|
شريعة الغاب: مغامرات العم سام في عالم البلطجة العالمية!
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 20:31
المحور:
كتابات ساخرة
المادة الساخرة :
المقدمة: مرحبًا بكم في غابة العم سام، حيث القانون مجرد نكتة!
تخيلوا لو أن العالم مسرح كبير، والعم سام (الولايات المتحدة) يقف في المنتصف مرتديًا قبعة رعاة البقر، يلوّح بمسدس العقوبات الأحادية، ويصرخ: "إما طريقتي أو الطريق السريع!" بينما أوروبا، مثل صديق مطيع في فيلم هوليوودي رديء، تقف خلفه تحمل لافتة تقول: "نحن معك، يا زعيم!" هذه ليست حلقة من مسلسل كوميدي، بل هي السياسة الدولية في 2025! من غزو العراق تحت شعار "أسلحة الدمار الشامل" (التي تبين أنها مجرد خيال هوليوودي)، إلى دعم الكيان الصهيوني في عروضه اليومية للإبادة الجماعية في غزة، يبدو أن الغرب قرر أن القانون الدولي مجرد ورقة في دفتر ملاحظات يمكن تمزيقها عندما لا تناسب المزاج.
لكن، انتظروا! الجمهور بدأ يمل من هذا العرض السيئ. حركات شعبية مثل "BDS" تتظاهر في الشوارع، تصرخ: "نريد استرداد أموال التذكرة!"، بينما قضاة شجعان مثل نيكولا غيو يقفون في المحكمة الجنائية الدولية، يرفعون مطرقتهم ويقولون: "هذا ليس قانونًا، هذا سيرك!" والأجمل؟ الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تشبه سوقًا شعبيًا مليئًا بـ 193 بائعًا يصرخون: "العدالة للبيع، من يشتري؟"، بدأت تسرق الأضواء من مجلس الأمن، ذلك النادي الحصري الذي يديره العم سام بفيتو ذهبي. انضموا إلينا في هذه الجولة الكوميدية الساخرة في غابة البلطجة العالمية، حيث القانون نكتة، والعدالة هي البطل الذي يحتاج إلى عودة قوية!
القسم الأول: مجلس الأمن، أو نادي الفيتو الخاص بالعم سام
تخيلوا مجلس الأمن كمطعم فاخر، حيث الدول تجلس حول طاولة مستديرة، تحاول طلب العدالة من قائمة الطعام. لكن هناك مشكلة: النادل، العم سام، يقرر من يأكل ومن يبقى جائعًا! مجلس الأمن، الذي يُفترض أنه الجهة الوحيدة المخولة بفرض العقوبات، تحول إلى نادٍ خاص حيث الولايات المتحدة تملك مفتاح الفيتو الذهبي. تريد إدانة الكيان الصهيوني لقصفه غزة؟ "فيتو!"، يقول العم سام بينما يرش السكر على قهوته. تريد محاسبة دولة ارتكبت جرائم حرب؟ "فيتو مرة أخرى!"، يضيف وهو يضع قدميه على الطاولة.
لكن، دعونا نكون منصفين: حتى هذا النادي المغلق أفضل من العقوبات الأحادية التي يطلقها الغرب مثل طفل يلعب بالسهام في حفلة عيد ميلاد! تخيلوا المشهد: إيران تريد تصدير النفط؟ "عقوبات!" فنزويلا تحاول بيع الفاكهة؟ "عقوبات، مع قليل من الهزء!" قاضٍ فرنسي مثل نيكولا غيو يحاول محاسبة نتنياهو؟ "عقوبات، وأغلقوا حسابه على إنستغرام أيضًا!" هذه العقوبات، التي تُفرض خارج إطار مجلس الأمن، تشبه لعبة "اضرب الخلد"، لكن بدلاً من الخلد، يضرب الغرب أي شخص يجرؤ على قول: "مهلاً، هذا غير قانوني!"
لكن، هنا يظهر بطلنا الحقيقي: الجمعية العامة للأمم المتحدة! تخيلوها كسوق شعبي ضخم، حيث 193 دولة تصرخ، تتجادل، وتصوت مثل جمهور في برنامج تلفزيوني مباشر. "من يريد إدانة الإبادة الجماعية في غزة؟" يسأل المقدم، وترتفع 153 يدًا في الهواء، بينما يجلس العم سام في الزاوية يتذمر: "هذا غير عادل!" قرارات الجمعية العامة، رغم أنها لا تحمل قوة قانونية مثل قرارات مجلس الأمن، تشبه صوت الجمهور الذي يهتف: "كفى ظلمًا!" إنها المنصة التي تعطي الدول الصغيرة، من جزر المالديف إلى بوليفيا، فرصة لقول: "نحن هنا، ولسنا خائفين من فيتوك!"
القسم الثاني: العقوبات، أو لعبة "مونوبولي" العم سام العالمية
إذا كان العالم لعبة "مونوبولي"، فالعم سام هو اللاعب الذي يملك كل الفنادق، يرمي النرد، ويغش دون خجل! العقوبات الأحادية، التي تُفرض على دول وأفراد وحتى قضاة مثل نيكولا غيو، هي أداة العم سام المفضلة للسيطرة على اللوحة. تخيلوا المشهد: يجلس العم سام في مكتب فاخر، يحيط به مساعدون يرتدون بدلات سوداء، وأمامه شاشة عملاقة تعرض قائمة "الأشرار". "كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية؟ إلى السجن!" يصرخ، فيضغط على زر أحمر. "نيكولا غيو، القاضي الفرنسي الذي يحب النبيذ ويجرؤ على إصدار مذكرات اعتقال؟ لا بنك، لا أمازون، لا حياة!"
نيكولا غيو، بطلنا الفرنسي ذو الابتسامة الهادئة، وجد نفسه فجأة في سيناريو كوميدي مأساوي. تخيلوا المحادثة: - نيكولا: "أريد طلب قهوة من أمازون." - البنك: "عذرًا، حسابك مغلق. العم سام يقول إنك خطر مثل زعيم مافيا!" - نيكولا: "لكنني قاضٍ! أحارب الإبادة الجماعية!" - البنك: "نفس الشيء! جرب أن تطلب قهوتك من السوق السوداء!"
هذه العقوبات، التي طالت حوالي 15 ألف فرد وكيان (نعم، هذا رقم حقيقي، لا نكتة!)، تضع قضاة نزيهين في نفس القائمة مع أباطرة المخدرات وتجار الأسلحة. تخيلوا الإعلان: "مطلوب: زعيم داعش، تاجر أسلحة، وقاضٍ فرنسي يحب الجبن!" يا للعبثية! بل إن العقوبات تمتد إلى أقرباء القضاة، حيث يمكن أن يواجهوا السجن لمدة 20 عامًا إذا قرروا، على سبيل المثال، إرسال بطاقة تهنئة بعيد الميلاد. "عيد ميلاد سعيد، يا عمي نيكولا!"، يقول الابن، فيرد العم سام: "إلى السجن، أيها المجرم!"
لكن، دعونا نضحك أكثر: هذه العقوبات ليست فقط هجومًا على الأفراد، بل على النظام المالي العالمي. بما أن معظم البطاقات البنكية (فيزا، ماستركارد) أمريكية، فإن العم سام يستطيع تحويل حياة أي شخص إلى كابوس رقمي. تخيلوا نيكولا غيو يحاول دفع فاتورة مطعم في باريس: "عذرًا، سيدي، بطاقتك مرفوضة. يقول النظام إنك خاضع لعقوبات!" فيرد غيو: "لكنني فقط أريد دفع ثمن الكرواسون!" هذا الوضع، الذي يبدو وكأنه نكتة، يكشف عن عجز أوروبا، التي تتبع العم سام مثل كلب صغير يلهث خلف صاحبه.
لكن، مرة أخرى، تأتي الجمعية العامة للإنقاذ! هذه المنصة، التي تشبه حلقة نقاش تلفزيونية صاخبة، تصوت بأغلبية ساحقة ضد العقوبات الأحادية. "لا للبلطجة!"، تصرخ الدول الـ 153، بينما يجلس العم سام في الزاوية، يتذمر: "لماذا لا يحبني أحد؟" قرارات الجمعية العامة، مثل تلك التي تدين العقوبات على دول مثل كوبا وإيران، تُظهر أن العالم سئم من لعبة "مونوبولي" الأمريكية، ويريد قواعد جديدة تحترم العدالة.
القسم الثالث: جولة سياحية في "منتجع الإبادات الجماعية" الغربي
مرحبًا بكم في "منتجع الإبادات الجماعية"، الوجهة السياحية المفضلة للعم سام وأصدقائه الأوروبيين، حيث يمكنكم الاستمتاع بمشاهد الدمار، الفوضى، و"الديمقراطية" المزيفة! الدخول مجاني، لكن الكلفة؟ ملايين الضحايا، مدن محطمة، وشعوب تتساءل: "لماذا نحن؟" دعونا نأخذكم في جولة كوميدية (ومؤلمة) عبر هذا المنتجع الفاخر، من العراق إلى فلسطين، مع توقفات سريعة في ليبيا، سوريا، لبنان، السودان، واليمن!
المحطة الأولى: العراق، أو "حفلة الدمار الشامل" بدأت الجولة عام 2003، عندما قرر العم سام أن العراق يخفي "أسلحة دمار شامل"، كما لو كانت لعبة "البحث عن الكنز" لكن بنكهة هوليوودية. "وجدتها!"، صرخ العم سام، ثم تبين أن الكنز كان مجرد سراب. النتيجة؟ مليون قتيل، مدن تحولت إلى أنقاض، و"ديمقراطية" تشبه حلقة فاشلة من برنامج تلفزيوني. تخيلوا المشهد: العم سام يقف وسط بغداد، يحمل لافتة "المهمة أُنجزت!"، بينما العراقيون ينظرون إليه وكأنهم يقولون: "أنجزت ماذا؟ دمرتني يا رجل!" العقوبات التي سبقت الغزو، والتي قتلت مئات الآلاف من الأطفال بسبب نقص الدواء، كانت بمثابة المقبلات قبل الطبق الرئيسي من الفوضى. مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية آنذاك، قالت: "يستحق العناء!"، وكأنها تتحدث عن تجربة مطعم جديد، وليس موت أطفال!
المحطة الثانية: ليبيا، أو "مهرجان قنابل الناتو" ثم انتقلنا إلى ليبيا عام 2011، حيث قرر الناتو أن يقدم عرضًا موسيقيًا بعنوان "قنابل من أجل الحرية". بدأ الأمر بقرار من مجلس الأمن لفرض "منطقة حظر جوي"، لكن الناتو قرر أن يضيف لمسة إبداعية: قصف كل شيء! النتيجة؟ ليبيا تحولت من دولة مستقرة إلى ساحة لعب للجماعات المسلحة، وكأنها لعبة "فورتنايت" لكن بدون إنترنت. تخيلوا المشهد: العم سام وفرنسا وبريطانيا يرقصون على أنقاض طرابلس، يغنون: "نشرنا الديمقراطية!"، بينما الليبيون يتساءلون: "أين الكهرباء؟ أين الماء؟" هذه الجولة، التي كلفت عشرات الآلاف من الأرواح، أثبتت أن "الحرية" الغربية تأتي مع فاتورة باهظة.
المحطة الثالثة: سوريا، أو "حرب بالوكالة: الموسم العاشر" في سوريا، قرر الغرب تحويل البلاد إلى مسلسل درامي طويل الأمد بعنوان "حرب بالوكالة". الولايات المتحدة، بريطانيا، وأصدقاؤهم من دول الخليج قرروا تمويل "ثورة بترودولارية"، لكن المشكلة؟ الثورة تحولت إلى كابوس مليء بالجماعات المسلحة والدمار. أكثر من نصف مليون قتيل وملايين المشردين، وكل ذلك تحت شعار "نريد الديمقراطية!" تخيلوا العم سام يجلس على أريكة، يشاهد سوريا تحترق، ويقول: "هذا أفضل من نتفليكس!" قانون "قيصر"، وهو حزمة عقوبات أمريكية، جعل الشعب السوري يتساءل إن كان بإمكانهم أكل العقوبات لأن الخبز نفد!
المحطة الرابعة: فلسطين، أو "عرض الإبادة الجماعية المباشر" أما في فلسطين، فالكيان الصهيوني، بدعم كامل من العم سام وأوروبا، يقدم عرضًا يوميًا بعنوان "الإبادة الجماعية: موسم 75!" غزة، التي تُوصف بأنها "أكبر سجن مفتوح في العالم"، تتعرض لقصف مستمر، مع حصار يجعل السكان يحلمون بيوم يمكنهم فيه طلب بيتزا دون الحاجة إلى موافقة عسكرية. تخيلوا المحادثة: - فلسطيني في غزة: "هل يمكنني الحصول على دواء؟" - الكيان الصهيوني: "عذرًا، الحصار يقول لا!" - العم سام: "لا تقلق، سأرسل المزيد من الأسلحة لإسرائيل!"
الجمعية العامة، تلك السوق الصاخبة، تحاول إيقاف هذا العرض الوحشي. قراراتها، مثل تلك التي أُصدرت عام 2023 للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، تحصل على تصفيق من 153 دولة، بينما الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يجلسان في الزاوية يتذمران: "لماذا لا يحبنا أحد؟" هذه القرارات، رغم أنها ليست ملزمة، تشبه صوت الجمهور الذي يهتف: "كفى دمًا!"، وتذكّر العالم أن هناك بديلاً لنادي الفيتو الخاص بالعم سام.
المحطات الأخرى: لبنان، السودان، واليمن في لبنان، يدعم العم سام الهجمات الصهيونية، وكأنه يقول: "لماذا لا نضيف القليل من الفوضى إلى بيروت؟" في السودان، العقوبات والتدخلات تحولت البلاد إلى لعبة "من سيسيطر على الموارد؟" وفي اليمن، الحرب التي تقودها السعودية بدعم أمريكي وبريطاني جعلت الملايين يتساءلون إن كان بإمكانهم العيش دون قصف يومي. هذا المنتجع، يا سادة، ليس مكانًا للإجازة، بل كابوس يديره الغرب بابتسامة عريضة!
القسم الرابع: الاقتصاد الغربي يقول: "أنا بخير!" (بينما يحترق)
بعد جولتنا الممتعة في "منتجع الإبادات"، دعونا نعود إلى الغرب، حيث الاقتصادات تحترق لكن الجميع يبتسم ويقول: "كل شيء على ما يرام!" التضخم في الولايات المتحدة وصل إلى مستويات تجعل المواطن يفكر مرتين قبل شراء علبة بيض. "12 دولارًا لدجاجة لم تبيض بعد؟!" يصرخ المواطن الأمريكي. العقوبات على روسيا، التي كان المفروض أن تضرب موسكو، عادت كبوميرانغ لتصيب المستهلك الأمريكي، مع أسعار الوقود التي تجعل القيادة إلى العمل تشبه رحلة إلى المريخ.
في أوروبا، الأمور أسوأ! ألمانيا، التي قررت أن الغاز الروسي "غير مرحب به"، اكتشفت أن الطاقة لا تُزرع في الحدائق! مصانع مثل BASF تقول: "سننتقل إلى الصين، هناك على الأقل يوجد كهرباء!" المطاعم الإيطالية تحولت إلى متاحف، حيث العملاء ينظرون إلى فواتير الكهرباء ويقولون: "هل هذه فاتورة أم تذكرة سفر إلى القمر؟" الشركات الصغيرة، التي كانت العمود الفقري للاقتصاد، تتساقط مثل أوراق الخريف، بينما العم سام يقول: "لا تقلقوا، كل شيء تحت السيطرة!"
ودعم الكيان الصهيوني؟ أوه، هذا الاشتراك السنوي الذي لا يمكن إلغاؤه! شركات مثل "كاتربيلر" و"HP"، التي توفر معدات لتدمير البيوت الفلسطينية، تواجه حملات مقاطعة تجعلها تشعر وكأنها مدعوة إلى حفلة لكن أحدًا لم يحضر. تخيلوا المحادثة: - شركة كاتربيلر: "لماذا لا يشتري أحد جراراتنا؟" - BDS: "لأن جراراتكم تُستخدم لهدم البيوت، يا عباقرة!" - الشركة: "لكننا فقط نبيع آلات!" - BDS: "وغزة فقط تريد أن تعيش!"
الجمعية العامة تدخل المشهد هنا مثل بطل خارق، تصرخ: "كفى ظلمًا!" قراراتها، التي تدين العقوبات الأحادية وتدعو إلى محاسبة الدول الداعمة للإبادة، تشبه لافتة مضيئة تقول: "هناك أمل!" بينما يتذمر العم سام: "لماذا لا أحد يحب سياستي؟" الإجابة بسيطة: لأن سياستك، يا عزيزي، تجعل الاقتصاد يحترق والشعوب تثور!
القسم الخامس: الشعوب تقول: "كفى، يا إيباك!"
تخيلوا العالم كمسرح روك ضخم، حيث الشعوب هي نجوم الروك، يلوحون بلافتات "BDS" ويغنون على أنغام "كفى ظلمًا!" بينما العم سام يجلس في الصف الخلفي، يتذمر: "من أين جاء هؤلاء المتمردون؟" في السنوات الأخيرة، قررت الشعوب في كل مكان، من لندن إلى نيويورك، من القاهرة إلى كيب تاون، أنها سئمت من مسرحية العم سام السيئة. حركات شعبية مثل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) تحولت إلى فرقة موسيقية عالمية، تجوب الشوارع والجامعات، تصرخ: "لا للإبادة الجماعية! لا للإيباك!" حتى دونالد ترامب، بقبعته الحمراء الشهيرة، اضطر للاعتراف أن "الإيباك"، تلك اللوبي الصهيوني التي كانت تدير واشنطن مثل دمية على خيوط، لم تعد الفتاة الأكثر شعبية في الحفلة.
BDS: نجمة الروك الجديدة حركة BDS، التي بدأت عام 2005 بدعوة من المجتمع المدني الفلسطيني، هي بمثابة نجم روك يرتدي نظارات شمسية ويحمل ميكروفونًا. "نريد مقاطعة الكيان الصهيوني!"، تغني الحركة، ويرد الجمهور (أي الشعوب) بهتافات مدوية. تخيلوا المشهد: جامعات في أوروبا وأمريكا الشمالية تسحب استثماراتها من شركات مثل "كاتربيلر"، التي توفر جرارات لتدمير البيوت الفلسطينية، و"HP"، التي تزود الكيان الصهيوني بتكنولوجيا لمراقبة الفلسطينيين. "لماذا لا يشتري أحد منتجاتنا؟"، تتساءل هذه الشركات، فيرد BDS: "لأنكم تساعدون في تحويل غزة إلى ملعب للدمار، يا عباقرة!"
الحركة، التي استلهمت نجاح مقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، أصبحت كابوسًا للكيان الصهيوني وداعميه. تخيلوا اجتماعًا متخيلًا في مقر "الإيباك": - رئيس الإيباك: "لماذا يتظاهر الطلاب في هارفارد ضدنا؟" - مساعد: "لأنهم شاهدوا مقاطع فيديو على تيك توك تظهر قصف غزة!" - رئيس الإيباك: "إذن، فلنحظر تيك توك!" - مساعد: "حاولوا ذلك، لكنهم لا يزالون يتظاهرون على إنستغرام!"
الاحتجاجات الشعبية، التي اجتاحت مدنًا مثل لندن وباريس ونيويورك، تشبه حفلة موسيقية ضخمة حيث الجميع يغني: "كفى دعمًا للإبادة!" الشباب، الذين سئموا من أكاذيب "الديمقراطية"، يحملون لافتات تقول: "إذا كانت هذه الحرية، نريد استرداد أموالنا!" حتى استطلاعات الرأي، مثل تلك التي أجرتها "غالوب"، تُظهر أن الشباب الأمريكي ينظر إلى الكيان الصهيوني بنفس الشك الذي ينظرون به إلى بيتزا محروقة: "شكرًا، لكن لا!"
الجمعية العامة: المسرح الحقيقي للشعوب في هذه الأثناء، الجمعية العامة للأمم المتحدة هي المكان الذي يتجمع فيه جمهور هذه الحفلة العالمية. تخيلوها كمسرح مفتوح حيث 193 دولة، من العمالقة مثل الصين إلى الجزر الصغيرة التي بالكاد تظهر على الخريطة، تصرخ: "نريد العدالة!" قرارات الجمعية العامة، مثل تلك التي أُصدرت عام 2023 للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، تحصل على تصفيق مدوٍ من 153 دولة، بينما العم سام والكيان الصهيوني يجلسان في الزاوية، يتذمران مثل طفلين لم يحصلا على الحلوى. "لماذا تصوتون ضدنا؟"، يسأل العم سام. "لأنك تدعم الإبادة، يا عبقري!"، ترد الجمعية.
على عكس مجلس الأمن، الذي يشبه ناديًا حصريًا يتحكم فيه العم سام بفيتو ذهبي، الجمعية العامة هي سوق شعبي صاخب حيث الجميع لديه صوت. قراراتها، التي تدين العقوبات الأحادية وتدعو إلى محاسبة الدول الداعمة للكيان الصهيوني، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، تشبه أغنية احتجاجية تصبح فيروسية على الإنترنت. "كفى بلطجة!"، تغني الجمعية، ويرد الجمهور العالمي: "كفى ظلمًا!" هذه المنصة، رغم أن قراراتها ليست ملزمة، تُعطي الأمل أن العالم يمكن أن يتحرر من قبضة "شريعة الغاب".
القسم السادس: القضاة، أبطال خارقون بلا عباءات
في زاوية المسرح العالمي، نقدم لكم نيكولا غيو، القاضي الفرنسي الذي قرر أن يكون بطلًا خارقًا بدون عباءة، فقط بقلم، مطرقة قضائية، وربما كوب من النبيذ الفرنسي لتعزيز الروح المعنوية! عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضد بنيامين نتنياهو بتهمة الإبادة الجماعية في غزة، رد العم سام بسرعة البرق: "عقوبات! أغلقوا حسابه على نتفليكس! منعوه من طلب الكرواسون!" تخيلوا نيكولا غيو، بنظارته الأنيقة ولهجته الفرنسية الساحرة، يحاول دفع فاتورة في مقهى باريسي: - نيكولا: "هل يمكنني الدفع ببطاقتي؟" - النادل: "عذرًا، السيد غيو، بطاقتك مرفوضة. يقول العم سام إنك خطر على الأمن القومي!" - نيكولا: "لكنني فقط أحارب الإبادة الجماعية!" - النادل: "نفس الشيء! جرب الدفع نقدًا، أو ربما ببيتكوين!"
هذه العقوبات، التي طالت غيو، كريم خان، وغيرهم من قضاة المحكمة الجنائية، هي بمثابة نكتة سيئة. تخيلوا قائمة العم سام "السوداء": "زعيم داعش، تاجر مخدرات، وقاضٍ فرنسي يحب الجبن!" يا للعبثية! بل إن العقوبات تمتد إلى أقرباء القضاة، حيث يمكن أن يواجهوا السجن إذا أرسلوا بطاقة عيد ميلاد. "عيد ميلاد سعيد، يا عمي نيكولا!"، يكتب الابن، فيرد العم سام: "20 عامًا في السجن، أيها المجرم!"
لكن غيو، مثل بطل خارق في فيلم رديء، رفض الاستسلام. في خطاب ألقاه في باريس، تخيلوا المشهد: غيو يقف على منصة، يرفع مطرقته القضائية، ويقول: "لن أخضع للبلطجة! أنا قاضٍ، ولست ممثلًا في مسرحية العم سام!" الجمهور (أي اتحاد القضاة) يصفق بحماس، بينما العم سام يرسل رسالة نصية: "أغلقوا حسابه على إنستغرام أيضًا!" هؤلاء القضاة، الذين يواجهون تهديدات تجعل أفلام العصابات تبدو كوميديا رومانسية، يذكروننا أن العدالة ليست مجرد كلمة في قاموس، بل معركة يومية تتطلب شجاعة خارقة.
والجمعية العامة؟ هي الجمهور الذي يهتف لهؤلاء الأبطال. قراراتها، التي تدين الإبادة الجماعية وتدعو إلى محاسبة الدول الداعمة للكيان الصهيوني، تشبه لافتة مضيئة تقول: "العدالة لم تمت بعد!" بينما يحاول العم سام إسكات الجميع بفيتو، الجمعية العامة تثبت أن صوت الشعوب يمكن أن يكون أقوى من مسدس العقوبات.
القسم السابع: الخاتمة والتوصيات – إغلاق غابة العم سام!
بعد هذه الجولة المثيرة في غابة العم سام الدولية، حيث القانون مجرد نكتة قديمة، والعقوبات تُوزع مثل الحلوى في حفلة عيد ميلاد، والإبادات الجماعية تُقدم كعروض ترفيهية، حان الوقت لإسدال الستار على هذا العرض السيئ! العم سام، بمسدسه المحشو بالعقوبات، وأصدقاؤه الأوروبيون، الذين يصفقون بحماس مثل جمهور في برنامج تلفزيوني رديء، حولوا العالم إلى سيرك فوضوي. من العراق إلى فلسطين، من ليبيا إلى اليمن، تركوا وراءهم دمارًا يجعل أفلام الكوارث تبدو كوميديا رومانسية. لكن الجمهور – أي الشعوب – بدأ يثور، والقضاة مثل نيكولا غيو يرفعون مطرقتهم ويقولون: "كفى!"، والجمعية العامة تصرخ: "نريد نهاية سعيدة!"
تلخيص المسرحية الكارثية لنكن صريحين: العم سام قرر أن القانون الدولي مجرد كتيب إرشادات يمكن تجاهله، مثل تعليمات تركيب أثاث "إيكيا". العقوبات الأحادية؟ هي لعبة "مونوبولي" حيث يرمي العم سام النرد ويعلن نفسه الفائز دائمًا، حتى لو كان الخاسرون هم شعوب بأكملها أو قضاة مثل غيو، الذي لا يستطيع الآن طلب قهوة من "أمازون". الإبادات الجماعية؟ هي العرض الرئيسي في "منتجع الغرب"، حيث الكيان الصهيوني يقصف غزة بينما الولايات المتحدة وأوروبا يصفقون ويقولون: "أداء رائع!" الاقتصاد الغربي؟ يحترق مثل كعكة نسيها الجميع في الفرن، بينما الحركات الشعبية مثل BDS تغني: "كفى ظلمًا!" والجمعية العامة تصوت بأغلبية ساحقة: "نريد العدالة!"
لكن، مهلاً، هذه المسرحية ليست بلا أمل! الشعوب أصبحت نجوم الروك، القضاة أبطالًا خارقين، والجمعية العامة هي المسرح الحقيقي للعدالة. إذن، كيف نغلق هذه الغابة ونكتب نهاية سعيدة؟ إليكم بعض التوصيات الكوميدية (لكنها جادة جدًا):
توصيات لإنهاء هذا السيرك 1. امنحوا الجمعية العامة عصا سحرية! بدلاً من ترك مجلس الأمن يتحكم بالعالم بفيتو العم سام، دعوا الجمعية العامة تتخذ قرارات ملزمة. تخيلوا المشهد: 193 دولة تصوت لإدانة الإبادة في غزة، والعم سام يصرخ: "لكنني لدي فيتو!" فيردون: "آسف، يا صديقي، هذا المسرح للجميع!" إصلاح ميثاق الأمم المتحدة لتقليص قوة الفيتو سيجعل العالم يشبه سوقًا ديمقراطيًا، وليس ناديًا خاصًا للنخبة.
2. اصنعوا درعًا للقضاة! قضاة مثل نيكولا غيو يحتاجون إلى درع خارق يحميهم من عقوبات العم سام. تخيلوا تشريعًا دوليًا يمنع الدول من إغلاق حسابات القضاة على "نتفليكس" أو "إنستغرام" لمجرد أنهم يحاربون الإبادة! اقتراح غيو بتطوير قوانين تحمي من تجاوز العقوبات الأجنبية هو فكرة عبقرية. ربما يمكن لأوروبا إنشاء بطاقة ائتمان "عدالة-كارد" مستقلة عن "فيزا" و"ماستركارد"!
3. كفوا يد العم سام عن لوحة اللعب! العقوبات الأحادية يجب أن تُحظر، مثل حظر الألعاب النارية في حفلة أطفال. يمكن للجمعية العامة أن تصدر قرارًا يدين هذه العقوبات، وتطالب بإنشاء نظام مالي عالمي لا يتحكم فيه العم سام. تخيلوا: بنك عالمي جديد يقول: "آسف، يا عم سام، لا يمكنك إغلاق حسابات القضاة لأنهم يزعجون أصدقاءك!"
4. امنحوا BDS جائزة نوبل للكوميديا! الحركات الشعبية مثل BDS تستحق ميدالية ذهبية لتحويلها المقاطعة إلى فن. دعوا الدول تدعم هذه الحركات بحماية حرية التعبير، ومنع تشريعات تجرّمها. تخيلوا لافتة في الأمم المتحدة تقول: "BDS: لأن المقاطعة أقوى من القنابل!"
5. أرسلوا العم سام إلى دورة تأهيلية! الدول الداعمة للكيان الصهيوني، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، بحاجة إلى دورة تأهيلية بعنوان: "كيف تتوقف عن دعم الإبادة الجماعية". ربما يمكن للجمعية العامة أن تصوت على برنامج إعادة تأهيل يشمل دروسًا في القانون الدولي، وحقوق الإنسان، وربما بعض اليوغا لتهدئة الأعصاب!
نهاية سعيدة؟ هذه الغابة، التي يديرها العم سام بمسدسه المحشو بالعقوبات، ليست أبدية. الشعوب، القضاة، والجمعية العامة يشكلون فريقًا خارقًا يمكنه إعادة كتابة النهاية. تخيلوا العالم كفيلم هوليوودي جديد، حيث العدالة هي البطلة، والشعوب هي الجمهور الذي يصفق بحماس. لنغلق هذه الغابة، ونبدأ عرضًا جديدًا بعنوان: "العدالة تنتصر!"
القسم الثامن: الإعلام الغربي: مغامرات الكذب الكبير
إذا كان العم سام هو المخرج السيئ لهذه المسرحية العالمية، فالإعلام الغربي هو فريق الدعاية الذي يكتب النصوص ويضيف المؤثرات الخاصة! من "CNN" إلى "BBC"، يبدو أن الإعلام الغربي قرر أن الحقيقة مجرد اقتراح يمكن تجاهله إذا كان لا يناسب الرعاة (أي العم سام وأصدقاؤه). تخيلوا غرفة تحرير في شبكة إخبارية كبرى: - رئيس التحرير: "لدينا تقرير عن قصف غزة، مئات الضحايا المدنيين!" - مراسل: "هل ننشر الخبر؟" - رئيس التحرير: "انتظر، دعني أتصل بالعم سام. ربما يمكننا القول إنها ‘عملية أمنية’ بدلاً من إبادة!"
الإعلام الغربي، الذي يدّعي الحياد، يشبه بائعًا في السوق يصرخ: "اشتروا أخبارنا، طازجة ومغلفة بالدعاية!" عندما يقصف الكيان الصهيوني غزة، تتحول العناوين إلى: "إسرائيل تدافع عن نفسها!"، بينما الصور تُظهر أطفالًا تحت الأنقاض. وعندما يفرض العم سام عقوبات على قضاة مثل نيكولا غيو، تقول الصحف: "أمريكا تحارب الفساد!"، بينما الواقع يقول: "أمريكا تحارب العدالة!"
حرب تيك توك والإنستغرام لكن، مهلاً، الإعلام الغربي لم يعد اللاعب الوحيد في الساحة! وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك وإنستغرام، تحولت إلى ساحة معركة حيث الشباب ينشرون مقاطع فيديو تُظهر الحقيقة: قصف في غزة، دمار في اليمن، وعقوبات تجعل القضاة يعيشون مثل طلاب مفلسين. تخيلوا مراسلًا شابًا على تيك توك: - الشاب: "هذا فيديو من غزة، حيث القنابل تسقط مثل المطر!" - الإعلام الغربي: "احذف هذا الفيديو! هذا يزعج رعاتنا!" - الشاب: "آسف، لقد حصلت على مليون مشاهدة بالفعل!"
هذه الحرب الإعلامية جعلت الإعلام الغربي يبدو مثل ديناصور عجوز يحاول اللحاق بسيارة سباق. حركات مثل BDS تستخدم وسائل التواصل لفضح دعم الغرب للكيان الصهيوني، مما يجعل "CNN" و"BBC" يبدوان وكأنهما يكتبان نصوصًا لفيلم قديم لا أحد يشاهده. والجمعية العامة؟ هي المكان الذي يتردد فيه صدى هذه الحقيقة، حيث تصوت الدول ضد الرواية الغربية، وتقول: "كفى كذبًا!"
توصيات إعلامية كوميدية 1. دورة تدريبية للإعلام الغربي: ربما يحتاج "CNN" إلى دورة بعنوان "كيف تخبر الحقيقة دون أن يتصل بك العم سام؟" 2. منصة إعلامية عالمية: دعوا الجمعية العامة تطلق قناة تلفزيونية بعنوان "الحقيقة 24/7"، تبث من غزة إلى اليمن، بدون دعاية! 3. جوائز للشباب على تيك توك: امنحوا ميداليات للشباب الذين يفضحون الإبادة الجماعية بمقاطع فيديو مدتها 15 ثانية!
…………….. المادة الجادة
شريعة الغاب: كيف تفرض الولايات المتحدة وأوروبا منطق البلطجة العالمية عبر العقوبات والإبادات
المقدمة
في عالم يُفترض أن تحكمه القوانين والمواثيق الدولية، تبرز الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين كقوى تتحدى سيادة القانون، مفضلةً منطق "شريعة الغاب" على مبادئ العدالة والإنصاف. من خلال فرض عقوبات أحادية الجانب خارج إطار مجلس الأمن – الجهة الوحيدة المخولة قانونيًا بفرض العقوبات – إلى التدخلات العسكرية التي خلّفت إبادات جماعية في دول مثل العراق، ليبيا، سوريا، فلسطين، لبنان، السودان، واليمن، تكشف هذه القوى عن نزعة بلطجية تهدد استقرار النظام الدولي. لكن هذا السلوك، الذي يعكس ازدواجية معايير واضحة، لم يمر دون مقاومة. فقد أدى إلى صعود لوبيات شعبية عالمية أعادت صياغة السياسة الدولية، وإلى تحركات قضائية شجاعة، كما يتضح من شهادة القاضي الفرنسي نيكولا غيو، الذي استهدفته العقوبات الأمريكية لدوره في محاسبة قادة الكيان الصهيوني.
إن هذا المقال يسعى لتسليط الضوء على هذه الظاهرة المقلقة، مستعرضًا كيف تتجاوز الولايات المتحدة وأوروبا القوانين الدولية، وكيف تؤدي سياساتهما إلى تدهور اقتصادي واجتماعي داخلي، بينما تُلهم في الوقت ذاته مقاومة عالمية تهدف إلى استعادة سيادة القانون. من خلال تحليل معمق وأمثلة واقعية، نكشف عن التناقضات التي تحكم هذا النظام العالمي الجديد، ونبرز دور القضاة كخط دفاع أخير في وجه البلطجة الدولية.
القسم الأول: سيادة القانون الدولي وتجاوز الولايات المتحدة لمجلس الأمن
منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، كان مجلس الأمن هو الجهة الوحيدة المخولة بفرض عقوبات دولية، وذلك وفقًا لميثاق الأمم المتحدة الذي يهدف إلى ضمان الإجماع الدولي في مواجهة التهديدات ضد السلام العالمي. هذا الإطار القانوني، الذي يعكس مبادئ السيادة والمساواة بين الدول، يضمن أن تكون العقوبات نتيجة قرارات جماعية، وليست أداة للهيمنة الفردية. ومع ذلك، تجاوزت الولايات المتحدة هذا الإطار مرارًا وتكرارًا، مفضلةً فرض عقوبات أحادية الجانب على دول وأفراد ومؤسسات، دون الرجوع إلى مجلس الأمن.
على سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على دول مثل إيران، فنزويلا، كوبا، وسوريا، مستهدفةً اقتصاداتها وشعوبها، في خطوة تفتقر إلى الشرعية الدولية. هذه العقوبات، التي تُبرر غالبًا بذرائع مثل "مكافحة الإرهاب" أو "حماية الأمن القومي"، تُستخدم في الواقع كأداة لتحقيق أهداف جيوسياسية، مثل إضعاف الدول المعارضة للهيمنة الأمريكية. وكما أشار القاضي نيكولا غيو في خطابه أمام اتحاد القضاة في باريس، فإن هذه العقوبات لا تستهدف فقط الأنظمة أو التنظيمات الإرهابية، بل تمتد لتشمل أفرادًا مثل قضاة المحكمة الجنائية الدولية، الذين يمثلون رمزًا للعدالة الدولية.
إن استهداف قضاة مثل غيو، الذي شارك في إصدار مذكرة اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يكشف عن مدى الجرأة التي وصلت إليها السياسة الأمريكية في تحدي القانون الدولي. فبدلاً من دعم جهود المحكمة الجنائية الدولية في محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، اختارت الولايات المتحدة معاقبة القضاة، في خطوة تؤكد أن منطق القوة يتغلب على مبدأ العدالة. وهذا التجاوز ليس استثناءً، بل جزء من نمط متكرر يعكس نزعة بلطجية تهدف إلى فرض النفوذ السياسي والاقتصادي، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار النظام الدولي.
القسم الأول: سيادة القانون الدولي وتجاوز الولايات المتحدة لمجلس الأمن
إن التجاوز الأمريكي والأوروبي لدور مجلس الأمن ليس مجرد انتهاك قانوني، بل هو تعبير صارخ عن منطق القوة الذي يحكم سياسات الهيمنة الغربية. فعلى الرغم من أن مجلس الأمن نفسه ليس مثاليًا – إذ يخضع لتأثير الفيتو الذي تملكه الدول الخمس الدائمة العضوية، بما في ذلك الولايات المتحدة – فإنه يظل الإطار القانوني الوحيد الذي يضمن درجة من الإجماع الدولي. قرارات المجلس، على عيوبها، تتطلب نقاشًا وتوافقًا بين الدول الأعضاء، مما يمنحها شرعية نسبية مقارنة بالعقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا. هذه العقوبات الأحادية، التي تُشبه "شريعة الغاب"، تُطبق دون أي احترام لسيادة الدول أو للمبادئ الأساسية للأمم المتحدة، وتُستخدم كسلاح لمعاقبة الدول التي ترفض الانصياع للإرادة الغربية.
ومع ذلك، يجب التأكيد على أن مجلس الأمن، رغم تفوقه على العقوبات الأحادية، لا يمثل الحل الأمثل لتحقيق العدالة الدولية. فهيكليته، التي تمنح الدول الخمس الدائمة حق الفيتو، غالبًا ما تعرقل اتخاذ قرارات حاسمة، خاصة في قضايا حساسة مثل منع الإبادة الجماعية. على سبيل المثال، استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو مرات عديدة لحماية الكيان الصهيوني من قرارات تدين جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. هذا الواقع يكشف عن محدودية مجلس الأمن كآلية لتحقيق العدالة، ويبرز الحاجة إلى إطار أكثر ديمقراطية وعدالة.
في هذا السياق، تظهر الجمعية العامة للأمم المتحدة كبديل أكثر عدالة، إذ تمثل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (193 دولة) وتعتمد على مبدأ الأغلبية، مما يقلل من هيمنة القوى الكبرى. قرارات الجمعية العامة، رغم أنها غير ملزمة قانونيًا مثل قرارات مجلس الأمن، تحمل وزنًا أخلاقيًا وسياسيًا كبيرًا، وتعكس إرادة المجتمع الدولي بصورة أوسع. على سبيل المثال، أصدرت الجمعية العامة قرارات متكررة تدين الاحتلال الصهيوني وتطالب بحماية الشعب الفلسطيني، بما في ذلك قرارات تدعو إلى وقف الإبادة الجماعية في غزة. هذه القرارات، التي تحظى بدعم أغلبية الدول، تُظهر أن الجمعية العامة قادرة على تمثيل صوت الشعوب بشكل أكثر عدالة من مجلس الأمن، الذي يخضع لضغوط الدول المهيمنة.
إن دعم الجمعية العامة لمحاسبة الدول الداعمة للكيان الصهيوني – مثل الولايات المتحدة، ألمانيا، بريطانيا، وإيطاليا – يعكس إمكانية إرساء نظام دولي جديد يقوم على العدالة بدلاً من الهيمنة. ففي الوقت الذي تُعاقب فيه الولايات المتحدة قضاة المحكمة الجنائية الدولية مثل نيكولا غيو لمحاولتهم محاسبة مرتكبي الإبادة الجماعية، تبرز الجمعية العامة كمنصة لتعبئة الدعم الدولي ضد هذه الانتهاكات. إن إصلاح النظام الدولي ليعتمد على قرارات الجمعية العامة بدلاً من مجلس الأمن قد يكون السبيل لمنع تكرار "شريعة الغاب" التي تفرضها القوى الغربية.
القسم الثاني: العقوبات كأداة بلطجة سياسية
إن العقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا ليست مجرد أداة اقتصادية، بل هي سلاح سياسي يُستخدم لفرض النفوذ ومعاقبة الدول والأفراد الذين يتحدون الهيمنة الغربية. هذه العقوبات، التي تُطبق خارج إطار مجلس الأمن، تتجاوز القوانين الدولية وتُفرض بمنطق القوة، مما يجعلها تعبيرًا واضحًا عن "شريعة الغاب". شهادة القاضي الفرنسي نيكولا غيو، التي نُشرت عبر وكالة فرانس برس، تكشف عن المدى الذي وصلت إليه هذه البلطجة، حيث استُهدف هو وغيره من قضاة المحكمة الجنائية الدولية بعقوبات أمريكية لمجرد قيامهم بواجبهم القضائي في محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.
تُظهر حالة غيو كيف تُستخدم العقوبات ليس فقط ضد الدول، بل ضد الأفراد الذين يمثلون رمزًا للعدالة. فقد أشار غيو إلى أن العقوبات الأمريكية، التي تستهدف حوالي 15 ألف فرد وكيان، تشمل الآن تسعة قضاة من المحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب أعضاء تنظيمات إرهابية ومافيا. هذا الخلط المتعمد بين قضاة يدافعون عن سيادة القانون ومجرمين حقيقيين يكشف عن انحطاط أخلاقي وسياسي في السياسة الأمريكية. فالعقوبات، كما شرح غيو، تمنع الأفراد المستهدفين من الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل الحسابات البنكية، وخدمات الدفع الإلكتروني مثل "باي بال"، وحتى خدمات مثل "إير بي إن بي" و"أمازون". بل إن هذه العقوبات تمتد لتشمل أقرباء الأفراد المستهدفين، مما يهدد حياتهم اليومية ويضعهم تحت ضغط نفسي ومادي هائل.
على سبيل المثال، أوضح غيو أن أي شخص يحمل الجنسية الأمريكية، بما في ذلك أقرباء القاضي نفسه، قد يواجه عقوبة سجن تصل إلى 20 عامًا إذا قدم أي خدمة لشخص خاضع للعقوبات. هذا الواقع لا يقتصر على الأفراد، بل يمتد إلى المؤسسات، حيث تغلق البنوك الأوروبية حسابات الأفراد المستهدفين خوفًا من العواقب القانونية أو الاقتصادية. إن هذا النظام من العقوبات، الذي يعتمد على هيمنة الشركات الأمريكية مثل "فيزا" و"ماستركارد"، يمنح السلطة التنفيذية الأمريكية القدرة على استبعاد أي مواطن – حتى الأوروبي – من النظام المصرفي والفضاء الرقمي في بلده، مما يكشف عن عجز السيادة الأوروبية، كما أشار غيو.
في هذا السياق، يبرز دور الجمعية العامة للأمم المتحدة كبديل لمواجهة هذه العقوبات غير القانونية. فبينما يعرقل مجلس الأمن، بسبب الفيتو الأمريكي، أي محاولة لمحاسبة الدول الداعمة للإبادة الجماعية الصهيونية، فإن الجمعية العامة تقدم منصة أكثر عدالة لإصدار قرارات تدين هذه السياسات. على سبيل المثال، أدانت الجمعية العامة مرارًا وتكرارًا العقوبات الأحادية الأمريكية على دول مثل كوبا وإيران، مؤكدةً أنها تنتهك القانون الدولي وتؤثر سلبًا على الشعوب. كما دعت الجمعية العامة إلى محاسبة الكيان الصهيوني وداعميه على جرائم الإبادة الجماعية في فلسطين، وهو ما يعكس إرادة الأغلبية العالمية التي ترفض منطق البلطجة.
إن هذه العقوبات، التي تُفرض بمنطق القوة، لا تعكس فقط انتهاكًا للقانون الدولي، بل تُسهم أيضًا في زعزعة استقرار النظام العالمي. فقد أدت إلى رد فعل عكسي، حيث بدأت دول وشعوب العالم في البحث عن بدائل للنظام المالي الغربي، مثل تطوير أنظمة دفع مستقلة أو التحول إلى عملات بديلة للدولار. هذا التحول، الذي تقوده دول مثل الصين وروسيا، يعكس فشل السياسة الغربية في فرض هيمنتها، ويؤكد أن "شريعة الغاب" لن تظل دون مقاومة.
القسم الثالث: تاريخ الإبادات الجماعية الغربية
إن التاريخ الحديث للتدخلات الغربية، بقيادة الولايات المتحدة وبدعم من حلفائها الأوروبيين وبعض الدول الإقليمية، يكشف عن نمط مروع من الإبادات الجماعية والتدمير المنهجي لدول وشعوب باسم "نشر الديمقراطية" أو "مكافحة الإرهاب". من العراق إلى ليبيا، ومن سوريا إلى فلسطين، لبنان، السودان، واليمن، تركت هذه التدخلات وراءها ملايين الضحايا، دمارًا اقتصاديًا، وفوضى سياسية، مما يكشف عن وجه "شريعة الغاب" التي تحكم السياسة الغربية. هذه التدخلات، التي غالبًا ما تُبرر بذرائع إنسانية، لم تكن سوى أدوات لتعزيز الهيمنة الجيوسياسية، مع دعم صريح أو ضمني للكيان الصهيوني في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني.
العراق: بداية المأساة بدأت سلسلة الإبادات الجماعية الحديثة مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، الذي تم تحت ذريعة وجود "أسلحة دمار شامل" لم تُثبت أبدًا. هذا الغزو، الذي قادته الولايات المتحدة بدعم بريطاني ودول أخرى، أدى إلى مقتل ما يقرب من مليون عراقي، وفقًا لتقديرات مستقلة مثل دراسة مجلة *لانسيت* الطبية، وتشريد الملايين، مع تدمير البنية التحتية للبلاد. العقوبات الاقتصادية التي سبقت الغزو، والتي فُرضت منذ التسعينيات، تسببت بموت مئات الآلاف من الأطفال بسبب نقص الغذاء والدواء، كما أقرت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، بأن هذه الخسائر "تستحق العناء". هذا المنطق، الذي يضع المصالح السياسية فوق حياة البشر، يعكس بوضوح نزعة البلطجة التي تتجاوز أي إطار أخلاقي أو قانوني.
ليبيا: الفوضى الممنهجة في ليبيا، قادت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو عام 2011 حملة عسكرية تحت غطاء "حماية المدنيين"، أدت إلى إسقاط نظام معمر القذافي وتحويل ليبيا إلى دولة فاشلة تعاني من الفوضى والحروب الأهلية. التدخل، الذي بدأ بقرار من مجلس الأمن لفرض منطقة حظر جوي، تحول بسرعة إلى عملية عسكرية واسعة النطاق، تجاوزت تفويض الأمم المتحدة. النتيجة كانت كارثية: عشرات الآلاف من القتلى، انهيار الاقتصاد، وانتشار الجماعات المسلحة التي أغرقت المنطقة في عدم الاستقرار. هذا التدخل، الذي دعمته دول مثل فرنسا وبريطانيا، لم يحقق أي استقرار، بل عزز الفوضى التي خدمت مصالح الغرب في السيطرة على الموارد النفطية.
سوريا: وكالة الحرب في سوريا، دعمت الولايات المتحدة ودول أوروبية، إلى جانب حلفاء إقليميين مثل تركيا ودول الخليج، جماعات مسلحة تحت شعار "دعم الثورة"، مما أدى إلى حرب طاحنة استمرت أكثر من عقد. هذه الحرب، التي تسببت في مقتل أكثر من نصف مليون شخص وتشريد الملايين، لم تكن مجرد صراع داخلي، بل حربًا بالوكالة هدفت إلى إضعاف سوريا كحليف إقليمي لإيران وروسيا. العقوبات الأحادية التي فُرضت على سوريا، مثل قانون "قيصر" الأمريكي، زادت من معاناة الشعب السوري، حيث تسببت في انهيار الاقتصاد ونقص السلع الأساسية، دون أن تحقق أي هدف سياسي معلن.
فلسطين: الإبادة الجماعية المستمرة أما في فلسطين، فإن دعم الولايات المتحدة ودول أوروبية مثل ألمانيا وبريطانيا للكيان الصهيوني يكشف عن ذروة التواطؤ في الإبادة الجماعية. منذ النكبة عام 1948، يواجه الشعب الفلسطيني تطهيرًا عرقيًا ممنهجًا، مع هجمات عسكرية متكررة على غزة، أسفرت عن عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وتدمير البنية التحتية. الحصار المفروض على غزة منذ 2007، بدعم غربي، يُعدّ جريمة ضد الإنسانية، إذ يمنع وصول الغذاء والدواء والوقود، مما يجعل غزة "سجنًا مفتوحًا". الولايات المتحدة، التي تقدم مليارات الدولارات سنويًا كمساعدات عسكرية للكيان الصهيوني، تستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع أي قرار يدين هذه الجرائم، مما يؤكد تواطؤها المباشر في الإبادة الجماعية.
في هذا السياق، تبرز أهمية الجمعية العامة للأمم المتحدة كآلية أكثر عدالة لمواجهة هذه الجرائم. فقد أصدرت الجمعية العامة قرارات عديدة تدين الاحتلال الصهيوني، بما في ذلك قرار عام 2023 الذي طالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة وحماية المدنيين الفلسطينيين. هذه القرارات، التي حظيت بدعم أغلبية ساحقة من الدول، تعكس إرادة المجتمع الدولي في مواجهة الإبادة الجماعية، وتكشف عن عزلة الدول الداعمة للكيان الصهيوني، مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، وألمانيا. على عكس مجلس الأمن، الذي يعاني من شلل بسبب الفيتو، توفر الجمعية العامة منصة ديمقراطية تتيح للدول النامية والصغيرة التعبير عن إرادتها، مما يجعلها أداة أكثر عدالة لمحاسبة مرتكبي الجرائم الدولية.
لبنان، السودان، واليمن: استمرار النمط في لبنان، دعمت الولايات المتحدة وأوروبا الهجمات الصهيونية المتكررة، بما في ذلك العدوان عام 2006 والهجمات الأخيرة على المدنيين في بيروت، مما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا وتدمير البنية التحتية. في السودان، ساهمت السياسات الغربية في تأجيج الصراعات الداخلية من خلال دعم فصائل متعارضة، بينما تسببت العقوبات الاقتصادية في تفاقم الأزمة الإنسانية. وفي اليمن، دعمت الولايات المتحدة وبريطانيا الحرب التي تقودها السعودية منذ 2015، والتي أدت إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث.
هذه السلسلة من التدخلات تكشف عن نمط واضح: استخدام القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأدوات للهيمنة، مع تجاهل تام للقانون الدولي وحقوق الإنسان. وفي قلب هذا النمط، يبرز الدعم الغربي للكيان الصهيوني كمثال صارخ على التواطؤ في الإبادة الجماعية. إن محاسبة هذه الدول – الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، وغيرها – تتطلب آليات دولية أكثر عدالة، مثل تلك التي توفرها الجمعية العامة، التي تستطيع، من خلال قرارات الأغلبية، أن تضع حدًا لـ"شريعة الغاب" وتعيد الاعتبار لمبادئ العدالة والمساواة.
القسم الرابع: التدهور الاقتصادي والاجتماعي في الغرب
إن السياسات العدوانية التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، سواء من خلال العقوبات الأحادية أو التدخلات العسكرية، لم تقتصر آثارها على الدول المستهدفة، بل امتدت لتعكس تأثيرًا سلبيًا عميقًا على الاقتصادات والمجتمعات الغربية نفسها. هذا التدهور، الذي يظهر في المؤشرات الكلية مثل التضخم، البطالة، وتراجع النمو الاقتصادي، وفي المؤشرات الجزئية مثل إفلاس المشاريع الصغيرة والمتوسطة، يكشف عن تناقض صارخ: ففي الوقت الذي تسعى فيه هذه الدول لفرض هيمنتها على العالم، فإنها تُقوّض استقرارها الداخلي، مما يُعزز من عزلتها الدولية ويُلهم مقاومة شعبية عالمية.
المؤشرات الكلية: اقتصادات على حافة الانهيار على المستوى الكلي، تُظهر البيانات الاقتصادية تراجعًا واضحًا في أداء الاقتصادات الغربية، خاصة في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. في الولايات المتحدة، ارتفع معدل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، حيث وصل إلى حوالي 8-9% في أوائل العقد الحالي، مدفوعًا بارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء نتيجة العقوبات على دول مثل روسيا وإيران. هذه العقوبات، التي تهدف إلى إضعاف الاقتصادات المستهدفة، ارتدت سلبًا على الاقتصاد الأمريكي، حيث أدت إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، مما زاد من تكاليف المعيشة وأثر على القدرة الشرائية للمواطنين.
في أوروبا، تسببت العقوبات على روسيا، خاصة بعد الأزمة الأوكرانية، في أزمة طاقة غير مسبوقة. دول مثل ألمانيا، التي كانت تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، واجهت نقصًا حادًا في الإمدادات، مما أدى إلى إغلاق مصانع وتسريح عمال. على سبيل المثال، أعلنت شركات صناعية كبرى في ألمانيا، مثل BASF، عن تقليص عملياتها أو نقلها إلى دول أخرى بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة. هذا التدهور الاقتصادي لم يقتصر على الصناعات الكبرى، بل امتد إلى القطاعات الخدمية والزراعية، مما زاد من معدلات البطالة وفاقم التوترات الاجتماعية.
المشاريع الصغيرة: ضحايا السياسات الخارجية على المستوى الجزئي، عانت المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الغرب من تداعيات هذه السياسات العدوانية. في الولايات المتحدة، أدى ارتفاع تكاليف الطاقة والمواد الخام إلى إفلاس آلاف الشركات الصغيرة، خاصة في قطاعات مثل التجزئة والضيافة. تقرير صادر عن إدارة الأعمال الصغيرة الأمريكية (SBA) أشار إلى أن حوالي 20% من الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة واجهت صعوبات مالية كبيرة بين عامي 2022 و2024، مع إغلاق العديد منها بشكل دائم. هذا الوضع تفاقم بسبب ارتفاع الفوائد على القروض، نتيجة سياسات الاحتياطي الفيدرالي لمواجهة التضخم، مما جعل من الصعب على رواد الأعمال الحصول على تمويل.
في أوروبا، واجهت الشركات الصغيرة تحديات مماثلة. في دول مثل إيطاليا وإسبانيا، حيث تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري للاقتصاد، أدت أزمة الطاقة إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة التكاليف. على سبيل المثال، في إيطاليا، أغلقت العديد من المطاعم والمقاهي أبوابها بسبب ارتفاع فواتير الكهرباء، التي تضاعفت في بعض الحالات ثلاث مرات خلال عامين. هذه الأزمات لم تكن نتيجة عوامل داخلية فقط، بل ارتبطت مباشرة بالسياسات الخارجية العدوانية، التي أدت إلى اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية وزيادة تكاليف المواد الأساسية.
التواطؤ في دعم الإبادة الجماعية: تأثير عكسي إن دعم الولايات المتحدة وأوروبا للكيان الصهيوني في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني لم يكن فقط انتهاكًا للقانون الدولي، بل ساهم أيضًا في تدهور صورتها الدولية، مما أثر سلبًا على اقتصاداتها. على سبيل المثال، أدت حملات المقاطعة العالمية، مثل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، إلى خسائر اقتصادية كبيرة للشركات الغربية المتواطئة مع الاحتلال الصهيوني. شركات مثل "كاتربيلر" و"HP" واجهت انتقادات واسعة بسبب توريدها معدات تُستخدم في تدمير البيوت الفلسطينية، مما أدى إلى انخفاض مبيعاتها في أسواق الشرق الأوسط وخارجها.
علاوة على ذلك، فإن الدعم الغربي للإبادة الجماعية في فلسطين أثار استياءً شعبيًا واسعًا، ليس فقط في العالم الإسلامي، بل حتى داخل المجتمعات الغربية. الاحتجاجات الشعبية في مدن مثل لندن، باريس، ونيويورك، التي طالبت بوقف الدعم للكيان الصهيوني، كشفت عن انقسام اجتماعي عميق. هذا الانقسام، الذي تفاقم بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة، أدى إلى تراجع الثقة في الحكومات الغربية، مما يُنذر بمزيد من الاضطرابات الاجتماعية.
الجمعية العامة: صوت العدالة في مواجهة الهيمنة في ظل هذا التدهور، تبرز الجمعية العامة للأمم المتحدة كمنصة أكثر عدالة لمواجهة السياسات الغربية التي تُفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. على عكس مجلس الأمن، الذي يخضع لهيمنة الدول الخمس الدائمة العضوية، تتيح الجمعية العامة للدول النامية والصغيرة التعبير عن إرادتها، مما يجعلها أداة فعالة لمحاسبة الدول الداعمة للإبادة الجماعية. على سبيل المثال، أصدرت الجمعية العامة قرارات تدين العقوبات الأحادية الأمريكية والأوروبية، مؤكدةً أنها تنتهك حقوق الإنسان وتعيق التنمية الاقتصادية للدول المستهدفة. كما دعت إلى محاسبة الكيان الصهيوني وداعميه، مما يعكس إرادة الأغلبية العالمية في إنهاء "شريعة الغاب".
إن هذا التحول نحو الجمعية العامة كآلية للعدالة يعكس أيضًا الرفض المتزايد للهيمنة الغربية. فقد أدت السياسات العدوانية إلى دفع الدول نحو إنشاء أنظمة اقتصادية بديلة، مثل منظومة "بريكس"، التي تسعى إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي واليورو. هذه التطورات تُظهر أن الغرب، في سعيه لفرض هيمنته، قد أضر بنفسه اقتصاديًا واجتماعيًا، مما يُعزز من عزلته الدولية ويفتح الباب أمام نظام عالمي جديد يقوم على العدالة والمساواة.
القسم الخامس: صعود اللوبيات الشعبية وإعادة ضبط السياسة الدولية
في مواجهة سياسات الهيمنة الغربية، التي تجسدت في العقوبات الأحادية والتدخلات العسكرية والدعم المستمر للإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، برزت حركات شعبية عالمية كقوة مضادة تهدف إلى إعادة ضبط السياسة الدولية. هذه الحركات، التي تضم ناشطين، منظمات مجتمع مدني، وحتى حكومات دول نامية، لم تقتصر على الاحتجاجات التقليدية، بل طورت استراتيجيات فعالة، مثل حملات المقاطعة الاقتصادية والضغط السياسي، لتحدي النفوذ الغربي وإنهاء سيادة "شريعة الغاب". في قلب هذه الحركات، يبرز تراجع تأثير اللوبيات الصهيونية، مثل "اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة" (الإيباك)، كدليل على تحول عميق في الرأي العام العالمي والمحلي، كما أشار إليه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نفسه.
صعود الحركات الشعبية: من المقاطعة إلى التغيير السياسي إن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، التي أُطلقت عام 2005 بدعوة من المجتمع المدني الفلسطيني، تُعدّ أحد أبرز الأمثلة على صعود اللوبيات الشعبية. هذه الحركة، التي تستلهم نموذج المقاطعة ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، استهدفت الشركات والمؤسسات المتواطئة مع الاحتلال الصهيوني، مثل "كاتربيلر" و"HP"، مما أدى إلى خسائر اقتصادية ملموسة. على سبيل المثال، أعلنت العديد من الجامعات والصناديق الاستثمارية في أوروبا وأمريكا الشمالية سحب استثماراتها من الشركات الداعمة للاحتلال، استجابةً لضغوط طلابية وشعبية. هذه النجاحات، رغم محاولات الدول الغربية لتجريم الحركة، تُظهر قدرة الشعوب على تحدي الهيمنة الغربية ودعم العدالة.
على المستوى السياسي، أسهمت هذه الحركات في تغيير المشهد الداخلي في الدول الغربية. في الولايات المتحدة، شهدت الأعوام الأخيرة صعود أصوات سياسية تقدمية، مثل النائبتين إلهان عمر ورشيدة طليب، اللتين دعتا إلى إنهاء الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني ومحاسبة مرتكبي الإبادة الجماعية. هذه الأصوات، التي كانت هامشية في السابق، أصبحت تمثل قوة سياسية متنامية، مدعومة بحركات شعبية ترفض السياسات التقليدية التي تهيمن عليها اللوبيات الصهيونية. تصريحات دونالد ترامب، التي أشار فيها إلى تراجع نفوذ "الإيباك"، تعكس هذا التحول، حيث أصبحت هذه اللوبيات تواجه انتقادات غير مسبوقة حتى من داخل الأوساط السياسية الأمريكية.
تراجع اللوبيات الصهيونية: نهاية هيمنة "الإيباك" كانت "الإيباك"، لعقود طويلة، إحدى أقوى اللوبيات في الولايات المتحدة، حيث نجحت في التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية لصالح الكيان الصهيوني. من خلال تمويل الحملات الانتخابية والضغط على السياسيين، ضمنت هذه اللوبي استمرار الدعم الأمريكي غير المشروط للاحتلال، بما في ذلك تقديم مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات سنويًا. لكن هذا النفوذ بدأ يتآكل مع صعود الوعي الشعبي، خاصة بين الأجيال الشابة في الغرب، التي ترى في السياسات الصهيونية انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. استطلاعات الرأي، مثل تلك التي أجرتها مؤسسة "غالوب" في السنوات الأخيرة، أظهرت تراجعًا في تأييد الشعب الأمريكي للكيان الصهيوني، خاصة بين الشباب والأقليات.
هذا التحول لم يكن عفويًا، بل نتيجة جهود الحركات الشعبية التي استغلت وسائل التواصل الاجتماعي لفضح جرائم الاحتلال، مثل الإبادة الجماعية في غزة، وتعبئة الرأي العام العالمي. على سبيل المثال، أدت حملات التواصل الاجتماعي إلى تسليط الضوء على الهجمات الصهيونية على المدنيين الفلسطينيين، مما دفع منظمات دولية وحكومات إلى اتخاذ مواقف أكثر جرأة. هذا الضغط الشعبي أجبر حتى بعض السياسيين الغربيين، الذين كانوا تقليديًا موالين للكيان الصهيوني، على إعادة تقييم مواقفهم خوفًا من خسارة الدعم الشعبي.
الجمعية العامة: صوت الشعوب في مواجهة الهيمنة في هذا السياق، تبرز الجمعية العامة للأمم المتحدة كمنصة تعكس إرادة الشعوب وتدعم جهود اللوبيات الشعبية. على عكس مجلس الأمن، الذي غالبًا ما يُعرقل بسبب حق الفيتو الأمريكي، تتيح الجمعية العامة للدول النامية والصغيرة التعبير عن مواقفها بحرية. قرارات الجمعية العامة، مثل تلك التي أدانت الإبادة الجماعية في غزة وطالبت بمحاسبة الكيان الصهيوني وداعميه، حظيت بدعم أغلبية ساحقة من الدول، مما يعكس التحول في الرأي العام العالمي. على سبيل المثال، قرار الجمعية العامة في ديسمبر 2023، الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، حصل على تأييد 153 دولة، مقابل معارضة 10 دول فقط، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل.
هذه القرارات، رغم أنها غير ملزمة قانونيًا، تحمل وزنًا أخلاقيًا وسياسيًا كبيرًا، وتعزز من شرعية الحركات الشعبية التي تسعى لمحاسبة الدول الداعمة للإبادة الجماعية، مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، وألمانيا. إن تفوق الجمعية العامة على مجلس الأمن يكمن في قدرتها على تمثيل إرادة الأغلبية، بعيدًا عن هيمنة القوى الكبرى. هذا الإطار الديمقراطي يوفر أملًا لإعادة ضبط النظام الدولي، حيث يمكن للشعوب، من خلال ممثليها في الجمعية العامة، أن تضع حدًا لـ"شريعة الغاب" التي تفرضها السياسات الغربية.
إعادة ضبط السياسة الدولية إن صعود اللوبيات الشعبية لم يقتصر على مواجهة الكيان الصهيوني، بل امتد ليشمل تحدي الهيمنة الغربية بشكل عام. دول مثل الصين، روسيا، وجنوب إفريقيا، بدعم من حركات شعبية، بدأت في بناء تحالفات اقتصادية وسياسية بديلة، مثل مجموعة "بريكس"، التي تسعى إلى تقليل الاعتماد على النظام المالي الغربي. هذه التحالفات، التي تضم دولًا تمثل أكثر من نصف سكان العالم، تعكس تحولًا جذريًا في موازين القوى، حيث أصبحت الدول النامية أكثر جرأة في تحدي السياسات الأمريكية والأوروبية.
في الوقت نفسه، أدت هذه الحركات إلى إضعاف اللوبيات التقليدية، مثل "الإيباك"، التي كانت تتحكم في السياسة الخارجية الأمريكية. تصريحات ترامب، التي أقر فيها بتراجع نفوذ هذه اللوبيات، تُظهر أن الضغط الشعبي، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، بدأ يُغيّر قواعد اللعبة. هذا التحول ليس مجرد رد فعل على الإبادة الجماعية في فلسطين، بل هو نتيجة تراكم الاستياء من السياسات الغربية التي تسببت في معاناة ملايين البشر عبر العقوبات والحروب.
القسم السادس: دور القضاة في مواجهة البلطجة الدولية
في عالم يتزايد فيه نفوذ القوة على حساب القانون، يبرز القضاة كخط دفاع أخير لسيادة القانون، خاصة في مواجهة البلطجة الدولية التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون. إن استهداف قضاة المحكمة الجنائية الدولية، مثل القاضي الفرنسي نيكولا غيو، بعقوبات أمريكية غير قانونية، يكشف عن محاولة صارخة لتقويض العدالة الدولية وفرض منطق "شريعة الغاب". ومع ذلك، فإن شجاعة هؤلاء القضاة، الذين يواجهون تهديدات مباشرة لحياتهم المهنية والشخصية، تُمثل رمزًا للمقاومة ضد الهيمنة الغربية، وتؤكد أهمية إصلاح النظام الدولي ليعتمد على آليات أكثر عدالة، مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
شجاعة القاضي نيكولا غيو: صوت العدالة تحت الضغط في خطاب مؤثر ألقاه أمام اتحاد القضاة في باريس، كما نقلته وكالة فرانس برس، وصف القاضي نيكولا غيو التأثير المدمر للعقوبات الأمريكية التي فُرضت عليه في أغسطس 2025، بسبب دوره في إصدار مذكرة اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. هذه العقوبات، التي طالت أيضًا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان وعددًا من القضاة الآخرين، لم تكن مجرد عقوبات اقتصادية، بل هجومًا مباشرًا على استقلالية القضاء الدولي. أوضح غيو أن هذه العقوبات أغلقت حساباته البنكية، منعته من استخدام خدمات مثل "إير بي إن بي" و"أمازون"، وحتى هددت أقرباءه بالملاحقة الجنائية إذا قدموا له أي دعم.
إن استهداف قضاة مثل غيو يكشف عن تناقض صارخ في الخطاب الغربي حول "سيادة القانون". ففي الوقت الذي تدّعي فيه الولايات المتحدة وأوروبا الدفاع عن القيم الديمقراطية، فإنها تُعاقب أولئك الذين يحاولون تطبيق هذه القيم على أرض الواقع. قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال ضد قادة الكيان الصهيوني، بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في فلسطين، يُعدّ خطوة تاريخية نحو محاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك، فإن رد الفعل الأمريكي، الذي تضمن فرض عقوبات على القضاة، يُظهر أن الهدف ليس حماية القانون، بل حماية الحلفاء، حتى لو كانوا مرتكبي جرائم.
القضاة كخط المواجهة لسيادة القانون كما أشار غيو في خطابه، فإن القضاة يقفون اليوم في "خط المواجهة" للدفاع عن سيادة القانون في عالم تحكمه القوة. هذا الدور ليس جديدًا، لكنه أصبح أكثر أهمية في ظل التحديات غير المسبوقة التي تواجه العدالة الدولية. فبالإضافة إلى غيو، استُهدف قضاة آخرون، مثل القاضي البرازيلي ألكسندر دي مورايس، بعقوبات أمريكية بسبب دوره في محاكمة الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو. هذه الحوادث تُظهر أن العقوبات لم تُعد تستهدف فقط الأفراد أو الدول المعارضة للغرب، بل أصبحت أداة لمعاقبة أي شخص يجرؤ على تحدي السياسات الغربية أو حلفائها.
في هذا السياق، دعا غيو إلى "الثبات" والتمسك بمبادئ الاستقلال، النزاهة، والصرامة القانونية. هذه الدعوة ليست مجرد نداء للقضاة، بل رسالة إلى المجتمع الدولي بأسره لدعم استقلالية القضاء في مواجهة البلطجة الدولية. إن شجاعة القضاة، الذين يواجهون تهديدات مباشرة لحياتهم ومستقبلهم المهني، تُمثل نموذجًا للمقاومة السلمية ضد الهيمنة. هؤلاء القضاة، الذين يضعون واجبهم الأخلاقي فوق مصالحهم الشخصية، يُذكّرون العالم بأن العدالة لا يمكن أن تُساوم أو تُخضع للضغوط السياسية.
الجمعية العامة: إطار لدعم العدالة الدولية في ظل هذه التحديات، تبرز الجمعية العامة للأمم المتحدة كآلية أكثر عدالة لدعم جهود القضاة ومحاسبة الدول المتواطئة في الإبادة الجماعية. على عكس مجلس الأمن، الذي غالبًا ما يُعرقل بسبب حق الفيتو الأمريكي، توفر الجمعية العامة منصة ديمقراطية تمثل إرادة الأغلبية العالمية. قرارات الجمعية العامة، مثل تلك التي أدانت الإبادة الجماعية في غزة وطالبت بمحاسبة الكيان الصهيوني وداعميه، تعكس التزامًا بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان. على سبيل المثال، أصدرت الجمعية العامة في السنوات الأخيرة قرارات تدعو إلى حماية الشعب الفلسطيني وفرض عقوبات على الدول التي تدعم الاحتلال، مما يعزز من شرعية جهود المحكمة الجنائية الدولية.
إن تفوق الجمعية العامة على مجلس الأمن يكمن في قدرتها على تجاوز العراقيل السياسية التي تفرضها القوى الكبرى. فعلى سبيل المثال، بينما استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو لمنع قرارات تدين الكيان الصهيوني في مجلس الأمن، تمكنت الجمعية العامة من إصدار قرارات مماثلة بدعم أغلبية ساحقة من الدول. هذه القرارات، رغم أنها غير ملزمة قانونيًا، تُشكل ضغطًا أخلاقيًا وسياسيًا على الدول المتواطئة، وتدعم جهود القضاة في المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.
دعوة إلى إصلاح النظام الدولي إن استهداف القضاة بعقوبات أمريكية يكشف عن الحاجة الملحة لإصلاح النظام الدولي ليصبح أكثر عدالة واستقلالية. اقتراح غيو بتطوير القوانين لمنع الجهات الاقتصادية من تضخيم التهديدات ضد العدالة يُعدّ خطوة في الاتجاه الصحيح. على سبيل المثال، يمكن للدول الأوروبية أن تتبنى تشريعات تحمي مواطنيها من تأثير العقوبات الأمريكية الأحادية، مثل إنشاء أنظمة دفع مستقلة عن الشركات الأمريكية مثل "فيزا" و"ماستركارد". كما يمكن للجمعية العامة أن تلعب دورًا أكبر في وضع إطار قانوني دولي يحد من تجاوز العقوبات الأجنبية للحدود الإقليمية، كما دعا غيو.
في النهاية، فإن شجاعة القضاة مثل نيكولا غيو تُلهم حركة عالمية لدعم العدالة ومواجهة البلطجة الدولية. هؤلاء القضاة، الذين يقفون في وجه القوة الغاشمة، يُذكّرون العالم بأن سيادة القانون ليست مجرد شعار، بل واجب أخلاقي وقانوني يتطلب التضحية والثبات. إن دعمهم من خلال آليات مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة يُمثل خطوة حاسمة نحو إنهاء "شريعة الغاب" وإرساء نظام عالمي يقوم على العدالة والمساواة.
القسم السابع: الخاتمة والتوصيات
إن السياسات العدوانية التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، سواء من خلال العقوبات الأحادية غير القانونية أو التدخلات العسكرية التي أدت إلى إبادات جماعية في دول مثل العراق، ليبيا، سوريا، فلسطين، لبنان، السودان، واليمن، تكشف عن نزعة بلطجية تهدد استقرار النظام الدولي. هذه السياسات، التي تُجسد منطق "شريعة الغاب"، لم تؤدِ فقط إلى معاناة ملايين البشر في الدول المستهدفة، بل ارتدت سلبًا على الاقتصادات والمجتمعات الغربية، حيث أدت إلى تدهور اقتصادي واجتماعي، وفقدان الثقة في المؤسسات السياسية. ومع ذلك، فإن هذه السياسات ألهمت مقاومة عالمية، تجسدت في صعود اللوبيات الشعبية وشجاعة قضاة المحكمة الجنائية الدولية، مثل نيكولا غيو، الذين وقفوا في وجه البلطجة الدولية للدفاع عن سيادة القانون.
تلخيص النقاط الرئيسية على مدى العقود الماضية، تجاوزت الولايات المتحدة وأوروبا إطار القانون الدولي، متجاهلةً دور مجلس الأمن كجهة وحيدة مخولة بفرض العقوبات، واعتمدت عقوبات أحادية تستهدف دولًا وأفرادًا بمنطق القوة. هذه العقوبات، التي طالت حتى قضاة المحكمة الجنائية الدولية، كشفت عن محاولة لتقويض العدالة الدولية وحماية مرتكبي الجرائم، خاصة الكيان الصهيوني وداعميه. في الوقت نفسه، تركت التدخلات العسكرية الغربية في دول مثل العراق وليبيا وسوريا وفلسطين إرثًا من الدمار والإبادة الجماعية، بينما ساهمت في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية داخل الغرب نفسه.
ومع ذلك، فإن هذه السياسات لم تمر دون مقاومة. فقد أدت إلى صعود حركات شعبية عالمية، مثل حركة المقاطعة (BDS)، التي نجحت في تحدي نفوذ اللوبيات الصهيونية، مثل "الإيباك"، وإعادة ضبط السياسة الدولية. في الوقت ذاته، برزت الجمعية العامة للأمم المتحدة كآلية أكثر عدالة من مجلس الأمن، الذي يعاني من شلل بسبب حق الفيتو الأمريكي. قرارات الجمعية العامة، التي أدانت الإبادة الجماعية في فلسطين وطالبت بمحاسبة الدول الداعمة للكيان الصهيوني، عكست إرادة الأغلبية العالمية، ودعمت جهود القضاة الذين يواجهون ضغوطًا غير مسبوقة للدفاع عن العدالة.
التوصيات: نحو نظام دولي عادل لإنهاء "شريعة الغاب" التي تحكم النظام الدولي الحالي، هناك حاجة ملحة إلى إصلاحات جذرية تعيد سيادة القانون وتعزز العدالة. فيما يلي مجموعة من التوصيات لتحقيق هذا الهدف:
1. تعزيز دور الجمعية العامة للأمم المتحدة: يجب منح الجمعية العامة صلاحيات أكبر في اتخاذ قرارات ملزمة، خاصة في قضايا الإبادة الجماعية وحقوق الإنسان. يمكن تحقيق ذلك من خلال إصلاح ميثاق الأمم المتحدة لتقليص تأثير حق الفيتو في مجلس الأمن، مما يتيح للأغلبية العالمية فرض عقوبات قانونية على الدول المتواطئة في الجرائم ضد الإنسانية، مثل الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا في دعمهم للكيان الصهيوني.
2. حماية استقلالية القضاء الدولي: يجب على المجتمع الدولي حماية قضاة المحكمة الجنائية الدولية من العقوبات الأحادية، من خلال تشريعات دولية تمنع الدول من استهداف الأفراد بناءً على أدوارهم القضائية. كما اقترح القاضي نيكولا غيو، ينبغي تطوير أدوات قانونية للحد من تجاوز العقوبات الأجنبية للحدود الإقليمية، مثل إنشاء أنظمة دفع مستقلة عن الشركات الأمريكية.
3. دعم الحركات الشعبية: يجب على الدول والمنظمات الدولية دعم الحركات الشعبية، مثل حركة المقاطعة (BDS)، التي تسعى إلى محاسبة الدول والشركات المتواطئة في الإبادة الجماعية. يمكن تحقيق ذلك من خلال حماية الحق في حرية التعبير والاحتجاج، ورفض التشريعات التي تجرّم هذه الحركات في الدول الغربية.
4. إنشاء أنظمة اقتصادية بديلة: للحد من تأثير العقوبات الأحادية، يجب على الدول النامية تسريع جهودها لبناء أنظمة اقتصادية مستقلة، مثل توسيع منظومة "بريكس" وتطوير عملات رقمية أو أنظمة دفع لا تعتمد على الدولار الأمريكي. هذه الخطوة ستقلل من قدرة الولايات المتحدة على استخدام العقوبات كسلاح اقتصادي.
5. محاسبة الدول الداعمة للإبادة الجماعية: يجب على الجمعية العامة أن تتبنى قرارات تدعو إلى محاسبة الدول التي تدعم الكيان الصهيوني، مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، وألمانيا، من خلال فرض عقوبات اقتصادية وسياسية عليها. هذه القرارات يمكن أن تُعزز من خلال دعم الدول النامية والحركات الشعبية، مما يخلق ضغطًا عالميًا لإنهاء التواطؤ في الجرائم ضد الإنسانية.
رؤية للمستقبل إن الطريق إلى نظام دولي عادل ليس سهلاً، لكنه ممكن من خلال التعاون بين الشعوب والدول التي تؤمن بسيادة القانون. شجاعة القضاة مثل نيكولا غيو، الذين يواجهون العقوبات والتهديدات للدفاع عن العدالة، تُلهم الأمل في أن النظام الدولي يمكن أن يتغير. إن دعم هؤلاء القضاة، وتعزيز دور الجمعية العامة، وتمكين الحركات الشعبية، يُشكل أساسًا لإنهاء "شريعة الغاب" التي تحكم العالم اليوم.
في النهاية، فإن المعركة من أجل العدالة هي معركة من أجل إنسانية مشتركة. إن محاسبة الدول التي تدعم الإبادة الجماعية، وإنهاء العقوبات الأحادية غير القانونية، وإعادة بناء نظام دولي يقوم على المساواة والعدالة، هي خطوات حاسمة نحو عالم يسوده السلام بدلاً من القوة. إن صوت الشعوب، الذي يتردد في قرارات الجمعية العامة وفي شجاعة القضاة والناشطين، هو الأمل الحقيقي لتحقيق هذا الهدف.
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إيران ترسل صواريخها إلى الفضاء الخارجي.. والبيت الأبيض يبحث
...
-
ثيو فرانكن يعيد اختراع بلجيكا: من الضمان الاجتماعي إلى قصر ا
...
-
رواية ديناصور الخراب
-
غزة تدعس على الكيان: كوميديا المقاومة التي أطاحت باللوبي الص
...
-
رواية -القمر الذي أضاء الخرافات-.. رواية قصيرة جدا
-
ديناصور الخراب: لوييه ميشيل وإرث النازية الجديدة في قلب أورو
...
-
قصص سبع عن مدن الظلال المقيتة أو مدن الوهابية الظلامية
-
أردوغان: خليفة الوهم أم منظف مراحيض الناتو؟
-
عصابات الجولاني ومهرجان البصمات على أوامر الناتو الاستعماري
-
مسرحية -حافة الهاوية-
-
أمريكا: إمبراطورية الفقاعات وأوهام الدولار السحري..كتابات سا
...
-
رواية: رقصة النيل الساخرة
-
السلام المزيف: قصة كيف غرقت مصر وفلسطين في بحر من النكات الس
...
-
السيرك العالمي يفتتح موسمه الجديد في تل أبيب وواشنطن..كتابات
...
-
أزمة الإمبراطورية الأمريكية : الهبوط نحو الهاوية
-
مسرحية : ايقاعات الورك المتمرد
-
مجموعة قصصية : أكوام الخيال - الجزء الأول-
-
الثقب الأسود الأوكراني: كوميديا جيوسياسية في مسرح العبث
-
خيوط الاستعمار الإنكليزي ومحميات الخليج في صلب الفوضى العالم
...
-
مسرحية -مدرسة الوحدة العجيبة-
المزيد.....
-
رحيل نجمة ثلاثية «العرّاب»... الممثلة الأميركية ديان كيتون
-
السليمانية تحتضن مهرجان السينما الدولي بنسخته الخامسة بمشارك
...
-
هيام عباس تحصد -الهرم الذهبي-.. مهرجان القاهرة السينمائي يكش
...
-
صورة من غزة.. نزوح بعد إخلاء
-
نظرية الفوضى في الشعر العباسي.. مقاربة نصيّة في شعر أبي نواس
...
-
من بينهم الفنّان خالد النبوي.. مهرجان -القاهرة السينمائي- ال
...
-
شاركت في -العراب- وتألقـت في أفلام وودي آلن .. نجوم هوليوود
...
-
-تانيت إكس آر-: منصة غير ربحية توثق التراث التونسي رقميا
-
اكتشاف قلعة عسكرية على طريق حورس الحربي في شمال سيناء
-
انطلاق الدورة السادسة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح
المزيد.....
-
رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج
/ د. خالد زغريت
-
صديقي الذي صار عنزة
/ د. خالد زغريت
-
حرف العين الذي فقأ عيني
/ د. خالد زغريت
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
المزيد.....
|