أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - احمد صالح سلوم - من إيقاعات النيل إلى أسواق إدلب : رقصة الشرق ضد الإسلام الصهيوني















المزيد.....



من إيقاعات النيل إلى أسواق إدلب : رقصة الشرق ضد الإسلام الصهيوني


احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)


الحوار المتمدن-العدد: 8480 - 2025 / 9 / 29 - 12:40
المحور: كتابات ساخرة
    


المقدمة: رقصة الشرق في مواجهة أوهام البريجينسكية

في زمنٍ كانت فيه الأرض لا تزال تدور حول الشمس، قبل أن يقرر نفر من العباقرة أنها قرص مسطح يحمله تنين أسطوري أو سلحفاة عملاقة تسبح في بحر من الفتاوى، كانت بلاد الشرق موطناً للحضارات التي علّمت العالم كيف يرقص، كيف يغني، وكيف يفكر دون أن يخاف من ظله في المرآة. من إيقاعات الدف في شوارع بغداد إلى أنغام الناي الحزينة في حلب، ومن قصائد المعري التي كانت تتحدى السماء إلى رقصات الجواري في قصور الأندلس التي كانت تجمع بين الأناقة والروح، كان الشرق ينبض بالحياة، يتنفس الفن، ويحتفي بالجسد كلوحة فنية تروي قصة شعوبها. لكن، ويا للأسف، جاءت عصابة تحمل اسمًا أطول من قافلة جمال في صحراء الربع الخالي: "أتباع الإسلام الصهيوني البريجينسكي التكفيري". هذا الاسم، الذي يبدو كأنه عنوان أطروحة دكتوراه فاشلة كتبها طالب كسول في ليلة ممطرة، ليس مجرد لقب، بل هو قنبلة حروفية مصممة لتفجير كل ما هو جميل في تراثنا، من الرقص الشرقي إلى الموسيقى، ومن الفن إلى الكرامة الإنسانية ذاتها، ليحل محلها سوق إلكتروني لبيع البشر في إمارة إدلب، حيث النساء سلعة والفتاوى عملة صعبة.

هؤلاء "البريجينسكيون"، إن جازت التسمية، قرروا أن كل ما يجعل الحياة تستحق العيش حرام. الرقص؟ حرام، لأنه يحرك الجسد بطريقة تجعل الملائكة تشعر بالغيرة، على ما يبدو. الموسيقى؟ حرام، لأن صوت الناي قد يوقظ ضميراً نائماً. الفن؟ حرام، لأن رسم لوحة أو نحت تمثال قد يُلهي عن تلاوة فتاوى عمرها سبعة قرون. وحتى الابتسامة أمام المرآة قد تُعتبر حراماً إذا أطلت النظر، لأن من يدري، ربما تكون صورتك في المرآة كافرة بنفسها! لكنهم، في تناقض يستحق أن يُدرّس في كليات الفلسفة تحت عنوان "فن النفاق البشري"، أباحوا لأنفسهم كل شيء تحت مسميات براقة مستعارة من قاموس القرون الوسطى. "السبي"؟ حلال، لأنه يحمل اسمًا دينياً، وإن كان في الواقع تجارة بشرية تُدار على تطبيقات الإنترنت. "زواج المسيار"؟ حلال، لأنه زواج، لكنه يشبه إيجار سيارة ليوم واحد. "ما ملكت أيمانكم"؟ حلال، لأنه يبدو كمصطلح قانوني، لكنه في الحقيقة ستار لاستغلال النساء باسم الدين. تخيلوا المشهد في إمارة إدلب، التي تحوّلت إلى بازار إلكتروني يُشبه موقع أوليكس في نسخته القرون الوسطى: رجل بلحية طويلة ونظارة شمسية مزيفة يكتب على هاتفه الذكي إعلاناً: "للبيع: مواطنة سورية، العمر غير مهم، الدفع بالدولار أو بالبيتكوين إذا كنت من الثوار العصريين. فتوى مجانية مع كل عملية شراء!" وفي الخلفية، يُحرم هذا العبقري الرقص الشرقي، ذلك الفن الذي يحتفي بالجسد كتعبير عن الروح، ويعتبره عاراً، بينما يرى في بيع إنسانة على الإنترنت نوعاً من "الجهاد" المعاصر. يا لها من معادلة رياضية عجيبة: الرقص = حرام، بيع البشر = حلال. ربما يحتاج هؤلاء إلى مراجعة كتب الرياضيات قبل كتب الفقه، لأن المنطق لديهم يبدو كأنه خرج من آلة حاسبة معطلة.

في هذه الأثناء، على الجانب الآخر من الكوكب، في بلجيكا، بلد الشوكولاتة الشهية والبطاطس المقلية التي تُغري حتى أكثر الزهاد تقشفاً، يُحتفى بالرقص الشرقي كإرث حضاري يستحق الاحترام. في مدن مثل بروكسل ولييج، تنتشر مدارس تعليم هذا الفن كما تنتشر مقاهي الإسبريسو في إيطاليا. في جامعة لييج، التي يُفترض أنها مكان للمعادلات الرياضية والمحاضرات التي تُسبب النعاس، يتحول الرقص الشرقي إلى مسرحيات تجمع بين إيقاعات الشرق وروح الفراعنة، أو تتألق في عروض صوفية تأخذك إلى عالم جلال الدين الرومي، حيث الروح ترقص مع الكون، لا عالم ابن تيمية حيث الكون نفسه متهم بالزندقة. تخيلوا المفارقة: بينما يرقص الأوروبيون على أنغام الدف والطبلة في مهرجانات سنوية تجمع عشاق الرقص الشرقي من كل أنحاء القارة، يأتي "البريجينسكيون" في بلادنا، بتمويل من جيوب خليجية تتدفق بالنفط والأجندات الصهيو-أمريكية، ليحولوا هذا الفن إلى تهمة تستحق العقاب. في بلجيكا، يُعتبر الرقص الشرقي جزءاً من التراث الإنساني، يُدرّس في قاعات فسيحة مزينة بالزهور، بينما في إدلب، يُعتبر الرقص عاراً، لكن بيع امرأة على الإنترنت؟ هذا، يا سادة، هو "التقدم" بعينه، بل هو "الجهاد الأكبر" في قاموس البريجينسكية. ربما لو أرسلنا راقصة شرقية من لييج إلى إدلب، لتمكنت من إقناعهم بأن الرقص أقل ضرراً من فتاواهم، لكن من يدري، ربما يصدرون فتوى تحرم حركة الوركين بحجة أنها "تهدد الأمن القومي".

هكذا، بينما يرقص الشرق في قاعات أوروبا، يُسجن في بلادنا تحت وطأة أوهام "الإسلام الصهيوني البريجينسكي"، الذي يبدو كأنه اختراع مختبري لتدمير كل ما هو جميل. لكن السؤال يبقى: هل سنظل نرقص في الظل، أم سنستعيد إيقاعاتنا ونحطم هذه الأوهام بحركة ورك واحدة؟

تاريخ الرقص الشرقي كإرث حضاري

في أيامٍ كانت فيها الحضارات الشرقية تضيء العالم بنور الفن والعلم، بينما كان الآخرون لا يزالون يتعلمون كيفية إشعال النار دون حرق أصابعهم، كان الرقص الشرقي يتربع على عرش التعبير الإنساني في بلاد النيل والرافدين. منذ أيام الفراعنة، حين كانت الراقصات في معابد آمون يتحركن بإيقاعات تُحاكي حركة النيل نفسه، إلى قصور الأندلس حيث كانت الجواري يرقصن تحت ضوء القمر في غرناطة، كان الرقص الشرقي أكثر من مجرد حركات للجسد. كان قصيدة مكتوبة بالوركين، سيمفونية مرسومة بالأيدي، وحكاية ترويها الأقدام عن شعوب أحبت الحياة ولم تخشَ من إظهار جمالها. في مصر القديمة، كانت الراقصات يؤدين طقوساً ترحيبية للآلهة، لكن لو رأى "البريجينسكيون" تلك الرقصات، لأصدروا فتوى تحرم الفراعنة جميعاً واتهموهم بالزندقة، ربما بحجة أن حركة الرقص تُغضب إله الشمس رع، أو لأن الطبلة التي رافقتهم كانت "مؤامرة صهيو-أمريكية" منذ 3000 سنة قبل الميلاد. تخيلوا لو كان لدى نفرتيتي حساب على منصة "إكس"، لكانت كتبت: "رقصتُ في معبد الكرنك اليوم، والآن يطالبني شيخ بريجينسكي بالتوبة. هل أطلب منه رقصة قبل الحكم؟"

في بلاد الرافدين، كانت الرقصات جزءاً من الاحتفالات بالحصاد والأعياد، حيث كانت النساء والرجال يجتمعون ليحتفلوا بالحياة تحت سماء بابل المرصعة بالنجوم. لم يكن الرقص مجرد هواية، بل كان لغة تواصل، طريقة لرواية قصص الأجداد، ووسيلة لتحدي الموت نفسه بالفرح. حتى في الأندلس، حين كان العرب والبربر واليهود يعيشون في وئام نسبي قبل أن تصل حوافر التعصب، كانت الرقصات الشرقية تملأ قصور قرطبة، مزيجاً من إيقاعات المغرب العربي ونكهات البحر الأبيض المتوسط. لكن جاء "البريجينسكيون" في عصرنا الحديث، أو بالأحرى نسختهم المعاصرة من أحفاد ابن تيمية، ليعلنوا الحرب على هذا الإرث. بالنسبة لهم، الرقص الشرقي ليس فناً، بل هو "فتنة"، وصوت الدف ليس موسيقى، بل هو "صوت الشيطان". لكنهم، في تناقض يجعلك تتساءل إن كانوا يمتلكون مرآة في بيوتهم، يرون أن بيع امرأة سورية على الإنترنت في إمارة إدلب هو عمل "شرعي"، بينما حركة ورك راقصة هي جريمة تستحق العقاب. يا للعجب، يبدو أن قاموسهم يحتاج إلى مراجعة، أو ربما إلى حرق كامل وإعادة كتابته بلغة العقل.

في العصور الوسطى، حين كان ابن سينا يؤلف كتبه في الطب والفلسفة، والفارابي يشرح كيف يمكن للموسيقى أن ترفع الروح إلى السماوات، كان الرقص الشرقي يتطور كجزء من ثقافة شعوب الشرق. في بلاط الخلفاء العباسيين، كانت الراقصات يؤدين عروضاً تُبهر الزوار من الصين إلى بيزنطة، ولم يكن أحد يجرؤ على اتهامهن بـ"الفسق". لكن لو ظهر "شيخ بريجينسكي" في تلك الحقبة، لكان قد كتب فتوى تحرم الرقص بحجة أن حركة الخصر تُسبب زلازل في الأرض، أو أن صوت الطبلة يُزعج الملائكة في السماء السابعة. ولعل الخليفة المهدي كان سيضحك حتى يسقط من عرشه، ثم يأمر بإرسال هذا الشيخ إلى السوق ليبيع البصل بدلاً من الفتاوى. لكن في عصرنا، للأسف، لم يعد هناك خلفاء يضحكون، بل عصابات تحمل أسماء مثل "الجولاني" و"داعش"، ترى في الرقص تهديداً وجودياً، بينما ترى في "السبي" وتجارة النساء على الإنترنت نوعاً من "الاقتصاد الإسلامي". تخيلوا إعلاناً على موقع إلكتروني في إدلب: "امرأة سورية للبيع، العمر 25، تأتي مع فتوى مجانية وخصم 10% إذا دفعت بالريال القطري!" بينما في الخلفية، يُصدر شيخهم فتوى تحرم الرقص الشرقي لأنه "يُلهي عن ذكر الله"، وكأن بيع إنسانة على الإنترنت هو صلاة الجمعة بعينها.

الرقص الشرقي، يا سادة، لم يكن يوماً مجرد تسلية. كان وسيلة للتعبير عن الهوية، عن الحياة، عن مقاومة القهر بالجمال. في إيران، كانت الرقصات التقليدية تحكي قصص الملوك والفرسان، وفي تركيا، كانت الراقصات في البلاط العثماني يؤدين عروضاً تجمع بين الأناقة والقوة. حتى في الهند، حيث تتشابك الرقصات مع الأساطير الهندوسية، كان الرقص لغة مقدسة، لا جريمة تستحق العقاب. لكن جاء "البريجينسكيون"، بتمويل من جيوب خليجية تتدفق بالنفط والأجندات الصهيو-أمريكية، ليعلنوا أن كل هذا الإرث حرام. لماذا؟ لأنهم، في عبقريتهم المزعومة، قرروا أن العودة إلى عصر المغول وابن تيمية هي الطريق إلى المستقبل. بينما كانت الحضارات الشرقية تبني المكتبات وتؤلف كتب الفلسفة، كان أسلافهم يناقشون ما إذا كان بإمكان الجمل أن يكون زوجاً شرعياً، أو إذا كان صوت الناي يُعتبر "موسيقى شيطانية". وها هم اليوم، في إمارة إدلب، يواصلون هذا الإرث العجيب، يحرمون الرقص ويبيعون النساء، وكأن الزمن توقف عند القرن الثالث عشر، وكأن ابن سينا والفارابي وابن رشد لم يكونوا سوى أحلام في ليلة صيفية.


بلجيكا والرقص الشرقي: مهرجانات الفرح

في بلجيكا، تلك البلاد الصغيرة التي تشتهر بالشوكولاتة التي تذوب في الفم والبطاطس المقلية التي تُغري حتى أكثر الزهاد تقشفاً، يحدث شيء عجيب يجعلك تتساءل إن كان العالم قد تبادل أدواره. بينما يتحول الشرق، مهد الحضارات، إلى سوق إلكتروني لبيع النساء تحت شعارات "السبي" و"ما ملكت أيمانكم" في إمارة إدلب، تحتفل بلجيكا بالرقص الشرقي كما لو كان تراثاً وُلد على ضفاف نهر الشيلدت بدلاً من النيل. في مدن مثل بروكسل ولييج، تنتشر مدارس تعليم الرقص الشرقي كما تنتشر مخابز الوافل في زوايا الشوارع، وتتحول قاعات الرقص إلى معابد حديثة تحتفي بالجسد كتعبير عن الروح، لا كشيء يجب إخفاؤه تحت طبقات من القماش خوفاً من فتوى "بريجينسكية" تحرم حركة الورك بحجة أنها تُسبب اضطرابات في المجرة. تخيلوا المشهد: في إحدى قاعات لييج، تقف راقصة بلجيكية شقراء، ربما تُدعى آنا، ترتدي زياً مستوحى من عصر كليوباترا، تتمايل على إيقاعات الطبلة بينما الجمهور يصفق بحرارة. في الخلفية، تعزف فرقة موسيقية مزيجاً من الأنغام المصرية والصوفية، وكأن جلال الدين الرومي نفسه يبارك هذا العرض من السماء. لكن لو ظهر شيخ "بريجينسكي" في هذه القاعة، لأمسك هاتفه الذكي وكتب فتوى فورية: "الرقص حرام، والطبلة حرام، والجمهور كفار جميعاً، والشوكولاتة البلجيكية مشبوهة لأنها لذيذة". ثم يعود إلى إدلب ليكمل إعلانه الإلكتروني: "للبيع: مواطنة سورية، السعر قابل للتفاوض، الدفع بالدولار أو بالريال القطري".

في جامعة لييج، حيث يُفترض أن تكون مكاناً للمعادلات الرياضية والمحاضرات التي تُسبب النعاس، يتحول الرقص الشرقي إلى فن مسرحي يحكي قصصاً من التاريخ. تخيلوا مسرحية مستوحاة من عصر الفراعنة، حيث تؤدي الراقصات عروضاً تجمع بين إيقاعات الشرق وحركات مستوحاة من لوحات معبد الكرنك. الجمهور، وهو خليط من البلجيكيين والمغتربين العرب والإيرانيين والأتراك، يصفق بحماس وكأنهم يحتفلون بعيد ميلاد الحضارة ذاتها. في هذه اللحظة، يبدو الرقص الشرقي وكأنه لغة عالمية، تجمع الناس من خلفيات مختلفة، بينما في بلادنا، يُعتبر هذا الفن تهديداً وجودياً من قبل "البريجينسكيين" الذين يفضلون أن يرقص الناس على إيقاعات الفتاوى بدلاً من الدف. في إحدى المرات، تخيلوا حواراً متخيلاً بين راقصة بلجيكية تُدعى آنا وسورية نجت من إدلب، تُدعى ليلى، تجلسان في مقهى في بروكسل بعد عرض راقص. تقول آنا: "لقد تعلمت الرقص الشرقي لأنه يحمل تاريخ شعوبكم، إنه مثل قصيدة تُروى بالجسد". ترد ليلى، وهي تبتسم بحزن: "في بلدي، كانوا يريدون مني أن أكون سلعة في سوق إدلب، لكن هنا، وجدت نفسي في الرقص. لكن احذري، لو رأوك في إدلب، لكتبوا فتوى تحرم لون زيك الوردي بحجة أنه يُثير الفتنة!" تضحك آنا وتقول: "حسناً، سأرسل لهم دعوة لمهرجان الرقص الشرقي في لييج، ربما يغيرون رأيهم عندما يرون كيف يمكن للرقص أن يجمع الناس بدلاً من تمزيقهم".

كل عام، تستضيف بلجيكا مهرجانات للرقص الشرقي تجمع عشاق هذا الفن من كل أنحاء أوروبا. في بروكسل، تتحول قاعات العرض إلى مسارح سحرية حيث تُقدم فرق من فرنسا وألمانيا وهولندا عروضاً تجمع بين الرقص الشرقي التقليدي ولمسات عصرية، مثل إسقاطات ضوئية تُحاكي قصص الليالي العربية أو أساطير الفرس. في لييج، يُنظم مهرجان سنوي يجذب مئات الراقصين والراقصات، بعضهم يرتدي أزياء مستوحاة من الأساطير الهندية، وآخرون يحيون تراث الأندلس. اللافت أن هذه المهرجانات لا تُقام فقط من أجل التسلية، بل للاحتفاء بتراث الشرق كجزء من الإرث الإنساني. بينما يصفق الجمهور في بلجيكا لعرض راقص يحكي قصة شهرزاد، يجلس "شيخ بريجينسكي" في إدلب يكتب فتوى جديدة تحرم الرقص بحجة أن حركة الكتف الأيمن تُشبه مؤامرة صهيونية، بينما يُشرف على سوق إلكتروني لبيع النساء تحت شعار "السبي الشرعي". يا للمفارقة، في بلجيكا، يُعتبر الرقص الشرقي فناً يُدرّس في المدارس ويُحتفى به في المسارح، بينما في بلادنا، يُعتبر جريمة تستحق العقاب، لكن بيع إنسانة على الإنترنت يُعتبر "إنجازاً حضارياً" في قاموس البريجينسكية. ربما لو أرسلنا دعوة إلى أحد هؤلاء "الثوار" لحضور مهرجان في لييج، لعاد إلى إدلب وكتب كتاباً بعنوان "كيف أصبحت راقصاً شرقياً وتركت الفتاوى"، لكن من يدري، ربما يفضلون الاستمرار في بيع الفتاوى على موقع إيباي بدلاً من تعلم حركة رقص واحدة.


إمارة إدلب: سوق البشر الإلكتروني

في زاوية مظلمة من العالم، حيث يختلط غبار الحرب برائحة النفط الخليجي والأجندات الصهيو-أمريكية، تقع إمارة إدلب، التي تحوّلت من مدينة سورية عريقة إلى ما يشبه موقع أوليكس في نسخته القرون الوسطى، حيث السلعة ليست هواتف مستعملة أو أثاثاً قديماً، بل نساء سوريات يُعرضن للبيع تحت شعار "السبي الشرعي". نعم، يا سادة، في عصر الإنترنت والهواتف الذكية، بينما يشتري الناس في العالم أحذية رياضية أو يحجزون تذاكر طيران عبر التطبيقات، يجلس "ثوار" إدلب، أو بالأحرى تجار البشر الذين يحملون أسماء مثل "الجولاني" وألقاباً رنانة كـ"أمراء الجهاد"، ليطلقوا إعلانات على الإنترنت تبدو كأنها مكتوبة في سوق النخاسة: "للبيع: مواطنة سورية، العمر غير مهم، الدفع بالدولار أو الريال القطري، خصم 10% إذا اشتريت اثنتين!" وفي الخلفية، يُصدر هؤلاء "البريجينسكيون"، أتباع ما يُسمى "الإسلام الصهيوني البريجينسكي التكفيري"، فتاوى تحرم الرقص الشرقي بحجة أن حركة الخصر تُثير الفتنة، بينما يرون في بيع إنسانة على تطبيق مشفر نوعاً من "الاقتصاد الإسلامي" المزدهر. يا لها من عبقرية تجارية تستحق أن تُدرّس في كليات إدارة الأعمال تحت عنوان: "كيف تحول مدينة إلى سوق للبشر وتظل تُطلق على نفسك لقب ثائر".

تخيلوا المشهد في إدلب: رجل بلحية طويلة، يرتدي سترة عسكرية اشتراها من سوق البالة، يجلس في غرفة مضاءة بمصباح كيروسين، يكتب على جهاز لاب توب قديم إعلاناً يقول: "امرأة سورية، حالتها جيدة، تأتي مع فتوى مجانية تثبت شرعية الصفقة". بجانبه، كوب من الشاي الرخيص وهاتف ذكي يتلقى إشعارات من "مشترين" في أماكن بعيدة، ربما من محميات خليجية تتدفق بالنفط والأجندات. هذا الرجل، الذي يُفترض أنه يقاتل من أجل "تحرير الأمة"، يقضي ليله ونهاره في إدارة سوق إلكتروني لبيع النساء، بينما يُحرم الموسيقى والرقص والفن بحجة أنها "مؤامرة صهيونية". في الوقت نفسه، لو أرسلتَ له مقطع فيديو لراقصة شرقية في مهرجان بلجيكي، لأصيب بنوبة قلبية، أو ربما كتب فتوى تحرم الفيديو بحجة أن صوت الطبلة يُشبه أصوات "الجن الأزرق"، بينما يرى في إعلانه الإلكتروني لبيع امرأة نوعاً من "العبادة". يا للمفارقة، بينما يرقص الأوروبيون في لييج على إيقاعات الشرق، يرقص هؤلاء "الثوار" على إيقاعات الأموال القطرية والسعودية، التي تتدفق كالنهر لتمويل أسواقهم الإلكترونية وفتاواهم البالية.

لنكن منصفين، هذا السوق الإلكتروني في إدلب ليس مجرد هواية لدى "البريجينسكيين"، بل هو مشروع اقتصادي متكامل، مدعوم بتمويل من جيوب خليجية تبدو كأنها لا تنضب. تخيلوا حواراً متخيلاً بين تاجر بشر في إدلب و"شيخ بريجينسكي" يحاول تبرير هذه التجارة: يقول التاجر: "يا شيخ، لقد بعت اليوم ثلاث نساء على الإنترنت، وحصلت على ألف دولار!" يرد الشيخ، وهو يحك لحيته: "ممتاز، هذا جهاد اقتصادي! لكن احذر، لا تشغل موسيقى أثناء الصفقة، لأن الطبلة حرام". فيرد التاجر: "لا تقلق، يا شيخ، لقد استخدمت رنة هاتف دينية، وأرفقت فتوى مع كل صفقة!" هذا الحوار، وإن كان متخيلاً، يلخص التناقض العجيب: الرقص الشرقي، الذي يحتفي بالحياة والجمال، يُعتبر جريمة، بينما بيع إنسانة على الإنترنت يُعتبر "عملية شرعية" في قاموس هؤلاء "الثوار". لو أرسلنا هذا الشيخ إلى مهرجان الرقص الشرقي في بلجيكا، ربما يعود إلى إدلب ويكتب كتاباً بعنوان "كيف أصبحت راقصاً وتركت تجارة البشر"، لكنه سيفضل على الأرجح الاستمرار في إدارة سوقه الإلكتروني، لأن الدولار، يا سادة، يتكلم بصوت أعلى من الطبلة في إدلب.

الأدهى من ذلك، أن هؤلاء "البريجينسكيين" يروّجون لسوقهم الإلكتروني كجزء من "الجهاد"، بينما يحرمون الفنون التي كانت تملأ قصور بغداد وقرطبة. بينما كانت الراقصات في الأندلس يؤدين عروضاً تُبهر الزوار من روما إلى بيزنطة، يجلس هؤلاء اليوم في إدلب يكتبون إعلانات على الإنترنت، وكأن الزمن عاد بهم إلى عصر النخاسة، لكنهم أضافوا لمسة عصرية: تطبيقات مشفرة ودفع بالعملات الرقمية. في بلجيكا، يُحتفى بالرقص الشرقي كجزء من التراث الإنساني، بينما في إدلب، يُحتفى ببيع النساء كجزء من "الاقتصاد الإسلامي". ربما حان الوقت لنرسل إلى إدلب دعوة لحضور مهرجان في لييج، لعلهم يتعلمون أن الرقص أقل ضرراً من فتاواهم، وأن الإنسانية لا تُباع ولا تُشترى، مهما كانت الأموال الخليجية مغرية.

التناقضات الأيديولوجية: من ابن سينا إلى الجولاني

في أيامٍ كانت فيها العقول العربية والفارسية تضيء العالم بنور الفلسفة والعلم، حين كان ابن سينا يكتب "القانون في الطب" بينما يحلم بمعادلة لعلاج الجهل، والفارابي يؤلف عن الموسيقى كلغة الروح، وابن رشد يتحدى السماء والأرض بمنطقه الحاد، كان الشرق يصنع حضارة جعلت أوروبا في العصور الوسطى تبدو كمجموعة قرى تائهة تبحث عن شمعة. لكن، يا للعجب، هؤلاء العمالقة، الذين كانوا يرون في الفن والموسيقى والرقص تعبيراً عن الإنسانية، صُنفوا كزنادقة وكفار من قبل أسلاف "البريجينسكيين"، أولئك الذين يحملون اليوم راية "الإسلام الصهيوني البريجينسكي التكفيري"، وكأن الزندقة هي أي فكرة تتطلب أكثر من عشر كلمات لفهمها. بينما كان ابن سينا يشرح كيف تنبض الحياة في الجسد، والفارابي يرى في أنغام العود طريقاً إلى الحقيقة، وابن رشد يدافع عن العقل حتى أحرقوا كتبه، يجلس اليوم أحفاد هؤلاء "المزندقين" في إمارة إدلب، يمدحون رجلاً يُدعى الجولاني، الذي يُلقب ساخراً بـ"عبد نتنياهو"، وكأنهم يحتفلون ببطل قومي بينما يبيع الأخضر واليابس من سوريا، بدءاً بمساحة من جنوبها أكبر من لبنان، كما تفاخر نتنياهو نفسه من منبر الأمم المتحدة، قائلاً إنه هو من أسقط بشار الأسد وجلب الجولاني وأصحابه "باللحى المقملة" ليحولوا سوريا إلى سوق نخاسة عصرية.

تخيلوا المفارقة: في القرن الحادي عشر، كان ابن سينا يُتهم بالزندقة لأنه فكر خارج الصندوق، بينما اليوم يُمدح الجولاني، الذي يدير سوقاً إلكترونياً لبيع النساء تحت شعار "السبي"، كما لو كان قائداً لنهضة إسلامية. لو عاد ابن رشد اليوم إلى إدلب، لنُظرت إليه كمرتد خطير، لأنه تجرأ على القول إن العقل والدين يمكن أن يتعايشا. أما الجولاني؟ فهو بطل هؤلاء "الشيوخ"، الذين يحرمون الرقص الشرقي بحجة أنه "فتنة"، والموسيقى لأنها "صوت الشيطان"، لكنهم لا يجدون أي حرج في مدح رجل يبيع أرض سوريا لأجندات صهيونية، كما لو كان التفريط بأرض عربية مجرد صفقة تجارية عادية. من منبر الأمم المتحدة، وقف نتنياهو، بكل صلافة، ليعلن أن الجولاني وعصاباته هم نتاج دعمه، وأن قطعة من جنوب سوريا أصبحت تحت سيطرتهم، أكبر من مساحة لبنان، في صفقة تشبه تلك التي يديرها محمود عباس مع أجهزة دايتون الأمنية، التي حولت الضفة الغربية من أرض مقاومة إلى محمية لمليون مستوطن بدلاً من مئة ألف. لكن، يا عجباً، هؤلاء "الشيوخ البريجينسكيين" لا يصدرون فتاوى تحرم التفريط بالأرض، ولا يحرمون اللقاءات مع الصهاينة، ولا يرون في بيع الأخضر واليابس من سوريا جريمة. لماذا؟ لأن فتاواهم، كما يُشاع، تُكتب في مكاتب "الوحدة 8200" الإسرائيلية، تلك الوحدة السيبرانية التي يبدو أنها تُصدر تعليماتها مباشرة إلى إدلب، لتُلهي المجتمع العربي بالسفاسف، من تحريم الرقص إلى إباحة تجارة البشر.

تخيلوا حواراً متخيلاً في محكمة إدلب الافتراضية، حيث يُحاكم ابن سينا بتهمة الزندقة: يقف "شيخ بريجينسكي"، بلحية طويلة ونظارة شمسية مزيفة، ويصرخ: "يا ابن سينا، كيف تجرؤ على الكتابة عن الطب والفلسفة؟ هذا كفر!" فيرد ابن سينا، بهدوء فيلسوف: "وأنت، يا شيخ، كيف تمدح الجولاني وهو يبيع أرض سوريا لنتنياهو؟ أليس هذا كفراً بالأرض؟" يتردد الشيخ، ثم يرد: "لا، هذا جهاد! أما كتبك فهي فتنة!" فيضحك ابن سينا ويقول: "حسناً، سأكتب كتاباً جديداً بعنوان القانون في علاج النفاق ، وأهديه لك!" هذا الحوار، وإن كان خيالياً، يلخص التناقض: فلاسفة مثل ابن سينا والفارابي وابن رشد، الذين بنوا أسس الحضارة، يُعتبرون زنادقة، بينما الجولاني، الذي يبيع النساء على الإنترنت ويتفاوض على الأرض مع نتنياهو، يُعتبر بطلاً. و"الشيوخ" الذين يحرمون الرقص والموسيقى لا يرون أي مشكلة في هذه الصفقات، لأن فتاواهم مصممة لتدمير المجتمع العربي من الداخل، بينما يلهون الناس بتحريم حركة ورك أو صوت ناي، كما لو كانا الخطر الحقيقي. في بلجيكا، يرقص الناس على إيقاعات الشرق في مهرجانات الفرح، بينما في إدلب، يرقص "البريجينسكيون" على إيقاعات الأموال الخليجية وتعليمات "الوحدة 8200"، تاركين الأرض العربية تُباع والكرامة تُسحق تحت شعارات جوفاء.


التمويل الخليجي: النفط يشتري الأوهام

في عالم يتحول فيه النفط إلى ذهب أسود يبني ناطحات السحاب ويصنع المدن اللامعة، قررت بعض المحميات الخليجية، التي تسبح في بحار من الريالات والدولارات، أن تستخدم هذا الذهب لشراء شيء أغرب من أي خيال: فتاوى تحرم الرقص الشرقي، وأسواق إلكترونية في إدلب تبيع النساء تحت شعار "السبي الشرعي"، وأجندات تحمل اسم "الإسلام الصهيوني البريجينسكي التكفيري"، كأنها ماركة جديدة لمشروب طاقة فاشل. بينما تستخدم دول مثل الصين نفطها ومواردها لبناء قطارات فائقة السرعة وجامعات تضاهي هارفارد، تتدفق الأموال القطرية والسعودية كالنهر إلى جيوب "البريجينسكيين"، لتمويل فتاوى تحرم صوت الناي بحجة أنه "يوقظ الشيطان"، بينما لا ترى أي مشكلة في تمويل سوق إلكتروني يبيع نساء سوريات كما يُباع هاتف مستعمل على موقع إيباي. تخيلوا المشهد: في إحدى العواصم الخليجية، يجلس رجل أعمال في قصر مزين بالذهب، يوقّع شيكاً بملايين الدولارات لدعم "ثوار" إدلب، بينما يكتب رسالة إلى شيخ بريجينسكي: "حرّموا الرقص الشرقي أولاً، ثم أكملوا بيع الأرض والنساء، الدفع سيصل بالتحويل البنكي!" وفي الخلفية، يُشغل التلفاز خطاب نتنياهو من الأمم المتحدة، يتباهى بأن الجولاني وعصاباته "باللحى المقملة" هم من سلّموا له جنوب سوريا، بينما الريالات تتدفق لتغطية هذا العرض المسرحي المسمى "جهاد".

تخيلوا حواراً متخيلاً في مكتب فخم في الدوحة أو الرياض: يقول رجل الأعمال: "يا شيخ، لقد أرسلنا مليون دولار لدعم الجولاني، هل هذا كافٍ؟" يرد الشيخ، وهو يرتشف قهوة باهظة الثمن: "ممتاز، لكن لا تنسَ أن تكتب فتوى تحرم الموسيقى، والرقص، ولوحة فنية رأيتها في بروكسل، بدت مشبوهة!" فيسأل رجل الأعمال: "وماذا عن بيع النساء في إدلب؟" فيرد الشيخ بابتسامة: "هذا حلال، يا أخي، إنه السبي! فقط تأكد أن الإعلانات على الإنترنت مشفرة، لا نريد فضائح!" هذا الحوار، وإن كان خيالياً، يلخص التناقض العجيب: النفط، الذي كان يمكن أن يبني جامعات ومستشفيات، يُستخدم لتمويل فتاوى تحرم الفنون وأسواق تبيع الكرامة، بينما في بلجيكا، يرقص الناس على إيقاعات الشرق في مهرجانات لييج، محتفلين بتراثنا الذي نُكفّر عنه نحن بأموالنا الخاصة. يا للعبقرية، يبدو أن النفط في أيدي "البريجينسكيين" لا يتحول إلى وقود للتنمية، بل إلى زيت يُشعل نار الفتنة ويُشغل طابعات الفتاوى. بينما تبني دول أخرى مستقبلها بالنفط، نحن نشتري به أوهاماً، من فتاوى تحرم حركة ورك إلى صفقات تبيع أرض سوريا، كل ذلك تحت مظلة أجندات تُكتب، كما يُشاع، في مكاتب "الوحدة 8200"، لتُلهي العرب بالسفاسف بينما تُسلم أراضيهم لمن يدفع أكثر.


خاتمة: دعوة للرقص

بعد كل هذا الجنون، من فتاوى تحرم الرقص الشرقي بحجة أن حركة الخصر تُهدد أمن المجرة، إلى أسواق إلكترونية في إدلب تبيع النساء كما تُباع الأحذية المستعملة، إلى شعوب مسلمة ، لم تتضامن ضد الإبادة الجماعية بغزة ، بمظاهرة واحدة ، إلا باليمن وصنعاء الحضارات ، بينما من يتبنى الرقص الشرقي في بلجيكا يخرج بأكثر من مائة وعشرة آلاف لبلد بعشرة ملايين تقريبا ، ليحاصر المفوضية ومقرات الناتو تضامنا مع اهل غزة ..يبقى السؤال: هل سنظل نرقص في الظل، خائفين من "الشيوخ البريجينسكيين" وفتاواهم الممولة بالنفط الخليجي، أم سنستعيد إيقاعاتنا ونحطم أوهام هذا "الإسلام الصهيوني البريجينسكي التكفيري" بحركة ورك واحدة؟ في بلجيكا، يرقص الناس في مهرجانات لييج وبروكسل، يحتفون بتراثنا الشرقي كما لو كان كنزاً إنسانياً، بينما في إدلب، يرقص الجولاني وعصاباته على إيقاعات الريالات، يبيعون الأرض والكرامة لنتنياهو، كما تفاخر من منبر الأمم المتحدة. يا سادة، دعونا نترك هؤلاء "الثوار" يبيعون فتاواهم على إيباي، ونعود إلى إيقاعات الدف والطبلة. فلنرقص رقصة شرقية على أنقاض هذه الأفكار البالية، ولنترك الجولاني و"شيوخه" يتجادلون حول ما إذا كان صوت الناي مؤامرة من "الوحدة 8200". الرقص ليس جريمة، بل هو حياة، وكرامتنا ليست للبيع، مهما كثرت الدولارات. فهيا، ارفعوا أيديكم، حركوا أكتافكم، وارقصوا، لأن الحياة أقصر من أن نضيعها في انتظار فتوى جديدة.

………….

ملخص للمادة

في زمنٍ كانت فيه الأرض تدور حول الشمس ولم تكن بعدُ قرصاً مسطحاً يحمله سلحفاة عملاقة كما يحلو للبعض أن يتخيلوا، ظهرت في بلادنا العربية والشرقية أصواتٌ غريبة، ليست أصوات الموسيقى العذبة التي كانت تتراقص على إيقاعاتها الجدات في حضارات وادي الرافدين، ولا أنغام الناي التي ألهمت الشعراء من حلب إلى بخارى، بل أصواتٌ تقرع طبول الحرب على الفن والجمال والحياة ذاتها. هؤلاء، الذين نطلق عليهم ساخرين اسم "أتباع الإسلام الصهيوني البريجينسكي التكفيري"، وكأن الاسم نفسه عبارة عن قنبلة موقوتة من الحروف، قرروا أن الرقص حرام، والموسيقى حرام، والفن حرام، وحتى الابتسامة في المرآة قد تكون حراماً إذا أطلت النظر. لكنهم، في تناقض عجيب يستحق أن يُدرّس في كليات الفلسفة تحت عنوان "فن التناقض البشري"، أباحوا لأنفسهم كل شيء تحت مسميات براقة مثل "السبي" و"ما ملكت أيمانكم"، وكأن الإنسانية يمكن أن تُختزل إلى صفقات تجارية تجري على شاشات الإنترنت في أسواق إدلب الافتراضية.

تخيلوا المشهد: في إمارة إدلب، حيث يحكم من يُلقبون أنفسهم بـ"الثوار" وهم أقرب إلى تجار المواشي في سوق الأحد، تُعرض نساء سوريات للبيع على مواقع الإنترنت، كأنهن سلع في مزاد علني. يجلس أحدهم، ربما بلحية طويلة ونظرة حادة، يكتب في إعلانه: "للبيع: مواطنة سورية، العمر لا يهم، المهم أن تدفع بالدولار". وفي الخلفية، يُحرمون الرقص الشرقي، ذلك الفن الذي يحتفي بالجسد كتعبير عن الروح، ويعتبرونه عاراً، بينما يرون في "السبي" و"نكاح البهيمة" و"زواج المسيار" نوعاً من التدين العصري. يا لها من معادلة رياضية عجيبة: الرقص = حرام، بيع البشر = حلال. ربما يحتاجون إلى مراجعة كتب الرياضيات قبل كتب الفقه.

في هذه الأثناء، على الضفة الأخرى من الكوكب، في بلجيكا تحديداً، حيث يُحتفى بالرقص الشرقي كإرث حضاري، تجد مدارس تعليم هذا الفن في كل زاوية من بروكسل إلى لييج. في جامعة لييج، حيث يُفترض أن تكون مكاناً للعلم الجاف، يتحول الرقص الشرقي إلى مسرحيات تجمع بين إيقاعات الشرق وروح الفراعنة، أو تتألق في عروض صوفية تأخذك إلى عالم جلال الدين الرومي، لا عالم ابن تيمية. تخيلوا المفارقة: في بلجيكا، بلد الشوكولاتة والبطاطس المقلية، يُعتبر الرقص الشرقي جزءاً من التراث الإنساني، يُدرّس في قاعات فسيحة ويُحتفى به في مهرجانات سنوية تجمع عشاق الفن من كل أوروبا. بينما في بلادنا، يأتي من يحملون رايات "الإسلام الصهيوني"، بتمويل من جيوب خليجية تتدفق بالنفط والأجندات، ليحولوا هذا الفن إلى تهمة تستحق العقاب.

لنكن منصفين، هؤلاء "البريجينسكيون" – ويا للاسم الذي يبدو كأنه ماركة دواء لعلاج الصداع – لم يأتوا من فراغ. هم نتاج أجندات معقدة، مزيج من فتاوى القرون الوسطى وأموال القرن الحادي والعشرين. يتلقون الدعم من محميات خليجية، يُطلق عليها ساخرين "الصهيو-أمريكية"، ليحولوا المنطقة إلى مسرح للفتنة والدمار. بينما الصين، التي نهضت من الفقر إلى القمة بفضل أفكار الشيوعية المنظمة، تنظر إلينا وكأننا نعيش في مسلسل كوميدي سيء الإخراج. تخيلوا الرئيس الصيني يفتح تويتر (أو بالأحرى "إكس") ويرى إعلاناً لبيع امرأة سورية في إدلب، ثم يرى فتوى تحرم الرقص الشرقي، فيتساءل: "هل هؤلاء يعيشون في القرن الواحد والعشرين أم في كهف من العصور الحجرية؟"

الأدهى من ذلك، أن هؤلاء "الثوار" الذين يحرمون الموسيقى والفن، يبدعون في اختراع أشكال جديدة من الانحطاط. "زواج المسيار"، "زواج السياحة"، "الجواري"، وغيرها من المصطلحات التي تبدو كأنها أسماء عروض سياحية في منتجع فاخر، لكنها في الواقع ستار لاستغلال الإنسانية. يتحدثون عن "الكرامة" بينما يمتهنونها، يتشدقون بالدين بينما يبيعون نساء سوريات على الإنترنت كما يباع هاتف مستعمل على موقع أوليكس. وفي الوقت نفسه، يُصنّفون كل من فكر أو أبدع أو كتب شعراً بالزنديق. ابن سينا؟ زنديق. الفارابي؟ كافر. ابن رشد؟ لا تسأل حتى. هؤلاء الذين بنوا أسس الفلسفة والعلم في العصور الوسطى، لو عاشوا اليوم لكانوا في قائمة الإرهاب عند هؤلاء "البريجينسكيين".

في النهاية، بينما يرقص الأوروبيون على إيقاعات الشرق في مهرجانات بلجيكا، ويحتفون بتراثنا الذي نُكفّر نحن أنفسنا عنه، يبقى السؤال: هل سنظل نلهث وراء أوهام ابن تيمية وأجندات محميات الخليج الصهيوامريكية ، أم سنستعيد رقصنا، موسيقانا، وكرامتنا؟ ربما حان الوقت لنرقص رقصة شرقية على أنقاض هذه الأفكار البالية، ونترك "الإسلام الصهيوني البريجينسكي" ليتلاشى في مزبلة التاريخ، حيث ينتمي.


................

تل أبيب: عندما قررت الصواريخ إعادة تصميم "المدينة البيضاء" المسروقة!

في صباح مشمس من أكتوبر 2025، فتح سكان تل أبيب صحيفة "هآرتس" ليجدوا عناوينها تصرخ بأحرف سوداء جريئة، كأنها إعلان عن عرض كارثي جديد في سينما الواقع: "تل أبيب تنزف... أو بالأحرى، تحولت إلى معرض أنقاض مفتوح!" هذه العبارات، المزينة بجرأة على الصفحة الأولى، لم تكن مجرد أخبار، بل كانت نكتة سوداء كتبها التاريخ نفسه، وكأنه يسخر من مدينة بنيت على أحلام مسروقة من يافا والجليل والضفة والقدس وغزة. تل أبيب، التي كانت تُلقب بـ"المدينة البيضاء" لمبانيها الأنيقة التي شُيدت على أنقاض قرى فلسطينية، تحولت الآن إلى لوحة تجريدية من الخرسانة المحترقة والرماد، بفضل حرب الـ12 يومًا التي أقامتها إيران في يونيو 2025 كبادرة "لإعادة التصميم" المجانية. من يحتاج إلى مهندسين معماريين عندما تملك صواريخ باليستية تقدم الخدمة بسرعة الصوت؟

هذه الحرب، التي استمرت أقل من أسبوعين – مدة كافية لإفساد نزهة عائلية أو إنهاء موسم درامي على نيتفليكس – بدأت عندما قررت إسرائيل، الكيان المارق القائم على سرقة الأراضي الفلسطينية، أن ترسل تحية جوية إلى إيران. "مرحبًا، قررنا إعادة ترتيب منشآتكم النووية!"، كان هذا الشعار غير الرسمي لعملية "عاصفة النور"، التي تضمنت قصفًا دقيقًا لمواقع استراتيجية باستخدام طائرات إف-35، تلك الطائرات التي تبدو وكأنها مستعارة من فيلم خيال علمي بميزانية هوليوودية. لكن إيران، التي لا تحب أن تُفاجأ بدون رد، أرسلت دعوة عودة على شكل أكثر من 500 صاروخ باليستي وطائرة مسيرة، كأنها تقول: "إذا كنتم تحبون إعادة التصميم، فلدينا بعض الأفكار لتل أبيب!" وهكذا، تحولت شوارع المدينة، التي كانت يومًا شوارع يافا الفلسطينية، إلى مسرح لعرض ألعاب نارية غير مدعو إليه أحد، مع إضاءة مجانية من الانفجارات وموسيقى تصويرية من صافرات الإنذار.

أحياء مثل نفيا وياف نهفوا، التي كانت تتباهى بأسماء تبدو وكأنها مأخوذة من قصيدة عبرية رومانسية، تحولت إلى مواقع أثرية حديثة، كأنها نصب تذكاري لعصر ما بعد السرقة. الصور الجوية التي نشرتها "هآرتس" تُظهر شوارع مقطوعة، مبانٍ سكنية تحولت إلى أكوام من الحطام، وأشجار النخيل التي كانت تزين المدينة وقد أصبحت أعمدة فحمية. "كنت أظن أننا اشتركنا في برنامج تلفزيوني لتجديد المنازل!"، قال صاحب متجر في حي نفيا، وهو ينظر إلى واجهة متجره التي أصبحت تشبه لوحة لبيكاسو في يوم كان فيه يعاني من أزمة وجودية. تقارير الصحيفة تحدثت عن أكثر من 200 صاروخ أصابت المدينة، مما جعل المقاهي العصرية، التي كانت تبيع قهوة بسعر شقة صغيرة في غزة، تغلق أبوابها، والمدارس تتحول إلى ملاجئ مؤقتة، والمستشفيات تكتظ بالجرحى. "هذا ليس فيلم نهاية العالم، إنه واقعنا الآن!"، قال أحد السكان، وهو يحاول العثور على قهوته الصباحية وسط الأنقاض، متسائلًا إن كان يعيش في يافا الأصلية أم في نسختها المسروقة.

في خضم هذا الكرنفال الصاروخي، ظهر تقرير بريطاني في صحيفة تحب أن تزعج الحكومات، كتبته يد ساخرة من لندن، حيث يبدو أن الصحفيين لا يزالون يشربون الشاي بينما يكتبون عن نهاية العالم. التقرير، الذي بدا وكأنه مزيج من سخرية جوناثان سويفت وجرأة مونتي بايثون، ادعى أن إسرائيل، الكيان المارق الذي بنى أحلامه على أراضي فلسطين المسروقة، خسرت أكثر من 1237 جنرالًا في الحرب. نعم، ألف ومئتين وسبعة وثلاثين جنرالًا! هذا رقم يكفي لتشكيل فرقة كرة قدم مع احتياطيين كافيين لموسمين، أو ربما لتنظيم عرض عسكري يشبه موكب الكرنفال في ريو. "كنا نظن أن لدينا فائضًا من الجنرالات، لكن يبدو أننا بحاجة إلى حملة توظيف!"، قال ضابط متقاعد، وهو يحاول جمع شظايا ميدالياته من تحت كومة من الركام، متسائلًا إن كان عليه العودة إلى الخدمة ليحل محل نفسه.

التقرير البريطاني، الذي كتب بلغة تجمع بين الوقار الصحفي والسخرية اللاذعة، أشار إلى أن إيران استخدمت طائرات مسيرة مزودة بذكاء اصطناعي، وكأنها أرسلت روبوتات لتلعب لعبة "اصطياد الجنرال" بدقة متناهية. هذه الطائرات، التي بدت وكأنها مستعارة من فيلم خيال علمي رخيص، تمكنت من اختراق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، التي كانت تُعتبر يومًا درعًا لا يُخترق. "يبدو أن القبة الحديدية قررت أخذ إجازة!"، قال أحد المحللين العسكريين، وهو يحاول تفسير كيف تحولت تل أبيب إلى هدف للتدريب على الرماية. الخسائر شملت قادة ألوية، ومسؤولين كبار في الموساد، وحتى ضباطًا في وحدة النخبة التي كانت تُعنى بالحروب السيبرانية. "كانوا يعتقدون أن بإمكانهم صد هجوم من الفضاء، لكن يبدو أن إيران قرأت كتيب التعليمات!"، أضاف المحلل، وهو يحاول إخفاء ضحكته الساخرة.

لكن الجزء الأكثر إثارة للضحك – أو البكاء، حسب مزاجك – كان الحديث عن معهد علمي مرموق، كان يُعتبر يومًا قلعة العباقرة الذين يتحدثون بلغة لا يفهمها أحد سوى أنها "مهمة جدًا". هذا المعهد، الذي كان يشبه مدرسة سحرية للعلماء، تعرض لهجوم صاروخي أدى إلى خسارة 11 عقلًا لامعًا كانوا يعملون على مشاريع تتعلق بـ"الذرات السعيدة"، وهو المصطلح الذي يستخدمه العامة للحديث عن الأمور النووية التي كانت جزءًا من أحلام الكيان المارق للهيمنة. "كنا على وشك اكتشاف سر الكون!"، قال أحد الناجين، وهو يحمل بقايا جهاز كمبيوتر محترق، متسائلًا إن كان بإمكانه إصلاحه بشريط لاصق. الهجوم، الذي نفذته صواريخ تحمل أسماء تبدو وكأنها مأخوذة من ملحمة شرقية، دمر مختبرات تحتوي على معدات تبدو وكأنها مستعارة من فيلم خيال علمي، وأتى على عينات كان العلماء يحتفظون بها كما يحتفظ أحدهم بمجموعة عملات نادرة.

إيران، التي بدت وكأنها تلعب دور الشرير في فيلم جيمس بوند، أرسلت رسالة واضحة: "إذا كنتم تحبون استهداف علمائنا، فلدينا بعض الصواريخ لعلمائكم!" الهجوم على المعهد كان ردًا على عمليات إسرائيلية استهدفت علماء إيرانيين، بعضهم كان قد تقاعد وكان يحلم بقضاء أيامه في زراعة الورود أو كتابة مذكراته. "نحن لا نفرق بين العلماء المتقاعدين وغير المتقاعدين!"، بدا هذا هو شعار إيران، التي أطلقت صواريخها كما يطلق أحدهم الألعاب النارية في عيد ميلاد. النتيجة؟ مختبرات تحولت إلى رماد، وبيانات بحثية أصبحت ذكرى بعيدة، كما لو أن شخصًا ضغط على زر "حذف" على جهاز كمبيوتر الكون. "كنا سنكتشف علاج السرطان، أو ربما سلاحًا جديدًا لإبادة الشعوب!"، قال أحد الباحثين بسخرية، وهو يحاول جمع شظايا مجهر محطم، متذكرًا أن هذا المعهد كان جزءًا من مشروع الكيان المارق القائم على سرقة الأراضي الفلسطينية وأحلام الشعوب.

تل أبيب، التي بنيت على أنقاض يافا الفلسطينية، حيث كان الفلسطينيون يعيشون يومًا في بيوت مليئة برائحة البرتقال والياسمين، أصبحت الآن رمزًا للدمار. الحياة اليومية توقفت: المقاهي التي كانت تبيع قهوة بسعر شقة في غزة أغلقت أبوابها، والمدارس التي كانت تُعلم الأطفال كيفية كتابة "الحداثة" على حساب أحلام الفلسطينيين تحولت إلى ملاجئ، والمستشفيات اكتظت بمن يحاولون فهم كيف تحولت مدينتهم إلى مشهد من فيلم زومبي. "كنت أظن أننا نعيش في يافا الحقيقية!"، قال أحد السكان، وهو يحاول العثور على بقايا منزله وسط الأنقاض. "لكن يبدو أن التاريخ قرر تذكيرنا بمن هم أصحاب الأرض الأصليين."

الخسائر المادية كانت هائلة، كما لو أن شخصًا قرر إلقاء ميزانية دولة صغيرة في النار. الحكومة الإسرائيلية، التي بنت اقتصادها على سرقة الأراضي الفلسطينية ودعم الطغاة في المنطقة، تحدثت عن أضرار بعشرات المليارات من الشيكل. أحياء بأكملها، مثل تلك التي كانت تضم مجتمعات فنية كانت تحلم بأن تكون باريس الشرق الأوسط، أصبحت غير صالحة للسكن. "نحن الآن نعيش في نسخة ما بعد نهاية العالم من تل أبيب!"، قال أحد الفنانين، وهو يحاول رسم لوحة على جدار محطم، متسائلًا إن كان الفن يمكن أن يعيد الأمل إلى مدينة بنيت على أحلام مسروقة.

الحكومة، التي وعدت بإعادة إعمار تل أبيب، بدت وكأنها تحاول حل لغز مكون من مليون قطعة بدون صورة مرجعية. "سنعيد بناء تل أبيب لتكون أجمل من قبل!"، أعلن رئيس الوزراء، مما جعل الجميع يتساءل إن كان يقصد "أجمل" بمعايير متحف الفنون التجريدية أم بمعايير مخيم للاجئين. ميزانية إعادة الإعمار، التي تبدو وكأنها رقم عشوائي كبير، تواجه مشكلة صغيرة: الاقتصاد الإسرائيلي، الذي كان يعتمد على سرقة الموارد الفلسطينية ودعم المستثمرين الأجانب، أصبح الآن أشبه بحساب مصرفي لطالب جامعي بعد أسبوع من الحفلات. المستثمرون الأجانب، الذين كانوا يرون في تل أبيب مركزًا للتكنولوجيا، بدأوا يسحبون استثماراتهم، كما لو أن المدينة أصبحت فجأة وجهة سياحية غير مرغوبة.

في الوقت نفسه، كان الجيش الإسرائيلي، الذي كان يُعتبر يومًا درع الكيان المارق، يواجه تحديًا غير مسبوق: خسارة أكثر من ألف جنرال، وهو رقم يبدو وكأنه مأخوذ من نكتة عسكرية سيئة. "كنا نظن أن لدينا جنرالات أكثر مما نحتاج!"، قال ضابط متقاعد، وهو يحاول إقناع طلاب الجامعات بأن مهنة الجنرال ليست خطيرة كما تبدو. الجيش بدأ في تعيين قادة جدد، لكن الخبراء يحذرون من أن استبدال هذه الكوادر سيستغرق سنوات، خاصة وأن إيران بدت وكأنها لعبت لعبة "شطرنج عسكري" وفازت بكل الملوك. "إيران لم تستهدف الجنرالات فقط، بل استهدفت ثقتنا بنفسنا!"، قال أحد المحللين، وهو يحاول فهم كيف تحول الجيش الذي كان يتباهى بقوته إلى هدف للتدريب على الرماية.

أما المعهد العلمي، الذي كان يُعتبر درة التاج العلمي للكيان المارق، فقد تحول إلى موضوع نكات مريرة. "كنا سنكتشف علاج السرطان، أو ربما سلاحًا جديدًا لإبادة الشعوب!"، قال أحد الباحثين الناجين، وهو يحاول إصلاح مجهر محطم باستخدام شريط لاصق. الهجوم على المعهد، الذي كان يُشبه مدرسة هوغوورتس للعلماء، دمر مختبرات تحتوي على بيانات كانت تُعتبر يومًا سرًا من أسرار الكيان. "كنا نعمل على مشاريع ستغير العالم!"، قال أحد العلماء، وهو ينظر إلى بقايا مفاعل محطم، متسائلًا إن كان الكيان المارق كان يخطط لاستخدام هذه المشاريع لإبادة شعوب المنطقة، من العرب إلى الإيرانيين والأتراك وحتى الصينيين والروس. العلماء بدأوا حملة جمع تبرعات دولية، لكنهم واجهوا مشكلة صغيرة: معظم المتبرعين يظنون أن المعهد هو في الواقع متحف للشمع. "ربما يجب أن نبيع تذكارات من الأنقاض!"، اقترح أحدهم، وهو يحمل قطعة من مفاعل محطم كتذكار.

إيران، التي بدت وكأنها قررت أن تلعب دور البطل المنتقم في هذه المسرحية العبثية، أرسلت رسالة واضحة: "إذا كنتم تحبون استهداف علمائنا، فلدينا صواريخ لعلمائكم!" الهجوم على المعهد كان ردًا على عمليات إسرائيلية استهدفت علماء إيرانيين، بعضهم كان قد تقاعد وكان يحلم بقضاء أيامه في كتابة الشعر أو زراعة الزيتون. "نحن لا نفرق بين العلماء المتقاعدين وغير المتقاعدين!"، بدا هذا هو شعار إيران، التي أطلقت صواريخها كما يطلق أحدهم الألعاب النارية في حفل زفاف. النتيجة؟ مختبرات تحولت إلى رماد، وبيانات بحثية أصبحت ذكرى بعيدة، كما لو أن شخصًا قرر إعادة ضبط الكون على إعدادات المصنع.

في تل أبيب، حيث كان السكان يحلمون يومًا بالعيش كما في ميامي، أصبح الواقع أقرب إلى مسلسل درامي مظلم يُعرض على قناة متخصصة في الكوارث. الناس الذين كانوا يتجادلون حول أفضل مكان لتناول الفلافل، يتجادلون الآن حول من يحق له النوم في خيمة لا تتسرب منها المياه. المخيمات المؤقتة، التي أُقيمت في ضواحي المدينة، تبدو وكأنها نسخة ساخرة من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، الذين طُردوا من يافا والجليل والقدس وغزة لإفساح المجال لهذا الكيان المارق. "نحن الآن نعيش مثل اللاجئين!"، قال أحد السكان، وهو يحاول إضفاء بعض الفكاهة على مأساته. "ربما يجب أن نطلب نصيحة من الفلسطينيين، فهم خبراء في هذا المجال!"

الحكومة، التي وعدت بإعادة إعمار تل أبيب، بدت وكأنها تحاول حل لغز مكون من مليون قطعة بدون صورة مرجعية. "سنعيد بناء تل أبيب لتكون أجمل من قبل!"، أعلن رئيس الوزراء، مما جعل الجميع يتساءل إن كان يقصد "أجمل" بمعايير متحف الفنون التجريدية أم بمعايير مخيم للاجئين. ميزانية إعادة الإعمار، التي تبدو وكأنها رقم عشوائي كبير، تواجه مشكلة صغيرة: الاقتصاد الإسرائيلي، الذي كان يعتمد على سرقة الموارد الفلسطينية ودعم الطغاة في المنطقة، أصبح الآن أشبه بحساب مصرفي لطالب جامعي بعد أسبوع من الحفلات. المستثمرون الأجانب، الذين كانوا يرون في تل أبيب مركزًا للتكنولوجيا، بدأوا يسحبون استثماراتهم، كما لو أن المدينة أصبحت فجأة وجهة سياحية غير مرغوبة. "كنا نأمل في جذب السائحين، لكن يبدو أننا نجذب الصواريخ فقط!"، قال أحد المسؤولين، وهو يحاول إخفاء ضحكته المريرة.

المظاهرات اندلعت في شوارع القدس وحيفا، لكنها لم تكن مظاهرات عادية. الناس حملوا لافتات مثل: "أعيدوا لنا يافا الحقيقية!" و"الصواريخ ليست مهندسي ديكور!"، في محاولة لإضفاء بعض الفكاهة على مأساتهم. في مشهد ساخر، نظم مجموعة من الفنانين معرضًا في الهواء الطلق وسط الأنقاض، حيث عرضوا "منحوتات" من الخرسانة المحترقة تحت عنوان "فن ما بعد السرقة". "إذا لم نضحك، سنبكي!"، قال أحد الفنانين، وهو يحاول بيع كتلة خرسانية بـ500 شيكل، متسائلًا إن كان بإمكانه بيعها كتذكار للسياح الذين يبحثون عن "تجربة أصيلة" في أرض فلسطين المسروقة.

على الصعيد العسكري، بدا الجيش الإسرائيلي، الذي كان يُعتبر يومًا درع الكيان المارق، وكأنه يحاول جمع شتات نفسه بعد مباراة خاسرة. "كنا نظن أن لدينا جنرالات أكثر مما نحتاج!"، قال ضابط متقاعد، وهو يحاول إقناع طلاب الجامعات بأن مهنة الجنرال ليست خطيرة كما تبدو. الجيش بدأ في تعيين قادة جدد، لكن الخبراء يحذرون من أن استبدال هذه الكوادر سيستغرق سنوات، خاصة وأن إيران بدت وكأنها لعبت لعبة "شطرنج عسكري" وفازت بكل الملوك. "إيران لم تستهدف الجنرالات فقط، بل استهدفت ثقتنا بنفسنا!"، قال أحد المحللين، وهو يحاول فهم كيف تحول الجيش الذي كان يتباهى بقوته إلى هدف للتدريب على الرماية.

على المستوى العلمي، المعهد الذي كان يُعتبر درة التاج العلمي للكيان المارق تحول إلى موضوع نكات مريرة. "كنا سنكتشف علاج السرطان، أو ربما سلاحًا جديدًا لإبادة الشعوب!"، قال أحد الباحثين الناجين، وهو يحاول إصلاح مجهر محطم باستخدام شريط لاصق. الهجوم على المعهد، الذي كان يُشبه مدرسة هوغوورتس للعلماء، دمر مختبرات تحتوي على بيانات كانت تُعتبر يومًا سرًا من أسرار الكيان. "كنا نعمل على مشاريع ستغير العالم!"، قال أحد العلماء، وهو ينظر إلى بقايا مفاعل محطم، متسائلًا إن كان الكيان المارق كان يخطط لاستخدام هذه المشاريع لإبادة شعوب المنطقة، من العرب إلى الإيرانيين والأتراك وحتى الصينيين والروس. العلماء بدأوا حملة جمع تبرعات دولية، لكنهم واجهوا مشكلة صغيرة: معظم المتبرعين يظنون أن المعهد هو في الواقع متحف للشمع. "ربما يجب أن نبيع تذكارات من الأنقاض!"، اقترح أحدهم، وهو يحمل قطعة من مفاعل محطم كتذكار.

على المستوى الدولي، بدت الأمم المتحدة وكأنها تحاول تنظيم حفلة سلام لكن الجميع نسي إحضار الدعوات. الولايات المتحدة، التي أرسلت دعمًا عسكريًا لإسرائيل، بدت وكأنها تقول: "لا تقلقوا، لدينا المزيد من الأسلحة!"، بينما إيران ردت بـ: "شكرًا، لكن لدينا صواريخ كافية!" دبلوماسي أوروبي، تحدث للصحيفة البريطانية، قال إن العالم "على شفا هاوية"، وهو تعبير يبدو أنه مأخوذ من كتيب العبارات الدبلوماسية المملة. في النهاية، يبدو أن الجميع ينتظر الحلقة التالية من هذه المسرحية العبثية.

في تل أبيب، تحت الرماد، لا يزال هناك من يحلم بإعادة البناء. لكن في الوقت الحالي، يبدو أن السخرية هي العملة الوحيدة التي لا تزال صالحة. الناس يضحكون على أنقاضهم، لأنهم يعلمون أن البكاء لن يعيد المقاهي أو الجنرالات أو العلماء. ربما، في يوم ما، ستستعيد تل أبيب بريقها ،بسكانها الفلسطينيين الأصليين ، وليس بشذاذ آفاق نازيين من الأتراك القوقازيبن الذين يسمون أنفسهم الاشكناز أو غيرهم ، من يهود الشرق ، الذين رضوا أن يكونوا عبيدا لهم أو يحلوا مكانهم الاستعماري لإبادة الشعب الفلسطيني الاصلي ،الذي يملك تل الربيع ، لكن في الوقت الحالي، تبدو المدينة وكأنها تقول: "حسنًا، على الأقل لدينا قصة جديدة نرويها للأجيال القادمة!" وفي مكان ما، في يافا والجليل والضفة والقدس وغزة، لا تزال قلوب الفلسطينيين تنبض، متمسكة بحلم استعادة أرضهم من الكيان المارق الذي حاول، وفشل، في محو هويتهم.



#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)       Ahmad_Saloum#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية: خيوط الزيف
- -مسرحية الخيانة: عباس والجولاني في عرضٍ ساخر -
- التاريخ المُعاد كتابته بريشة الروتشيلد وسكين لورانس
- مسرحية: -أزقة باريس تحترق-..كوميديا
- عالم المخدرات العجيب حيث الشعر البرتقالي والعيون الزرقاء تحك ...
- العالم يرقص على إيقاع ترامب العبقري... أو ربما العكس!
- مسرحية -رقصة دولارات الإبادة : عبد الحميد الثالث ودونالد الص ...
- عشرين تريليون أو المشنقة... والمقاومة تضحك أخيراً!
- أردوغان وترامب: مسرحية الصداقة التجارية بطعم الإبادة
- تفكيك الإنسان في الأدب: قراءة في -سلاسل العقل، أغلال القلب-
- بولندا ترقص على حبل المصالح: من بروكسل إلى بكين
- وعد بلفور يعود بموسيقى تصويرية جديدة..
- مسرحية -عاصفة الاستقلال-
- مسرحية - في معابد الإله الاعظم دولار-
- مسرحية: -عباءة الطابور الخامس-..كوميديا
- مسرحية: الحقيقة تتألق بين الانقاض..-Veritas in Ruinas-
- مسرحية -إمبراطورية التكفير-
- مسرحية -جعجعة كابريه-
- خيبة التريليونات: من خردة الغرب إلى دروع الشرق
- الضربة الصهيونية لمحمية قطر وسياقات الصراع الإقليمي


المزيد.....




- فاضل العزاوي: ستون عامًا من الإبداع في الشعر والرواية
- موسم أصيلة الثقافي 46 يقدم شهادات للتاريخ ووفاء لـ -رجل الدو ...
- وزير الاقتصاد السعودي: كل دولار يستثمر في الثقافة يحقق عائدا ...
- بالفيديو.. قلعة حلب تستقبل الزوار مجددا بعد الترميم
- -ليس بعيدا عن رأس الرجل- لسمير درويش.. رواية ما بعد حداثية ف ...
- -فالذكر للإنسان عمر ثانٍ-.. فلسفة الموت لدى الشعراء في الجاه ...
- رحيل التشكيلي المغترب غالب المنصوري
- جواد الأسدي يحاضر عن (الإنتاج المسرحي بين الإبداع والحاجة) ف ...
- معرض علي شمس الدين في بيروت.. الأمل يشتبك مع العنف في حوار ن ...
- من مصر إلى كوت ديفوار.. رحلة شعب أبوري وأساطيرهم المذهلة


المزيد.....

- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - احمد صالح سلوم - من إيقاعات النيل إلى أسواق إدلب : رقصة الشرق ضد الإسلام الصهيوني