أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - أردوغان وترامب: مسرحية الصداقة التجارية بطعم الإبادة















المزيد.....

أردوغان وترامب: مسرحية الصداقة التجارية بطعم الإبادة


احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)


الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 20:39
المحور: الادب والفن
    


في مسرح العرائس الأمريكي و صنائعه من أدوات بلاستيكية رخيصة ، حيث تُباع الضمائر بأوراق خضراء مطبوعة في قبو بنك الاحتياطي الفيدرالي، يقف رجب طيب أردوغان كبطل خارق للتناقضات العالمية. بيدٍ يلوّح بشعارات الدفاع عن فلسطين، وكأنه الفارس المغوار الذي سيحرر القدس بميكروفون وخطابات نارية، وبيدٍ أخرى يوقّع صفقات تجارية بـ100 مليار دولار مع "صديقه العزيز" دونالد ترامب، الرجل الذي يرى في الإبادة الجماعية مجرد صفقة عقارية تحتاج إلى بعض الديكور وبضع قنابل إضافية. نعم، أيها السادة، هذه ليست نكتة، بل هي الحقيقة المرّة التي تفوح منها رائحة النفاق الممزوج بأريج النفط، الغاز، والدولار المطبوع بدون رصيد. إذا كنت تبحث عن مسرحية هزلية تتفوق على أفلام الكوميديا السوداء، فمرحبًا بكم في عرض "أردوغان وترامب: الصداقة التي تغني عن التضامن".

تخيلوا المشهد: أردوغان يقف في "البيت التركي" بنيويورك، وهو اسم يبدو أنيقًا لدرجة تجعلك تظن أنه مطعم فاخر يقدم الكباب مع إطلالة على تمثال الحرية. لكنه في الحقيقة مجرد مكتب لتوقيع الصفقات التي تجعل الشعوب تتساءل: "هل هذا الرجل يدافع عن فلسطين أم عن محفظته؟". يتحدث أردوغان بحماسة عن هدف الـ100 مليار دولار في التجارة مع الولايات المتحدة، وهو يبتسم ابتسامة عريضة كأنه يعلن عن إطلاق مشروع لإنقاذ القطط الضالة. في الخلفية، يمكنكم سماع صوت طائرات إف-16 الأمريكية وهي تحلق فوق غزة، تقصف البيوت والمستشفيات، بينما الدولارات التي يحلم بها أردوغان تُستخدم لتمويل هذه القنابل. يا لها من صداقة! إنها مثل صداقة الذئب مع الخروف: الذئب يعانق الخروف بحرارة، ثم يدعوه لتناول العشاء... كطبق رئيسي.

لنكن صريحين، عندما يقول أردوغان إن ترامب "صديقه العزيز"، فهو لا يتحدث عن شريكه في لعب الجولف أو جلسات الشاي على شاطئ البوسفور. إنه يتحدث عن الرجل الذي يرى في نتنياهو بطلًا قوميًا، والذي يعتبر الإبادة الجماعية في غزة مجرد "عملية تنظيف" تحتاج إلى بعض الدعم اللوجستي. أردوغان، بكل براعته السياسية، يرفع شعار "فلسطين في القلب" بينما يمد يده لمصافحة الدولة التي تمول المستوطنات وتزود إسرائيل بالسلاح. إنه مثل أن تدّعي أنك تدافع عن جارك المظلوم، ثم تذهب لتناول القهوة مع الشخص الذي يضربه كل يوم. التضامن مع فلسطين، في قاموس أردوغان، يعني إرسال تغريدة غاضبة على إكس، ثم التوجه إلى نيويورك لتوقيع صفقة تجارية مع الدولة التي تصنع القنابل التي تقتل الفلسطينيين. عبقرية سياسية أم نفاق بدرجة امتياز؟ أنتم من يقررون.

لكن دعونا لا ننسى أن أردوغان ليس وحيدًا في هذه المسرحية. هناك شخصيات أخرى تلعب أدوارًا لا تقل إثارة للضحك... أو البكاء. أولها أبو محمد الجولاني، قاطع الرؤوس المفضل لدى أنقرة، الذي يبدو كأنه خرج من فيلم رعب من إنتاج هوليوود، لكنه الآن "رئيس شكلي" لجنوب سوريا. كيف وصل إلى هنا؟ بفضل دعم تركي سخي، وتمويل قطري بتريليوني دولار (نعم، تريليوني، لأن قطر لا تعرف كيف تنفق أموالها إلا في مشاريع تدمير الدول)، وإدارة بريطانية من المخابرات الخارجية. إنه مثل وصفة لكعكة فاشلة: خذ حفنة من الدواعش، أضف رشة من الدولارات القطرية، وقلّبها بمخابرات بريطانية. النتيجة؟ كعكة تسمى "سوريا المحتلة"، تقدم مع صوص من الفوضى وطبق جانبي من الخيانة.

ثم لدينا محمود عباس، الرجل الذي باع الضفة الغربية مقابل حفنة من الدولارات المطبوعة بدون رصيد ذهبي أو إنتاجي. أراضي الضفة، التي كانت تُعرف يومًا بـ"أ" و"ب" و"ج"، أصبحت الآن "يهودا والسامرة"، وفقًا للمصطلحات الأمريكية الجديدة التي تبدو كأنها مستوحاة من فيلم وثائقي عن التوراة. أربعمئة ألف مستوطن مسلح يتجولون في الضفة، يقتلون، يهدمون، ويستولون على الأراضي، بينما عباس يجلس في مكتبه، يقبض راتبه الشهري كـ"رئيس شكلي" لسلطة لم يعد لها وجود فعلي. إنه مثل بيع قصر مقابل علبة مشروب غازي، ثم اكتشاف أن العلبة فارغة. الضفة بيعت بلا مقابل، وغزة، التي تقاوم ببسالة منذ عامين، تُترك وحيدة تواجه آلة الإبادة الأمريكية-الإسرائيلية بينما يتبادل أردوغان وترامب النكات حول "الصداقة التجارية".

ولا يمكننا أن ننسى قطر، تلك الدولة الصغيرة التي أنفقت تريليوني دولار لتدمير سوريا، ظنًا منها أنها تشتري نفوذًا في المنطقة. لكن، كما هو متوقع، واشنطن وتل أبيب قررتا مكافأتها بطريقتهما الخاصة: قصف محتمل أو خيانة سياسية. إنه مثل دفع ثمن تذكرة لحفلة موسيقية، ثم اكتشاف أن الحفلة عبارة عن مباراة مصارعة حرة وأنت المصارع الذي سيُضرب. قطر، التي ظنت أنها تلعب في دوري الكبار، اكتشفت أنها مجرد ممول لمخططات أكبر منها، وأن أموالها ذهبت لدعم مشاريع لا تخدم سوى مصالح واشنطن وتل أبيب.

لكن دعونا نعود إلى أردوغان، بطل قصتنا. هذا الرجل، الذي يتقن فن الخطابات النارية، يبدو كأنه يعيش في عالمين متوازيين. في عالمٍ يخاطب فيه الشعب العربي والإسلامي، يتحدث عن فلسطين كأنها قضية حياته، ويرفع صور الأطفال الشهداء في غزة كدليل على "تضامنه". وفي عالمٍ آخر، يجلس في نيويورك، يوقّع صفقات مع الولايات المتحدة، ويصف ترامب بـ"الصديق العزيز"، وكأن الإبادة الجماعية في غزة مجرد سوء تفاهم بسيط يمكن حله بكأس من الشاي التركي. إنه مثل ممثل هاوٍ يحاول لعب دورين في مسرحية واحدة، لكنه ينسى كلماته في منتصف العرض.

وإذا كنت تظن أن هذه الصفقات التجارية بقيمة 100 مليار دولار ستفيد الشعب الفلسطيني، فدعني أخبرك بشيء: هذه الصفقات ليست عن تصدير البقلاوة أو السجاد التركي. إنها عن صفقات أسلحة، ونفط، وغاز، وشراكات استراتيجية تمتد من أنقرة إلى البحر الأسود، مرورًا بمصالح إسرائيل في المنطقة. نعم، إسرائيل، تلك الدولة التي يدينها أردوغان في خطاباته، لكنه لا يمانع في التعاون مع داعميها الرئيسيين. إنه مثل أن تشتكي من جارك المزعج، ثم تدعو أصدقاءه لتناول العشاء في منزلك.

في هذه المسرحية، الشعب الفلسطيني في غزة هو الوحيد الذي يلعب دوره بصدق. بلا دولارات، بلا صفقات، بلا شعارات. فقط إرادة حديدية ومقاومة باسلة. بينما يتبادل الزعماء المصافحات والضحكات في نيويورك، غزة تقاوم، والضفة تُباع، وسوريا تُقسم، والعالم العربي يشاهد العرض ويصفق بحماس، ظنًا منه أن التصفيق سيغير النهاية. لكن النهاية، يا سادة، مكتوبة مسبقًا في مكاتب واشنطن وتل أبيب.

وماذا عن المكافأة التي ينتظرها أردوغان من صديقه ترامب؟ التوقعات تقول إنها قد تأتي على شكل قصف صهيوني لأنقرة. لأن في عالم السياسة، الصداقة ليست سوى عقد مؤقت ينتهي عندما يجد الطرف الأقوى بديلاً أرخص. أردوغان، الذي يحلم بـ100 مليار دولار، قد يستيقظ على صوت صواريخ إسرائيلية تهزّ العاصمة التركية، تمامًا كما استيقظت قطر على خيبة أمل تريليوناتها.

في النهاية، السياسة لعبة قذرة، والشعوب هي الخاسر الأكبر. فهل من متعظ؟ أم سنظل نصفق للمسرحية حتى تسقط الستارة؟ أردوغان يواصل رقصته بين الشعارات والصفقات، وترامب يضحك في الخلفية، ونتنياهو يشرف على العرض من وراء الكواليس. والجمهور؟ الجمهور يدفع ثمن التذكرة دمًا وأرضًا وكرامة.



#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)       Ahmad_Saloum#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك الإنسان في الأدب: قراءة في -سلاسل العقل، أغلال القلب-
- بولندا ترقص على حبل المصالح: من بروكسل إلى بكين
- وعد بلفور يعود بموسيقى تصويرية جديدة..
- مسرحية -عاصفة الاستقلال-
- مسرحية - في معابد الإله الاعظم دولار-
- مسرحية: -عباءة الطابور الخامس-..كوميديا
- مسرحية: الحقيقة تتألق بين الانقاض..-Veritas in Ruinas-
- مسرحية -إمبراطورية التكفير-
- مسرحية -جعجعة كابريه-
- خيبة التريليونات: من خردة الغرب إلى دروع الشرق
- الضربة الصهيونية لمحمية قطر وسياقات الصراع الإقليمي
- مقدمة لمسرحية : شايلوك يحلم بريفييرا غزة : وحشية الطمع الاست ...
- مسرحية: شايلوك يحلم بريفييرا غزة
- رواية : شجرة الكرز الحزين
- رواية : امواج الحقيقة الهادرة
- رواية : لمن ترفع اليافطة !
- رواية : نبوءة الرياح في شوارع شيكاغو
- تحالف الإرهاب والمال والنفوذ الصهيوني في قلب فرنسا
- نهاية عصر لوبيات الصهاينة
- رواية : كوميديا الفردوس السومري..رواية تاريخية


المزيد.....




- -عزنا بطبعنا-.. أغانٍ جديدة وحفلات بمناسبة اليوم الوطني السع ...
- قاموس للصم.. مبادرة قطرية لشرح العبادات والمعاملات بلغة الإش ...
- من ساند كريك إلى غزة.. أميركا وثقافة الإبادة الجماعية
- برنامج الكوميدي جيمي كيميل يعود للبث من جديد بعد أيام من الإ ...
- هل تكون -الثامنة ثابتة-؟ فيلم -معركة تلو الأخرى- أحدث رهانات ...
- موسكو تحتفي بالملابس المحتشمة القادمة من الشرق الأوسط
- صدور المجموعة الشعرية الجديدة -ساعي بريد اللهفة- للشاعر نمر ...
- الإيفوارية تانيلا بوني تفوز بجائزة -تشيكايا أوتامسي- للشعر ا ...
- مجلس الوزراء يدعو لترجمة المواقف الدولية إلى خطوات عملية لو ...
- الكتاب وطن متنقل يمد يده للقارئ في الغربة والوحدة


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - أردوغان وترامب: مسرحية الصداقة التجارية بطعم الإبادة