire تيار -الانحطاط الر ...
- *مَنْكَحة العَصر: المِسْتَرْ -دودو- و حيوانات أمريكا الأليفة
- *أولاد الزنا و -يشعوبَ و مَشعوبَ-!
- *أفكار فلسفية فكرية:شرّ المخلوقات !
- *حول تجربة الكتابة:محطات من الغرب عن نشأة النزعة الجندرية في ...
- *عُلوّ عِلّيتِي
- *الكائن..
- *أفكار فلسفية/فكرية وجودية: اغتراب ميتافيزيقي
- قابيل يُحاكم القاتلة*!
- *أفكار فلسفية فكرية:موت المرأة الفاضلة و استبدالها ب القَحْش ...
- *أفكار مُعاصرة من فلسفة علم الاجتماع و تنمية الذات: عن الكائ ...
- *-مَصَالح مُحمَّدية- سردية من الواقع
- *أفكار فلسفية فكرية حول الفقه : طبّاخو الحديث !
- -حول تجربة النشر و الكتابة / ***إعلان هام جدا للمهتمين: فرصة ...
- *إطلالة من الزمن الجميل
- *أفكار وجدانية تنموية معاصرة : لا شيء يفيد مع البُغاة و الجا ...
- *سردية واقعية: صاحب كليوباترا و قفازاتي ..
- *حول تجربة الكتابة في الوعي و الثقافة: أبواق مجّانية عربية ل ...
- *سردية انطباعية حول الكتابة المزخرفة للرذائل: لا مديح في -أن ...


المزيد.....




- صانعة المحتوى اللبنانية عبير الصغير تحتفل بخطوبتها في أجواء ...
- صانعة المحتوى عبير الصغير تحتفل بخطوبتها.. تفاصيل حصريّة عن ...
- -بخطوة نادرة-.. مسؤول يكشف لـCNN: وزير الخارجية السعودي سيزو ...
- ترامب: بكين -انتهكت بالكامل- الاتفاق مع واشنطن بشأن الخفض ال ...
- -برا وبحرا وجوا-.. -نيويورك تايمز- تكشف بنودا من مذكرة أوكرا ...
- الولايات المتحدة.. سحب طماطم ملوثة بالسالمونيلا قد تفتك بالم ...
- السيسي يتلقى اتصالا من رئيس وزراء اليونان بعد أزمة دير سانت ...
- تحذيرات من -أسلوب جديد- لسرقة أموال المصريين عبر الهواتف
- -سبيس إكس- تخطط لإرسال روبوتات إلى المريخ
- كاتس يهاجم ماكرون: اعترافكم بفلسطين مجرد ورق يلقى بمزبلة الت ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - لخضر خلفاوي - * الجرافيتي أذن الجدران الصامتة و لسان الأفكار المهمّشة/ كيف ترى الوجود جميلا و -جميلة- تزوّجت!؟