|
*دراسات: الDark Romance/توظيف الحبّ في مرويات الأدب العالمي الكلاسيكي و جدلية تنقيحهِ أخلاقيا !
لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)
الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 02:30
المحور:
الادب والفن
*أعدّ الملف و الترجمة: لخضر خلفاوي * -أقول دائما مذ فجر هذه الألفية و خصوصا في عشريتها الأولى أن البشرية اختارت عن "إرادة واعية" مع سابقة الإصرار سبيل الجنون و الابتعاد شيئا فشيئا عن إنسانيتها و قيمها.. هذا الانحراف الإرادي اللاواعي في وعيه؛ لأنه تمّ فيه تغييب العقل و تغليب الشهوة ازداد تسارعا في اللهاث وراء القشور و إشباع الرغبات و الشهوات الحيوانية الدنيوية أكثر منها إنسانية.. -الغرب المنحرف أخلاقيا و المتقدم صناعيا و تكنولوجيا الذي كنّا نذمّهُ و ننمّره في المجتمعات (العالم-ثالثية) و نصفه أحيانا بالشيطان استطاع أن يسوّي بيننا و بينهم في هذا المجال و عولمَ الخبائث و انهيار القيم في مجتمعاتنا و كرّس كل صغائر و كبائر الرذائل و الفواحش لمّا سوّق لنا "الانترنيت" و تكنولوجيا الاتصالات و وسائلها و امتنع بل حظر علينا تصنيع سلاحنا و دواءنا و الاستثمار في الطاقات النووية و هو رقيب عتيد علينا له أعين في السماء و في الأراضي السبع يراقب سلوكياتنا بأدق التفاصيل من خلال أقماره بينما الشعوب العربية "فضلات أمة محمد" و الشعوب الأخرى المتخلفة منهمكة إلى حدّ الهوس بفرجها و بطنها كونها تعاني من الجوعين، جوع غذائي و جوع جنسي رهيب. تكنولوجيا التواصل و الاتصالات في الحقيقة لم تكن سببا في انحراف مجتمعاتنا بل أسقطت ورقة التوت منّا؛ فنحن إمّا أمة هشّة بل أهشّ قيَميا من الهشاشة أو أننا ببساطة أنْفق من نفاق الأمم الأخرى، نمارس الصلاة و الشعائر و نشيد المساجد تزامنا مع ممارستنا للفواحش و المعاصي الأخلاقية. تقنيات التأثير و التواصل حرّرت الشيطان الذي كان يسكن فينا مذ انقطاع الوحي، فانطلقت مجددا فنون الغواية و الإغواء!. -صرنا مجتمعاتا مستهلكة بامتياز للمُحرّمات و للزّيف و الزور بِنَهم و شراهة مثلهم تماما.. فضاءات و تطبيقات تسهل و تتيح استثمار الشغف في تجريب ممارسة المحرمات و الرذيلة وسائط الشيطان أُتيحت خصيصا لتحرير حريم أمة محمد من مكبوتاتها و انفصلت تماما من قبضة "الذكوري المتسلط) على حد وصف النسويات الجدد في مجتمعاتنا. فاستجابت منساقة معظم نخب الأمة العربية لهذا الغزو الشبه مؤمنة أو ملحدة و تماهت و انسجمت معها فانعكس فعل مسخ الأمة على الإنتاج السمعي البصري و الأدبي معناه القضاء نهائياً على وسائلنا الدفاعية ضد كل ما هو (لا أخلاقيا دينا و قانونا).. -صارت الأنثى العربية مدمنة على كل ما هو تحرري و انسلاخي عن هويتها.. امرأة مُتحرِّشة أكثر منها مُتَحَرَّش بها، تساير (العصْر) متعطشة لتعلّم (فنون الإغواء و الغواية) من خلال تطبيقات أنشأها زنادقة (التنمية البشرية) تحت عنوان "قوانين الجذب و الإغواء/ التحرّش)، أي تقنيات و حيل للنّيل من الذكور و استدراجهم و الإيقاع بهم في شراكها! -برامج و تطبيقات "قوانين الجذب" و التي اعتبر معظمها ما هي إلا استثمار حِيَلي لمكبوت الفرد العربي لتعليمه في الحقيقة اتباع خطوات الشيطان و تعلّم (القُحب) و البغاء افتراضا و واقعا عن طريق الخدع المشاعرية السلوكية باسم الحبّ و العشق.. -قد يقول مُعربدٌ تعوّد على العربدة و له باع فيها ما به "لخضر خلفاوي" يريد أن يتطهّر على حساب سلوكنا النمطي في الحياة التي اخترناها عن إرادة و قناعة. فأُجيبه بما يجهله من خلال هذا الملف و العمل الدؤوب البحثي و الدراساتي حيث عكفت على قراءة و مُدارسة بحوث أكاديمية غربية أثارت موضوع أزمة الأدب الكلاسيكي العالمي و الفرنسي بسوء توظيفه و استعماله -عمدا- لثيمة الحب، الشغف، العواطف و المشاعر و مخاطر تلاعب أكبر الكلاسيكيات الأدبية العالمية بأنقى المشاعر الإنسانية و إدخال تحريفات عليها لاستغلال القراء و ضرورة -حسب الدراسات- إخضاع الكلاسيكيات الأدبية الكبرى إلى تنقيح أخلاقي. التلاعب بثيمة "الحبّ" في الأدب الكلاسيكي و المناداة بالأعمال المنقحة من خلال الأخلاق و الأعراف السّامية.. Les classiques révisés par l éthique للكاتبة كلارا دو رينْيَاكْ Clara de Raigniac بتاريخ 30 أكتوبر 2024 على منصة "حياة الأفكار". العاطفة موضوعٌ متكرر في الأدب، لكن قصص الحب غالبًا ما تكون في الواقع قصص "تعسّفية". تُثيرُ المفاهيم الحديثة لـ"التحرّش" و"السيطرة" و"الرضا" و"الذاكرة المؤلمة" الرغبة في إعادة قراءة أعمالنا الأدبية الكلاسيكية حسب الأعراف الأخلاقية، حسب ما ورد في قراءة لمنجز كتاب (لإنهاء جدل الشغف و العشق: الاستعمال التعسفي في الأدب) عن منشورات أمستردام، للكاتبات "سارة دِلالْ، وإيلودي بينَال، وماري بيير تاشيه منشور في منصة "حياة الأفكار" الفرنسي la vie des idées . في نهاية أكتوبر 2024. هل ينبغي استخدام كلمة "اغتصاب" في القصيدة (أو النّص الأدبي) أم لا؟ بالنسبة للبعض، يُجمّد المصطلح معنى النص ويمنع مشاركته؛ بينما يرى آخرون أن الحديث عن الاغتصاب نقطة تلقيح انطلاقية للتحليل الأدبي وضرورة أخلاقية للاعتراف بالعنف الجنسي. تثري س. ديلال، وإي. بينيل، وم.-ب. تاشيت تأملات الموقف الثاني، من خلال التشكيك في موضوع متكرر في كلاسيكياتنا: العاطفة، الهوى، أو العشق و الشغف.
*القراءة المنخرطة عاطفيا كضرورة أخلاقية. -على عكس الحب، القائم على مبدأ التواصل بين الكائنات، فإن الهوى العاطفي مكانٌ مدمرٌ يخفي الانتهاكات و التعسّفات. ومع ذلك فإن هذا الأخير هو ما تُعليه و تُغلّبهُ أعمالنا الأدبية في كثير من الأحيان؛ إذ يُحلله النقاد الشكليون والتاريخيون عادةً على أنه "حبٌّ قاسٍ" أو "قبلاتٌ مسروقة"... هي كناياتٌ و إيحاءات في الواقع ليست بلا عواقب. فإذا كان الواقع مصدر إلهامٍ للخيال، فإن الخيال أيضًا يؤثر في الواقع. -وفقًا للمؤَلِّفات(الكاتبات) الباحثات، اللائي استَنَدْنَ إلى أعمال في "علم الإدراك"، فإن كل تعبير مُلَوِّح و ملمّح في الروايات و المنجزات القصصية يؤثر على الدماغ، والذي بدوره يموّهُ باستخدام الكنايات المواقف الحقيقية المحفوفة بالمخاطر. في الروايات الرومانسية الجديدة، التي تحظى بشعبية كبيرة بين المراهقين خاصة و المُهمّشين عاطفيا ، تؤدي غيرة العاشق وغضبه وتدخله في العلاقة الحميمة في النهاية إلى نهاية سعيدة حسب انطباع الأمثلة؛ فهل تُعَدُّ هذه الإساءات و التعسفات الباطنية بوادر سعادة؟ هذا، على أي حال ما يفهمه دماغ القارئة وسيُطبِّقه لاحقًا في علاقات حقيقية أو واقعية. ** كيف نتعامل مع "المخاطر" التي تنجم عن قراءة أعمال معينة؟ أحيانًا ما يُثار جدلٌ حول رفضها (ثقافة الحظر أو الإلغاء) أو التحذير من آثارها الصادمة (تحذير من المخاطر). مؤلفات للمنجز المذكور يقترحنَ مسارًا آخرا: كَ ضرورة إعادة قراءة الأعمال الكلاسيكية من خلال وضعها في إطار منظومتنا الأخلاقية، واستخدام أدوات تحليلية مأخوذة من تخصصات أخرى. *إعادة قراءة كلاسيكياتنا: من قصة حب إلى قصة إساءة Le duc de Nemours, Valmont, Bel-Ami -الدوق نيمور/، فالمونت، /بال آمي (صديق جميل)... جميع هذه الشخصيات المعروفة بشغفها يتم تحليلها على أنها مفترسة، شرسة و مستأذبة. و يتم تطبيق المفهوم الحديث -الخبيث- للتحرش ببراعة على أميرة كليفز. La Princesse de Clèves تظهر من الجانب التحليلي على "دوق نيمور" سمتين من الاضطرابات السلوكية النموذجية للمتحرّشين : الانطواء (تجاهل حدود الآخرين ونقص أو انعدام التعاطف) والتحرر من القيود (الميل إلى التصرف بلا تفكير، دون مراعاة العواقب السلبية المحتملة و المسقطة على الطرف المستهدف). و مع هذا لم تعد زيارات و -إسراءات-الدوق المتعددة للأميرة تشهد على موقف عاشق مهووس أو مريض بالحب... بل موقف مطارد أو سفّاح و كاسر عاطفي. الصورة السريرية لأميرة كليفز مقنعة بنفس القدر: حيث أنّ الشابة كانت تبدو تحت أعراض ضحية التحرش السافر الممارس عليها، بما في ذلك اضطراب أو متلازمة ما بعد الصدمة. ** -خيطُ رفيع جدا للتمييز بين مشهد الجنس بالتراضي والاغتصاب، لهذا يُعاد دائما النظر في مفهوم (الموافقة/ القبول أو الرضا) الحديث - ربما بطريقة معقدة نوعًا ما - من خلال مفهوم اللعب، أو اللّعبة الجنسية كما يرى كايْوا Caillois. فكما هو الحال في أي لعبة، يُعد الجنس نشاطًا منفصلًا عن الزمان والمكان الطبيعيين، ويخضع لقواعد واضحة متفقٌ عليها إراديا أو لا إراديا -في انعدام الاعتراض اللفظي-؛ وأي فشل يُحوّل العلاقة إلى اغتصاب، كما هو الحال في المشهد الجنسي الأول بين فالمونت وسيسيل دي فولانج في رواية "العلاقات الخطرة". تستسلم الفتاة الصغيرة و تخضع تحت ضغط جسدي ونفسي؛ وجميع استراتيجيات رفضها مُطوّرة بدقة (ص 259-260). -فالسيطرة أداة أخرى تُطرح لإعادة قراءة رواية بَالْزاكْ "دوقة لانجي". La duchesse de Langeais de Balzac فبينما ترفض أنطوانيت دي نافارين Antoinette de Navarreins أرماند دي مونتريفو لِيَختَطِفها هذا الأخير. بعد هذه الحادثة السادية، و لإدهاش القارئ تعود الدوقة إلى معذبها وتتوسل إليه! تساعد آلية السيطرة، كما حللها الأطباء النفسيون، على فهم موقفها: إن القصف العاطفي اللامنقطع، والتهديدات، والتبعية، والانفصال هي ما يُجبر "الدوقة"، لتحمّل عنف ما تمر به، على اعتبار هذا الاختطاف و ما ترتب من أحداث ما هو إلا محض فعل حب. و باستخدام الراوي "بالزاك" لفعل "التصديق"، ينأى بذلك عن التهمة و يتملّص و يستقلّ بنفسه بوضوح عن الاستنتاج الذي توصلت إليه الضحية: حيث "اعتقدت الدوقة أنها تستطيع استشعار الحب المفرط في كلمات مونتريفو. علاوة على ذلك ألا يشترط خطف امرأة أخرى بدافع عشقها؟" (ص 139).
-يُفيد مفهوم النظرة الذكورية في فهم رواية "السجينة" للقدير مارسيل بروست في هذا الجزء المجلّد الأدبي "البحث "، يتحدث الراوي بضمير المتكلم و على لسان شخصيته السّردية، إذ كانت له نزعة مُصادرةً جميع وجهات النظر الأخرى، بما في ذلك وجهة نظر ألبرتين، المحتجزة في شقتها الباريسية. هذه التقنية الكتابية، المرتبطة بالنظرة الذكورية *male gaze تُحوّل حقيقة ذاتية إلى حقيقة عالمية، لدرجة أنها تُنشئ نصًا مناهضا أو مُنمّرا للنساء والمثليين والمثليات، غافلًا عن الانتهاكات ضد النساء والأطفال على حد سواء. ** * هل يُمكننا لوم مؤلف ما على لاأخلاقية عمله؟ يُلقي أحد المقاطع الضوء على هذا الجدل القديم. سبق لكريستين دي بيزان Christine de Pizan أن اتخذت موقفًا في القرن الخامس عشر في كتابها "صراع رواية الوردة"، الذي يُظهر الجزء الذي كتبه جان دي مونغ فيه كراهية شديدة للنساء، متسترًا بسخرية مُتواطئة. في كتابها "مناظرة حول رواية الوردة"، أشارت الكاتبة، من جهة، إلى أن القارئ يتذكر ما يُصوَّر منذ زمن طويل على أنه مُحرَّم أكثر بكثير من التحريم نفسه، ومن جهة أخرى، أن الاعتماد على الجمهور وحده لتحديد ما هو خير وما هو شر أمرٌ خطير، لأن هذه المفاهيم تُبنى في الكتب نفسها. بربط هذا التأمل "القُرُوسطِي" بـ"البحث"، تخلص المؤلفات الثلاث إلى أن السخرية البروستية الشهيرة بعيدة كل البعد عن كونها ممارسة تخريبية؛ حتى عندما تُوجَّه ضد الراوي الشهير مارسيل بروست، فإنها لا تُقدِّم مفتاحًا حقيقيًا للتفسير الأخلاقي للعمل: بل تهدف إلى إضحاك نخبة وتوحيدها، حتى لو أدى ذلك إلى سلوك إشكالي وهذا ما أطلق عليه بنيامين Benjamin "عبادة النكتة" (ص 196). ** *إنصاف الكلاسيكيات الأدبية : -تاريخ التلقي -لا يُسلّط الكتاب الضوء على إساءة استخدام الأعمال الكلاسيكية فحسب، بل يُبيّن أيضًا كيف حوّل التلقي نصوصًا كانت في البداية أكثر غموضًا إلى قصص حب. أولى الأمثلة هي مسرحية "دوم خوان/ دون جوان " لموليير و"مرتفعات ويذرينغ" لبرونتي Dom Juan de Molière et de Wuthering Heights de Brontë. في الثانية، يُسلّط المؤلفان الضوء على أشكال العنف العديدة بين الشخصيات، والتي تجاهلها التلقي تمامًا. ومثل العديد من الأعمال الأخرى، لا تحتفظ رواية "فيبي" في "الأصدقاء" إلا بفصولها الستة عشر الأولى من الرواية: ستكون قصة حب مأساوية بين كاثرين وهيثكليف. وينطبق الأمر نفسه على مانون ليسكو للكاتب آبي بريفو: تُعتبر مانون Manon عمومًا عاهرة فاتنة تُضلّل دي غريو، لكن المؤلف نفسه قصد إظهار "غموض" دي غريو نفسه وتقديم "مثال مروع على قوة العواطف". ومع ذلك -فإن الصورة المشوّهة لقصة الحب هي ما يُحتفظ به، لا سيما في الطبعات المدرسية التي تُعدّ للبكالوريا الفرنسية-. فتُقدّم رواية "الأحمر والأسود" Le Rouge et le Noir على أنها "قصة حب رائعة" يعيش فيها الأبطال "تجربة حبّ متجاوزة كل شيء بسلوك عصياني [...]، تتجلى بوضوح في علاقة جوليان ومدام دي رينال حتى في السجن" (ص 376). ومع ذلك، فإنّ علاقة جوليان ومدام دي رينال تُمثّل أيضًا محاولة قتل جندرية / فيمينيسيد/ أي قتل من قِبل الأول على الثاني. وهكذا، وبعيداً عن "إلغاء" رواية "مرتفعات ويذرنج" Wuthering Heights, أو "دوم جوان" Dom Juan ou Manon Lescaut أو "مانون ليسكو"، فإن التحليل المقترح يثري معانيها وينصف نصوصاً أكثر تعقيداً من "كتاب شاشة" أو "الكتاب الداخلي" الذي صاغته الذاكرة الجماعية. ** *-إعادة كتابة كلاسيكية: قصص إرنو ودوراس les histoires d’Ernaux et de Duras . -يُحلل فصلان من الكتاب الخيالات/ التخيّلات الذاتية التي يكون فيها الصوت السردي نفسه ضحية للإساءة. تُعد آلية الذاكرة المؤلمة أداةً مفيدةً لقراءة هذه النصوص. ووفقًا للطبيبة المختصة للأمراض الذهنية و النفسية م. سالمونا، فإن الذاكرة المؤلمة هي نتيجة الصدمة، "تتحوّل إلى ذكريات تدخلية تغزو الوعي تمامًا (ذكريات الماضي، أوهام حسية، كوابيس) وتستعيد الصدمة بأكملها أو جزءًا منها"؛ وهي تُثار بـ "أحاسيس، وانفعالات، ومواقف تُذكّر، بوعي أو بغير وعي، بالعنف أو عناصر سياقه" (ص 223-224). وبالتالي، يمكن أن يتردد صدى العلاقة المسيئة بقوة أكبر لدى الضحية التي سبق أن تعرضت للإساءة، لأنها ذاكرتها المؤلمة في نشاط دائم و مستمر. ** -في عام 1992، روت إرنو Ernaux في رواية سير-ذاتية "شغف بسيط" قصة علاقة زنا عاشتها و مارستها مع رجل متزوج؛ و تسرد قسوة انتظار الراوية الدائم و الشغف لارتكاب المُحرّم، رغم ألمها و تشتتها من الوضع الذي وقعت فيه. أما رواية "الضياع"، الصادرة عام 2001، و هي عبارة عن استعادة لقراءة مذكّراتها التي دوّنتها إرنو Ernaux آنذاك: تواجه و تعيش العاشقة/العشيقة صعوبةً أكبر بكثير في مواجهة الانتظار المُنفّر الذي أجبرها عشيقها على تحمّله. و يُعيد عنف علاقة الزنا غير المتكافئة من خلال آلية الذاكرة المؤلمة، مع تنشيط الصدمات المؤسِّسة: تتذكر الكاتبة أول علاقة جنسية مُسيئة لها، وأول حمل غير مرغوب فيه لها، وإجهاضها؛ وتحلم أيضا بمحاولة والدها قتل والدتها (ص 224-225). وهكذا، وفقًا لإرنو، تُعيد رواية "الضياع Se perdre" "شيئًا خامًا ومظلمًا" عُلِّبَ و غُلِّف ب "نقاء" و"جمال" الشغف؛ ووفقًا للمؤلّفات الثلاث، فإن هذا "الشيء الخام والمظلم" هو حالة لسلوك الاستغلال السيّء أو المتطرّف، المتعسّف، بعيدا عن ماهيّة "الحبّ" الطاهر و العفيف! *** -من الملفت و المفيد ربط اثنتين من روايات مارغريت دوراس السير-ذاتية بشكل أوضح بروايات إرنو. تصف روايتا "العاشق" (1984) و"عاشق شمال الصين" (1991) علاقة بين شاب صيني ثري في السابعة والعشرين من عمره وفتاة مراهقة فقيرة تتعرض لسوء معاملتها من قبل عائلتها. بالطبع لم تُشِرْ دوراس سردا و صراحةً بأن هذه العلاقة بالإضافة إلى فارق السن الكبير، مسيئة جدا؛ إذ يبقى النص غامضًا -مُطَلْمَساً و مموّها فنّيا- بشأن سبب الشيخوخة المفاجئة لوجه الفتاة في الكتب الروائية ... ومع ذلك، تُؤكّد عدة قرائن حقيقية أن هذه بالفعل علاقة "بيدوفيلية"، أي جريمة أخلاقية شائكة. في النص أولًا، يُساعدنا استخدام الذاكرة المؤلمة على فهم سبب عدم كون الموقف الاستفزازي للفتاة المراهقة - الموصوفة بـ"فتاة يافعة شريرة" تتباهى بعلاقاتها الجنسية مع حبيبها والمتعة التي تستمدها منها - دلالة و علامة على رضاها و حبّها لذلك. فغالبًا ما تُلاحظ هذه السلوكيات الخطرة بين ضحايا الإساءة و التحرّش الاستغلالي، فهي للأسف تُتيح لهم الهروب أو "الانفصال عن أنفسهم وإيجاد أنفسهم في حالة من اللامبالاة العاطفية، أو على الأقل -تمديد - البقاء في عالم آخر لفترة من الوقت". الفتاة الصغيرة اليافعة ليست Lolita لوليتا، بل هي ضحية تحاول ضبط مشاعرها المؤلمة المرتبطة بالعنف الأهلي أو المنزلي. أما العاشق، فهو بالغ يستغل هو بدوره هذه الحاجة إلى الانفصال عن أمر ما. هنا يُفضي خطاب مارغريت دوراس الفوقي، عند حديثها عن كتبها، إلى النتيجة نفسها: ففي كتاب "الفواصل العليا"، تُصرّح الكاتبة صراحةً، مرتين، بأن وجه الفتاة الصغيرة المُدمّر قد دمّرته "الحياة مع العاشق أيضًا". ووفقًا لكتّاب القراءة النقدية، فإن الغموض الكامن في النص ليس دليلًا على عدم وجود علاقة مسيئة تفوح منها روائح الجرم الأخلاقي المقترن بسوء المعاملة : فقد ينبع ذلك من صعوبة رؤية المرء نفسه كضحية و تقبّل هذا الدور السلبي، و ذلك من خلال استراتيجية سردية متعنّتة لمارغريت دوراس لتأكيد و فرض ذاتها في عالم أدبي ذكوري. -إن هدف الكتاب النقدي المذكور في بداية الطرح لا يتعلق بممارسة شكل من أشكال ثقافة الإلغاء و الإقصاء و الحظر، بل باقتراح و بتوفير أدوات لقراءة وتدريس الكلاسيكيات الأدبية بأسلوب و بمنظور أخلاقي. وتُقدم أعمال فرنسية حديثة مسارات و اتجاهات أخرى محفزة بنفس القدر، منها كتاب "في غير النساء. حرّر كلاسيكيات أدبنا من النظرة الذكورية" لكاتبه ج. تاماس (2023)، وكتاب "الخيال وجها لوجه مع الاغتصاب" لكتّابه ف. لوشرت، ز. شفايتزر، و إ. زانين (2024)، بالإضافة إلى كتاب "الحريات الجنسية في القرن الثامن عشر" لمؤلفه ف. سالاون F. Salaün( 2024). *** La « dark romance » : *الأدب الرومانسي المظلم (الأسود) : غموض فرع أدبي في منتهى الغواية
*إن الكتابة الرومانسية السوداء أو المظلمة « dark romance » / romance sombre هو نوع أدبي فرعي Sous-genre littéraire ظهر في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين 2010 واكتسب فضولا واسعا في عشرينياته، يندرج ضمن قصص الحب "غير الصحية" بالمفهوم العام و "الخبيثة" بالمفهوم الخاص malsaines، إذ يصور علاقات تُدان بالأخلاق أو بالقانون أو تلقى إدانة مزدوجة. فبماذا يُخبرنا تفشّي الكتابة المظلمة المشبوهة و المتزايدة لهذه الروايات الجريئة و القبيحة و التي تُقدم علاقات رومانسية منحطة القيم و مشوبة بالعنف؟ -يثير الصعود الهائل لـ"الرومانسية السوداء"، المدفوع بشبكات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك مع هاشتاغ #BookTok، تساؤلات عميقة حول التمثيلات الرومانسية في الكتابة وتقبّل و إقبال على هذه القصص من قِبل جمهور شاب، معظمه من الإناث، يُمكن وصفه باحتشام شديد بالجمهور الشغوف! لا تنسوا أيها القراء أن للشغف اصطلاحا و معرفيا و حالاتيا مناطق ظل مظلمة و محل استهداف منظار القيم و الأخلاق!. ورغم الجدل حول ديناميكيات القوة والعنف فيها، إلا من الغرابة أن هذه الروايات (تجذب العديد من القارئات)، وتتيح لهن تجربة مشاعر قوية في بيئة آمنة عملنَ على تأمين خصوصيتها من أحكام الأخلاق و ما يترتب عنها من حدود قِيَمَية. كيف يُمكننا فهم هذه الظاهرة؟ والأهم من ذلك، كيف يُمكننا مُساعدة و دعم القارئات الشابات و غيرهنّ من النساء الهشّات في تلقي نقدي سليم هادف و تصحيحي، دون إدانة خياراتهن؟ ** أخذ هذا الفرع في الكتابة يتمثل و يتقوّى كالجائحة في توسعه منذ نجاح رواية « خمسون إيحاء لِغرايْ" أو /خمسون إشارة لِغْرَاي/ أو /الخمسون إيماءة لِغْرايْ/ للكاتبة البريطانية E.L. James. إل. جيمس . أصبحت الرومانسية الجديدة في إطار جائحة الكتابة المظلمة Dark-Romance محركًا اقتصاديًا حقيقيًا في مجال النشر، بما في ذلك وسط القراء الشباب. وعلى جانب الرومانسية المظلمة، وصل مُسلسل أو سلسلات مثل "365 يومًا لبلانكا ليبينسكا" 365 jours de Blanka Lipińska أو "أسير لسارة ريفيان Captive de Sarah Rivens " إلى ملايين القراء وعززت مكانة هذا النوع الفرعي في صناعة الكتب. في عام 2023، و مثلت منجزات هذا النوع الآبق من الرومانسية 7٪ من سوق الكتب في فرنسا، و استحوذت هذه الكتابة المظلمة على نصيب كبير من هذا الرقم المهول -حسب نسب انتشار الكتب و توزيعها في العالم-. جاء هذا بعد تهميشها لفترة طويلة لتُصبح الآن موجودة في جميع المكتبات تقريبًا والعديد من مكتبات الوسائط، بل ولديها معرضها التجاري الخاص، وهو معرض الرومانسية الجديدة في مدينة ليون جنوب فرنسا le salon New Romance à Lyon ، والذي أصبح مكان اجتماع أساسي للعدد المتزايد من محبي هذا النوع. أحد الجوانب الرئيسية لكتابة الرومانسية المظلمة يعتمد على الوصفة أو الطبخة السّردية، من خلال الطريقة التي يتم بها الاستدراج و الاجتياح و اختراق و تداول ثِيم هذه الروايات داخل المجتمعات عبر الإنترنت. على TikTok عبر #BookTok و التي تُسبق عادة بقصف من خلال حملة تسويقية توصي بها آلاف مقاطع الفيديو، وتشارك مقتطفات وتحليلات عاطفية للشخوص الروائية. وهكذا تصبح القارئات بمثابة الوصيفات، يتبادلن المعلومات مع بعضهن البعض في فضاء حيث غالبا ما تتغلب العاطفة على العقل النقدي أدبيا و أخلاقيا. ** تُهيئ هذه "المساحات المجتمعية" أي السوشيال ميديا فضاءا تُناقَش فيها الروايات و كل الكتابات -خارج الأوساط النقدية التقليدية-، حيث بسهولة و بكبسة زر يستعيد القراء الشباب خاصة القصص ويشاركونها ويُنشئون شبكةً من التأثير، مُحفِّزين عناوينهم المفضّلة و الأقرب إلى هواهم - لم تكن لتُحقِّق هذا النجاح لولا وسائل التواصل الاجتماعي أو كما أصفه أنا حصريا و سبقيا مذ زمن بوسائل (التناصل الاجتماعي) و صارت لفظتي هذه مُستعملة من قبل بعض الكتاب و المبدعين العرب. و يُفسِّر هذا الانتشار الواسع إلى حدٍّ كبير سبب قراءة ملايين الأشخاص لعناوين مثل "أسير" حتى قبل نشرها رسميًا. ** *البحث عن شدة وطيس المشاعر العاطفية: -تستكشف كتابات الرومانسية المظلمة الجوانب الرمادية أو المظلمة لِ ذريعة "الحبّ" والرغبة فتُعرَّف بقصصٍ تكون فيها لعبة علاقات القوة، الاستحواذ ، السيطرة في صميم السرديات المقترحة، والتي غالبًا ما تتسم بعنفٍ كامنٍ أو صريحٍ بين الأبطال و شخوص المنجزات القصصية و الروائية ككل في إطار تلك الألعاب؛ فتُصبح ساحةً شائكة أو ركحاً عاطفيا مُعقَّداً للمتلقيات الشغوفات( القارئات)، حيث تنتهي ما يسمّى بِ قصة الحب ، مربط فرس الرواية، دائمًا بنهاية سعيدة أو مُرضية لإشباع شغفهن و تحفيز أفكارهن المصوّبة نحو هذه الثّيم في الكتابة المُظلمةDark-Romance تحديدا. ** لنَقُل أن في هذه الروايات تحديدا ، غالبًا ما تجد البطلات أنفسهن في حالة خضوع لأبطال ذكور مسيطرين جسديًا /أو نفسيًا. و غالبًا ما تُنتقد بشدّة هذه القصص لانحرافاتها عن الأخلاق و لغموض صورتها عن العلاقات الرومانسية الكلاسيكية؛ ومع ذلك و الغريب في الأمر تحظى هكذا كتابات "، عنيفة ، فاحشة و مظلمة" بشعبية كبيرة لدى العديد من القارئات الشابات و الأكبر سنّا على حدّ سواء. ما يميز هذا الفرع الكتابي عن غيره من أنواع الرومانسية (الرومانسية الجديدة، أو روايات الشباب، أو روايات البالغين الجدد مجتمعة) هو "الشدة العاطفية" التي تُختبر و تُمتصّ من خلال تلقّي القارئات . مُقاومة للفكرة الشائعة بأن هذه الروايات تشجع على العنف الجسدي و المشاعري، ترى -اعتقادا- العديد من القارئات أنها مساحة "آمنة" لاستكشاف المشاعر القوية مع ضمانهن الحفاظ على السيطرة إذ هنا تكمن خصوصية كتابات الرومانسية المظلمة: فهي تتيح استكشاف ديناميكيات القوة والخضوع مع البقاء ضمن إطار خيالي افتراضي بحت مثل أفلام الرعب، تثير قراءتها الخوف والتشويق، ولكن بمجرد إغلاقها، يتوقف كل شيء و تعود الأمور إلى (نقطة الصفر!)!. يمكن اعتبار نجاحها دليلًا على حالة عصرية جاثمة من الضيق و اللاستقرار و الضياع الاجتماعي العاطفي المتزايد لدى الأفراد ، وخاصة بين الشباب. ** -في مجتمعٍ يشهد تحوّلات سريعة و حركاتٍ مثل الحركة النسوية #MeToo، "أنا أيضا"/ Moi aussi حيث تُشكّل مسألة تمثيل العنف الجنسي والتمييزي محورَ جدلٍ نسوي جندري واسع، قد تبدو هذه الروايات متعارضةً مع خطابات مصطلح "المساواة" المسموم الملغوم بين الجنسين والموافقة، لكن الأمر ليس بهذه البساطة.
*إدراك التجاوزات وعدم الاستخفاف بها:
من وجهة نظر أخرى قارئات الروايات الرومانسية السوداء لا يعني أن الفتيات الشابات لسنَ مستهلكات سلبيات كما يصوّرهن منحى "الدوكسا"..فهن يقرأنَ بكثرة، أحيانًا عدة روايات أسبوعيًا، وفي أغلب الأحيان عدة روايات شهريًا. وكما تُظهر الاستطلاعات الأولى حول هذا الموضوع، بما في ذلك استطلاعٌ أُجري بين فتيات المدارس الثانوية في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2024، يُظهر لدى هؤلاء القارئات ترددًا حقيقيًا في مواجهة علاقات حميمية تطفو فيها الهيمنة والعنف الموجودة في الروايات. أعربت طالبة في المرحلة الثانوية، في مقابلة مع أرنو جينون، من معهد براغ للبحوث في أكاديمية ستراسبورغ، فرنسا ، حول قدرة هذه النصوص على رفع مستوى الوعي لدى القراء بعنف سلوكياتٍ معينة: "فمن الجيد أن نُظهر للقراء جميعاً عنف هذه الأفعال -السّردية- في كتابات مُظلمة مشبوهة حتى يُدركوا سخافتها". فيوضح إذن هذا الاقتباس الذي يفضي إلى ضرورة الاستجابة و أخذ موقف كي يتم توجيه العاطفة عقليا لرفع درجة الوعي بالتجاوزات في هكذا أعمال محسوبة على الأدب؛ بدلاً من التقليل من شأنها و التطبّع بها أو التطبيع معها. ** -التعرّض لمؤلفات الرومانسية السوداء، -قد-تكون أبعد عن كونها قراءةً بسيطةً سطحية تُحرّض على العنف، بل يُمكنها أن تلعب دورًا وقائيًا، حتى وإن اختلف هذا الفهم باختلاف نضج القارئات وأعمارهن، كما يُشير بعضهن مُعربات عن قلقهن من وصول هذا النوع من المحتوى إلى فتياتٍ متقدمات في السنّ جدا وغير ناضجات/ إذن المسألة هنا هي مسألة أخلاقية!. يُبرز هذا أهمية دعم هذه القراءات بسياسة وقائية ، وتهيئة بيئةٍ تُمكّن الشباب من مُناقشتها بحرية مع أحبائهم أو ضمن ورشات و نوادي القراءة النقدية، لتجنب أي قراءةٍ مُسبقة أو تركهم يشربون دون الوصول إلى إطفاء الضمأ المزعج على منصة Wattpad، وهي منصةٌ لسرد القصص، حيث يقرؤون نفس الأشياء بتكرار و بلا توقف (أو أسوأ من ذلك) سرًا. لذا، من باب نفسي يُمكن تشبيه هذه القراءة بالتنفيس عن النفس، فهي تعكس مخاوفنا و كوابيسنا المُعاصرة. تمرّ القارئات بتجارب عاطفية قوية ومُتضاربة و قاسية، لكنهن يشعرنَ بالأمان لعلمهن -حسب اعتقادهن/ أنّهن يُسيطرنَ و يتحكّمن في القصة!. في مُجتمعٍ تُواجه فيه الشابات بانتظامٍ قيودًا مُتناقضة في مجالاتٍ عديدة، لا سيما فيما يتعلق بمفاهيم الحرية والخضوع، تُتيح جائحة الكتابات الرومانسية السوداء مساحةً لاستكشاف و تجريب في عالم موازٍ أو واقع بديل هذه التوترات و الإرهاصات و المكبوتات، دون الحاجة إلى مُعايشتها فعليًا. تصبح العاطفة حينها محور التلقي. إنّ القارئات الشابات خصوصا يدركنَ تمامًا طبيعتهن الخيالية حتّى في عقلهن الباطن، وباعتبارها -تلك الكتابات - مجالًا للاستكشاف، و يرى بعضهن وراء الروايات الرومانسية المظلمة تحررًا أنثويًا: البطلة الشابة المقيدة والخاضعة للسيطرة، ستتحرر من هذا القيد وتنضج في اعتقادها من خلال تكرار التجربة. سلسلة "الأسيرة" مثال على ذلك: في المجلدين الأول والثاني، عند سرد انقلاب العلاقات بين الشخصيات تمامًا، وترى بعض الشابات في هذه الرواية قصة تحرر امرأة من ماضيها الصعب. بقدر تعدد التفسيرات و التأويلات التي تتلقّاها القارئات و هن على مقربة ب الروايات الرومانسية المظلمة. ** يستمر الاجتياح المتفشّي لهذه الروايات "اللاأخلاقية" لأنها تُقدّم نوعًا من الراحة في مواجهة غموض العلاقات الإنسانية في العالم الواقعي: إذ ينتهي الأمر بالبطلة إلى "شفاء" مُعذّبها، أو السيطرة على العلاقة. فكرة (الخلاص) هذه رغم العنف الأولي، تُعيد نوعًا من السيطرة للقارئات، اللواتي يرَينَ في هذه المحتويات مساحةً و فرصة على (طبق الإتاحة الافتراضية) لاستكشاف العلاقات الشخصية المعقدة دون تقبّل هذه السلوكيات في حياتهم الخاصة الواقعية بالضرورة. بالنسبة لبعض القارئات، فقد كانت أمهاتهن أو أخواتهن الأكبر سنًا من بدأن هذا الاكتشاف و الشغف و الفضول، وليس من غير المألوف رؤية الأمهات وبناتهن يخترن كلٌّ منهن رواية رومانسية غامضة من الرفوف ثم يتبادلنها بعد قراءتها. ففي أكثر البيئات الإباحية (لا تحظر أي ثيمة) نسميها بالمتفتحة، تُصاحب قراءة هذه القصص نقاشات وتبادلات داخل دائرة الأسرة مثلا و بمجرد انتشار الكلمة، تُصبح القراءة مساحةً نقديةً وتأمليةً، تتجنب التفسيرات التبسيطية أو الخطيرة، وتُشكّل شكلًا من أشكال الوقاية لا التحريض. نحو الدعم الضروري. بعض الأصوات من هذه البيئات ترى أنه لا ينبغي -شيطنة كتابات الرومانسية المظلمة- بل يجب مواجهتها و دراستها و قراءتها-، كظاهرة اجتماعية. إن مسألة استقبال القارئات الصغيرات جدًا (دون سن الرابعة عشرة) لهذه الرواية تثير تساؤلات مشروعة. فبدلًا من إبداء إدانة مباشرة لهذه القراءة، يبدو من الأجدى و الأجدر بحذر تربوي مناقشة الأمر وتهيئة مساحات آمنة للجميع يمكنهن من خلالها التأمل في التمثيلات التي يصادفنهن في الروايات. إن ردود أفعالهن على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "آش، يا له من وسيم! أرغب في شاب مثله" (هكذا)، غالبًا ما يقلق هذا السلوك ذوي الأمر ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن هؤلاء فتيات مراهقات، يبحثن عمومًا عن الاستفزاز أكثر من البحث عن الهوية على مواقع التواصل الاجتماعي. و قد يكون تفاعلهن مع هذه الشخصيات أقرب إلى لعبة منه إلى طموح حقيقي، ولا ينبغي لنا دراسة استقبال الفتيات الشابات للروايات الرومانسية المظلمة من منظورنا الراشد. بل علينا وضع ردود أفعالهن في سياق حياتهن، حيث الاستفزاز والتجريب والحاجة إلى استكشاف هويات متعددة سلوكيات شائعة في عصرنا. وعلى حد تعبير هيرفي جليفاريك Hervé Glevarec ، مدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي CNRS وعالم اجتماع الممارسات الثقافية والإعلامية المعاصرة: "لم يعد -للأسف-من الممكن التفكير في الذوق الثقافي بشكل مستقل عن السياق الذي يتم التعبير عنه فيه؛ فهو يتشكل من خلال المواقف الاجتماعية وشبكات التواصل الاجتماعي". ** و أخيراً بهذا المعنى، يصبح ما يُسمّى بأدب "الرومانسية المظلمة" ساحةً عاطفيةً تُعبّر فيها الإناث أو الفتيات المراهقات تحديدا عن رغباتهن وإحباطاتهن وخيالاتهن، و في كثير من الأحيان هنّ مُدركاتٍ أنها خيال و افتراض. لذا، فالسؤال أنه لا يتعلق الأمر بقراءة هذه الروايات الرومانسية المظلمة المجتاحة للمشهد من عدمها، بل بضمان تأمين قراءتها في بيئةٍ سليمة صحّية تُتيح لهن التحدث عنها وفهم ما يستكشفنه من خلال قراءتهن لهذا النوع الأدبي العنيف والمتجاوز للحدود الأخلاقية المتعارف عليها و ليس مجرد قراءةٍ مُذنبة و زرع الشعور بالذنب، بل يجب خلق مساحةٌ يُمكنهن فيها مواجهة هذه القصص بأمان، والسيطرة عليها من خلال رصيد معرفي حصين متزن قبل الخوض فيها. تُختم بحثها السّيدة ماغالي بيجاي Magali Bigey و هي أستاذة مُحاضِرة في علوم المعلومات والاتصالات، مختبرات ELLIADD، جامعة فرانش كونتيه - UBFC/ فرنسا. - تم إنهاء تحرير هذا الملف في: 14 سبتمبر 2025
#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)
Lakhdar_Khelfaoui#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
* الحب: هل هو خدعة و توهّمات نفسية اعتقدنا بها أو هو محض اخت
...
-
*الحبّ حقائق و دراسات من منظور الفلسفة و البيولوجيا العصبية
...
-
*الحبّ من خلال حقائق و دراسات علمية (ج1)
-
*رجال ريّا و سكينة (سيرة سياسية و اجتماعية): من مرويات الرّا
...
-
كلّ القصّة و كل الفارق.. و ليس العليم كالحَليم!
-
الوحدة و ضغط الإخفاء: بين الاستثمار النفسي و الاستدمار الذات
...
-
-تيّار محاربة الفضيلة و إشاعة منحى كتابة الفواحش من خلال -خم
...
-
*من وجدانيات فلسفة الإفلاس المُطلق: -مُحاكاة الموت-
-
* الجرافيتي أذن الجدران الصامتة و لسان الأفكار المهمّشة/ كيف
...
-
-الدُّوكسا- Doxa الجنسية: عندما تنزل النساء إلى الشوارع؛لعبة
...
-
بعيون غربية ناقدة:Décadentisme littéraire تيار -الانحطاط الر
...
-
*مَنْكَحة العَصر: المِسْتَرْ -دودو- و حيوانات أمريكا الأليفة
-
*أولاد الزنا و -يشعوبَ و مَشعوبَ-!
-
*أفكار فلسفية فكرية:شرّ المخلوقات !
-
*حول تجربة الكتابة:محطات من الغرب عن نشأة النزعة الجندرية في
...
-
*عُلوّ عِلّيتِي
-
*الكائن..
-
*أفكار فلسفية/فكرية وجودية: اغتراب ميتافيزيقي
-
قابيل يُحاكم القاتلة*!
-
*أفكار فلسفية فكرية:موت المرأة الفاضلة و استبدالها ب القَحْش
...
المزيد.....
-
تونس ضيفة شرف في مهرجان بغداد السينمائي
-
المخرجة التونسية كوثر بن هنية.. من سيدي بوزيد إلى الأوسكار ب
...
-
نزف القلم في غزة.. يسري الغول يروي مآسي الحصار والإبادة أدبي
...
-
فنانون عراقيون في مواجهة الحرب بمعرض في طهران + فيديو
-
بغداد تتنفس -ثقافة- بمهرجان الكتاب الدولي وقطر ضيف شرف في قل
...
-
مهرجان الإسكندرية يكشف عن أقوى 10 أفلام سياسية في تاريخ السي
...
-
متحف الأوسكار يحتفي بالذكرى الـ50 لـ-الفك المفترس- بـ200 قطع
...
-
الشاعر حامد بن عقيل يفك شفرة العالم في -الوحدة حرّية حزينة-
...
-
متحف اليمن الوطني.. صرح تاريخي طاله التخريب الإسرائيلي
-
دمشق تطلق غدا أول تظاهرة سينمائية عن الثورة السورية
المزيد.....
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|