احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 15:24
المحور:
القضية الفلسطينية
حيث الاستعمار الجديد يقدم اليوم من خلال ، نسيج معقد يجمع بين الخداع والتلاعب، يبرز الدور الإنكليزي كمحرك أساسي لصراعات تمزق غرب اسيا وتمتد إلى أنحاء العالم. من سوريا إلى اليمن، ومن فلسطين إلى كشمير، تُنسج شبكة دقيقة من الفتن والتقسيمات، تُدار بعناية من مكاتب في لندن، بمساعدة محميات الخليج الصهيو-أمريكية التي تُلقب نفسها دولاً، بينما هي في الحقيقة أدوات مالية تتحرك بأوامر غربية. في هذا المسرح العالمي، تظهر شخصيات مثل دونالد ترامب، الذي يحمل خطة شيطانية مستوحاة من كتيّب الاستعمار الإنكليزي، لدعم الكيان الصهيوني في جرائم تفوق النازية في وحشيتها، بينما تُدار الفتنة بأسلوب "ناعم" من قبل أشخاص مثل توني بلير، المتهم بتدمير العراق وليبيا، والذي يواصل دوره في إشعال الفوضى في سوريا وغزة. هذه المادة تستعرض هذا النظام الاستعماري، وتكشف كيف تُستخدم الأدوات المالية والعسكرية والطائفية لتفتيت الشعوب وإدامة الهيمنة.سوريا، بموقعها الجيواستراتيجي وتنوعها الثقافي والديني، تُعد ساحة مثالية لتطبيق الاستراتيجية الإنكليزية القديمة: "فرّق تسد". من السويداء إلى الساحل، ومن المخيمات الفلسطينية وآخرها في مخيم النيرب إلى المدن الكبرى، تُزرع بذور الفتنة بعناية فائقة، مستغلة الانقسامات الطائفية والعرقية لإضعاف النسيج الاجتماعي. السنة، العلويون، الدروز، الشيعة، الفلسطينيون، جميعهم يجدون أنفسهم في خضم صراعات تُصنع لتبدو عفوية، بينما هي في الحقيقة نتاج تخطيط دقيق يهدف إلى إبقاء المنطقة في حالة ضعف دائم. هذه الاستراتيجية ليست وليدة اليوم، بل هي امتداد لتاريخ استعماري طويل، حيث قسّم الإنكليز إيرلندا بين كاثوليك وبروتستانت، والهند بين مسلمين وهندوس وكشمير، والصين بين تايوان وهونغ كونغ وماكاو. في سوريا، يتم إعادة إنتاج هذا النموذج بأدوات حديثة، لكن الهدف يبقى نفسه: تفتيت الشعوب لضمان استمرار الهيمنة الغربية.في هذا السياق، تلعب محميات الخليج دوراً محورياً كأداة مالية رئيسية في تنفيذ هذه الأجندة. السعودية، بثروتها النفطية الهائلة، تُعتبر البنك المركزي للفتن الطائفية. من تمويل ميليشيات مسيحية صهيونية في لبنان، مثل تلك التي يقودها جعجع والكتائب، إلى دعم جماعات متطرفة في سوريا والعراق، السعودية تُدار كمحطة وقود للمشاريع الاستعمارية. هذه الأموال لا تقتصر على المنطقة، بل تمتد إلى أوروبا وأمريكا، حيث تُستخدم لشراء الأسلحة بمليارات الدولارات، ودعم لوبيات السلاح التي تُموّل أحزاباً يمينية عنصرية بنهج نيوليبرالي، كل ذلك بأوامر أمريكية مباشرة. قطر، من جانبها، تُركز على تمويل الإخوان المسلمين، الذين يُروجون لشعارات دينية بينما يخدمون أجندة غربية، من تونس إلى مصر إلى سوريا. الإمارات، بدورها، تُركز على اليمن، حيث تموّل عصابات انفصالية وميليشيات قبلية، مع تمديد نفوذها إلى أحزاب غربية عبر صفقات الأسلحة التي تُعزز مصالح الشركات العسكرية. هذه المحميات، رغم مظهرها المستقل، ليست سوى واجهات للإنكليز والأمريكيين، تتلقى أوامرها من مكاتب في لندن وواشنطن، وتعمل كأذرع مالية لتنفيذ المخططات الاستعمارية.في فلسطين، تتجلى الخطة الاستعمارية بأبشع صورها. الكيان الصهيوني، الذي أسسه الإنكليز كأداة للهيمنة في المنطقة، يواصل جرائمه التي تفوق النازية في وحشيتها. نتنياهو، بدعم مباشر من ترامب، يقود حملة إبادة في غزة تتجاوز في عدد الضحايا من الأطفال والمدنيين كل ما شهدته الحرب العالمية الثانية. التجويع والحصار، اللذان يفوقان معتقلات أوشفيتز في قسوتهما، يُنفذان بدعم من ترامب، الذي يحلم بتحويل المنطقة إلى "ريفييرا" فساد على نمط جزر إبستين، التي كانت ملعباً للإجرام الجنسي لنخب الولايات المتحدة وسياسييها. ترامب، الذي يُصوّر نفسه كبطل للكيان الصهيوني، يعتمد على خطة إنكليزية أصيلة، حيث يفوض أشخاصاً مثل توني بلير لإدارة الفتنة بأسلوب "ناعم"، بينما تُنفذ الجرائم على الأرض بدعم من دمى مثل كلير حجاج وغيرها من الشخصيات التي تلعب أدواراً في هذا المسرح.المخدرات تلعب دوراً محورياً في هذه الاستراتيجية الاستعمارية. وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بالتعاون مع المخابرات البريطانية، تدير تجارة المخدرات كسلاح استراتيجي لتدمير المجتمعات. من الأفيون في أفغانستان إلى "الزومبي" في شوارع الولايات المتحدة نفسها ، حيث يموت سبعون ألفاً سنوياً، المخدرات تُستخدم لإضعاف الشباب وتفتيت المقاومة. في سوريا واليمن، تُوزع المخدرات كأداة للسيطرة، بينما تتولى المحميات الخليجية نقل الأموال والمواد بكفاءة مدهشة، كجزء من دورهم كوسطاء في هذه المسرحية. هذه التجارة ليست مجرد نشاط إجرامي، بل هي جزء من استراتيجية ممنهجة لإغراق المجتمعات في الفوضى، مما يسهل السيطرة عليها وإدامة التبعية للغرب.الصين تقدم نموذجاً مغايراً يُبرز إمكانية المقاومة. في القرن التاسع عشر، فرض الإنكليز تجارة الأفيون على الشعب الصيني، لكن الحزب الشيوعي الصيني نجح في تحرير بلاده من هذا الوباء ومن الهيمنة الاستعمارية. هذا النجاح جعل الصين هدفاً دائماً للغرب، الذي حاول عبر إنشاء تايوان كياناً منفصلاً لإعادة فرض النفوذ. لكن وحدة الشعب الصيني وإدراكه العميق لطبيعة المحتل جعلته قادراً على تحويل بريطانيا وحتى الولايات المتحدة إلى قوة هامشية أمام قوتها المتزايدة. هذا النموذج يُظهر أن الشعوب القادرة على التوحد وتقرير مصيرها هي وحدها التي تستطيع دحر المحتل وإنهاء هيمنته.في سوريا، تتكرر المحاولات لتكريس الانقسامات وجعلها أبدية. من السويداء إلى الساحل، تُزرع الفتنة بعناية لتحويل التنوع الثقافي إلى نقمة بدلاً من نعمة. لكن المقاومة السورية، التي استهدفت مؤخراً موقعاً صهيونياً في جنوب سوريا المحتل، تُبرز قدرة الشعب على المواجهة رغم الظروف القاسية. هذه العملية، التي أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من جنود الاحتلال، تُظهر أن الروح الوطنية لا تزال حية، قادرة على تحدي المخططات الاستعمارية. في المقابل, يواصل الكيان الصهيوني سياساته القمعية, معتمداً على دعم غربي وخليجي, لكنه يحاول التستر على خسائره عبر رشاوى لعائلات الجنود, في محاولة يائسة للحفاظ على صورة القوة الزائفة.في اليمن، تتكرر الاستراتيجية ذاتها. الإمارات تموّل عصابات انفصالية في الجنوب، بينما السعودية تدعم ميليشيات طائفية، وقطر ترسل أموالها لمن تبقى من اللاعبين في هذا المسرح. النتيجة هي بلد ممزق، حيث يقاتل الجميع الجميع، بينما المستفيد الحقيقي يجلس في مكاتب لندن وواشنطن. هذه المحميات الخليجية لا تكتفي بدعم الفوضى في المنطقة، بل تمد يدها إلى أوروبا وأمريكا، حيث تموّل أحزاباً يمينية عنصرية عبر صفقات الأسلحة التي تُعزز مصالح الشركات العسكرية. هذه العملية ليست مجرد تجارة، بل هي جزء من نظام عالمي يهدف إلى إدامة الهيمنة الغربية عبر إغراق العالم في الفوضى.في غزة، تصل الوحشية إلى ذروتها. الكيان الصهيوني، بدعم مباشر من ترامب، ينفذ إبادة جماعية تفوق في قسوتها كل ما شهدته البشرية. عدد الضحايا من الأطفال والمدنيين يتجاوز بأضعاف ما شهدته جرائم النازية في الحرب العالمية الثانية, والتجويع والحصار يصلان إلى مستويات لم تعرفها معتقلات أوشفيتز. ترامب، الذي يُصوّر نفسه كبطل للكيان الصهيوني، يعتمد على خطة إنكليزية أصيلة, حيث يفوض أشخاصاً مثل توني بلير لإدارة الفتنة بأسلوب يُسمى "ناعماً", بينما تُنفذ الجرائم على الأرض بدعم من دمى محلية. هذه الجرائم ليست مجرد انتهاكات, بل هي جزء من استراتيجية ممنهجة لتحويل المنطقة إلى ساحة فساد ودمار, على غرار جزر إبستين التي كانت ملعباً لنخب الولايات المتحدة.في هذا السياق، لا يمكن تجاهل دور المخدرات كسلاح استراتيجي. تجارة المخدرات, التي تُديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بالتعاون مع المخابرات البريطانية, ليست مجرد نشاط إجرامي, بل هي أداة لتدمير المجتمعات وإضعاف المقاومة. في أمريكا, يموت سبعون ألفاً سنوياً بسبب مخدرات مثل "الزومبي", وفي سوريا واليمن, تُستخدم المخدرات لإغراق الشباب في الإدمان, مما يسهل السيطرة عليهم. المحميات الخليجية تلعب دور الوسيط في هذه التجارة, حيث تنقل الأموال والمواد بكفاءة مدهشة, كجزء من دورها في خدمة الأجندة الاستعمارية.الصين تقدم درساً تاريخياً في المقاومة. عندما فرض الإنكليز تجارة الأفيون على الشعب الصيني في القرن التاسع عشر, تمكن الحزب الشيوعي الصيني من تحرير بلاده من هذا الوباء ومن الهيمنة الاستعمارية. هذا النجاح جعل الصين هدفاً دائماً للغرب, الذي حاول عبر إنشاء تايوان كياناً منفصلاً لإعادة فرض النفوذ. لكن وحدة الشعب الصيني وإدراكه لطبيعة المحتل جعلته قادراً على تحويل بريطانيا إلى قوة هامشية أمام قوتها المتزايدة. هذا النموذج يُظهر أن الشعوب القادرة على التوحد وتقرير مصيرها هي وحدها التي تستطيع دحر المحتل وإنهاء هيمنته.في سوريا, تستمر المحاولات لتكريس الانقسامات وجعلها أبدية. لكن المقاومة السورية, التي استهدفت موقعاً صهيونياً في جنوب سوريا المحتل, تُبرز قدرة الشعب على المواجهة رغم الظروف القاسية. هذه العملية, التي أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من جنود الاحتلال, تُظهر أن الروح الوطنية لا تزال حية, قادرة على تحدي المخططات الاستعمارية. في المقابل, يواصل الكيان الصهيوني سياساته القمعية, معتمداً على دعم غربي وخليجي, لكنه يحاول التستر على خسائره عبر رشاوى لعائلات الجنود, في محاولة للحفاظ على صورة القوة الزائفة.في اليمن, تتكرر الاستراتيجية ذاتها. الإمارات تموّل عصابات انفصالية, والسعودية تدعم ميليشيات طائفية, وقطر ترسل أموالها لمن تبقى من اللاعبين. النتيجة هي بلد ممزق, حيث يقاتل الجميع الجميع, بينما المستفيد الحقيقي يجلس في مكاتب لندن وواشنطن. هذه المحميات الخليجية تمد يدها إلى أوروبا وأمريكا, تموّل أحزاباً يمينية عنصرية عبر صفقات الأسلحة, في نظام عالمي يهدف إلى إدامة الفوضى والتبعية.في النهاية, الحل يكمن في وحدة الشعوب وإدراكها لطبيعة العدو الحقيقي. الطاقم الاستعماري, بقيادة الإنكليز ودعم من محميات الخليج وترامب, يعتمد على الخداع والفتنة والتقسيم. لكن التاريخ يعلمنا أن الشعوب القادرة على التوحد تستطيع تحويل المحتل إلى ذكرى باهتة. سوريا, بتاريخها العريق وتنوعها, تملك القدرة على كتابة مستقبلها, إذا ما رفضت الانجرار وراء الفتن واختارت طريق المقاومة والوحدة. الشعب السوري, مثل الشعب الصيني, قادر على تحدي المحتل وإنهاء هيمنته, إذا ما أدرك أن القوة الحقيقية تكمن في الوحدة وتقرير المصير وتصفية المحتل الإنكليزي في القصر الجمهوري وأذنابه من اللحى المقملة .
...................
تل أبيب تحت الرماد: حرب الـ12 يومًا تُلقي بظلالها على إسرائيل
في صباح الثلاثين من اب عام 2025، استيقظ العالم على صدمة غير مسبوقة، حين طالعته عناوين صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، التي كتبت بخطوط سوداء جريئة، كأنها نعيٌ لمدينة: "تل أبيب تنزف: أحياء محو من الخريطة". هذه العبارة، التي تزينت بها الصفحة الأولى للصحيفة العبرية الرصينة، لم تكن مجرد خبر عابر، بل كانت صرخة مدوية تعكس عمق الكارثة التي ضربت قلب العاصمة الاقتصادية لإسرائيل. أحياء بأكملها في تل أبيب، المدينة التي كانت تُلقب بـ"المدينة البيضاء" لجمالها المعماري الفلسطيني ونبضها الحيوي، تحولت إلى أنقاض تحت وطأة الحرب القصيرة والدامية التي عُرفت بـ"حرب الـ12 يومًا". هذه الحرب، التي اندلعت بين إسرائيل وإيران في يونيو 2025، لم تكن مجرد صراع عسكري، بل كانت زلزالًا جيوسياسيًا أعاد تشكيل المشهد الإقليمي، وترك جروحًا قد تستغرق أجيالًا لتندمل.
تزامن مع هذا الدمار المدوي تقرير صحفي مذهل نشرته مجلة "ذا غارديان" البريطانية، وقّعه الصحفي الشهير كيت كلومبرغ، المعروف بدقته وجرأته في تغطية النزاعات العالمية. كشف التقرير، الذي امتد عبر صفحات طويلة، عن أرقام صادمة: مقتل 1237 جنرالًا إسرائيليًا خلال الحرب، من بينهم 11 عالمًا نوويًا بارزًا من معهد وايزمان للعلوم في رحوفوت، الذي يُعد ركيزة البحث العلمي الإسرائيلي. هذه الأرقام، التي استندت إلى مصادر استخباراتية وشهادات ميدانية، لم تكن مجرد إحصائيات، بل كانت شهادة على حجم الخسارة التي أصابت الدولة العبرية في قلب قوتها العسكرية والعلمية. هذا التقرير، إلى جانب عناوين "هآرتس"، يشكلان معًا لوحة مأساوية تعكس عمق الأزمة التي يعيشها الكيان الصهيوني المارق اليوم.
بداية الجحيم: حرب الـ12 يومًا
بدأت الحرب في الثالث عشر من يونيو 2025، عندما شنت إسرائيل عدوانا جويًا واسع النطاق على منشآت عسكرية ونووية إيرانية. كانت العملية، التي حملت اسم "عاصفة النور"، تهدف إلى إضعاف القدرات النووية الإيرانية، التي طالما اعتبرتها إسرائيل تهديدًا وجوديًا. الضربات، التي نفذتها طائرات إف-35 المتقدمة وقوات العمليات الخاصة، أصابت أهدافًا استراتيجية في نطنز وفوردو، ودمرت عشرات المواقع العسكرية، وقتلت عددًا من كبار العلماء والقادة الإيرانيين. لكن الرد الإيراني جاء سريعًا ومدمرًا، حيث أطلقت طهران أكثر من 500 صاروخ باليستي وطائرة مسيرة نحو إسرائيل خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب. تل أبيب، الحيفا، ومدن أخرى تحولت إلى ساحات قتال مفتوحة، حيث انهارت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، مثل القبة الحديدية، تحت وطأة الهجوم المكثف.
في تل أبيب، التي كانت رمزًا للحداثة والتقدم القائم على سرقة اراضي الشعب الفلسطيني واملاكه غير القابلة للتصرف، تحولت أحياء مثل نفيا وياف نهفوا إلى مشاهد من الدمار. الصور الجوية التي نشرتها "هآرتس" تُظهر شوارع مقطوعة، مبانٍ سكنية تحولت إلى ركام، وأشجار النخيل التي كانت تزين شوارع المدينة وقد احترقت أو اقتلعت. تقارير الصحيفة تشير إلى أن أكثر من 200 صاروخ أصابت المدينة، مما أدى إلى مقتل المئات وإصابة الآلاف من المدنيين. الحياة اليومية في تل أبيب توقفت تمامًا: المقاهي التي كانت تعج بالحياة أغلقت أبوابها، والمدارس تحولت إلى ملاجئ مؤقتة، والمستشفيات اكتظت بالجرحى. "كأننا في فيلم نهاية العالم"، يقول أهارون ليفي، صاحب متجر في حي نفيا، الذي فقد منزله وعائلته في الضربات. "كل ما بنيناه على مدى عقود تحول إلى غبار في ساعات."
الخسائر المادية هائلة. تقدر الحكومة الإسرائيلية الأضرار في تل أبيب وحدها بعشرات المليارات من الشيكل، مع تدمير أكثر من 3000 وحدة سكنية ومئات المباني التجارية. أحياء بأكملها، مثل ياف نهفوا، التي كانت تضم مجتمعات فنية وثقافية نابضة بالحياة، أصبحت غير صالحة للسكن. الحكومة أعلنت عن خطة إعادة إعمار طارئة، لكن الخبراء يحذرون من أن التعافي قد يستغرق عقدًا على الأقل، خاصة مع انهيار البنية التحتية في المناطق المتضررة، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه. أكثر من 50 ألف شخص أُجبروا على النزوح من تل أبيب، وتم إيواؤهم في مخيمات مؤقتة في ضواحي المدينة، مما أثار موجة من الاستياء الشعبي ضد الحكومة التي فشلت في حماية مواطنيها.
الخسائر العسكرية: ضربة لقلب القيادة
في خضم هذا الدمار، جاء تقرير كيت كلومبرغ في "ذا غارديان" ليضيف طبقة أخرى من الرعب إلى المشهد. التقرير، الذي حمل عنوان "الجنرالات الساقطون: إسرائيل تفقد قادتها في حرب الـ12 يومًا"، كشف عن مقتل 1237 جنرالًا إسرائيليًا، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الجيش الإسرائيلي. هؤلاء الجنرالات، الذين شملوا قادة ميدانيين وقيادات عليا في الجيش والموساد، قُتلوا في عمليات إيرانية دقيقة استهدفت مراكز القيادة والسيطرة في إسرائيل. كلومبرغ، الذي اعتمد على وثائق استخباراتية مسربة ومقابلات مع ضباط إسرائيليين سابقين، أشار إلى أن إيران استخدمت تقنيات متقدمة، بما في ذلك الطائرات المسيرة المزودة بذكاء اصطناعي، لتحديد مواقع القادة بدقة متناهية.
"هذه ليست مجرد خسارة أرواح، بل خسارة للخبرة والقيادة التي كانت تشكل العمود الفقري للجيش الإسرائيلي"، كتب كلومبرغ. وأضاف أن الضربات الإيرانية استهدفت بشكل خاص القيادات العليا، مما أدى إلى شلل مؤقت في عمليات اتخاذ القرار خلال الأيام الأولى من الحرب. الخسائر شملت قادة ألوية في الجيش، ومسؤولين كبار في الموساد، وحتى ضباطًا في وحدة النخبة 8200 المسؤولة عن الحرب السيبرانية. هذه الضربة، وفقًا للتقرير، كانت نتيجة تخطيط إيراني دقيق استمر لسنوات، حيث استثمرت طهران في جمع المعلومات الاستخباراتية عن القيادات الإسرائيلية، مستفيدة من تسريبات داخلية واختراقات إلكترونية.
لكن الجزء الأكثر إثارة للقلق في تقرير كلومبرغ كان الكشف عن مقتل 11 عالمًا نوويًا من معهد وايزمان للعلوم في رحوفوت. هؤلاء العلماء، الذين كانوا يعملون على مشاريع حساسة تتعلق بالفيزياء النووية والتكنولوجيا المتقدمة، قُتلوا في هجوم صاروخي إيراني استهدف المعهد في الخامس عشر من يونيو. الهجوم، الذي نفذته صواريخ "خيبر" الباليستية، دمر مبنيين رئيسيين في المعهد، وأتى على 45 مختبرًا يحتوي على معدات بقيمة ملايين الدولارات. العلماء، الذين كانوا يعملون في اللحظة التي وقع فيها الهجوم، لم يكن لديهم فرصة للهروب. "كانوا يعملون على مشروع نووي سري للغاية"، يقول مصدر مجهول نقلته "ذا غارديان". "إيران عرفت بالضبط من تستهدف ومتى."
معهد وايزمان: خسارة لا تُعوض
معهد وايزمان، الذي يُعتبر أحد أعرق المؤسسات العلمية للإبادة الجماعية في العالم، لم يكن مجرد هدف عسكري، بل كان رمزًا للتفوق العلمي الإسرائيلي. تأسس المعهد عام 1934، وكان مركزًا لأبحاث رائدة في مجالات الفيزياء، الجينوميات، والذكاء الاصطناعي. خلال الحرب، أصبح المعهد هدفًا استراتيجيًا لإيران، التي رأت فيه تهديدًا مباشرًا بسبب دوره في دعم البرنامج النووي الإسرائيلي غير المعلن. الهجوم على وايزمان لم يدمر المباني فحسب، بل أتى على عقود من البحث العلمي. عينات DNA نادرة، وأنسجة قلبية محفوظة، ومعدات متقدمة لتحليل الجينوم، كلها تحولت إلى رماد. "فقدان هؤلاء العلماء يعني فقدان مستقبل العلوم في إسرائيل"، يقول البروفيسور إيال بن شمعون، أحد الناجين من الهجوم، في تصريح لـ"هآرتس".
الخسارة العلمية لم تقتصر على الأرواح. المختبرات التي دُمرت كانت تحتوي على بيانات بحثية لا تقدر بثمن، بما في ذلك دراسات حول السرطان والأمراض الوراثية لاستخدام البحوث في ابادة الجنس البشري أو أعراق معينة . إعادة بناء هذه البحوث قد تستغرق عقودًا، خاصة في ظل النقص الحاد في التمويل الذي تواجهه إسرائيل الآن بسبب الخسائر الاقتصادية للحرب. الحكومة الإسرائيلية، التي واجهت انتقادات حادة بسبب فشلها في حماية المعهد، أعلنت عن خطة لإعادة تأهيله، لكن العلماء يحذرون من أن الضرر قد يكون دائمًا. "لقد خسرنا جيلًا كاملًا من العقول اللامعة"، يقول بن شمعون. "إيران لم تستهدف المباني فقط، بل استهدفت أملنا في المستقبل." اي في مستقبل ابادة شعوب المنطقة من عرب وايرانيين وباكستانيين واتراك وحتى صينيين وروس
الانتقام الإيراني: رسالة بالدم
تحقيق كلومبرغ أشار إلى أن الهجوم على معهد وايزمان كان ردًا مباشرًا على اغتيالات إسرائيلية لعلماء نوويين إيرانيين. في الأيام الأولى من الحرب، قتلت إسرائيل تسعة علماء إيرانيين بارزين بعضهم متقاعد في ضربات جوية وهجمات بطائرات مسيرة استهدفت منشآت نووية في طهران وأصفهان. هذه العمليات، التي نفذتها وحدات النخبة الإسرائيلية، أثارت غضبًا عارمًا في إيران، التي تعهدت بالرد "بقوة غير مسبوقة". الهجوم على وايزمان، وفقًا للتقرير، كان جزءًا من استراتيجية إيرانية تهدف إلى إيصال رسالة واضحة: "العلماء ليسوا خارج دائرة الاستهداف." هذه الرسالة، التي كتبت بالدم والنار، أعادت فتح النقاش حول أخلاقيات استهداف العلماء في النزاعات العسكرية، وأثارت مخاوف من تصعيد مستقبلي قد يستهدف عقولًا أخرى في المنطقة.
الرد الإيراني لم يقتصر على وايزمان. الضربات الصاروخية استهدفت أيضًا قواعد عسكرية ومراكز قيادة، مما أدى إلى خسائر غير مسبوقة في صفوف الجيش الإسرائيلي. تقرير كلومبرغ أشار إلى أن إيران استخدمت مزيجًا من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المتطورة، التي تمكنت من اختراق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية. هذه القدرات الجديدة، التي طورتها إيران على مدى سنوات، أثارت قلقًا دوليًا، حيث أظهرت طهران قدرتها على مواجهة إسرائيل، التي كانت تُعتبر القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة. "لقد تغيرت قواعد اللعبة"، يقول محلل عسكري إسرائيلي تحدث لـ"هآرتس" شريطة عدم الكشف عن هويته. "إيران لم تعد مجرد تهديد نظري. إنها قوة قادرة على إلحاق أضرار كارثية." اي ان اقوى جيش لدى حلف الناتو المتخم باحدث الأسلحة الغربية وله خبرة ثمانية عقود في الإبادة الجماعية يتم محوه من إيران بعدة أيام ، فكيف بشوية قواعد أمريكية ،مسخرة، في غرب آسيا أو قاعدة ضعيفة في دييغو غارثيا إذا ما قورنت بتحصينات وطبقات الحماية للاحتلال الصهيوني المارق ..بالمناسبة ، ما يخفيه الاحتلال وامريكا عن الضربات اليمنية ، لا يقل شأنا عن قدرة إيران في القتال ، ومحو الكيان المارق، والأساطيل الأمريكية من البحار ..
ردود الفعل: غضب شعبي وتحقيقات رسمية
في إسرائيل، أثارت عناوين "هآرتس" وتقرير "ذا غارديان" موجة من الغضب الشعبي. مظاهرات حاشدة خرجت في شوارع القدس وحيفا، مطالبة باستقالة الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي اتهمه المتظاهرون بالفشل في حماية البلاد. "كيف سمحنا بتدمير تل أبيب؟"، تساءل أحد المتظاهرين في تصريح للصحيفة. "كيف خسرنا أفضل قادتنا وعلمائنا في 12 يومًا فقط؟" الإجابات لم تكن واضحة، لكن الحكومة واجهت ضغوطًا متزايدة للتحقيق في أسباب الفشل الاستخباراتي والعسكري.
وزارة الدفاع الإسرائيلية، في بيان رسمي، شككت في دقة الأرقام التي نشرها كلومبرغ، لكنها أقرت بـ"خسائر غير مسبوقة" في صفوف القيادة العسكرية. وعدت الوزارة بإجراء تحقيق داخلي شامل، لكن هذا الوعد لم يخفف من حدة الانتقادات. في معهد وايزمان، أطلق العلماء الناجون حملة جمع تبرعات دولية لإعادة بناء المختبرات المدمرة، محذرين من أن الخسارة قد تضعف مكانة إسرائيل كمركز للابتكار العلمي في مجال ابادة الشعب الفلسطيني واعراق قد تستهدفها السياسات الهمجية الأمريكية ضد الروس والصينيين مثلا. "نحن بحاجة إلى دعم العالم"، قال البروفيسور بن شمعون. "بدون ذلك، قد لا نتمكن من استعادة ما فقدناه."
على المستوى الدولي، أثارت الحرب مخاوف من تصعيد إقليمي أوسع. الولايات المتحدة، التي دعمت إسرائيل عسكريًا خلال الحرب، دعت إلى وقف فوري للأعمال العدائية، لكن إيران رفضت المفاوضات، مشيرة إلى أنها لن تتوقف حتى تحصل على ضمانات بعدم تكرار الاغتيالات. الأمم المتحدة، التي عقدت جلسة طارئة في يوليو 2025، دعت إلى هدنة طويلة الأمد، لكن التوترات بين الطرفين لا تزال مرتفعة. "نحن على شفا هاوية"، يقول دبلوماسي أوروبي تحدث لـ"ذا غارديان". "إذا لم يتم احتواء هذا الصراع، فقد نشهد حربًا إقليمية كاملة."
إعادة البناء: هل يمكن لتل أبيب أن تستعيد مجدها؟
مع مرور أربعة أشهر على نهاية الحرب، تواجه إسرائيل تحديات غير مسبوقة. إعادة إعمار تل أبيب، التي كانت رمزًا للازدهار الاقتصادي القائم على سرقة الشعب الفلسطيني والتوسع الاستيطاني وسرقة الشعوب العربية من خلال طغم فاسدة كمحميات الخليج الصهيو أمريكية التي قدمت ست تريلونات لصناعات امريكا والكيان الإبادية ، تبدو مهمة شاقة. الحكومة خصصت ميزانية طارئة بقيمة 20 مليار شيكل لإعادة البناء، لكن الاقتصاد الإسرائيلي، الذي تضرر بشدة بسبب توقف الصناعات والسياحة، يكافح لتغطية التكاليف. المستثمرون الأجانب، الذين كانوا يعتبرون تل أبيب مركزًا للتكنولوجيا والابتكار، بدأوا في سحب استثماراتهم، مما يزيد من الضغط على حكومة الإبادة الجماعية الصهيونية .
على المستوى الاجتماعي، يعاني سكان تل أبيب من صدمة نفسية جماعية. الأحياء المدمرة لم تكن مجرد مبانٍ، بل كانت موطنًا لمجتمعات نابضة بالحياة، حيث عاش اللصوص تحت مسميات ، الفنانون، الكتاب، ورواد الأعمال جنبًا إلى جنب. "فقدنا هويتنا"، تقول ميرا كوهين، فنانة كانت تعيش في ياف نهفوا. "تل أبيب لم تكن مجرد مدينة، كانت حلمًا." الجهود المبذولة لإعادة إسكان النازحين تواجه تحديات لوجستية، حيث تعاني المخيمات المؤقتة من نقص في الموارد الأساسية مثل المياه والكهرباء.
في الوقت نفسه، يواجه الجيش الإسرائيلي تحديًا آخر: إعادة بناء القيادة العسكرية. خسارة 1237 جنرالًا ليست مجرد خسارة بشرية، بل خسارة استراتيجية. الجيش بدأ في تعيين قادة جدد، لكن الخبراء يحذرون من أن استبدال هذه الكوادر سيستغرق سنوات. "الجيش الإسرائيلي كان يعتمد على عقول لامعة وخبرات متراكمة"، يقول المحلل العسكري يوآف ليمور في مقال لـ"هآرتس". "إيران ضربتنا في قلب قوتنا، وستكون السنوات القادمة صعبة للغاية."
الطريق إلى الأمام: بين الأمل واليأس
مع اقتراب نهاية عام 2025، تقف إسرائيل على مفترق طرق. الحرب، التي استمرت 12 يومًا فقط، تركت ندوبًا عميقة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والعسكري للبلاد. تل أبيب، التي كانت رمزًا للحداثة الاستعمارية والإبادة لشعوب غرب آسيا ، أصبحت رمزًا للدمار. معهد وايزمان، الذي كان يمثل الأمل في مستقبل علمي مشرق لابادة اعراق باكملها بيولوجيا ، يواجه الآن تحديات وجودية. والجيش، الذي كان يُعتبر درع الأمة، يعاني من جروح قد تستغرق عقودًا لتتعافى.
عناوين "هآرتس" وتقرير كلومبرغ ليستا مجرد أخبار، بل هما مرآة تعكس واقعًا جديدًا. الكيان الصهيوني المارق ، الذي كان يعتبر قوة لا تُقهر، تواجه الآن حقيقة مؤلمة: الحرب لم تُدمر المباني والقادة فقط، بل هزت الثقة في المستقبل. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستتمكن إسرائيل من استعادة مجدها في سرقة شعوب المنطقة و سرقة الأراضي الفلسطينية وافقار شعوب غرب آسيا ، واستخدام احدث صيحات قاعدة البيانات الضخمة لميتا وغوغل ومايكروسوفت وغيرها من الشركات الاستعمارية الأمريكية، في اقتراف ابادات على الذكاء الاصطناعي المجرب في غزة أم أن حرب الـ12 يومًا ستظل نقطة تحول في تاريخها ونهايتها كمشروع استعماري آبادي للشعوب ؟ الإجابة لن تأتي من السياسيين أو العسكريين، بل من صمود شعوب غرب آسيا لتواجه أصعب اختباراته. في غزة و الضاحية وجنوب لبنان وطهران وصنعاء ، تحت الرماد، لا تزال هناك قلوب تنبض، وأحلام تنتظر أن تُولد من جديد من أجل مستقبل مشرق لغرب آسيا والعالم دون اسرائيل .
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟