أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - مسرحية -رقصة دولارات الإبادة : عبد الحميد الثالث ودونالد الصفقة-















المزيد.....



مسرحية -رقصة دولارات الإبادة : عبد الحميد الثالث ودونالد الصفقة-


احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)


الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 20:11
المحور: الادب والفن
    


كيف يمكن أن نقدم رسما بيانا ، لنبضات قلب الوطن العربي ، حيث تتقاطع شرايين وأوردة التاريخ والصراع والأمل المجهض، أن ذلك مهمة صعبة ، وتحتاج إلى الكثير من التجريد ، لنفصل الأساسي عن الثانوي ، بيد أن ذلك ليست مهمة مستحيلة ، من هنا ينبثق هذا النص كمرآة عاكسة للواقع المعقد، مزيج من التراجيديا الإنسانية والمسرحية السياسية التي تكشف عن هشاشة الإرادة البشرية أمام طواحين القوى العظمى. هذا العمل ليس مجرد سرد لأحداث، بل هو استكشاف عميق للروح البشرية المحاصرة بين المثالية والخيانة، بين الحلم بالأرض والتسليم للدولارات. إنه نص ينبض بالحياة رغم ثقل الموت المحيط به، يحمل في طياته صرخات شعوب تُسلب أحلامها، وهمسات قادة يغرقون في أوهام السلطة. من خلال شخصياته المتنوعة، يرسم النص لوحة بانورامية لمنطقة ممزقة، حيث كل شخصية هي رمز لصراع أكبر، لتاريخ يُعاد كتابته بالدم والحبر، ولحقيقة تُطمس تحت شعارات السلام المزيف.

يبدأ النص بغزة، تلك النقطة الصغيرة على الخريطة التي تتحدى بإرادتها الحديدية قوانين القوة العسكرية. في زقاق ضيق، حيث الأنقاض تحكي قصص النكبة والمقاومة، نلتقي بياسر الحر، رجل يحمل بندقية صدئة، لكنها ليست سلاحه الحقيقي. سلاحه الحقيقي هو الذاكرة، ذاكرة شعب لا يزال يحلم بالزيتون والبحر. ياسر ليس مجرد مقاوم، بل هو تجسيد للإرادة الفلسطينية التي ترفض الاستسلام، حتى وإن كان العالم بأسره يتآمر ضدها. عائلته، أم محمد وليلى وأبو علي، ليست مجرد شخصيات ثانوية، بل هي النبض الذي يحيي غزة. الأغاني التي تغنيها أم محمد، القصص التي يرويها أبو علي، والرسومات التي تخطها ليلى، كلها أسلحة في وجه الدمار. هذا المشهد، بكل بساطته، يحمل قوة تراجيدية عظيمة، لأنه يعكس قدرة الإنسان على التمسك بالحياة في قلب الموت.

لكن النص لا يكتفي بتصوير هذه الإرادة البطولية، بل يأخذنا إلى الجانب الآخر من المعادلة، إلى قصور السلطة وأبراج الدولارات. في الدوحة، نلتقي بقطر بن خليف، رجل يجلس في برج زجاجي، محاطًا بشاشات تعرض الدمار الذي يموله، لكنه يظن نفسه صانع نفوذ. شخصيته ليست مجرد نقد للطموح السياسي، بل هي دراسة في التناقض البشري: رجل يحلم بإمبراطورية، لكنه لا يملك سوى دور الممول في مسرحية كتبها آخرون. برجه الزجاجي، بكل لمعانه، هو رمز لهشاشة طموحاته، قصر من الرمال ينتظر ريحًا قوية لينهار. النص يرسم هذه الشخصية بحنكة، لا كشرير تقليدي، بل كرجل محاصر بأوهامه، يدفع تريليونات ليظل جزءًا من لعبة لا يفهم قواعدها.

في أنقرة، يظهر عبد الحميد الثالث، القائد الذي يعيش في قصر يشبه السجن، محاطًا بشعارات المجد العثماني التي أصبحت فارغة. شخصيته مأساوية بمعنى كلاسيكي، لأنه رجل يؤمن بقوته، لكنه أصبح أداة في يد قوى أكبر. خطاباته عن القدس، عن الأمة، هي محاولات يائسة لإخفاء حقيقة أنه وقّع على صفقات تُباع فيها الأحلام. النص يقدمه كشخصية متعددة الأبعاد، ليست شريرة بطبيعتها، بل ضحية لطموحها الخاص، محاصرة في سجن من الشعارات التي كان يظنها يومًا حقيقة. هذا العرض الدقيق للتناقض بين الصورة العامة والحقيقة الداخلية يجعل عبد الحميد شخصية مأساوية، تحمل عبء خيباتها بصمت.

في نيويورك، يظهر دونالد الصفقة، الرجل الذي يحكم من برج زجاجي آخر، لكنه برج مبني على الدولارات والأوهام. شخصيته هي مركز المسرحية، ليس لأنه الأقوى، بل لأنه يمثل العقل الذي يحرك الخيوط. لكنه، مثل الآخرين، محاصر بأوهامه الخاصة. يتحدث عن "السلام الرائع"، لكنه يعرف أن سلامه هو قناع للدمار. النص يرسمه كرجل يؤمن بقوته، لكنه يخاف من الحقيقة: أن مملكته من الدولارات هشة، أن تغريداته عن السلام لا تخفي صرخات الضحايا. هذه الشخصية ليست مجرد نقد سياسي، بل هي استكشاف للنفس البشرية التي تختار الأوهام على الحقيقة، السلطة على الضمير.

في رام الله، نلتقي بمحمود الرئيس، الرجل الذي يجلس في مكتب متواضع، لكنه سجن أكثر منه مكتبًا. شخصيته هي الأكثر مأساوية، لأنه رجل كان يحلم يومًا بالقدس، لكنه أصبح أداة في يد أعداء حلمه. توقيعاته على العقود، شيكاته التافهة، مرآته المكسورة، كلها رموز لخيانته، ليس لشعبه فقط، بل لنفسه. النص يقدمه بحساسية نادرة، لا كخائن متعمد، بل كرجل محاصر بخيارات مستحيلة، يحاول إقناع نفسه أن توقيعاته من أجل الاستقرار، بينما يعرف أنها تسليم للأرض. هذه الشخصية تحمل في طياتها سؤالًا وجوديًا: ماذا يحدث للإنسان عندما يفقد شرفه؟

في سوريا، يظهر أبو محمود الجليل، الثوري الذي أصبح دمية في خيمة محترقة. شخصيته هي صورة للثورة التي تحولت إلى فوضى، للحلم الذي أصبح كابوسًا. النص يرسمه كرجل يؤمن بقضيته، لكنه يجد نفسه ينفذ أوامر من يدمرون هذه القضية. خيمته، المليئة بالأسلحة الصدئة والدولارات الملعونة، هي رمز للثورة التي بيعت، للحلم الذي احترق. النص لا يقدمه كمجرم، بل كضحية، رجل حلم يومًا بتحرير سوريا، لكنه أصبح أداة في يد قوى لا تهتم بسوريا.

في تل أبيب، نلتقي ببنيامين الحديد، الرجل الذي يحكم من قلعة حصينة، لكنها قلعة مبنية على أحلام محطمة. شخصيته هي الأكثر تعقيدًا، لأنه يؤمن بأنه يحمي أمة، لكنه يعرف أن هذه الحماية تأتي بثمن باهظ: دماء، أنقاض، واتهامات بالجرائم. النص يقدمه كرجل محاصر بين قوته وخوفه، بين إيمانه بـ"أرض إسرائيل الكبرى" وحقيقة أن هذه الأرض تُبنى على ظلم. قلعته، بكل صلابتها، هي سجن آخر، سجن يحمل في طياته بذور انهياره.

ما يجعل هذا النص استثنائيًا هو قدرته على نسج هذه الشخصيات المتباينة في نسيج واحد، حيث كل شخصية تعكس جانبًا من الصراع الإنساني والسياسي. النص لا يكتفي برواية قصة، بل يطرح أسئلة فلسفية عميقة: ما هو الثمن الحقيقي للسلطة؟ هل يمكن للإرادة البشرية أن تقاوم القوى العظمى؟ وماذا يحدث عندما تتحول الأحلام إلى أوهام؟ لغة النص غنية بالصور الشعرية، حيث الأنقاض في غزة تصبح رمزًا للصمود، والأبراج الزجاجية في الدوحة رمزًا للهشاشة، والقصور في أنقرة سجونًا للشعارات. هذه الصور ليست مجرد زخرفة، بل هي جوهر النص، تحمل في طياتها الحقيقة التي يحاول الجميع تجنبها.

النص، في جوهره، هو مرثية للأمل المفقود، لكنه أيضًا دعوة للتأمل. يطالب القارئ أن يواجه الحقيقة، أن يرى الدماء وراء الدولارات، الأنقاض وراء الصفقات. إنه عمل يتحدى القارئ أن يختار: هل سيكون مثل ياسر الحر، يتمسك بالأرض رغم كل شيء؟ أم سيكون مثل محمود الرئيس، يوقّع على أحلامه ليحافظ على الاستقرار؟ أم ربما مثل دونالد الصفقة، يعيش في أوهام القوة؟ النص لا يقدم إجابات، بل يترك القارئ مع الأسئلة، مع المرآة المكسورة التي تعكس وجوهنا جميعًا.

…………

الفصل الأول: ياسر الحر والنار المقدسة

في مخيم للاجئين في غزة، حيث الجدران الإسمنتية المتصدعة تحمل آثار الرصاص والقنابل، يجلس ياسر الحر على كرسي بلاستيكي متهالك في زاوية غرفة صغيرة، مضاءة بمصباح نفطي ينشر ضوءًا خافتًا يعكس ظلالاً متعبة على وجهه. ياسر، رجل في أواخر الثلاثينيات، يرتدي جاكيتًا عسكريًا قديمًا ممزقًا عند الأكمام، وعيناه تحملان مزيجًا من التحدي والحزن، كأنهما تحكيان قصة شعب كامل. أمامه، على طاولة خشبية متآكلة، خريطة فلسطين مرسومة بخط اليد، حدودها مشطوبة ومعاد رسمها مرات عديدة، كأنها محاولة يائسة لاستعادة ما ضاع. بجانب الخريطة، بندقية قديمة صدئة، ليست للقتال بقدر ما هي رمز للمقاومة، وبجانبها صورة بالأبيض والأسود لعائلته القديمة في قرية هُجرت عام 1948، أبوه وأمه يبتسمان تحت شجرة زيتون. ياسر ينظر إلى الصورة، يتمتم بصوت خافت: "الأرض لا تُباع، يا أبي". لكنه يعرف أن الأرض التي يتحدث عنها أصبحت حلمًا بعيدًا، محاصرًا بالمستوطنات والجدران والصفقات التي تُبرم في غرف بعيدة عن غزة.

الغرفة صغيرة، تفوح منها رائحة الرطوبة والبارود، لكنها تعج بالحياة. في الزاوية، زوجته أم محمد تجلس على الأرض، تحمل ابنهما الصغير، محمد، الذي يلعب بحجر صغير مرسوم عليه علم فلسطين. ابنتهما الكبرى، ليلى، في العاشرة، ترسم على ورقة قديمة صورة للقدس، قبة الصخرة تتوسطها بألوان باهتة. الجد، أبو علي، يجلس بجانب النافذة المكسورة، يحكي قصصًا عن أيام النكبة، عن البحر في يافا، عن حقول الزيتون التي كان يزرعها. المشهد ينبض بالحياة رغم الموت المحيط: رغيف خبز مقسم بعناية بين الجميع، كوب ماء يتشاركونه، وأغنية خافتة تغنيها أم محمد لتهدئ طفلها. ياسر ينظر إلى عائلته، قلبه يعتصر من الألم، لكنه يحمل إرادة حديدية، إرادة تأتي من الأرض نفسها. يقول بصوت هادئ لكنه قوي: "سنبقى هنا، مهما فعلوا". ليلى ترفع رأسها، تسأل: "يا أبي، هل سنرى القدس يومًا؟". ياسر يبتسم، ابتسامة تخفي الوجع: "سنراها، يا ليلى. لكن الآن، نحن نحمي الأرض".

خارج الغرفة، زقاق المخيم يعج بالحياة رغم الدمار. أطفال يلعبون بكرة مصنوعة من قماش قديم، ضحكاتهم تتحدى أصوات القنابل البعيدة. نساء يتبادلن الطعام، يوزعن الماء، يساعدن في إصلاح جدار مهدم. رجال يحفرون تحت الأنقاض، يبحثون عن أي شيء يمكن أن يساعد: قطعة قماش، أداة، ذكرى. ياسر يخرج من الغرفة، يحمل بندقيته، يتحرك بحذر بين الأنقاض، يتبادل الإشارات مع مقاومين آخرين. يعرف أن العالم قد تخلى عن غزة، أن دونالد الصفقة يوقّع صفقات في نيويورك، أن عبد الحميد الثالث يبيع الشعارات في أنقرة، أن محمود الرئيس يسلم الضفة مقابل شيكات، أن قطر بن خليف يمول الفوضى في سوريا. لكنه يعرف أيضًا أن غزة لا تنتظر العالم، بل تصنع مصيرها بحجارتها وإرادتها.

أم محمد تجلس بجانب نار صغيرة، تغني أغنية عن البحر في عكا، صوتها مرتجف لكنه مليء بالأمل. تقول لليلى: "كنت في سنك عندما رأيت شجرة زيتون في قريتنا. كانت قوية، مثلنا". ليلى تبتسم، تحلم بالشجرة التي لم ترها، لكنها تؤمن بها. أبو علي يتدخل، صوته خافت لكنه عميق: "الأرض لا تموت، يا ليلى. نحن أبناؤها، وسنبقى هنا". ياسر يستمع من بعيد، يشعر بقوة غريبة تملأ صدره. هذه القصص، هذه الأغاني، هي سلاح غزة، أقوى من أي قنبلة. ينظر إلى محمد، الطفل الذي يلعب بحجره، ويقول: "ستعيش في فلسطين حرة، يا محمد". أم محمد تبتسم: "وهو سيحمل اسم الأرض، كما نحملها جميعًا".

فجأة، يسمعون صوت اقتراب طائرة. الجميع يتجمدون، أم محمد تضم طفلها، ليلى تختبئ خلف أبيها، وأبو علي يظل جالسًا، كأنه يتحدى الموت نفسه. ياسر يرفع بندقيته، يتحرك نحو الزقاق، يرى ظلال جنود في الأفق. لكنه يرى أيضًا طفلًا من المخيم، يقف بعيدًا، يحمل حجرًا، يرميه باتجاه الجنود. الحجر لا يصيب أحدًا، لكنه يرسل رسالة: غزة لا تستسلم. ياسر يبتسم: "هذا هو سلاحنا، الحجر والإرادة". أبو علي يضحك، ضحكة خافتة لكنها مليئة بالحياة: "حجر واحد يكفي لإرباك جيشهم". الطائرة تمر، القصف يتوقف للحظة، والمخيم يعود إلى حياته: الأطفال يلعبون، النساء يغنين، والرجال يخططون.

الليل يهبط على غزة، لكنه ليل مختلف. النجوم تظهر خلف السحب، كأنها ترسل رسالة إلى الشعب. ياسر يجلس مع عائلته، يتشاركون رغيف خبز وكوب ماء. أم محمد تحكي عن قريتها القديمة، عن شجرة زيتون كانت تلعب تحتها. تقول: "الزيتون لا يموت، يا ليلى. حتى لو اقتلعوه، يبقى في قلوبنا". ياسر يستمع، يشعر بألم يعتصر قلبه، لكنه يشعر أيضًا بالقوة. هذه الذكريات، هذه القصص، هي ما يبقي غزة حية. ينظر إلى ليلى، يرى في عينيها مستقبلًا لا يمكن للقنابل أن تدمره. يقول: "سنحافظ على الأرض، يا ليلى. مهما فعلوا". أبو علي يتدخل: "وهذا هو النصر، يا ياسر. أن نبقى هنا".

المقاومون يتجمعون في الزقاق، يتبادلون قصصًا عن انتصارات صغيرة: جندي هرب، طائرة أخطأت هدفها، طفل رمى حجرًا. هذه الانتصارات، رغم بساطتها، هي وقود المقاومة. ليلى تقترب، تحمل ورقتها التي رسمت عليها قبة الصخرة، تقول: "هذه للقدس، يا أبي". ياسر يأخذ الورقة، يضعها على الطاولة بجانب الخريطة، ويقول: "هذا هو سلاحنا". أم محمد تغني مرة أخرى، صوتها يعلو فوق أصوات القنابل البعيدة، كأنها تتحدى العالم. أبو علي يحكي قصة أخرى، عن يوم كان يزرع الزيتون مع أبيه. ليلى تستمع، ترسم في ذهنها صورة فلسطين التي لم ترها، لكنها تؤمن بها. ياسر يرفع صوته: "هذه هي غزة! لا دولارات، لا صفقات، فقط إرادتنا!". الجميع يهتف، الأطفال يرفعون أعلامًا مرسومة على أوراق قديمة، والنساء يغنين. بينما دونالد الصفقة يغرد عن السلام، وعبد الحميد يبيع الشعارات، ومحمود الرئيس يسلم الضفة، وقطر بن خليف يمول الفوضى، غزة تقاوم. لا تملك سوى أنقاضها وحجارتها، لكن ذلك يكفي. ياسر ينظر إلى عائلته، يرى فيهم فلسطين الحقيقية، فلسطين التي لا تُباع. يرفع بندقيته، ليس ليطلق النار، بل ليؤكد وجوده. يقول لليلى: "هذه الأرض لنا، وسنبقى هنا". والليل يستمر، لكن غزة لا تنام، لأنها تعرف أن النوم هو الاستسلام، وغزة لا تستسلم أبدًا. النار التي تحيط بها ليست نار الدمار، بل نار مقدسة، نار الإرادة التي لا تنطفئ.


الفصل الثاني: قطر بن خليف وقصر الرمال

في برج زجاجي متلألئ في قلب الدوحة، يجلس قطر بن خليف على كرسي دوّار مغطى بالجلد الأسود، يطل على شاشات عملاقة تملأ الجدران، تعرض صورًا من سوريا: قرى مدمرة، دخان يتصاعد، ووجوه أطفال مشوهة بالخوف. الغرفة فخمة، مزينة بالفولاذ والرخام، لكنها تبدو كقصر من الرمال، لامع من الخارج لكنه هش، معرض للانهيار في أي لحظة. بن خليف يرتدي ثوبًا أبيض ناصعًا، مطرزًا بخيوط ذهبية، ويحمل قلمًا ذهبيًا يعبث به بعصبية، كأنه يحاول كتابة مصير لم يعد يملكه. على الطاولة أمامه، تقرير مالي يحصي تريليوني دولار أنفقها على دعم ما كان يُسمى "الثورة" في سوريا، لكن الكلمة تبدو الآن كمزحة مريرة، شعار اخترعه مستشاروه ليخفوا الخراب الذي تسبب به. ينظر إلى الشاشات، يرى صورة أبو محمود الجليل في خيمته، يتحدث إلى مقاتليه عن "النصر"، ويتمتم: "هذا الرجل... هو من يحقق أحلامنا". لكنه يعرف أن أبو محمود ليس سوى دمية، تحركها أوامر من لندن أو واشنطن، وربما أنقرة، بينما هو، بن خليف، يدفع الفاتورة.

يدخل مستشار بريطاني، رجل طويل يرتدي بدلة رمادية، يحمل جهازًا لوحيًا يعرض خرائط وأرقامًا. يتحدث بصوت بارد: "سيدي، أبو محمود نفذ الأوامر. القرية دُمرت، والمنطقة تحت السيطرة". بن خليف ينظر إليه، يحاول إخفاء غضبه: "لكن التقارير تقول إنه يتلقى أوامر من لندن! أين نفوذي أنا؟". المستشار يبتسم، ابتسامة خالية من الدفء: "لا تقلق، يا سيدي. أموالكم تضمن الاستقرار". بن خليف يصرخ: "دفعت تريليونين! أين قطر في هذه اللعبة؟". المستشار يرفع كتفيه، كأنه يقول إن السؤال لا يستحق الإجابة، ثم يخرج، تاركًا بن خليف وحيدًا مع شاشاته التي تعرض المزيد من الدمار. يشعر بالغضب، لكنه يعرف أنه محاصر: أمواله هي قوته، لكنها أيضًا قيده. يتذكر الأيام التي كان يحلم فيها بأن تصبح قطر مركزًا للنفوذ العالمي، لكنه الآن يرى أن أمواله ذهبت لتمويل فوضى تخدم مصالح آخرين، بينما قطر تُترك في الظل.

الشاشات تتحول إلى صورة عبد الحميد الثالث في أنقرة، يلقي خطابًا عن قوة تركيا بفضل صفقة مع دونالد الصفقة. بن خليف يضحك ضحكة مريرة: "حتى عبد الحميد يلعب لعبته الخاصة! وأنا من يدفع!". يشعر بالخيانة، لكنه يعرف أنه لا يستطيع التوقف. الأموال يجب أن تستمر في التدفق، والمسرحية يجب أن تستمر. يضغط على زر، تظهر صورة غزة: أنقاض، دماء، ومقاومون يرفعون أعلام فلسطين. يشعر بنخزة في ضميره، لكنه يطردها بسرعة: "هذا ليس شأني. أنا أبني إمبراطورية!". لكنه يعرف أن إمبراطوريته وهم، قصر من الرمال يمكن أن ينهار تحت وطأة الرياح. يفتح درجًا، يخرج تقريرًا قديمًا بعنوان: "الاستثمار في سوريا: طريق قطر إلى العظمة". يقرأ العنوان، يضحك: "عظمة؟ هذا الطريق يقود إلى الجحيم!". يمزق التقرير، لكنه يعرف أن تمزيقه لن يغير شيئًا.

يدخل مستشار قطري، يرتدي ثوبًا تقليديًا، يبدو متوترًا. يقول: "سيدي، هناك أنباء عن قصف محتمل... ربما إسرائيل تخطط لضرب أهداف في المنطقة!". بن خليف ينظر إليه، يشعر برعب للحظة، لكنه يخفيه: "قصف؟ مستحيل! نحن حلفاء دونالد الصفقة!". المستشار يهز رأسه: "واشنطن لا تكافئ الخاسرين، سيدي". بن خليف يصرخ: "لكنني دفعت تريليونين! أنا لست خاسرًا!". لكن الكلمات تبدو كأنها تصرخ في فراغ. المستشار يخرج، تاركًا بن خليف مع شاشاته التي تعرض صورًا من سوريا: امرأة تحمل طفلًا ميتًا، رجل يبكي على أنقاض بيته. يغلق عينيه، يحاول طرد الصور، لكنه لا يستطيع. الصور محفورة في ذهنه، كأنها تتهمه، كأنها تسأله: "لماذا دفعتني؟".

الشاشات تتحول إلى صورة أبو محمود الجليل، يتلقى أوامر جديدة من لندن. بن خليف يشعر بالغضب، لكنه عاجز. يتذكر الوعود التي تلقاها من مستشاريه الغربيين: "ستكونون صانعي القرار! ستكونون ملوك المنطقة!". لكنه الآن يرى الحقيقة: لندن تتحكم، واشنطن تضحك، وهو مجرد بنك يمول مخططات لا يفهمها. يضغط على زر آخر، تظهر صورة من الضفة الغربية: مستوطنات تنتشر، أراضٍ تُسلب، ومحمود الرئيس يوقّع على عقد جديد. بن خليف يهمس: "الجميع يبيع. لكن أنا؟ أنا من يدفع الثمن!". يشعر بالعجز، لكنه يواصل، كأن التوقف يعني الاعتراف بالهزيمة. يخرج من الغرفة، يسير في شوارع الدوحة اللامعة، يرى الأبراج الزجاجية التي بنتها أمواله. لكنه يشعر أنها قصر من الرمال، هشة كأحلامه. الناس ينظرون إليه، يبتسمون، لكنه يعرف أن ابتساماتهم مزيفة. يعود إلى غرفته، يجلس أمام الشاشات، ينظر إلى صور الدمار. يهمس: "هل كنت مخطئًا؟". لكن الشاشات لا تجيب، وقصر الرمال يبقى واقفًا، لكنه يعرف أن الرياح قادمة، وأن الانهيار ليس بعيدًا.


الفصل الثالث: عبد الحميد الثالث وسجن الشعارات

في قصر فخم في أنقرة، يجلس عبد الحميد الثالث على عرش مزين بالذهب والمخمل الأحمر، لكنه يبدو كسجن مغطى بالترف، محاطًا بجدران عالية مغطاة بستائر ثقيلة تحول دون دخول الضوء. القصر صامت، باستثناء همهمة مكيفات الهواء وأصوات أقدام الحراس في الممرات البعيدة. عبد الحميد يرتدي بدلة سوداء، ربطة عنقه الحمراء مشدودة كأنها تكاد تخنقه، ووجهه يحمل تعب رجل يحاول أن يبدو قويًا بينما ينهار من الداخل. على الطاولة أمامه، أوراق عقود صفقة الـ100 مليار دولار مع دونالد الصفقة، خريطة للشرق الأوسط مليئة بالخطوط والأسهم، وصورة قديمة للقدس، المسجد الأقصى شامخ تحت سماء زرقاء. ينظر إلى الصورة، عيناه مملوءتان بالحنين والذنب، ويتمتم: "القدس... كنتِ في قلبي يومًا". لكنه يعرف أن قلبه أصبح ثقيلًا بالتسويات، بالعقود، بالصفقات التي وقّع عليها دون أن يفكر في عواقبها.

الغرفة مضاءة بمصابيح خافتة، كأنها ترفض كشف الحقيقة. على الحائط، شاشة كبيرة تعرض تقارير إخبارية: احتجاجات في أوروبا ضد دعم أمريكا للإبادة في غزة، صور أطفال تحت الأنقاض، وخطابات دونالد الصفقة عن "السلام الرائع". عبد الحميد ينظر إلى الشاشة، يشعر بنخزة في صدره، لكنه يطردها. يتذكر مكالمته الأخيرة مع دونالد: "صديقي العزيز، هذه الصفقة ستجعل تركيا قوة عظمى!". لكنه يعرف أن هذه القوة وهمية، أن تركيا أصبحت وسيطًا في لعبة كبرى يتحكم بها واشنطن وتل أبيب. يمسك بالقلم الذهبي، يوقّع على عقد آخر، لكنه يشعر كأن الحبر دم، دم شعب لم يعد يستطيع مواجهته.

يدخل مستشار بريطاني، رجل في منتصف العمر يرتدي بدلة رمادية، يحمل جهازًا لوحيًا يعرض أرقامًا وخرائط. يقول بصوت هادئ لكنه مليء بالسلطة: "سيدي، أبو محمود الجليل نفذ الأوامر في سوريا. لكن هناك حاجة لمزيد من التمويل". عبد الحميد ينظر إليه، يشعر بالغضب: "لماذا أنا من يدفع دائمًا؟ أين لندن؟ أين واشنطن؟". المستشار يبتسم، ابتسامة باردة: "أنتم شركاء، سيدي. لكن الشركاء يدفعون". عبد الحميد يصرخ: "أنا لست ممولًا! أنا قائد الأمة!". لكن المستشار لا يرد، يخرج بصمت، تاركًا عبد الحميد وحيدًا مع شاشاته وأوراقه. يشعر بالعجز، كأن القصر الذي يعيش فيه سجن بناه بنفسه بكل توقيع، بكل شعار ألقاه.

الشاشة تتحول إلى صورة من غزة: أنقاض، دماء، ومقاومون يرفعون أعلام فلسطين. عبد الحميد يغلق عينيه، يحاول طرد الصور، لكنه لا يستطيع. صوت طفل يبكي يتردد في أذنيه، كأنه يتهمه. يتذكر خطاباته النارية عن القدس، عن الأمة، عن المقاومة. لكنه يعرف أن هذه الخطب أصبحت فارغة، مجرد كلمات يلقيها ليحافظ على صورته كقائد. ينظر إلى صورة القدس على الطاولة، يتذكر وعده: "القدس في قلبي". لكنه يعرف أن قلبه أصبح مليئًا بالعقود، بالدولارات، بالتسويات التي باع بها هذا الوعد. يحاول إقناع نفسه: "أنا أفعل هذا من أجل تركيا. من أجل الأمة". لكن صوتًا داخليًا يهمس: "خائن".

يدخل مستشار تركي، شاب يرتدي بدلة زرقاء، يبدو متوترًا. يقول: "سيدي، هناك تقارير عن احتجاجات في إسطنبول. الناس يتحدثون عن غزة، يقولون إنك تخذل القضية". عبد الحميد يصرخ: "احتجاجات؟ دعيهم يحتجون! أنا أبني قوة تركيا!". لكن المستشار يهز رأسه: "الناس يرون الصور، سيدي. الأطفال تحت الأنقاض...". عبد الحميد يقاطعه: "هذه أخبار مزيفة! نحن نبني السلام مع دونالد!". لكنه يعرف أن كلمة "السلام" ليست سوى قناع، قناع يخفي الحقيقة: أن صفقاته تمول قنابل تسقط على غزة، على سوريا، على شعوب لا يعرف أسماءها.

يدخل مستشار آخر، يحمل تقريرًا عن سوريا: "أبو محمود الجليل يطلب المزيد من الأسلحة". عبد الحميد يضحك، ضحكة مليئة بالمرارة: "أبو محمود؟ إنه يعمل للندن، وليس لي!". لكنه يوقّع على طلب إرسال الأسلحة، لأنه يعرف أن التوقف يعني خسارة مكانته في هذه اللعبة. ينظر إلى الخريطة على الطاولة، يرى خطوط النفوذ التي رسمها بنيامين الحديد، خطوط الأنابيب التي يريدها دونالد الصفقة، والفوضى التي يمولها قطر بن خليف. يشعر أنه مجرد لاعب صغير في لعبة كبرى، لاعب يظن نفسه قائدًا لكنه ليس سوى أداة. يتذكر الأيام التي كان يحلم فيها بإعادة مجد الإمبراطورية العثمانية، لكنه الآن يرى أن هذا المجد ليس سوى شعار آخر، شعار يلقيه ليخفي حقيقة أنه محاصر في سجن من صنعه.

الشاشة تتحول إلى صورة من الضفة الغربية: مستوطنات تنتشر، أراضٍ تُسلب، ومحمود الرئيس يوقّع على عقد جديد. عبد الحميد يهمس: "حتى محمود يبيع! لكن أنا؟ أنا أبيع القدس!". يشعر بالذنب، لكنه يطرد الفكرة، يرفع الهاتف، يتصل بدونالد الصفقة: "صديقي العزيز، الصفقة تسير كما خططنا. تركيا معكم!". دونالد يضحك من الطرف الآخر: "رائع! تركيا عظيمة! السلام قادم!". لكن عبد الحميد يشعر ببرودة في صوت دونالد، كأنه يتحدث إلى أداة، وليس شريكًا. يغلق الهاتف، ينظر إلى صورة القدس، ويشعر بثقل لا يطاق. يتذكر الخطب التي ألقاها، الوعود التي قطعها لشعبه: "سنحمي القدس! سنقف مع فلسطين!". لكنه يعرف أن هذه الشعارات أصبحت فارغة، مجرد كلمات يلقيها ليخفي الحقيقة.

القصر يصبح أكثر ظلمة، كأن الستائر الثقيلة تمتص الضوء المتبقي. عبد الحميد يخرج من غرفته، يسير في ممرات طويلة، يمر بصور لقادة عثمانيين، يتذكر أحلامه بإعادة المجد. لكنه يعرف أن هذا المجد وهم، وهم يبيعه لدونالد الصفقة مقابل 100 مليار دولار. يقف أمام نافذة صغيرة، ينظر إلى شوارع أنقرة، يرى الناس يتحركون، يعيشون حياتهم. يتساءل: "هل يرونني خائنًا؟". لكنه لا ينتظر الإجابة. يعود إلى مكتبه، يجلس على العرش، ينظر إلى صورة القدس مرة أخرى. يهمس: "سامحيني، يا قدس". لكنه يعرف أن القدس لا تسمع، وأن القصر الذي يعيش فيه هو سجن من الشعارات، سجن بناه بنفسه، سجن لا مخرج منه.


الفصل الرابع: دونالد الصفقة ومملكة الدولارات

في جناح فخم يعلو ناطحة سحاب في نيويورك، يجلس دونالد الصفقة على كرسي جلدي أسود، محاطًا بنوافذ زجاجية تمتد من الأرض إلى السقف، تطل على أضواء المدينة المتلألئة كأنها جواهر في تاج إمبراطوريته. الغرفة فاخرة، مزينة بطاولات رخامية ولوحات ذهبية، لكنها تبدو كمملكة من الدولارات، لامعة من الخارج لكنها فارغة من الداخل، مبنية على أوهام الأرباح والنفوذ. دونالد يرتدي بدلة زرقاء داكنة، ربطة عنقه الحمراء مشدودة بعناية، وشعره ممشط بطريقة تتحدى الجاذبية. أمامه شاشة عملاقة تعرض خرائط الشرق الأوسط، خطوط أنابيب غاز تمتد من البحر الأسود إلى أوروبا، وأرقامًا ضخمة تمثل أرباح صفقاته. يبتسم ابتسامة عريضة، يرفع كوب قهوة مطلي بالذهب، ويقول بصوت عالٍ يتردد في الغرفة: "أصدقائي، هذه الصفقات تجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى! 100 مليار مع تركيا، 200 مليار مع بنيامين الحديد! الجميع يفوز!". لكنه يعرف، في لحظات نادرة من الصدق مع نفسه، أن هذه الانتصارات ليست سوى أوهام، تخفي دماءً تُسفك في أماكن لا يهتم بزيارتها.

على الطاولة أمامه، أكوام من العقود، تقارير استخباراتية، وصور جوية لغزة تظهر أنقاضًا ودخانًا. ينظر إلى الصور، يشعر بنخزة في صدره، لكنه يطردها بسرعة. يتذكر مكالمته الأخيرة مع بنيامين الحديد: "دمّر كل شيء إذا لزم الأمر، يا بنيامين! الأمن أولاً!". لكنه يعرف أن "الأمن" الذي يتحدث عنه هو قناع للأرباح، للنفوذ، للصفقات التي تجعل جيوبه أثقل وقلبه أخف من المسؤولية. يدخل مستشارة، امرأة شابة ترتدي بدلة حمراء، تحمل جهازًا لوحيًا يعرض تقارير عن احتجاجات عالمية ضد دعم أمريكا لما يُسمى "الإبادة" في غزة. تقول بحذر: "سيدي، الرأي العام يتحدث عن جرائم حرب. الصور من غزة... الأطفال...". دونالد يقاطعها، يلوح بيده: "أخبار مزيفة! غيّري القناة! نحن نبني السلام! سلام رائع!". المستشارة تنظر إليه، عيناها تحملان شكًا، لكنها تخرج بصمت، تاركة إياه مع شاشاته وأوهامه.

الشاشة تتحول إلى صورة عبد الحميد الثالث في أنقرة، يلقي خطابًا عن قوة تركيا بفضل الصفقة مع دونالد. يضحك دونالد: "عبد الحميد، يا لك من رجل! يظن أنه شريك، لكنه ممثل في مسرحيتي!". لكنه يعرف أن هذه المسرحية ليست ملكه وحده. لندن تشارك في كتابة النص، وتل أبيب تضع اللمسات الأخيرة، بينما قطر بن خليف يمول العرض بدولاراته. ينظر إلى خريطة الشرق الأوسط، يرى خطوط الأنابيب، المستوطنات، ومناطق النفوذ، لكنه يرى أيضًا بقعة صغيرة تُسمى غزة، بقعة ترفض أن تنطفئ. يشعر بنخزة أخرى، لكنه يطردها، يرفع هاتفه، ويغرد: "صفقات رائعة! الشرق الأوسط يحب أمريكا! السلام قادم!". لكنه يعرف أن تغريداته لا تغير الحقيقة: أن السلام الذي يتحدث عنه هو كذبة تخفي دماءً وأنقاضًا.

يدخل رجل أعمال أمريكي، يرتدي بدلة زرقاء، يحمل حقيبة مليئة بالعقود. يقول بحماس: "سيد دونالد، خط الأنابيب الجديد سيغير قواعد اللعبة! سنسيطر على أسواق الطاقة!". دونالد يصفق: "رائع! النفط رائع! أمريكا أولاً!". لكنه لا يذكر أن هذه الأنابيب ستمر عبر أراضٍ مدمرة، أراضٍ كانت يومًا ملكًا لشعوب لم يعد لها صوت. يوقّع على العقد، يبتسم للكاميرات، لكنه يشعر بثقل غامض. يتذكر تقريرًا قرأه عن غزة: آلاف القتلى، مدن محطمة، ومقاومة لا تتوقف. يحاول إقناع نفسه: "هذا ليس شأني. أنا أبني اقتصادًا رائعًا!". لكن صوتًا داخليًا يهمس: "أي اقتصاد هذا؟".

الشاشة تتحول إلى صورة من سوريا: أبو محمود الجليل في خيمته، يتلقى أوامر من لندن. دونالد يضحك: "أبو محمود، يا لك من ممثل رائع! قطر يدفع، وأنت تنفذ!". لكنه يعرف أن هذه المسرحية جزء من لعبة أكبر، يتحكم بها هو ظاهريًا، لكن القواعد تُكتب في غرف مغلقة بعيدًا عنه. يدخل مستشار آخر، رجل مسن يرتدي بدلة سوداء، يحمل تقريرًا عن الضفة الغربية: "سيدي، محمود الرئيس وقّع على اتفاق جديد. المستوطنات تتوسع". دونالد يبتسم: "محمود! رجل ذكي! يعرف كيف يلعب!". لكنه يعرف أن محمود ليس سوى دمية أخرى، مثل أبو محمود، مثل عبد الحميد، مثل الجميع في هذه المسرحية.

يدخل مستشار ثالث، يحمل تقريرًا عن احتجاجات في أوروبا: "سيدي، العالم يتحدث عن غزة. الصور تُنشر في كل مكان". دونالد يلوح بيده: "دع العالم يتحدث! نحن نبني السلام! سلام رائع!". لكنه يعرف أن هذه الكلمات فارغة، أن الصور التي يحاول تجنبها محفورة في ذهنه: أطفال تحت الأنقاض، أمهات يصرخن، مقاومون يرفعون أعلامًا مرسومة على أوراق قديمة. يطرد الفكرة، يرفع هاتفه مرة أخرى، يغرد: "أمريكا تقود العالم! صفقات رائعة! الشرق الأوسط يزدهر!". لكنه يشعر ببرودة في قلبه، كأن هذه التغريدات ليست سوى قناع يخفي الحقيقة.

الغرفة تصبح أكثر برودة، كأن أرواح الضحايا تملأ المكان. دونالد ينظر إلى النوافذ، يرى أضواء نيويورك، لكنه يشعر بالوحدة. يتذكر خطاباته عن "أمريكا العظيمة"، عن "السلام الرائع"، لكنه يعرف أن هذه الكلمات فارغة، مجرد شعارات تخفي الحقيقة: أن صفقاته تمول حروبًا، أن دولاراته تتحول إلى قنابل، أن مملكته مبنية على الدماء. يخرج من الغرفة، يسير في ممر طويل، يمر بمكاتب مليئة بالمستشارين، يسمع أصواتًا تتحدث عن أرباح، عن نفوذ، عن قوة. لكنه يشعر أن هذه المملكة وهمية، أن النوافذ الزجاجية التي تحيط به هي قفص لامع، سجن من الدولارات. يقف أمام نافذة، ينظر إلى المدينة، ويتمتم: "أنا أبني التاريخ". لكنه يعرف أن التاريخ الذي يبنيه مليء بالدماء، وأن مملكته، مهما كانت لامعة، ستبقى مملكة أوهام، هشة كقصر من الرمال تنتظر ريحًا قوية لتنهار.



الفصل الخامس: محمود الرئيس ومرآة الخيانة

في غرفة صغيرة في رام الله، يجلس محمود الرئيس على كرسي خشبي متهالك، يصدر صريرًا مع كل حركة، كأنه يحكي قصة سنوات الخيبات والتسويات. الغرفة ضيقة، جدرانها بيضاء متشققة، مزينة بملصقات قديمة لفلسطين، خريطة الضفة الغربية مغطاة بخطوط حمراء تشير إلى المستوطنات المتزايدة، وصورة بالأبيض والأسود له مع ياسر الحر، يبتسمان في زمن كان فيه الأمل ممكنًا. على المكتب أمامه، أكوام من الأوراق: تقارير عن هدم قرى، شكاوى من مواطنين، وشيكات بمبالغ تافهة تحمل شعار "المساعدات الدولية". محمود ينظر إلى صورة ياسر الحر، عيناه مملوءتان بالحزن والذنب، ويتمتم: "كنتَ محقًا، يا ياسر. الأرض لا تُباع". لكنه يعرف أن كلماته تأتي متأخرة، أن توقيعاته على العقود قد حولت الأرض إلى سلعة، والشعب إلى رهينة في لعبة لا يتحكم بها. يفتح درجًا قديمًا، يخرج رسالة ممزقة كتبها ياسر الحر: "الأرض هي الشرف، يا محمود". يقرأ الكلمات، يشعر بدموع تترقرق في عينيه، لكنه يمسحها بسرعة، كأنه يخاف أن يراه أحد، حتى لو كان وحيدًا في هذا السجن الذي يسميه مكتبًا.

الغرفة مضاءة بمصباح يومض بشكل متقطع، يعكس ارتباك روحه. على المكتب، كوب قهوة بارد، بجانبه تقرير جديد عن الضفة: مستوطنات تتوسع، طرق تُغلق، وأراضٍ تُسلب تحت مسميات قانونية. محمود يقرأ العنوان: "يهودا والسامرة: الواقع الجديد". الكلمات تطعنه في صدره، لكنه لا يستطيع أن ينظر بعيدًا. يتذكر أيام أوسلو، عندما كان يؤمن بأن السلام ممكن، عندما كان يحلم بدولة فلسطينية عاصمتها القدس. الآن، الضفة تنهار، والسلام الذي تحدث عنه تحول إلى كذبة كبيرة، كذبة وقّع عليها بيده. يغلق التقرير، يضعه جانبًا، ويحاول أن يتذكر متى كانت آخر مرة شعر فيها أنه يقود شعبًا، وليس مجرد موظف يتلقى أوامر من واشنطن.

يدخل مستشار أمريكي، رجل طويل يرتدي بدلة زرقاء لامعة، يحمل حقيبة جلدية تبدو ثقيلة كأنها مليئة بالوعود الكاذبة. يضع شيكًا صغيرًا على المكتب، يبتسم ابتسامة باردة: "وقّع هنا، يا محمود. هذا سيضمن استمرار التمويل". محمود ينظر إلى الشيك، مبلغ لا يكفي لشراء كرامته، لكنه يعرف أنه لا يملك خيارًا. يأخذ القلم، يتردد، ينظر إلى صورة ياسر الحر، كأنه يطلب المغفرة. ثم يوقّع. المستشار يضحك، ضحكة خافتة لكنها قاسية: "جيد، يا محمود. الآن الضفة تحت السيطرة". محمود يشعر بقلبه ينقبض، لكنه لا يرد. يعرف أن توقيعه ليس مجرد حبر، بل تسليم لأرض، لتاريخ، لشعب كان يفترض أن يحميه.

المستشار يخرج، تاركًا محمود وحيدًا مع أفكاره. ينظر إلى الشيك، يحاول إقناع نفسه أن هذه الأموال ستساعد الناس، ستدفع رواتب الموظفين، ستشتري أدوية. لكنه يعرف أنها رشوة، رشوة ليبقى صامتًا، ليبقى موظفًا مطيعًا. يتذكر أحلامه القديمة: زيارة واشنطن كرئيس دولة، استقباله في البيت الأبيض، التصفيق له كبطل. لكنه يضحك ضحكة مريرة: "بعت الضفة، ولم أحصل حتى على فيزا!". يتذكر المرات التي رُفضت فيها تأشيرته، كأن واشنطن تقول له: "أنت لست شريكًا، أنت مجرد أداة". يشعر بالإهانة، لكنه يعرف أنه اختار هذا الدور بنفسه، بكل توقيع، بكل صمت.

يدخل مساعد شاب، يحمل تقريرًا جديدًا عن هدم قرية في الضفة. يقول بحزن: "سيدي، المستوطنون هدموا بيوتًا أخرى اليوم. الناس يصرخون في الشوارع". محمود ينظر إليه، يحاول أن يجد كلمات تعزية، لكنه لا يجد سوى الصمت. يعرف أن توقيعه هو الذي سمح بذلك، أن صمته هو الذي يسمح باستمرار الظلم. يطرد المساعد، يغلق الباب، ويعود إلى رسالة ياسر الحر. يقرأها مرة أخرى: "الأرض هي الشرف". يبكي، لكنه يخفي دموعه عندما يسمع طرقًا على الباب. يدخل موظف آخر، يحمل طلبًا جديدًا من المستشار الأمريكي: "وقّع هنا، سيدي. إنه اتفاق جديد للتنسيق الأمني". محمود ينظر إلى الورقة، يرى كلمات مثل "الاستقرار" و"التعاون"، لكنه يعرف أنها تعني المزيد من القمع، المزيد من التسليم. يوقّع، لكنه يشعر كأن يده تكتب حكمًا بالإعدام على نفسه.

يدخل موظف آخر، يحمل تقريرًا عن احتجاجات في رام الله: "الناس يقولون إنك بعت القضية، سيدي". محمود يصرخ: "أنا أحافظ على الاستقرار! بدوني، ستكون الفوضى!". لكنه يعرف أن هذا الاستقرار هو وهم، أن الشعب لم يعد يراه رئيسًا، بل رجلًا عجوزًا يبيع أرضه. ينظر إلى مرآة صغيرة مكسورة على المكتب، يرى وجهه مشوهًا، كأنه لم يعد يعرف نفسه. يتذكر الخطب التي ألقاها، الوعود التي قطعها: "سنبني دولة! سنحرر القدس!". لكنه يعرف أن هذه الوعود أصبحت فارغة، مجرد كلمات يلقيها ليخفي الحقيقة: أنه أصبح أداة في يد بنيامين الحديد ودونالد الصفقة. ينظر إلى الخريطة، يرى الخطوط الحمراء تتوسع، والأرض تتقلص. يشعر بثقل لا يطاق، كأنه يحمل كل خيبات الشعب على كتفيه.

يخرج من المكتب، يسير في شوارع رام الله، يرى الناس ينظرون إليه بنظرات مليئة بالخيبة. يحاول أن يبتسم، أن يرفع يده تحية، لكنه يعرف أن الشعب لم يعد يراه رئيسًا، بل مجرد رجل عجوز يبيع أرضه. يقف أمام جدارية على حائط، تصور قبة الصخرة، وطفلًا يحمل علم فلسطين. يشعر بالدموع تترقرق في عينيه، لكنه يمسحها بسرعة. يتذكر كلمات ياسر الحر: "الأرض هي الشرف". يهمس: "سامحني، يا ياسر". لكنه يعرف أن المغفرة لن تأتي، أن المرآة المكسورة التي ينظر إليها تعكس ليس وجهه فقط، بل وجه شعب خُذل، وأرض تُسلب، وحلم تحطم. يعود إلى مكتبه، يجلس على الكرسي الصرير، ينظر إلى الخريطة مرة أخرى. يرى المستوطنات تنتشر، والأرض تتقلص، كأنها مرآة أخرى، مرآة الخيانة التي يواجهها كل يوم، مرآة لا يستطيع الهرب منها.


الفصل السادس: بنيامين الحديد وقلعة الأحلام المحطمة

في مكتب حجري بارد في تل أبيب، يجلس بنيامين الحديد خلف مكتب فولاذي ضخم، محاطًا بجدران سميكة كأنها قلعة صممت لصد العالم بأسره. الغرفة عارية من الزينة، باستثناء خريطة ضخمة على الحائط تعرض "يهودا والسامرة"، حيث الضفة الغربية مغطاة بخطوط حمراء ونقاط سوداء تمثل مستوطنات تنتشر كالنار في الهشيم. بنيامين يرتدي بدلة سوداء بسيطة، لكن عينيه تحملان بريقًا حديديًا، نظرة رجل يؤمن أنه يحمل مصير أمة على كتفيه. على المكتب أمامه، تقارير استخباراتية، صور جوية لغزة تظهر أنقاضًا ودخانًا، وهاتف مشفر يرن باستمرار، ينقل أوامر من واشنطن وأنقرة. ينظر إلى الخريطة، يبتسم ابتسامة خافتة، ويتمتم: "الأرض لنا، والتاريخ لنا". لكنه يعرف، في لحظات نادرة من الصدق مع نفسه، أن هذه الكلمات درع يخفي خلفه خوفًا غامضًا، خوفًا من يوم قد تنهار فيه هذه القلعة الحصينة.

يدخل ضابط عسكري، شاب يرتدي زيًا عسكريًا، وجهه يحمل تعب سنوات الحرب. يقول بصوت حاد: "سيدي، العملية في غزة مستمرة، لكن المقاومة تزداد شراسة". بنيامين يرفع حاجبه، يرد بنبرة هادئة لكنها قاسية: "مقاومة؟ إنها مجرد عصابات! دمّروا كل شيء إذا لزم الأمر". الضابط يتردد، يقول: "لكن المدنيون... الأطفال...". بنيامين يقاطعه، يضرب المكتب بيده: "لا تتحدث عن الأطفال! الأمن القومي أولاً!". الضابط يومئ، يخرج بصمت، لكن نظرته تحمل شكًا، كأنه يتساءل عما إذا كان الأمن القومي يبرر الدماء التي تُسفك. بنيامين ينظر إلى الخريطة، يرى بقعة غزة الصغيرة، ويشعر بنخزة في صدره. يطرد الفكرة بسرعة، يتذكر كلمات مستشاره الأمريكي: "القوة هي الحل. لا تفكر، فقط نفّذ".

الهاتف يرن، صوت أمريكي من الطرف الآخر يتحدث عن صفقة جديدة: "200 مليار دولار، يا بنيامين. وقّع، وستحصل على المزيد من الأسلحة". بنيامين يبتسم: "أمريكا صديقتنا العظيمة. الصفقة جاهزة". لكنه يعرف أن هذه الدولارات حبل يربطه بواشنطن، حبل قد يخنقه يومًا. يوقّع على العقد، يرسله عبر جهاز مشفر، لكنه يشعر بثقل في قلبه. يتذكر تقارير عن احتجاجات عالمية، عن "جرائم حرب" في غزة، صور أطفال تحت الأنقاض. يحاول إقناع نفسه: "هذا من أجل الأمن. من أجل الأرض". لكن صوتًا داخليًا يهمس: "أي أمن؟ أي أرض؟".

يدخل مستشار مسن، يرتدي بدلة رمادية، يحمل تقريرًا عن الضفة: "سيدي، المستوطنات تتوسع بسرعة، لكن هناك مقاومة متزايدة". بنيامين يضحك: "مقاومة؟ سنقضي عليها. محمود الرئيس يتعاون، أليس كذلك؟". المستشار يومئ، لكنه يضيف: "لكنه يفقد السيطرة. الشعب يراه خائنًا". بنيامين يلوح بيده: "دعهم يصرخون. طالما يوقّع، فهو يخدمنا". لكنه يعرف أن هذا التعاون هش، أن محمود الرئيس مجرد أداة قد تنهار، تاركة الضفة في فوضى لا يستطيع السيطرة عليها.

الشاشة على الحائط تتحول إلى صور من غزة: أنقاض، دماء، وطفل يحمل حجرًا مرسومًا بعلم فلسطين. بنيامين يغلق عينيه، يحاول طرد الصورة، لكنها محفورة في ذهنه. يتذكر مكالمة مع عبد الحميد الثالث، عندما وعده بدعم تركيا: "سنقف معكم، يا بنيامين!". لكنه يعرف أن عبد الحميد يلعب لعبته الخاصة، أن وعوده فارغة مثل وعود دونالد الصفقة. يدخل مستشار آخر، يحمل تقريرًا عن سوريا: "أبو محمود الجليل ينفذ الأوامر، لكن الفوضى تتزايد". بنيامين يبتسم: "جيد. الفوضى تخدمنا". لكنه يعرف أن هذه الفوضى قد تنقلب ضده يومًا، أن الدماء التي تُسفك في سوريا وغزة قد تتحول إلى لعنة.

يدخل ضابط آخر، يحمل تقريرًا عن هجوم في غزة أدى إلى مقتل جنود. يقول: "سيدي، المقاومة استخدمت أسلحة بدائية، لكنهم قاتلوا كالأشباح". بنيامين يصرخ: "أشباح؟ إنهم إرهابيون! دمّروا كل شيء!". لكنه يعرف أن هذه الكلمات لن تغير الحقيقة: أن غزة تقاوم، أن الضفة تقاوم، أن شعبًا بأكمله يرفض الاستسلام. ينظر إلى الخريطة، يرى غزة، ويشعر بنخزة أخرى. يحاول طردها، يتذكر كلمات مستشاره: "القوة هي الإجابة". لكنه يتساءل: "وماذا لو كانت القوة هي المشكلة؟".

يخرج من المكتب، يسير في ممر طويل، يمر بغرف مليئة بالضباط والمستشارين، يسمع أصواتًا تتحدث عن عمليات جديدة، أسلحة جديدة، أراضٍ جديدة. لكنه يشعر بالوحدة، كأن القلعة الحصينة التي بناها أصبحت سجنًا. يقف أمام نافذة صغيرة، ينظر إلى الأفق، يرى دخانًا يتصاعد من بعيد. يعرف أن هذا الدخان من غزة، لكنه يحاول إقناع نفسه: "هذا من أجل الأمن". لكن صوتًا داخليًا يهمس: "أي أمن؟". يعود إلى مكتبه، يجلس خلف المكتب الفولاذي، ينظر إلى الخريطة. يرى المستوطنات تنتشر، لكنه يرى أيضًا عيون الأطفال في غزة، عيون لا تنام، عيون تتحدى. يتذكر خطاباته عن "أرض إسرائيل الكبرى"، لكنه يعرف أن هذه الأرض تأتي بثمن باهظ: دماء، احتجاجات عالمية، وعيون أطفال تحدق فيه من بعيد. يغلق عينيه، يحاول النوم، لكنه يعرف أن النوم لن يأتي. القلعة الحصينة لا تحميه من نفسه، وظلال الأطفال تتبعه، كأنها تتهمه، كأنها تسأله: "إلى متى؟". لكنه لا يجيب، والحرب تستمر، والقلعة تبقى حصينة، لكنها تحمل في طياتها بذور انهيارها، أحلام محطمة تنتظر لحظة الحساب.


الفصل السابع: أبو محمود الجليل وخيمة الأوهام

في خيمة مهترئة في صحراء جنوب سوريا، حيث الرياح تحمل رائحة البارود وأنين الجرحى، يجلس أبو محمود الجليل على كرسي بلاستيكي مكسور، يرتدي زيًا عسكريًا ممزقًا، وجهه مغطى بالغبار وخطوط التعب التي حفرتها سنوات الحرب. الخيمة مضاءة بمصباح نفطي يومض بشكل متقطع، يعكس ظلالًا مشوهة على جدرانها القماشية البالية. على طاولة خشبية متآكلة أمامه، هاتف قديم يصدر أصواتًا متقطعة، كأنه ينقل أوامر من عالم آخر، وبجانبه مرآة صغيرة مكسورة تعكس وجهه المتعب، وجه رجل يحاول أن يبدو قائدًا لكنه يعرف أنه مجرد دمية تحركها خيوط غير مرئية. على الحائط، خريطة مرسومة بخط اليد تحدد مناطق يدّعي أنه يسيطر عليها، لكن الخريطة مليئة بالشطب والتصحيحات، كأنها محاولة يائسة لرسم انتصار لم يتحقق. بجانبها، صندوق خشبي مغلق بقفل صدئ، مليء بالدولارات التي أرسلها قطر بن خليف، أموال تبدو كأنها ملعونة، كأنها تعرف أنها ليست له، بل لمن يتحكمون به من بعيد. أبو محمود ينظر إلى المرآة، يعدل قلنسوته الصوفية المهترئة، ويتمتم: "أنا الثورة! أنا سوريا!". لكنه يعرف أن هذه الكلمات ليست سوى نص كتبه له آخرون، نص يتلقاه عبر سماعة الأذن المخفية تحت قلنسوته.

الخيمة تعج بالتناقضات: راديو قديم يبث أخبارًا عن قصف جديد، صورة ممزقة لدمشق القديمة، وكومة من الأسلحة الصدئة التي تبدو أكثر عرضة للتلف من القتال. أبو محمود ينظر إلى الصندوق الخشبي، يبتسم ابتسامة مريرة، يعرف أن هذه الدولارات هي ما يبقيه على قيد الحياة، لكنها أيضًا ما يجعله عبدًا لأوامر لندن وواشنطن. يتذكر الأيام التي كان يؤمن فيها بالثورة، عندما كان يحلم بحرية سوريا، لكنه الآن يرى الحقيقة: لا ثورة، فقط فوضى، فوضى يمولها قطر بن خليف ويوجهها مستشارون غربيون. يدخل مقاتل شاب، وجهه مغطى بالغبار، يحمل بندقية تبدو أثقل منه. يقول بصوت مرتجف: "سيدي، القرية المجاورة تتمرد. يقولون إنك بعت سوريا!". أبو محمود يصرخ، وهو يضرب الطاولة: "خونة! أنا أنقذ سوريا!". لكنه يعرف أن القرويين محقون، أن الأوامر التي يتلقاها من لندن ليست لتحرير سوريا، بل لتدميرها.

الهاتف يرن، صوت بريطاني بارد يتحدث: "أبو محمود، القرية يجب أن تُدمر قبل الفجر". أبو محمود يحاول الاعتراض: "لكن هناك مدنيون... أطفال...". الصوت يقاطعه: "نفّذ، والأموال ستصل". يغلق الهاتف، ينظر إلى الصندوق الخشبي، ويشعر بثقل لا يطاق. يحلم بفتح الصندوق، بتوزيع الأموال على الناس، لكنه يعرف أن هذا مستحيل. الأموال ملك لندن، ملك من يحركون الخيوط. يدخل مقاتل آخر، يحمل تقريرًا عن خسائر جديدة: "سيدي، خسرنا عشرين مقاتلًا اليوم. الطائرات قصفت معسكرنا". أبو محمود يصرخ: "الطائرات؟ من أين جاءت؟". المقاتل يهز رأسه: "لا نعرف، سيدي. ربما من حلفائنا". أبو محمود يضحك، ضحكة جوفاء: "حلفاء؟ إنهم يستخدموننا!". لكنه يعرف أنه لا يستطيع التوقف، أن الأوامر يجب أن تُنفذ، وأن الخيمة التي يجلس فيها قد تتحول إلى رماد إذا توقف عن الطاعة.

فجأة، يسمع صوت انفجار قريب. الخيمة ترتجف، المصباح النفطي يسقط، والنار تبدأ في الانتشار على الجدران القماشية. أبو محمود يقفز، يحاول إطفاء النار، لكنه يرى المقاتلين يركضون في حالة ذعر. صوت الطائرات يملأ السماء، والقصف يقترب. يصرخ: "اهربوا! إنه قصف جوي!". لكنه يعرف أن الهروب مستحيل، أن الطائرات تعرف مكانهم بدقة، كأنها تتبع أوامر من نفس الجهة التي ترسل له الدولارات. يركض إلى الصندوق الخشبي، يحاول إنقاذه، لكنه يرى النار تلتهمه. الدولارات تحترق، كأنها تتحول إلى رماد يحمل أحلام سوريا المسروقة. ينظر إلى المرآة المكسورة، يرى وجهه مشوهًا بالدخان والخوف، ويصرخ: "من أنا؟!". لكن المرآة لا تجيب، والنار تستمر في الانتشار.

يدخل رجل عجوز من القرية المجاورة، يرتدي ثوبًا ممزقًا، وجهه مليء بالتجاعيد كأنه خريطة لسوريا المدمرة. يقف أمام أبو محمود، ينظر إليه بعيون مليئة بالغضب: "بعتنا، يا أبو محمود! بعت دماء أبنائنا!". أبو محمود يصرخ: "اخرج! أنا أقاتل من أجل سوريا!". لكن العجوز لا يتحرك، يظل واقفًا، كأنه تجسيد لضميره. يقول: "بعتنا للأجانب. أموالك من قطر، أوامرك من لندن، وسوريا تحترق!". أبو محمود يشعر بالغضب، لكنه يشعر أيضًا بالذنب. يعرف أن العجوز محق، لكنه لا يستطيع الاعتراف. يطرد العجوز، لكن النار تقترب، والخيمة تتحول إلى جحيم.

المقاتلون يركضون، يحملون ما تبقى من أسلحتهم، لكنهم يبدون كالأشباح، كأن إيمانهم بالثورة قد احترق مع الخيمة. أبو محمود يقف وسط النار، ينظر إلى الخريطة وهي تتحول إلى رماد. يتذكر الأوامر التي تلقاها: "دمّر هذه القرية، احتل تلك المدينة". كل أمر كان يأتي مع شيك، مع وعد بالمزيد من الأموال، لكن أيضًا مع المزيد من الدماء. يصرخ: "أنا لم أرد هذا! أردت تحرير سوريا!". لكن صوته يضيع وسط أصوات الانفجارات. يرى ظلال الطائرات في السماء، يعرف أنها ليست طائراته، بل طائرات من يدفعون له، أو ربما من يعاقبونه. يركض خارج الخيمة، يرى الصحراء تمتد أمامه، لكنه لا يرى مكانًا للهروب. النار تلتهم كل شيء: الخيمة، الصندوق، الأحلام.

أبو محمود يقف وسط الصحراء، ينظر إلى السماء المليئة بالدخان. يتذكر الأيام التي كان يحلم فيها بدمشق حرة، بمستقبل لشعبه. لكنه يعرف الآن أن هذه الأحلام كانت وهمًا، أن الثورة التي قاتل من أجلها لم تكن سوى مسرحية كتبها آخرون. ينظر إلى المرآة المكسورة التي أنقذها من النار، يرى وجهه، لكنه لم يعد يعرف من هو. هل هو القائد؟ هل هو الثوري؟ أم هو مجرد دمية احترقت مع خيمته؟ يهمس: "سوريا... سامحيني". لكن الرياح تحمل صوته بعيدًا، والنار تستمر في الاشتعال، والخيمة المحترقة تصبح رمزًا لسوريا التي خسرها، لأحلام شعب تحطمت تحت وطأة الأوامر والدولارات. يسير في الصحراء، يحمل المرآة المكسورة، كأنها الشيء الوحيد الذي يربطه بالحقيقة، حقيقة أنه أصبح جزءًا من أوهام لا يستطيع الهروب منها.


الفصل الثامن: دونالد الصفقة والمسرحية النفطية

في قاعة اجتماعات فخمة في قلب نيويورك، يجلس دونالد الصفقة على رأس طاولة طويلة مصنوعة من خشب الماهوغاني اللامع، تحيط بها كراسي جلدية سوداء يجلس عليها وفد من رجال الأعمال الأتراك والأمريكيين، يتبادلون النظرات الحادة والابتسامات المصطنعة. القاعة مضاءة بثريات كريستالية ضخمة، لكن الضوء يبدو باهتًا، كأنه يعكس زيف المشهد. على الطاولة أمامه، أكوام من العقود المكتوبة بخط صغير، خرائط لأنابيب غاز تمتد من البحر الأسود إلى أوروبا، وصور لمصانع أسلحة جديدة. دونالد يرتدي بدلة زرقاء داكنة، ربطة عنقه حمراء كالنار، وشعره الممشط بعناية يعكس صورة رجل يحب أن يبدو كأنه يتحكم في العالم. يبتسم ابتسامة عريضة، يرفع كوب قهوة مطلي بالذهب، ويقول بصوت عالٍ يتردد في القاعة: "أصدقائي، هذه هي الصفقة التي ستغير التاريخ! 100 مليار دولار مع عبد الحميد الثالث! أمريكا وتركيا معًا، سنحكم العالم!". الحضور يصفق بحماس، لكن التصفيق يبدو كصوت طبول حرب بعيدة، تحمل صدى القنابل التي تسقط على غزة.

دونالد يميل إلى الوراء في كرسيه، ينظر إلى العقود، ويشعر بنشوة السلطة. يرى في كل صفحة أرباحًا، نفوذًا، وصورة رجل يصنع التاريخ. لكنه، في لحظات نادرة، يشعر بنخزة غامضة في صدره، كأنها صوت ضمير حاول إسكاته منذ زمن. يتذكر تقريرًا قرأه صباحًا عن غزة: آلاف القتلى، مبانٍ مدمرة، وأطفال تحت الأنقاض. لكنه يطرد الفكرة بسرعة، يضحك ضحكة عالية: "هذه مجرد أخبار مزيفة! نحن نبني السلام! سلام رائع!". مستشاروه يتبادلون النظرات، يعرفون أن كلمة "السلام" التي يستخدمها دونالد ليست سوى قناع لتغطية الحقيقة: أن الدولارات التي يوقّع عليها اليوم ستتحول إلى قنابل غدًا، قنابل تسقط على شعب لا يعرف عنه شيئًا سوى أنه "مشكلة" يجب حلها.

يدخل رجل أعمال تركي، يرتدي بدلة سوداء أنيقة، يحمل حقيبة مليئة بالوثائق. يقول بحماس: "سيد دونالد، مع هذه الصفقة، سنفتح خط غاز جديد! تركيا ستصبح مركز الطاقة في المنطقة!". دونالد يصفق، يرفع كوبه: "رائع! الغاز رائع! الطاقة رائعة!". لكنه لا يذكر، ولا يريد أن يذكر، أن هذا الغاز سيمر عبر أراضٍ مدمرة، أراضٍ كانت يومًا ملكًا لشعوب لم يعد لها صوت. ينظر إلى الخريطة على الطاولة، يرى خطوط الأنابيب تمتد كأوردة في جسد الشرق الأوسط، لكنه لا يرى الدم الذي يسيل تحتها. يبتسم، يوقّع على عقد آخر، ويقول: "سنعطي بنيامين الحديد 200 مليار إذا أراد! الجميع يفوز في صفقاتي!".

يدخل مستشار أمريكي، امرأة شابة ترتدي بدلة حمراء، تحمل جهازًا لوحيًا يعرض تقارير عن احتجاجات في أوروبا ضد الدعم الأمريكي للإبادة في غزة. تقول بحذر: "سيدي، الرأي العام يتحدث عن جرائم حرب. الصور من غزة... الأطفال...". دونالد يقاطعها، يلوح بيده كأنه يطرد ذبابة: "غيّري القناة! هذه أخبار مزيفة! نحن نبني الاقتصاد! اقتصاد رائع!". المستشارة تحاول الرد: "لكن، سيدي، الصور حقيقية...". دونالد يضحك: "الصور؟ الصور للإعلام! الحقيقة هي هذه العقود!". يشير إلى الأوراق أمامه، كأنها الإنجيل الجديد. المستشارة تنظر إلى زملائها، يتبادلون النظرات الصامتة، كأنهم يعرفون أن الحقيقة مدفونة تحت كومة من الدولارات والأكاذيب.

القاعة تصبح أكثر ضجيجًا، رجال الأعمال يتحدثون عن أرباح متوقعة، عن مصانع جديدة، عن أسواق ستفتح في أوروبا وآسيا. أحدهم يقول: "مع عبد الحميد، سنصدر الأسلحة إلى العالم كله!". دونالد يصفق بحماس: "أسلحة رائعة! أمريكا عظيمة مرة أخرى!". لكنه لا يذكر أن هذه الأسلحة قد تُستخدم ضد شعوب لا يعرف حتى أسماءها. ينظر إلى الخريطة مرة أخرى، يرى بقعة صغيرة تُسمى غزة، ويشعر بنخزة في صدره. لكنه يطرد الفكرة، يعود إلى هاتفه، ويغرد: "صفقات رائعة مع تركيا! السلام قادم! أمريكا أولًا!". الحضور يصفق، لكن التصفيق يبدو كصوت انفجارات بعيدة، انفجارات تحمل أسماء أطفال لن يعرفها أبدًا.

يدخل عبد الحميد الثالث، يرتدي بدلته السوداء، يبدو متعبًا لكنه يحاول إخفاء ذلك بابتسامة عريضة. يقترب من دونالد، يمد يده: "صديقي العزيز، هذه الصفقة ستجعلنا قوة لا تُهزم!". دونالد يصافحه، يضحك: "عبد الحميد، أنت الرجل! 100 مليار دولار، وهذه مجرد البداية!". لكن عبد الحميد يشعر ببرودة في يد دونالد، كأنه يصافح الموت نفسه. ينظر إلى العقود، يرى أرقامًا ضخمة، لكنه يرى أيضًا صورة طفل غزي في ذهنه. يحاول طرد الصورة، يوقّع على العقد، لكن صوتًا داخليًا يهمس: "خائن". يتجاهل الصوت، يبتسم للكاميرات، لكنه يعرف أن الصفقة هذه ليست مجرد أوراق، بل هي حكم بالإعدام على شعب آخر.

الاجتماع يستمر، الحديث يتحول إلى النفط والغاز. رجل أعمال أمريكي يقول: "خط الأنابيب الجديد سيغير قواعد اللعبة! سنسيطر على أسواق الطاقة!". عبد الحميد يومئ، لكنه يشعر بثقل في قلبه. يعرف أن هذه الأنابيب ستمر عبر أراضٍ مدمرة، أراضٍ كانت يومًا ملكًا لشعوب لم يعد لها صوت. دونالد يواصل الحديث: "النفط هو الدم الجديد! من يملك النفط يملك العالم!". لكنه لا يذكر الدم الحقيقي، الدم الذي يسيل في غزة، في سوريا، في كل مكان تطأه أنابيبه. عبد الحميد ينظر إليه، يرى في عينيه بريق الطمع، ويعرف أنه ينظر إلى مرآة تعكس جزءًا من نفسه.

القاعة تصبح أكثر سخونة، كأن رائحة النفط تملأ المكان. دونالد يرفع كوبه مرة أخرى: "للنفط! للصفقات! للصداقة!". الحضور يصفق، لكن التصفيق يبدو كصوت أنابيب تنفجر، تحمل معها أحلام شعوب لم يُسمع صوتها. دونالد ينظر إلى عبد الحميد، يبتسم: "أنت الرجل المناسب، يا عبد الحميد! معًا، سنصنع التاريخ!". لكن عبد الحميد يشعر بثقل لا يطاق، كأن التاريخ الذي يتحدث عنه دونالد ليس سوى كتاب مليء بالدماء والخيانة. يخرج من القاعة، يسير في ممر طويل، يرى صورة القدس على الحائط. يتوقف، ينظر إليها، ويتمتم: "سامحيني، يا قدس". لكنه يعرف أن القدس لا تسمع، والمسرحية يجب أن تستمر.


الفصل التاسع: محمود الرئيس والحلم المكسور

في مكتب صغير في رام الله، يجلس محمود الرئيس على كرسي خشبي يتأوه مع كل حركة، كأنه يحمل ثقل سنوات الخيبات والتوقيعات. الغرفة ضيقة، تحيط بها جدران بيضاء متشققة، مغطاة بملصقات قديمة لفلسطين، خريطة للضفة الغربية مشطوب عليها بخطوط حمراء، وصورة بالأبيض والأسود له مع ياسر الحر، يبتسمان في زمن كان فيه الأمل ممكنًا. المكتب أمامه مزدحم بالأوراق: تقارير عن مستوطنات جديدة، شكاوى من مواطنين، وشيكات بمبالغ تافهة تحمل شعار "الدعم الدولي". محمود ينظر إلى صورة ياسر الحر، عيناه مملوءتان بالحزن، كأنه يبحث عن إجابة لسؤال لم يجرؤ على طرحه: "هل كنت مخطئًا؟ هل بعت القضية؟". يفتح درجًا قديمًا، يخرج رسالة ممزقة الأطراف، مكتوبة بخط ياسر الحر: "الأرض لا تُباع، يا محمود. الأرض هي الشرف". يقرأ الكلمات، يشعر بدموع تترقرق في عينيه، لكنه يمسحها بسرعة، كأنه يخاف أن يراه أحد، حتى لو كان وحيدًا في هذا القفص الذي يسميه مكتبًا.

الغرفة مضاءة بمصباح يومض بشكل متقطع، يعكس ارتباك روحه. على الطاولة، كوب قهوة بارد، بجانبه تقرير جديد عن الضفة: مستوطنات تتوسع، طرق تُغلق، وأراضٍ تُسلب تحت مسميات قانونية. محمود يقرأ العنوان: "يهودا والسامرة: الواقع الجديد". الكلمات تطعنه في صدره، لكنه لا يستطيع أن ينظر بعيدًا. يتذكر أيام أوسلو، عندما كان يؤمن، أو ربما تظاهر بأنه يؤمن، بأن السلام ممكن. الآن، الضفة تنهار، والسلام الذي تحدث عنه تحول إلى كذبة كبيرة، كذبة وقّع عليها بيده. يغلق التقرير، يضعه جانبًا، ويحاول أن يتذكر متى كانت آخر مرة شعر فيها أنه يقود شعبًا، وليس مجرد موظف يتلقى أوامر من واشنطن.

يدخل مستشار أمريكي، رجل طويل يرتدي بدلة زرقاء لامعة، يحمل حقيبة جلدية تبدو ثقيلة كأنها مليئة بالوعود الكاذبة. يضع شيكًا صغيرًا على الطاولة، يبتسم ابتسامة باردة: "وقّع هنا، يا محمود. هذا سيضمن استمرار التمويل". محمود ينظر إلى الشيك، مبلغ لا يكفي لشراء كرامته، لكنه يعرف أنه لا يملك خيارًا. يأخذ القلم، يتردد، ينظر إلى صورة ياسر الحر، كأنه يطلب المغفرة. ثم يوقّع. المستشار يضحك، ضحكة خافتة لكنها قاسية: "جيد، يا محمود. الآن الضفة ملكنا رسميًا". محمود يشعر بقلبة ينقبض، لكنه لا يرد. يعرف أن توقيعه ليس مجرد حبر على ورق، بل هو تسليم لأرض، لتاريخ، لشعب كان يفترض أن يحميه.

المستشار يخرج، تاركًا محمود وحيدًا مع أفكاره. ينظر إلى الشيك، يحاول إقناع نفسه أن هذه الأموال ستساعد الناس، ستدفع رواتب الموظفين، ستشتري أدوية. لكنه يعرف أنها رشوة، رشوة ليبقى صامتًا، ليبقى موظفًا مطيعًا في مكتب الاحتلال. يتذكر أحلامه القديمة: زيارة واشنطن كرئيس دولة، استقباله في البيت الأبيض، التصفيق له كبطل. لكنه يضحك ضحكة مريرة: "بعت الضفة، ولم أحصل حتى على فيزا!". يتذكر المرات التي رُفضت فيها تأشيرته، كأن واشنطن تقول له: "أنت لست شريكًا، أنت مجرد أداة". يشعر بالإهانة، لكنه يعرف أنه اختار هذا الدور بنفسه، بكل توقيع، بكل صمت.

يدخل مساعد شاب، يحمل تقريرًا جديدًا عن هدم قرية في الضفة. يقول بحزن: "سيدي، المستوطنون هدموا بيوتًا أخرى اليوم. الناس يصرخون في الشوارع". محمود ينظر إليه، يحاول أن يجد كلمات تعزية، لكنه لا يجد سوى الصمت. يعرف أن توقيعه هو الذي سمح بذلك، أن صمته هو الذي يسمح باستمرار الظلم. يطرد المساعد، يغلق الباب، ويعود إلى رسالة ياسر الحر. يقرأها مرة أخرى: "الأرض لا تُباع". يبكي، لكنه يخفي دموعه عندما يسمع طرقًا على الباب. يدخل موظف آخر، يحمل طلبًا جديدًا من المستشار الأمريكي: "وقّع هنا، سيدي. إنه اتفاق جديد للتنسيق الأمني". محمود ينظر إلى الورقة، يرى كلمات مثل "الاستقرار" و"التعاون"، لكنه يعرف أنها تعني المزيد من القمع، المزيد من التسليم. يوقّع، لكنه يشعر كأن يده تكتب حكمًا بالإعدام على نفسه.

الغرفة تصبح أكثر برودة، كأن أرواح الفلسطينيين الذين فقدوا أراضيهم تملأ المكان. ينظر إلى النافذة، يرى دخانًا يتصاعد من قرية أخرى هُدمت. يشعر بثقل لا يطاق، كأنه يحمل كل خيبات الشعب على كتفيه. يتذكر الأيام التي كان يحلم فيها بدولة فلسطينية، عاصمتها القدس، لكنه يعرف الآن أن هذا الحلم قد تحول إلى كابوس. يخرج من المكتب، يسير في شوارع رام الله، يرى الناس ينظرون إليه بنظرات مليئة بالخيبة. يحاول أن يبتسم، أن يرفع يده تحية، لكنه يعرف أن الشعب لم يعد يراه رئيسًا، بل مجرد رجل عجوز يبيع أرضه. يعود إلى مكتبه، يجلس على الكرسي الصرير، ينظر إلى صورة ياسر الحر. يهمس: "سامحني، يا ياسر. لم أكن أعرف... أو ربما كنت أعرف، لكنني اخترت أن أنسى". لكنه يعرف أن المغفرة لن تأتي، وأن الحلم الذي كان يحمله قد كسر، تاركًا وراءه شعبًا يعاني وأرضًا تُسلب.



الفصل العاشر: أبو محمود الجليل ومسرحية المخابرات

في خيمة متداعية في جنوب سوريا، تحيط بها رمال الصحراء وأصوات الانفجارات البعيدة، يجلس أبو محمود الجليل على كرسي بلاستيكي مكسور، يرتدي زيًا عسكريًا يبدو كأنه استعاره من مسرحية قديمة، ممزق عند الأكمام وملطخ بالغبار. الخيمة ضيقة، تفوح منها رائحة العرق والبارود، وتتزين بملصق ممزق لدمشق القديمة، مدينة كانت يومًا رمزًا للجمال، لكنها الآن مجرد ذكرى محطمة. على طاولة خشبية متآكلة أمامه، هاتف قديم يصدر أصواتًا متقطعة، كأنه يتلقى أوامر من عالم غير مرئي، وبجانبه مرآة صغيرة مكسورة تعكس وجهه المتعب، وجه رجل يحاول أن يبدو قائدًا لكنه يعرف أنه مجرد دمية. أبو محمود ينظر إلى المرآة، يعدل قلنسوته الصوفية المهترئة، ويتمتم بصوت يحمل خليطًا من الثقة المزيفة والخوف: "أنا أحرر سوريا! أنا الثورة!". لكنه يعرف، في أعماقه، أن هذه الكلمات ليست سوى نص كتبه له آخرون، نص يتلقاه عبر سماعة الأذن المخفية تحت قلنسوته.

الخيمة مزدحمة بالتناقضات: على الحائط، خريطة مرسومة بخط اليد تحدد مناطق يدّعي أبو محمود أنه يسيطر عليها، لكن الخريطة مليئة بالشطب والتصحيحات، كأنها محاولة طفل لرسم عالم لا يفهمه. بجانبها، صندوق خشبي مغلق بقفل صدئ، مليء بالدولارات التي أرسلها قطر بن خليف، لكن الأموال تبدو كأنها ملعونة، كأنها تعرف أنها ليست له، بل للندن، لواشنطن، لأنقرة. أبو محمود ينظر إلى الصندوق، يبتسم ابتسامة عريضة، لكنه يشعر بنخزة في قلبه: هذه الدولارات هي وقود حربه، لكنها أيضًا سلاسل تقيده. يحلم بأن يكون قائدًا عظيمًا، بطلًا يحرر سوريا، لكنه يعرف أنه مجرد وسيط، رجل ينفذ أوامر مكتوبة في غرف بعيدة، غرف لا يعرف حتى أين تقع.

يدخل أحد مساعديه، شاب نحيف يرتدي سترة ممزقة، يحمل بندقية تبدو أكثر عرضة للصدأ من القتال. يقول بصوت مرتجف: "سيدي، القرية المجاورة تتمرد. يقولون إنك بعت سوريا للأجانب!". أبو محمود يصرخ، وهو يضرب الطاولة: "خونة! أنا أنقذ سوريا من الطغيان!". لكنه يعرف أن القرويين محقون. يتذكر الأوامر التي تلقاها من لندن: "دمّر هذه القرية، احتل تلك المدينة، أرسل مقاتلين إلى هناك". كل أمر يأتي مع شيك، مع وعد بالمزيد من الأموال، لكن أيضًا مع المزيد من الدماء. ينظر إلى المرآة، يرى وجهه مشوهًا، كأنه أصبح غريبًا عن نفسه. يصرخ: "أنا القائد! أنا سوريا!". لكن المرآة لا ترد، والخيمة تبدو كأنها ستنهار تحت وطأة أكاذيبه.

الهاتف يرن، صوت بريطاني بارد يتحدث من الطرف الآخر: "أبو محمود، هل نفذت الأوامر؟ القرية يجب أن تُدمر قبل الفجر". أبو محمود يحاول الاعتراض: "لكن هناك مدنيون... أطفال...". الصوت يقاطعه: "لا تتحدث عن الأطفال. نفّذ، وستحصل على المزيد". يغلق الهاتف، ينظر إلى الصندوق الخشبي، ويشعر بثقل لا يطاق. يحلم بفتح الصندوق، بتوزيع الأموال على الشعب، لكنه يعرف أن هذا مستحيل. الأموال ملك لندن، ملك من يحركون الخيوط. يتذكر الأيام التي كان يؤمن فيها بالثورة، عندما كان يحلم بحرية سوريا. لكن الآن، يرى الحقيقة: لا ثورة، فقط فوضى، فوضى يمولها آخرون، وهو مجرد أداة فيها.

يدخل مقاتل آخر، وجهه مغطى بالغبار والدم. يقول: "سيدي، قطر بن خليف أرسل المزيد من الأموال، لكنه يطالب بتقدم سريع!". أبو محمود يضحك، ضحكة جوفاء: "قطر؟ إنهم يشترون أحلامنا بدولاراتهم!". لكنه يعرف أن هذه الدولارات هي ما يبقيه على قيد الحياة، هي ما يجعل الخيمة تقاوم الرياح، هي ما يجعل المقاتلين يواصلون القتال. ينظر إلى الخريطة، يرى الشطب والتصحيحات، ويشعر باليأس. المناطق التي يدّعي أنه يسيطر عليها ليست سوى أوهام، أوهام رسمها له مستشاروه الغربيون. يحاول إقناع نفسه: "أنا أقاتل من أجل سوريا!". لكن صوت داخلي يهمس: "أنت تقاتل من أجل لندن".

فجأة، يدخل رجل عجوز من القرية المجاورة، يرتدي ثوبًا ممزقًا، وجهه مليء بالتجاعيد كأنه خريطة لسوريا المدمرة. يقف أمام أبو محمود، ينظر إليه بعيون مليئة بالغضب: "أين سوريا، يا أبو محمود؟ أين الأرض التي وعدتنا بحمايتها؟". أبو محمود يصرخ: "اخرج! أنت خائن!". لكن العجوز لا يتحرك، يظل واقفًا، كأنه تجسيد لضمير أبو محمود. يقول: "بعتنا للأجانب. بعت دماء أبنائنا". أبو محمود يشعر بغضب يتصاعد، لكنه يشعر أيضًا بالذنب. يعرف أن العجوز محق، لكنه لا يستطيع الاعتراف. يطرد العجوز، يغلق الخيمة، ويعود إلى المرآة. يرى وجهه، لكنه لم يعد يعرف من هو. هل هو القائد؟ هل هو الثوري؟ أم هو مجرد دمية تحركها خيوط المخابرات؟

الخيمة تصبح أكثر ضجيجًا مع دخول مجموعة من المقاتلين. يتحدثون عن "النصر"، لكنهم يبدون متعبين، كأن كلمة النصر لم تعد تعني شيئًا. أحدهم يقول: "سيدي، الطائرات تقترب. ربما هجوم جديد". أبو محمود ينظر إلى السماء عبر شق في الخيمة، يسمع صوت طائرات تحلق في الأفق. يعرف أنها ليست طائراته، بل طائرات من يدفعون له. يشعر بالخوف، لكنه يخفيه: "سنقاتل! سننتصر!". لكن الكلمات تبدو جوفاء، كأنها شعارات مكررة فقدت معناها. يخرج من الخيمة، يقف تحت السماء الرمادية، وينظر إلى الأفق. يرى دخانًا يتصاعد من قرية أخرى، يسمع صراخًا بعيدًا. يحاول إقناع نفسه: "هذا من أجل سوريا". لكن صوت العجوز يتردد في أذنيه: "بعتنا". يعود إلى الخيمة، يجلس أمام المرآة، ويهمس: "من أنا؟". لكن المرآة لا تجيب، والمسرحية تستمر، مسرحية كتبها آخرون، وهو مجرد ممثل فيها، يلعب دورًا لا يؤمن به.


الفصل الحادي عشر: غزة تقاوم

تحت سماء غزة المغبرة، حيث السحب الرمادية تخنق الشمس وأصوات القنابل تتردد كإيقاع متواصل للحرب، تجلس عائلة فلسطينية في زاوية من منزل نصف مدمر، جدرانه متصدعة ونوافذه محطمة، لكنها لا تزال تقاوم الانهيار مثل سكانها. الأب، أبو أحمد، رجل في الأربعين، وجهه محفور بخطوط التعب والصمود، يجلس على الأرض بجانب زوجته أم ليلى، التي تحمل طفلها الصغير، ليلى، بين ذراعيها. ابنهما الأكبر، أحمد، في العاشرة، يرسم بعصا على الأرض علم فلسطين، خطوطه غير متساوية لكنه مليء بالتحدي. الجدة، أم محمود، تجلس في الزاوية، عيناها بعيدتان كأنها ترى فلسطين القديمة، الأرض التي كانت تزرعها قبل أن تُسلب. المشهد ينبض بالحياة رغم الدمار: رغيف خبز مقسم بعناية بين الجميع، إبريق شاي على نار صغيرة، وأغنية خافتة تغنيها أم ليلى لتهدئ طفلتها. أبو أحمد ينظر إلى عائلته، قلبه يعتصر من الألم، لكنه يحمل إرادة حديدية، إرادة شعب رفض أن يُكسر. يقول بصوت هادئ لكنه قوي: "سنبقى هنا، مهما فعلوا. هذه أرضنا". أحمد يرفع رأسه، يسأل: "يا أبي، هل سننتصر؟". أبو أحمد يبتسم، ابتسامة تخفي الألم وتظهر العزيمة: "طالما نحن هنا، يا أحمد، نحن منتصرون".

المنزل المدمر يعج بالحياة. في الخارج، أطفال الحي يلعبون بكرة مصنوعة من قماش قديم، يضحكون رغم أصوات الانفجارات البعيدة. نساء يتبادلن الطعام، يوزعن الماء، يساعدن بعضهن في إصلاح ما يمكن إصلاحه من الجدران. رجال يحفرون تحت الأنقاض، يبحثون عن أي شيء يمكن أن يساعد: قطعة قماش، أداة، ذكرى. أبو أحمد يخرج من المنزل، يحمل بندقية قديمة، ليست للقتال بقدر ما هي رمز للتحدي. ينظر إلى الزقاق، يرى مقاومين آخرين يتحركون بحذر، يتبادلون الإشارات، يخططون لصد هجوم محتمل. يعرف أن العالم قد تخلى عن غزة، أن عبد الحميد الثالث يوقّع صفقات في نيويورك، أن محمود الرئيس يبيع الضفة مقابل شيكات، أن قطر بن خليف يمول فوضى في سوريا بدلاً من دعم فلسطين. لكنه يعرف أيضًا أن غزة لا تنتظر الدعم، بل تصنع مصيرها بنفسها.

أم ليلى تجلس بجانب النار، تغني أغنية قديمة عن البحر في يافا، صوتها مرتجف لكنه مليء بالأمل. تقول لأحمد: "كنت في سنك عندما رأيت البحر لأول مرة. كان أزرق، مثل عيونك". أحمد يبتسم، يحلم بالبحر الذي لم يره سوى في قصص أمه. الجدة تتدخل، صوتها خافت لكنه عميق: "البحر لا يزال هناك، يا أحمد. والأرض لا تزال هناك. نحن من نحافظ عليها". أبو أحمد يستمع، يشعر بقوة غريبة تملأ صدره. هذه القصص، هذه الأغاني، هي وقود المقاومة، أقوى من أي سلاح. ينظر إلى أحمد، يرى في عينيه مستقبلًا لا يمكن للقنابل أن تدمره. يقول: "سنعود إلى البحر يومًا ما، يا أحمد. لكن الآن، نحن نحارب من أجل الأرض".

فجأة، يسمعون صوت اقتراب جنود. الجميع يتجمدون، أم ليلى تضم طفلتها، أحمد يختبئ خلف أبيه، والجدة تظل جالسة، كأنها تتحدى الموت نفسه. أبو أحمد يرفع بندقيته، يتحرك بحذر نحو الزقاق. يرى جنديًا شابًا، يبدو خائفًا، يحمل سلاحًا أكبر منه. الجندي ينظر إلى عيون أحمد، التي تظهر من خلف جدار، عيون مليئة بالتحدي. فجأة، يتراجع الجندي، يهرب كأنه رأى شبحًا. أبو أحمد يبتسم: "عيون أطفالنا أقوى من أسلحتهم". الجدة تضحك، ضحكة خافتة لكنها مليئة بالحياة: "هذه هي غزة، يا أبو أحمد. نحن لا نحتاج إلى جيوش، عيوننا تكفي".

اليوم يمر، والقصف يتوقف للحظات. العائلة تجلس معًا، يتشاركون رغيف خبز وكوب شاي. أم ليلى تحكي عن قريتها القديمة، عن شجرة زيتون كانت تلعب تحتها عندما كانت طفلة. تقول: "الزيتون لا يموت، يا أحمد. حتى لو اقتلعوه، يبقى في قلوبنا". أبو أحمد يستمع، يشعر بألم يعتصر قلبه، لكنه يشعر أيضًا بالقوة. هذه الذكريات، هذه القصص، هي ما يبقي غزة حية. ينظر إلى ليلى، الطفلة التي تنام في حضن أمها، ويقول: "ستعيشين في فلسطين حرة، يا ليلى". الجدة تبتسم: "وهي ستحمل اسم الأرض، كما نحملها جميعًا".

الليل يهبط، لكنه ليل مختلف. النجوم تظهر خلف السحب، كأنها ترسل رسالة إلى غزة. أبو أحمد يخرج إلى الزقاق، يقف بجانب مقاومين آخرين. يتبادلون قصصًا عن انتصارات صغيرة: جندي هرب، طائرة أخطأت هدفها، طفل رسم علم فلسطين على جدار. هذه الانتصارات، رغم صغرها، هي وقود المقاومة. أحمد يقترب، يحمل حجرًا صغيرًا رسم عليه علم فلسطين. يقول: "هذا للأرض، يا أبي". أبو أحمد يأخذ الحجر، يضعه في جيبه، ويقول: "هذا هو سلاحنا، يا أحمد". أم ليلى تغني مرة أخرى، صوتها يعلو فوق أصوات القنابل البعيدة، كأنها تتحدى العالم. الجدة تحكي قصة أخرى، عن يوم عرس في قريتها القديمة، عن أغاني الفرح التي كانت تملأ الأرض. أحمد يستمع، يرسم في ذهنه صورة فلسطين التي لم يرها، لكنه يؤمن بها.

المقاومون يتجمعون في الزقاق، يحتفلون بانتصار صغير: صدوا هجومًا، أنقذوا عائلة من تحت الأنقاض. أبو أحمد يرفع صوته: "هذه هي غزة! لا دولارات، لا صفقات، فقط إرادتنا!". الجميع يهتف، الأطفال يرفعون أعلامًا مرسومة على أوراق قديمة، والنساء يغنين. السخرية مريرة: بينما العالم يتآمر، بينما عبد الحميد يبيع الشعارات، ودونالد الصفقة يغرد عن السلام، ومحمود الرئيس يوقّع على تسليم الضفة، وقطر بن خليف يمول الفوضى، غزة تقاوم. لا تملك سوى أنقاضها وإرادتها، لكن ذلك يكفي. أبو أحمد ينظر إلى عائلته، يرى فيهم فلسطين الحقيقية، فلسطين التي لا تُباع. يرفع بندقيته، ليس ليطلق النار، بل ليؤكد وجوده. يقول لأحمد: "هذه الأرض لنا، وسنبقى هنا". والليل يستمر، لكن غزة لا تنام، لأنها تعرف أن النوم هو الاستسلام، وغزة لا تستسلم أبدًا.


الفصل الثاني عشر: قطر بن خليف والقفص الذهبي

في برج زجاجي لامع في قلب الدوحة، يجلس قطر بن خليف على كرسي دوّار مغطى بالجلد الأسود، يطل على شاشات عملاقة تملأ الجدران، تعرض صورًا من سوريا: قرى مدمرة، دخان يتصاعد، ووجوه أطفال مشوهة بالخوف. الغرفة فخمة، مزينة بالفولاذ والزجاج، لكنها تبدو كقفص ذهبي، محاصرة بنفسها، كأنها تعكس حال بن خليف نفسه: رجل يملك الثروة لكنه محبوس في دوره كممول لفوضى لا يفهمها. يرتدي بدلة بيضاء ناصعة، كأنها محاولة لإخفاء الظلام الذي يعيشه، ويحمل قلمًا ذهبيًا يعبث به بعصبية، كأنه يحاول كتابة مصير لم يعد يملكه. على الطاولة أمامه، تقرير مالي يحصي تريليوني دولار أنفقها على دعم ما كان يُسمى "الثورة" في سوريا، لكن الكلمة تبدو الآن كمزحة مريرة، كأنها شعار اخترعه مستشاروه ليخفوا الخراب الذي تسبب به. ينظر إلى الشاشات، يرى صورة أبو محمود الجليل في خيمته، يتحدث إلى مقاتليه عن "النصر"، ويتمتم: "هذا الرجل... هو من يحقق أحلامنا". لكنه يعرف أن أبو محمود ليس سوى دمية، تحركها أوامر من لندن أو واشنطن، وربما أنقرة، بينما هو، بن خليف، يدفع الفاتورة.

يدخل مستشار بريطاني، رجل طويل يرتدي بدلة رمادية، يحمل جهازًا لوحيًا يعرض خرائط وأرقامًا. يتحدث بصوت بارد: "سيدي، أبو محمود نفذ الأوامر. القرية دُمرت، والمنطقة تحت السيطرة". بن خليف ينظر إليه، يحاول إخفاء غضبه: "لكن التقارير تقول إنه يتلقى أوامر من لندن! أين نفوذي أنا؟". المستشار يبتسم، ابتسامة خالية من الدفء: "لا تقلق، يا سيدي. أموالكم تضمن الاستقرار". بن خليف يصرخ: "دفعت تريليونين! أين قطر في هذه اللعبة؟". المستشار يرفع كتفيه، كأنه يقول إن السؤال لا يستحق الإجابة، ثم يخرج، تاركًا بن خليف وحيدًا مع شاشاته التي تعرض المزيد من الدمار. يشعر بالغضب، لكنه يعرف أنه محاصر: أمواله هي قوته، لكنها أيضًا قيده. يتذكر الأيام التي كان يحلم فيها بأن تصبح قطر مركزًا للنفوذ العالمي، لكنه الآن يرى أن أمواله ذهبت لتمويل فوضى تخدم مصالح آخرين، بينما قطر تُترك في الظل.

الشاشات تتحول إلى صورة عبد الحميد الثالث في نيويورك، يلقي خطابًا عن صفقة الـ100 مليار دولار مع دونالد الصفقة. بن خليف يضحك ضحكة مريرة: "حتى عبد الحميد يلعب لعبته الخاصة! وأنا من يدفع!". يشعر بالخيانة، لكنه يعرف أنه لا يستطيع التوقف. الأموال يجب أن تستمر في التدفق، والمسرحية يجب أن تستمر. يضغط على زر، تظهر صورة غزة: أنقاض، دماء، ومقاومون يرفعون أعلام فلسطين. يشعر بنخزة في ضميره، لكنه يطردها بسرعة: "هذا ليس شأني. أنا أبني إمبراطورية!". لكنه يعرف أن إمبراطوريته وهم، قفص ذهبي يحبسه في دوره كممول للخراب. يفتح درجًا، يخرج تقريرًا قديمًا بعنوان: "الاستثمار في سوريا: طريق قطر إلى العظمة". يقرأ العنوان، يضحك: "عظمة؟ هذا الطريق يقود إلى الجحيم!". يمزق التقرير، لكنه يعرف أن تمزيقه لن يغير شيئًا.

يدخل مستشار قطري، يرتدي ثوبًا تقليديًا، يبدو متوترًا. يقول: "سيدي، هناك أنباء عن قصف محتمل... ربما إسرائيل تخطط لضرب أهداف في المنطقة!". بن خليف ينظر إليه، يشعر برعب للحظة، لكنه يخفيه: "قصف؟ مستحيل! نحن حلفاء دونالد الصفقة!". المستشار يهز رأسه: "واشنطن لا تكافئ الخاسرين، سيدي". بن خليف يصرخ: "لكنني دفعت تريليونين! أنا لست خاسرًا!". لكن الكلمات تبدو كأنها تصرخ في فراغ. المستشار يخرج، تاركًا بن خليف مع شاشاته التي تعرض صورًا من سوريا: امرأة تحمل طفلًا ميتًا، رجل يبكي على أنقاض بيته. يغلق عينيه، يحاول طرد الصور، لكنه لا يستطيع. الصور محفورة في ذهنه، كأنها تتهمه، كأنها تسأله: "لماذا دفعتني؟".

الشاشات تتحول إلى صورة أبو محمود الجليل، يتلقى أوامر جديدة من لندن. بن خليف يشعر بالغضب، لكنه عاجز. يتذكر الوعود التي تلقاها من مستشاريه الغربيين: "ستكونون صانعي القرار! ستكونون ملوك المنطقة!". لكنه الآن يرى الحقيقة: لندن تتحكم، واشنطن تضحك، وهو مجرد بنك يمول مخططات لا يفهمها. يضغط على زر آخر، تظهر صورة من الضفة الغربية: مستوطنات تنتشر، أراضٍ تُسلب، ومحمود الرئيس يوقّع على عقد جديد. بن خليف يهمس: "الجميع يبيع. لكن أنا؟ أنا من يدفع الثمن!". يشعر بالعجز، لكنه يواصل، كأن التوقف يعني الاعتراف بالهزيمة. يخرج من الغرفة، يسير في شوارع الدوحة اللامعة، يرى الأبراج الزجاجية التي بنتها أمواله. لكنه يشعر أنها قفص، قفص ذهبي يحبسه في دوره. الناس ينظرون إليه، يبتسمون، لكنه يعرف أن ابتساماتهم مزيفة. يعود إلى غرفته، يجلس أمام الشاشات، ينظر إلى صور الدمار. يهمس: "هل كنت مخطئًا؟". لكن الشاشات لا تجيب، والقفص الذهبي يبقى مغلقًا.


الفصل الثالث عشر: بنيامين الحديد والقلعة الحصينة

في مكتب حجري بارد في تل أبيب، يجلس بنيامين الحديد خلف مكتب ضخم من الفولاذ، محاطًا بجدران سميكة كأنها قلعة حصينة، مصممة لصد العالم بأسره. الغرفة خالية من الزينة، باستثناء خريطة كبيرة على الحائط تعرض "يهودا والسامرة"، حيث الضفة الغربية مغطاة بخطوط حمراء ونقاط سوداء تمثل مستوطنات جديدة تنتشر كالنار في الهشيم. بنيامين يرتدي بدلة سوداء بسيطة، لكن عينيه تحملان بريقًا حديديًا، نظرة رجل يؤمن أنه يحمل مصير أمة على كتفيه. على المكتب أمامه، تقارير استخباراتية، صور جوية لغزة تظهر أنقاضًا ودخانًا، وهاتف مشفر يرن باستمرار، ينقل أوامر وتقارير من واشنطن، أنقرة، ولندن. ينظر إلى الخريطة، يبتسم ابتسامة خافتة، ويتمتم: "الأرض لنا، والتاريخ لنا". لكنه يعرف، في أعماقه، أن هذه الكلمات ليست سوى درع يخفي خلفه خوفًا غامضًا، خوفًا من يوم قد يأتي عندما تنهار هذه القلعة الحصينة.

يدخل ضابط عسكري، شاب يرتدي زيًا عسكريًا، وجهه يحمل تعب سنوات الحرب. يقول بصوت حاد: "سيدي، العملية في غزة مستمرة. لكن المقاومة تزداد شراسة". بنيامين يرفع حاجبه، يرد بنبرة هادئة لكنها قاسية: "مقاومة؟ إنها مجرد عصابات! دمّروا كل شيء إذا لزم الأمر". الضابط يتردد، يقول: "لكن المدنيون... الأطفال...". بنيامين يقاطعه، يضرب المكتب بيده: "لا تتحدث عن الأطفال! الأمن القومي أولاً!". الضابط يومئ، يخرج بصمت، لكن نظرته تحمل شيئًا من الشك، كأنه يتساءل عما إذا كان الأمن القومي يبرر الدماء التي تُسفك. بنيامين ينظر إلى الخريطة، يرى بقعة غزة الصغيرة، ويشعر بنخزة في صدره. يطرد الفكرة بسرعة، يتذكر كلمات مستشاره الأمريكي: "القوة هي الحل. لا تفكر، فقط نفّذ".

الهاتف يرن، صوت أمريكي من الطرف الآخر، يتحدث عن صفقة جديدة مع دونالد الصفقة: "200 مليار دولار، يا بنيامين. وقّع، وستحصل على المزيد من الدعم". بنيامين يبتسم، يرد: "أمريكا صديقتنا العظيمة. الصفقة جاهزة". لكنه يعرف أن هذه الدولارات ليست سوى حبل يربطه بواشنطن، حبل قد يخنقه يومًا ما. يوقّع على العقد، يرسله عبر جهاز مشفر، لكنه يشعر بثقل في قلبه. يتذكر الاحتجاجات في أوروبا، التقارير عن "جرائم حرب" في غزة، الصور التي يحاول تجنبها: أطفال تحت الأنقاض، أمهات يصرخن. يحاول إقناع نفسه: "هذا من أجل الأمن. من أجل الأرض". لكن صوتًا داخليًا يهمس: "أي أمن هذا؟ أي أرض؟".

يدخل مستشار آخر، رجل مسن يرتدي بدلة رمادية، يحمل تقريرًا عن الضفة. يقول: "سيدي، المستوطنات تتوسع بسرعة. لكن هناك مقاومة متزايدة من الفلسطينيين". بنيامين يضحك، ضحكة خافتة لكنها مليئة بالثقة: "مقاومة؟ سنقضي عليها. محمود الرئيس يتعاون معنا، أليس كذلك؟". المستشار يومئ، لكنه يضيف بحذر: "لكنه يفقد السيطرة. الشعب يراه خائنًا". بنيامين يلوح بيده: "دعهم يصرخون. طالما يوقّع، فهو يخدمنا". لكنه يعرف أن هذا التعاون هش، أن محمود الرئيس مجرد أداة قد تنهار يومًا، تاركة الضفة في فوضى لا يستطيع السيطرة عليها.

الغرفة تصبح أكثر برودة، كأن الجدران الحجرية تمتص الحياة منها. بنيامين ينظر إلى الخريطة، يرى المستوطنات تنتشر، لكنه يرى أيضًا نقاطًا حمراء صغيرة، نقاط تمثل المقاومة في غزة، في الضفة، في كل مكان. يشعر بالقلق، لكنه يخفيه. يتذكر خطاباته النارية، عندما كان يعد شعبه بـ"أرض إسرائيل الكبرى"، لكنه يعرف أن هذه الأرض تأتي بثمن باهظ: دماء، احتجاجات عالمية، وعيون أطفال تحدق فيه من بعيد، كأنها تتهمه. يطرد الفكرة، يرفع الهاتف، يتصل بدونالد الصفقة: "صديقي العزيز، الصفقة تسير كما خططنا. أرسل المزيد من الأسلحة!". دونالد يضحك من الطرف الآخر: "رائع! أسلحة رائعة! إسرائيل عظيمة!". لكن بنيامين يشعر ببرودة في صوت دونالد، كأنه يتحدث إلى أداة، وليس إلى شريك.

يدخل ضابط آخر، يحمل تقريرًا عن هجوم في غزة أدى إلى مقتل جنود إسرائيليين. يقول: "سيدي، المقاومة استخدمت أسلحة بدائية، لكنهم قاتلوا كالأشباح". بنيامين يصرخ: "أشباح؟ إنهم إرهابيون! دمّروا كل شيء!". لكنه يعرف أن هذه الكلمات لن تغير الحقيقة: أن غزة تقاوم، أن الضفة تقاوم، أن شعبًا بأكمله يرفض الاستسلام. ينظر إلى الخريطة، يرى تلك البقعة الصغيرة المسماة غزة، ويشعر بنخزة أخرى. يحاول طردها، يتذكر كلمات مستشاره: "القوة هي الإجابة الوحيدة". لكنه يتساءل، في لحظة نادرة: "وماذا لو كانت القوة هي المشكلة؟".

يخرج من المكتب، يسير في ممر طويل، يمر بغرف مليئة بالضباط والمستشارين، يسمع أصواتًا تتحدث عن عمليات جديدة، عن أسلحة جديدة، عن أراضٍ جديدة. لكنه يشعر بالوحدة، كأن القلعة الحصينة التي بناها حول نفسه أصبحت سجنًا. يقف أمام نافذة صغيرة، ينظر إلى الأفق، يرى دخانًا يتصاعد من بعيد. يعرف أن هذا الدخان من غزة، لكنه يحاول إقناع نفسه: "هذا من أجل الأمن". لكن صوتًا داخليًا يهمس: "أي أمن؟". يعود إلى مكتبه، يجلس خلف المكتب الفولاذي، ينظر إلى الخريطة مرة أخرى. يرى المستوطنات تنتشر، لكنه يرى أيضًا عيون الأطفال في غزة، عيون لا تنام، عيون تتحدى. يغلق عينيه، يحاول النوم، لكنه يعرف أن النوم لن يأتي. القلعة الحصينة لا تحميه من نفسه، والحرب التي يشنها قد تكون هي التي تدمره.


الفصل الرابع عشر: عبد الحميد الثالث والقصر المظلم

في قصر فخم في أنقرة، يجلس عبد الحميد الثالث على عرش مزين بالذهب والمخمل الأحمر، لكنه يبدو كأنه سجن وليس عرشًا، محاطًا بجدران عالية مغطاة بستائر ثقيلة تحول دون دخول الضوء. القصر صامت، باستثناء همهمة خافتة لمكيفات الهواء وأصوات أقدام الحراس في الممرات البعيدة. عبد الحميد يرتدي بدلة سوداء، ربطة عنقه الحمراء مشدودة كأنها تكاد تخنقه، ووجهه يحمل تعب رجل يحاول أن يبدو قويًا بينما ينهار من الداخل. على الطاولة أمامه، أوراق عقود صفقة الـ100 مليار دولار مع دونالد الصفقة، خريطة للشرق الأوسط مليئة بالخطوط والأسهم، وصورة قديمة للقدس، المسجد الأقصى يقف شامخًا تحت سماء زرقاء. ينظر إلى الصورة، عيناه مملوءتان بالحنين والذنب، ويتمتم: "القدس... كنتِ في قلبي يومًا". لكنه يعرف أن القلب الذي يتحدث عنه قد أصبح ثقيلًا بالتسويات، بالعقود، بالصفقات التي وقّع عليها دون أن يفكر في عواقبها.

الغرفة مضاءة بمصابيح خافتة، كأنها ترفض أن تكشف الحقيقة الكاملة. على الحائط، شاشة كبيرة تعرض تقارير إخبارية: احتجاجات في أوروبا ضد دعم أمريكا للإبادة في غزة، صور لأطفال تحت الأنقاض، وخطابات دونالد الصفقة يتحدث فيها عن "السلام الرائع". عبد الحميد ينظر إلى الشاشة، يشعر بنخزة في صدره، لكنه يطرد الفكرة. يتذكر مكالمته الأخيرة مع دونالد: "صديقي العزيز، هذه الصفقة ستجعل تركيا قوة عظمى!". لكنه يعرف أن هذه القوة وهمية، أن تركيا أصبحت مجرد وسيط في لعبة كبرى، لعبة يتحكم بها واشنطن وتل أبيب. يمسك بالقلم الذهبي، يوقّع على عقد آخر، لكنه يشعر كأن الحبر دم، دم شعب لم يعد يستطيع مواجهته.

يدخل مستشار بريطاني، رجل في منتصف العمر يرتدي بدلة رمادية، يحمل جهازًا لوحيًا يعرض أرقامًا وخرائط. يقول بصوت هادئ لكنه مليء بالسلطة: "سيدي، أبو محمود الجليل نفذ الأوامر في سوريا. لكن هناك حاجة لمزيد من التمويل". عبد الحميد ينظر إليه، يشعر بالغضب: "لماذا أنا من يدفع دائمًا؟ أين لندن؟ أين واشنطن؟". المستشار يبتسم، ابتسامة باردة: "أنتم شركاء، سيدي. لكن الشركاء يدفعون". عبد الحميد يصرخ: "أنا لست ممولًا! أنا قائد الأمة!". لكن المستشار لا يرد، يخرج بصمت، تاركًا عبد الحميد وحيدًا مع شاشاته وأوراقه. يشعر بالعجز، كأن القصر المظلم الذي يعيش فيه هو سجن، سجن بناه بنفسه بكل توقيع، بكل صفقة.

الشاشة تتحول إلى صورة من غزة: أنقاض، دماء، ومقاومون يرفعون أعلام فلسطين. عبد الحميد يغلق عينيه، يحاول طرد الصور، لكنه لا يستطيع. صوت طفل يبكي يتردد في أذنيه، كأنه يتهمه. يتذكر خطاباته النارية عن القدس، عن الأمة، عن المقاومة. لكنه يعرف أن هذه الخطب أصبحت فارغة، مجرد كلمات يلقيها ليحافظ على صورته كقائد. ينظر إلى صورة القدس على الطاولة، يتذكر وعده: "القدس في قلبي". لكنه يعرف أن قلبه أصبح مليئًا بالعقود، بالدولارات، بالتسويات التي باع بها هذا الوعد. يحاول إقناع نفسه: "أنا أفعل هذا من أجل تركيا. من أجل الأمة". لكن صوتًا داخليًا يهمس: "خائن".

يدخل مستشار تركي، شاب يرتدي بدلة زرقاء، يبدو متوترًا. يقول: "سيدي، هناك تقارير عن احتجاجات في إسطنبول. الناس يتحدثون عن غزة، يقولون إنك تخذل القضية". عبد الحميد يصرخ: "احتجاجات؟ دعيهم يحتجون! أنا أبني قوة تركيا!". لكن المستشار يهز رأسه: "الناس يرون الصور، سيدي. الأطفال تحت الأنقاض...". عبد الحميد يقاطعه: "هذه أخبار مزيفة! نحن نبني السلام مع دونالد!". لكنه يعرف أن كلمة "السلام" ليست سوى قناع، قناع يخفي الحقيقة: أن صفقاته تمول قنابل تسقط على غزة، على سوريا، على شعوب لا يعرف حتى أسماءها.

القصر يصبح أكثر ظلمة، كأن الستائر الثقيلة تمتص الضوء المتبقي. عبد الحميد يخرج من غرفته، يسير في ممرات طويلة، يمر بصور لقادة عثمانيين، يتذكر أحلامه بإعادة مجد الإمبراطورية. لكنه يعرف أن هذا المجد ليس سوى وهم، وهم يبيعه لدونالد الصفقة مقابل 100 مليار دولار. يقف أمام نافذة صغيرة، ينظر إلى شوارع أنقرة، يرى الناس يتحركون، يعيشون حياتهم. يتساءل: "هل يرونني خائنًا؟". لكنه لا ينتظر الإجابة. يعود إلى مكتبه، يجلس على العرش، ينظر إلى صورة القدس مرة أخرى. يهمس: "سامحيني، يا قدس". لكنه يعرف أن القدس لا تسمع، وأن القصر المظلم الذي يعيش فيه هو سجن بناه بنفسه، سجن لا مخرج منه.


الفصل الخامس عشر: دونالد الصفقة ومملكة الأوهام

في جناح فخم في أعلى ناطحة سحاب في نيويورك، يجلس دونالد الصفقة على كرسي جلدي أسود، محاطًا بنوافذ زجاجية تمتد من الأرض إلى السقف، تطل على أضواء المدينة المتلألئة كأنها جواهر في تاج إمبراطوريته. الغرفة فاخرة، مزينة بطاولات رخامية ولوحات ذهبية، لكنها تبدو كمملكة من الأوهام، حيث كل شيء لامع من الخارج لكنه فارغ من الداخل. دونالد يرتدي بدلة زرقاء داكنة، ربطة عنقه الحمراء مشدودة بعناية، وشعره ممشط بطريقة تبدو كأنها تحدٍ للجاذبية. أمامه شاشة عملاقة تعرض خرائط للشرق الأوسط، خطوط أنابيب غاز تمتد من البحر الأسود إلى أوروبا، وأرقامًا ضخمة تمثل أرباح صفقاته. يبتسم ابتسامة عريضة، يرفع كوب قهوة مطلي بالذهب، ويقول بصوت عالٍ يتردد في الغرفة: "أصدقائي، هذه الصفقات تجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى! 100 مليار مع تركيا، 200 مليار مع بنيامين الحديد! الجميع يفوز!". لكنه يعرف، في لحظات نادرة من الصدق مع نفسه، أن هذه الانتصارات ليست سوى أوهام، أوهام تخفي دماءً تُسفك في أماكن لا يهتم بزيارتها.

على الطاولة أمامه، أكوام من العقود، تقارير استخباراتية، وصور جوية لغزة تظهر أنقاضًا ودخانًا. ينظر إلى الصور، يشعر بنخزة في صدره، لكنه يطردها بسرعة. يتذكر مكالمته الأخيرة مع بنيامين الحديد: "دمّر كل شيء إذا لزم الأمر، يا بنيامين! الأمن أولاً!". لكنه يعرف أن "الأمن" الذي يتحدث عنه هو مجرد قناع للأرباح، للنفوذ، للصفقات التي تجعل جيوبه أثقل وقلبه أخف من المسؤولية. يدخل مستشار، امرأة شابة ترتدي بدلة حمراء، تحمل جهازًا لوحيًا يعرض تقارير عن احتجاجات عالمية ضد دعم أمريكا لما يُسمى "الإبادة" في غزة. تقول بحذر: "سيدي، الرأي العام يتحدث عن جرائم حرب. الصور من غزة... الأطفال...". دونالد يقاطعها، يلوح بيده: "أخبار مزيفة! غيّري القناة! نحن نبني السلام! سلام رائع!". المستشارة تنظر إليه، عيناها تحملان شكًا، لكنها تخرج بصمت، تاركةً إياه مع شاشاته وأوهامه.

الشاشة تتحول إلى صورة عبد الحميد الثالث في أنقرة، يلقي خطابًا عن قوة تركيا بفضل الصفقة مع دونالد. يضحك دونالد: "عبد الحميد، يا لك من رجل! يظن أنه شريك، لكنه مجرد ممثل في مسرحيتي!". لكنه يعرف أن هذه المسرحية ليست ملكه وحده. لندن تشارك في كتابة النص، وتل أبيب تضع اللمسات الأخيرة، بينما قطر بن خليف يمول العرض بدولاراته. دونالد ينظر إلى خريطة الشرق الأوسط، يرى خطوط الأنابيب، المستوطنات، ومناطق النفوذ، لكنه يرى أيضًا بقعة صغيرة تُسمى غزة، بقعة ترفض أن تنطفئ. يشعر بنخزة أخرى، لكنه يطردها، يرفع هاتفه، ويغرد: "صفقات رائعة! الشرق الأوسط يحب أمريكا! السلام قادم!". لكنه يعرف أن تغريداته لا تغير الحقيقة: أن السلام الذي يتحدث عنه هو مجرد كذبة، كذبة تخفي دماءً وأنقاضًا.

يدخل رجل أعمال أمريكي، يرتدي بدلة زرقاء، يحمل حقيبة مليئة بالعقود. يقول بحماس: "سيد دونالد، خط الأنابيب الجديد سيغير قواعد اللعبة! سنسيطر على أسواق الطاقة!". دونالد يصفق: "رائع! النفط رائع! أمريكا أولاً!". لكنه لا يذكر أن هذه الأنابيب ستمر عبر أراضٍ مدمرة، أراضٍ كانت يومًا ملكًا لشعوب لم يعد لها صوت. يوقّع على العقد، يبتسم للكاميرات، لكنه يشعر بثقل غامض. يتذكر تقريرًا قرأه عن غزة: آلاف القتلى، مدن محطمة، ومقاومة لا تتوقف. يحاول إقناع نفسه: "هذا ليس شأني. أنا أبني اقتصادًا رائعًا!". لكن صوتًا داخليًا يهمس: "أي اقتصاد هذا؟".

الشاشة تتحول إلى صورة من سوريا: أبو محمود الجليل في خيمته، يتلقى أوامر من لندن. دونالد يضحك: "أبو محمود، يا لك من ممثل رائع! قطر يدفع، وأنت تنفذ!". لكنه يعرف أن هذه المسرحية ليست سوى جزء من لعبة أكبر، لعبة يتحكم بها هو ظاهريًا، لكن القواعد تُكتب في غرف مغلقة بعيدًا عنه. يدخل مستشار آخر، رجل مسن يرتدي بدلة سوداء، يحمل تقريرًا عن الضفة الغربية: "سيدي، محمود الرئيس وقّع على اتفاق جديد. المستوطنات تتوسع". دونالد يبتسم: "محمود! رجل ذكي! يعرف كيف يلعب!". لكنه يعرف أن محمود ليس سوى دمية أخرى، مثل أبو محمود، مثل عبد الحميد، مثل الجميع في هذه المسرحية.

الغرفة تصبح أكثر برودة، كأن أرواح الضحايا تملأ المكان. دونالد ينظر إلى النوافذ، يرى أضواء نيويورك، لكنه يشعر بالوحدة. يتذكر خطاباته عن "أمريكا العظيمة"، عن "السلام الرائع"، لكنه يعرف أن هذه الكلمات فارغة، مجرد شعارات تخفي الحقيقة: أن صفقاته تمول حروبًا، أن دولاراته تتحول إلى قنابل، أن أوهامه تبني مملكة ستنهار يومًا. يخرج من الغرفة، يسير في ممر طويل، يمر بمكاتب مليئة بالمستشارين، يسمع أصواتًا تتحدث عن أرباح، عن نفوذ، عن قوة. لكنه يشعر أن هذه المملكة وهمية، أن النوافذ الزجاجية التي تحيط به هي مجرد قفص، قفص لامع لكنه سجن. يقف أمام نافذة، ينظر إلى المدينة، ويتمتم: "أنا أبني التاريخ". لكنه يعرف أن التاريخ الذي يبنيه مليء بالدماء، وأن مملكته، مهما كانت لامعة، ستبقى مملكة أوهام.


الفصل السادس عشر: غزة وإرادة الحجر

في زقاق ضيق بين أنقاض غزة، حيث الجدران المحطمة تحمل آثار القنابل والرصاص، يقف أبو ياسر، مقاوم في الأربعين، يحمل بندقية قديمة صدئة تبدو كأنها تحكي قصص حروب لا نهائية. السماء فوق غزة رمادية، مشبعة بدخان القصف، لكن عيني أبو ياسر تحملان بريقًا لا ينطفئ، بريق إرادة شعب يرفض أن يُكسر. حوله، عائلة صغيرة تجتمع تحت سقف منزل متداعٍ: أم زينب، زوجته، تحمل ابنتهما الصغيرة، زينب، التي تنظر إلى العالم بعيون مليئة بالدهشة والتحدي. ابنهما الكبير، ياسر، في الثانية عشرة، يجلس على الأرض، ينحت حجرًا صغيرًا بمسمار صدئ، محاولًا رسم علم فلسطين. الجد، أبو خليل، يجلس في الزاوية، يحكي قصصًا عن قريته القديمة قبل النكبة، عن حقول الزيتون والبحر الذي كانوا يسبحون فيه. المشهد ينبض بالحياة رغم الموت الذي يحيط به: رغيف خبز مقسم بعناية، كوب ماء يتشاركونه، وأغنية خافتة تغنيها أم زينب لتهدئ طفلتها. أبو ياسر ينظر إلى عائلته، قلبه يعتصر من الألم، لكنه يحمل قوة لا تُفسر، قوة تأتي من الأرض نفسها. يقول بصوت عميق: "هذه الأرض لنا، وسنبقى هنا". ياسر يرفع رأسه، يسأل: "يا أبي، هل سنرى البحر يومًا؟". أبو ياسر يبتسم، ابتسامة تخفي الوجع: "سنراه، يا ياسر. لكن الآن، نحن نحمي الأرض".

الزقاق يعج بالحياة رغم الدمار. أطفال يركضون، يلعبون بكرة مصنوعة من قماش قديم، ضحكاتهم تتحدى أصوات القنابل البعيدة. نساء يتبادلن الطعام، يوزعن الماء، يساعدن في إصلاح جدار مهدم. رجال يحفرون تحت الأنقاض، يبحثون عن أي شيء يمكن أن يساعد: قطعة خشب، بطانية، ذكرى. أبو ياسر يخرج من المنزل، يحمل بندقيته، يتحرك بحذر بين الأنقاض، يتبادل الإشارات مع مقاومين آخرين. يعرف أن العالم قد تخلى عن غزة، أن دونالد الصفقة يوقّع صفقات في نيويورك، أن عبد الحميد الثالث يبيع الشعارات في أنقرة، أن محمود الرئيس يسلم الضفة مقابل شيكات، أن قطر بن خليف يمول الفوضى في سوريا. لكنه يعرف أيضًا أن غزة لا تنتظر العالم، بل تصنع مصيرها بحجارتها وإرادتها.

أم زينب تجلس بجانب نار صغيرة، تغني أغنية عن يافا، صوتها مرتجف لكنه مليء بالأمل. تقول لياسر: "كنت في سنك عندما رأيت شجرة زيتون في قريتنا. كانت قوية، مثلنا". ياسر يبتسم، يحلم بالشجرة التي لم يرها، لكنه يؤمن بها. الجد، أبو خليل، يتدخل: "الأرض لا تموت، يا ياسر. نحن أبناؤها، وسنبقى هنا". أبو ياسر يستمع، يشعر بقوة غريبة تملأ صدره. هذه القصص، هذه الأغاني، هي سلاح غزة، أقوى من أي قنبلة. ينظر إلى زينب، الطفلة التي تلعب بحجر صغير، ويقول: "ستعيشين في فلسطين حرة، يا زينب". أم زينب تبتسم: "وهي ستحمل اسم الأرض، كما نحملها جميعًا".

فجأة، يسمعون صوت اقتراب طائرة. الجميع يتجمدون، أم زينب تضم طفلتها، ياسر يختبئ خلف أبيه، والجد يظل جالسًا، كأنه يتحدى الموت. أبو ياسر يرفع بندقيته، يتحرك نحو الزقاق، يرى ظلال الجنود في الأفق. لكنه يرى أيضًا طفلًا من الحي، يقف بعيدًا، يحمل حجرًا، يرميه باتجاه الجنود. الحجر لا يصيب أحدًا، لكنه يرسل رسالة: غزة لا تستسلم. أبو ياسر يبتسم: "هذا هو سلاحنا، الحجر والإرادة". الجد يضحك، ضحكة خافتة لكنها مليئة بالحياة: "حجر واحد يكفي لإرباك جيشهم". الطائرة تمر، القصف يتوقف للحظة، والحي يعود إلى حياته: الأطفال يلعبون، النساء يغنين، والرجال يخططون.

الليل يهبط على غزة، لكنه ليل مختلف. النجوم تظهر خلف السحب، كأنها ترسل رسالة إلى الشعب. أبو ياسر يجلس مع عائلته، يتشاركون رغيف خبز وكوب ماء. أم زينب تحكي عن قريتها القديمة، عن البحر الذي كانت تراه في أحلامها. تقول: "البحر لا يزال هناك، يا ياسر. وسنراه يومًا". أبو ياسر يستمع، يشعر بألم يعتصر قلبه، لكنه يشعر أيضًا بالقوة. هذه الذكريات، هذه القصص، هي ما يبقي غزة حية. ينظر إلى ياسر، يرى في عينيه مستقبلًا لا يمكن للقنابل أن تدمره. يقول: "سنحافظ على الأرض، يا ياسر. مهما فعلوا". الجد يتدخل: "وهذا هو النصر، يا أبو ياسر. أن نبقى هنا".

المقاومون يتجمعون في الزقاق، يتبادلون قصصًا عن انتصارات صغيرة: جندي هرب، طائرة أخطأت هدفها، طفل رمى حجرًا. هذه الانتصارات، رغم بساطتها، هي وقود المقاومة. ياسر يقترب، يحمل حجرًا آخر رسم عليه علم فلسطين. يقول: "هذا للأرض، يا أبي". أبو ياسر يأخذ الحجر، يضعه في جيبه، ويقول: "هذا هو سلاحنا". أم زينب تغني مرة أخرى، صوتها يعلو فوق أصوات القنابل البعيدة، كأنها تتحدى العالم. الجد يحكي قصة أخرى، عن يوم كان يزرع الزيتون مع والده. ياسر يستمع، يرسم في ذهنه صورة فلسطين التي لم يرها، لكنه يؤمن بها. أبو ياسر يرفع صوته: "هذه هي غزة! لا دولارات، لا صفقات، فقط إرادتنا!". الجميع يهتف، الأطفال يرفعون أعلامًا مرسومة على أوراق قديمة، والنساء يغنين. بينما العالم يتآمر، بينما دونالد الصفقة يغرد عن السلام، وعبد الحميد يبيع الشعارات، ومحمود الرئيس يسلم الضفة، وقطر بن خليف يمول الفوضى، غزة تقاوم. لا تملك سوى أنقاضها وحجارتها، لكن ذلك يكفي. أبو ياسر ينظر إلى عائلته، يرى فيهم فلسطين الحقيقية، فلسطين التي لا تُباع. يرفع بندقيته، ليس ليطلق النار، بل ليؤكد وجوده. يقول لياسر: "هذه الأرض لنا، وسنبقى هنا". والليل يستمر، لكن غزة لا تنام، لأنها تعرف أن النوم هو الاستسلام، وغزة لا تستسلم أبدًا.


الفصل السابع عشر: محمود الرئيس والمرآة المكسورة

في غرفة صغيرة في رام الله، يجلس محمود الرئيس على كرسي خشبي متهالك، يصدر صريرًا مع كل حركة، كأنه يحكي قصة سنوات الخيبات والتسويات. الغرفة ضيقة، جدرانها بيضاء متشققة، مزينة بملصقات قديمة لفلسطين، خريطة الضفة الغربية مغطاة بخطوط حمراء تشير إلى المستوطنات المتزايدة، وصورة بالأبيض والأسود له مع ياسر الحر، يبتسمان في زمن كان فيه الأمل ممكنًا. على المكتب أمامه، أكوام من الأوراق: تقارير عن هدم قرى، شكاوى من مواطنين، وشيكات بمبالغ تافهة تحمل شعار "المساعدات الدولية". محمود ينظر إلى صورة ياسر الحر، عيناه مملوءتان بالحزن والذنب، ويتمتم: "كنتَ محقًا، يا ياسر. الأرض لا تُباع". لكنه يعرف أن كلماته تأتي متأخرة، أن توقيعاته على العقود قد حولت الأرض إلى سلعة، والشعب إلى رهينة في لعبة لا يتحكم بها. يفتح درجًا قديمًا، يخرج رسالة ممزقة كتبها ياسر الحر: "الأرض هي الشرف، يا محمود". يقرأ الكلمات، يشعر بدموع تترقرق في عينيه، لكنه يمسحها بسرعة، كأنه يخاف أن يراه أحد، حتى لو كان وحيدًا في هذا السجن الذي يسميه مكتبًا.

الغرفة مضاءة بمصباح يومض بشكل متقطع، يعكس ارتباك روحه. على المكتب، كوب قهوة بارد، بجانبه تقرير جديد عن الضفة: مستوطنات تتوسع، طرق تُغلق، وأراضٍ تُسلب تحت مسميات قانونية. محمود يقرأ العنوان: "يهودا والسامرة: الواقع الجديد". الكلمات تطعنه في صدره، لكنه لا يستطيع أن ينظر بعيدًا. يتذكر أيام أوسلو، عندما كان يؤمن بأن السلام ممكن، عندما كان يحلم بدولة فلسطينية عاصمتها القدس. الآن، الضفة تنهار، والسلام الذي تحدث عنه تحول إلى كذبة كبيرة، كذبة وقّع عليها بيده. يغلق التقرير، يضعه جانبًا، ويحاول أن يتذكر متى كانت آخر مرة شعر فيها أنه يقود شعبًا، وليس مجرد موظف يتلقى أوامر من واشنطن.

يدخل مستشار أمريكي، رجل طويل يرتدي بدلة زرقاء لامعة، يحمل حقيبة جلدية تبدو ثقيلة كأنها مليئة بالوعود الكاذبة. يضع شيكًا صغيرًا على المكتب، يبتسم ابتسامة باردة: "وقّع هنا، يا محمود. هذا سيضمن استمرار التمويل". محمود ينظر إلى الشيك، مبلغ لا يكفي لشراء كرامته، لكنه يعرف أنه لا يملك خيارًا. يأخذ القلم، يتردد، ينظر إلى صورة ياسر الحر، كأنه يطلب المغفرة. ثم يوقّع. المستشار يضحك، ضحكة خافتة لكنها قاسية: "جيد، يا محمود. الآن الضفة تحت السيطرة". محمود يشعر بقلبه ينقبض، لكنه لا يرد. يعرف أن توقيعه ليس مجرد حبر، بل تسليم لأرض، لتاريخ، لشعب كان يفترض أن يحميه.

المستشار يخرج، تاركًا محمود وحيدًا مع أفكاره. ينظر إلى الشيك، يحاول إقناع نفسه أن هذه الأموال ستساعد الناس، ستدفع رواتب الموظفين، ستشتري أدوية. لكنه يعرف أنها رشوة، رشوة ليبقى صامتًا، ليبقى موظفًا مطيعًا. يتذكر أحلامه القديمة: زيارة واشنطن كرئيس دولة، استقباله في البيت الأبيض، التصفيق له كبطل. لكنه يضحك ضحكة مريرة: "بعت الضفة، ولم أحصل حتى على فيزا!". يتذكر المرات التي رُفضت فيها تأشيرته، كأن واشنطن تقول له: "أنت لست شريكًا، أنت مجرد أداة". يشعر بالإهانة، لكنه يعرف أنه اختار هذا الدور بنفسه، بكل توقيع، بكل صمت.

يدخل مساعد شاب، يحمل تقريرًا جديدًا عن هدم قرية في الضفة. يقول بحزن: "سيدي، المستوطنون هدموا بيوتًا أخرى اليوم. الناس يصرخون في الشوارع". محمود ينظر إليه، يحاول أن يجد كلمات تعزية، لكنه لا يجد سوى الصمت. يعرف أن توقيعه هو الذي سمح بذلك، أن صمته هو الذي يسمح باستمرار الظلم. يطرد المساعد، يغلق الباب، ويعود إلى رسالة ياسر الحر. يقرأها مرة أخرى: "الأرض هي الشرف". يبكي، لكنه يخفي دموعه عندما يسمع طرقًا على الباب. يدخل موظف آخر، يحمل طلبًا جديدًا من المستشار الأمريكي: "وقّع هنا، سيدي. إنه اتفاق جديد للتنسيق الأمني". محمود ينظر إلى الورقة، يرى كلمات مثل "الاستقرار" و"التعاون"، لكنه يعرف أنها تعني المزيد من القمع، المزيد من التسليم. يوقّع، لكنه يشعر كأن يده تكتب حكمًا بالإعدام على نفسه.

الغرفة تصبح أكثر برودة، كأن أرواح الفلسطينيين الذين فقدوا أراضيهم تملأ المكان. ينظر إلى مرآة صغيرة مكسورة على المكتب، يرى وجهه مشوهًا، كأنه لم يعد يعرف نفسه. يتذكر الخطب التي ألقاها، الوعود التي قطعها لشعبه: "سنبني دولة! سنحرر القدس!". لكنه يعرف أن هذه الوعود أصبحت فارغة، مجرد كلمات يلقيها ليخفي الحقيقة: أنه أصبح أداة في يد بنيامين الحديد ودونالد الصفقة. ينظر إلى الخريطة، يرى الخطوط الحمراء تتوسع، والأرض تتقلص. يشعر بثقل لا يطاق، كأنه يحمل كل خيبات الشعب على كتفيه. يخرج من المكتب، يسير في شوارع رام الله، يرى الناس ينظرون إليه بنظرات مليئة بالخيبة. يحاول أن يبتسم، أن يرفع يده تحية، لكنه يعرف أن الشعب لم يعد يراه رئيسًا، بل مجرد رجل عجوز يبيع أرضه. يعود إلى مكتبه، يجلس على الكرسي الصرير، ينظر إلى المرآة المكسورة. يهمس: "سامحني، يا ياسر. لم أكن أعرف... أو ربما كنت أعرف، لكنني اخترت أن أنسى". لكنه يعرف أن المغفرة لن تأتي، وأن المرآة المكسورة التي ينظر إليها تعكس ليس وجهه فقط، بل وجه شعب خُذل، وأرض تُسلب، وحلم تحطم.


الفصل الثامن عشر: أبو محمود الجليل والخيمة المحترقة

في خيمة مهترئة في صحراء جنوب سوريا، حيث الرياح تحمل رائحة البارود والدم، يجلس أبو محمود الجليل على كرسي بلاستيكي مكسور، يرتدي زيًا عسكريًا ممزقًا، وجهه مغطى بالغبار وخطوط التعب التي حفرتها سنوات الحرب. الخيمة مضاءة بمصباح نفطي يومض بشكل متقطع، يعكس ظلالًا مشوهة على جدرانها القماشية البالية. على طاولة خشبية متآكلة أمامه، هاتف قديم يصدر أصواتًا متقطعة، كأنه ينقل أوامر من عالم آخر، وبجانبه مرآة صغيرة مكسورة تعكس وجهه المتعب، وجه رجل يحاول أن يبدو قائدًا لكنه يعرف أنه مجرد دمية تحركها خيوط غير مرئية. على الحائط، خريطة مرسومة بخط اليد تحدد مناطق يدّعي أنه يسيطر عليها، لكن الخريطة مليئة بالشطب والتصحيحات، كأنها محاولة يائسة لرسم انتصار لم يتحقق. بجانبها، صندوق خشبي مغلق بقفل صدئ، مليء بالدولارات التي أرسلها قطر بن خليف، أموال تبدو كأنها ملعونة، كأنها تعرف أنها ليست له، بل لمن يتحكمون به من بعيد. أبو محمود ينظر إلى المرآة، يعدل قلنسوته الصوفية المهترئة، ويتمتم: "أنا الثورة! أنا سوريا!". لكنه يعرف أن هذه الكلمات ليست سوى نص كتبه له آخرون، نص يتلقاه عبر سماعة الأذن المخفية تحت قلنسوته.

الخيمة تعج بالتناقضات: راديو قديم يبث أخبارًا عن قصف جديد، صورة ممزقة لدمشق القديمة، وكومة من الأسلحة الصدئة التي تبدو أكثر عرضة للتلف من القتال. أبو محمود ينظر إلى الصندوق الخشبي، يبتسم ابتسامة مريرة، يعرف أن هذه الدولارات هي ما يبقيه على قيد الحياة، لكنها أيضًا ما يجعله عبدًا لأوامر لندن وواشنطن. يتذكر الأيام التي كان يؤمن فيها بالثورة، عندما كان يحلم بحرية سوريا، لكنه الآن يرى الحقيقة: لا ثورة، فقط فوضى، فوضى يمولها قطر بن خليف ويوجهها مستشارون غربيون. يدخل مقاتل شاب، وجهه مغطى بالغبار، يحمل بندقية تبدو أثقل منه. يقول بصوت مرتجف: "سيدي، القرية المجاورة تتمرد. يقولون إنك بعت سوريا!". أبو محمود يصرخ، وهو يضرب الطاولة: "خونة! أنا أنقذ سوريا!". لكنه يعرف أن القرويين محقون، أن الأوامر التي يتلقاها من لندن ليست لتحرير سوريا، بل لتدميرها.

الهاتف يرن، صوت بريطاني بارد يتحدث: "أبو محمود، القرية يجب أن تُدمر قبل الفجر". أبو محمود يحاول الاعتراض: "لكن هناك مدنيون... أطفال...". الصوت يقاطعه: "نفّذ، والأموال ستصل". يغلق الهاتف، ينظر إلى الصندوق الخشبي، ويشعر بثقل لا يطاق. يحلم بفتح الصندوق، بتوزيع الأموال على الناس، لكنه يعرف أن هذا مستحيل. الأموال ملك لندن، ملك من يحركون الخيوط. يدخل مقاتل آخر، يحمل تقريرًا عن خسائر جديدة: "سيدي، خسرنا عشرين مقاتلًا اليوم. الطائرات قصفت معسكرنا". أبو محمود يصرخ: "الطائرات؟ من أين جاءت؟". المقاتل يهز رأسه: "لا نعرف، سيدي. ربما من حلفائنا". أبو محمود يضحك، ضحكة جوفاء: "حلفاء؟ إنهم يستخدموننا!". لكنه يعرف أنه لا يستطيع التوقف، أن الأوامر يجب أن تُنفذ، وأن الخيمة التي يجلس فيها قد تتحول إلى رماد إذا توقف عن الطاعة.

فجأة، يسمع صوت انفجار قريب. الخيمة ترتجف، المصباح النفطي يسقط، والنار تبدأ في الانتشار على الجدران القماشية. أبو محمود يقفز، يحاول إطفاء النار، لكنه يرى المقاتلين يركضون في حالة ذعر. صوت الطائرات يملأ السماء، والقصف يقترب. يصرخ: "اهربوا! إنه قصف جوي!". لكنه يعرف أن الهروب مستحيل، أن الطائرات تعرف مكانهم بدقة، كأنها تتبع أوامر من نفس الجهة التي ترسل له الدولارات. يركض إلى الصندوق الخشبي، يحاول إنقاذه، لكنه يرى النار تلتهمه. الدولارات تحترق، كأنها تتحول إلى رماد يحمل أحلام سوريا المسروقة. ينظر إلى المرآة المكسورة، يرى وجهه مشوهًا بالدخان والخوف، ويصرخ: "من أنا؟!". لكن المرآة لا تجيب، والنار تستمر في الانتشار.

يدخل رجل عجوز من القرية المجاورة، يرتدي ثوبًا ممزقًا، وجهه مليء بالتجاعيد كأنه خريطة لسوريا المدمرة. يقف أمام أبو محمود، ينظر إليه بعيون مليئة بالغضب: "بعتنا، يا أبو محمود! بعت دماء أبنائنا!". أبو محمود يصرخ: "اخرج! أنا أقاتل من أجل سوريا!". لكن العجوز لا يتحرك، يظل واقفًا، كأنه تجسيد لضميره. يقول: "بعتنا للأجانب. أموالك من قطر، أوامرك من لندن، وسوريا تحترق!". أبو محمود يشعر بالغضب، لكنه يشعر أيضًا بالذنب. يعرف أن العجوز محق، لكنه لا يستطيع الاعتراف. يطرد العجوز، لكن النار تقترب، والخيمة تتحول إلى جحيم.

المقاتلون يركضون، يحملون ما تبقى من أسلحتهم، لكنهم يبدون كالأشباح، كأن إيمانهم بالثورة قد احترق مع الخيمة. أبو محمود يقف وسط النار، ينظر إلى الخريطة وهي تتحول إلى رماد. يتذكر الأوامر التي تلقاها: "دمّر هذه القرية، احتل تلك المدينة". كل أمر كان يأتي مع شيك، مع وعد بالمزيد من الأموال، لكن أيضًا مع المزيد من الدماء. يصرخ: "أنا لم أرد هذا! أردت تحرير سوريا!". لكن صوته يضيع وسط أصوات الانفجارات. يرى ظلال الطائرات في السماء، يعرف أنها ليست طائراته، بل طائرات من يدفعون له، أو ربما من يعاقبونه. يركض خارج الخيمة، يرى الصحراء تمتد أمامه، لكنه لا يرى مكانًا للهروب. النار تلتهم كل شيء: الخيمة، الصندوق، الأحلام.

أبو محمود يقف وسط الصحراء، ينظر إلى السماء المليئة بالدخان. يتذكر الأيام التي كان يحلم فيها بدمشق حرة، بمستقبل لشعبه. لكنه يعرف الآن أن هذه الأحلام كانت وهمًا، أن الثورة التي قاتل من أجلها لم تكن سوى مسرحية كتبها آخرون. ينظر إلى المرآة المكسورة التي أنقذها من النار، يرى وجهه، لكنه لم يعد يعرف من هو. هل هو القائد؟ هل هو الثوري؟ أم هو مجرد دمية احترقت مع خيمته؟ يهمس: "سوريا... سامحيني". لكن الرياح تحمل صوته بعيدًا، والنار تستمر في الاشتعال، والخيمة المحترقة تصبح رمزًا لسوريا التي خسرها، لأحلام شعب تحطمت تحت وطأة الأوامر والدولارات.


الفصل التاسع عشر: بنيامين الحديد وظلال القلعة

في مكتب حجري بارد في قلب تل أبيب، يجلس بنيامين الحديد خلف مكتب فولاذي ضخم، محاطًا بجدران سميكة كأنها قلعة حصينة صممت لصد العالم بأسره. الغرفة خالية من الزينة، باستثناء خريطة كبيرة على الحائط تعرض أراضي "يهودا والسامرة"، حيث الضفة الغربية مغطاة بخطوط حمراء ونقاط سوداء تمثل مستوطنات تنتشر كالنار في الهشيم. بنيامين يرتدي بدلة سوداء بسيطة، لكن عينيه تحملان بريقًا حديديًا، نظرة رجل يؤمن أنه يحمل مصير أمة على كتفيه. على المكتب أمامه، تقارير استخباراتية، صور جوية لغزة تظهر أنقاضًا ودخانًا، وهاتف مشفر يرن باستمرار، ينقل أوامر من واشنطن وأنقرة. ينظر إلى الخريطة، يبتسم ابتسامة خافتة، ويتمتم: "الأرض لنا، والتاريخ لنا". لكنه يعرف، في لحظات نادرة من الصدق مع نفسه، أن هذه الكلمات هي درع يخفي خلفه خوفًا غامضًا، خوفًا من يوم قد تنهار فيه هذه القلعة الحصينة.

يدخل ضابط عسكري، شاب يرتدي زيًا عسكريًا، وجهه يحمل تعب سنوات الحرب. يقول بصوت حاد: "سيدي، العملية في غزة مستمرة، لكن المقاومة تزداد شراسة". بنيامين يرفع حاجبه، يرد بنبرة هادئة لكنها قاسية: "مقاومة؟ إنها مجرد عصابات! دمّروا كل شيء إذا لزم الأمر". الضابط يتردد، يقول: "لكن المدنيون... الأطفال...". بنيامين يقاطعه، يضرب المكتب بيده: "لا تتحدث عن الأطفال! الأمن القومي أولاً!". الضابط يومئ، يخرج بصمت، لكن نظرته تحمل شكًا، كأنه يتساءل عما إذا كان الأمن القومي يبرر الدماء التي تُسفك. بنيامين ينظر إلى الخريطة، يرى بقعة غزة الصغيرة، ويشعر بنخزة في صدره. يطرد الفكرة بسرعة، يتذكر كلمات مستشاره الأمريكي: "القوة هي الحل. لا تفكر، فقط نفّذ".

الهاتف يرن، صوت أمريكي من الطرف الآخر يتحدث عن صفقة جديدة: "200 مليار دولار، يا بنيامين. وقّع، وستحصل على المزيد من الأسلحة". بنيامين يبتسم: "أمريكا صديقتنا العظيمة. الصفقة جاهزة". لكنه يعرف أن هذه الدولارات حبل يربطه بواشنطن، حبل قد يخنقه يومًا. يوقّع على العقد، يرسله عبر جهاز مشفر، لكنه يشعر بثقل في قلبه. يتذكر تقارير عن احتجاجات عالمية، عن "جرائم حرب" في غزة، صور أطفال تحت الأنقاض. يحاول إقناع نفسه: "هذا من أجل الأمن. من أجل الأرض". لكن صوتًا داخليًا يهمس: "أي أمن؟ أي أرض؟".

يدخل مستشار مسن، يرتدي بدلة رمادية، يحمل تقريرًا عن الضفة: "سيدي، المستوطنات تتوسع بسرعة، لكن هناك مقاومة متزايدة". بنيامين يضحك: "مقاومة؟ سنقضي عليها. محمود الرئيس يتعاون، أليس كذلك؟". المستشار يومئ، لكنه يضيف: "لكنه يفقد السيطرة. الشعب يراه خائنًا". بنيامين يلوح بيده: "دعهم يصرخون. طالما يوقّع، فهو يخدمنا". لكنه يعرف أن هذا التعاون هش، أن محمود الرئيس مجرد أداة قد تنهار، تاركة الضفة في فوضى لا يستطيع السيطرة عليها.

الغرفة تصبح أكثر برودة، كأن الجدران الحجرية تمتص الحياة. بنيامين ينظر إلى الخريطة، يرى المستوطنات تنتشر، لكنه يرى أيضًا نقاطًا حمراء صغيرة، نقاط تمثل المقاومة في غزة والضفة. يشعر بالقلق، لكنه يخفيه. يتذكر خطاباته عن "أرض إسرائيل الكبرى"، لكنه يعرف أن هذه الأرض تأتي بثمن باهظ: دماء، احتجاجات عالمية، وعيون أطفال تحدق فيه من بعيد. يطرد الفكرة، يرفع الهاتف، يتصل بدونالد الصفقة: "صديقي، الصفقة تسير كما خططنا. أرسل المزيد من الأسلحة!". دونالد يضحك: "رائع! أسلحة رائعة! إسرائيل عظيمة!". لكن بنيامين يشعر ببرودة في صوت دونالد، كأنه يتحدث إلى أداة، وليس شريكًا.

يدخل ضابط آخر، يحمل تقريرًا عن هجوم في غزة أدى إلى مقتل جنود. يقول: "سيدي، المقاومة استخدمت أسلحة بدائية، لكنهم قاتلوا كالأشباح". بنيامين يصرخ: "أشباح؟ إنهم إرهابيون! دمّروا كل شيء!". لكنه يعرف أن هذه الكلمات لن تغير الحقيقة: أن غزة تقاوم، أن الضفة تقاوم، أن شعبًا بأكمله يرفض الاستسلام. ينظر إلى الخريطة، يرى غزة، ويشعر بنخزة أخرى. يحاول طردها، يتذكر كلمات مستشاره: "القوة هي الإجابة". لكنه يتساءل: "وماذا لو كانت القوة هي المشكلة؟".

الشاشة على الحائط تتحول إلى صور من غزة: أنقاض، دماء، وطفل يحمل حجرًا مرسومًا بعلم فلسطين. بنيامين يغلق عينيه، يحاول طرد الصورة، لكنها محفورة في ذهنه. يتذكر مكالمة مع عبد الحميد الثالث، عندما وعده بدعم تركيا: "سنقف معكم، يا بنيامين!". لكنه يعرف أن عبد الحميد يلعب لعبته الخاصة، أن وعوده فارغة مثل وعود دونالد الصفقة. يدخل مستشار آخر، يحمل تقريرًا عن سوريا: "أبو محمود الجليل ينفذ الأوامر، لكن الفوضى تتزايد". بنيامين يبتسم: "جيد. الفوضى تخدمنا". لكنه يعرف أن هذه الفوضى قد تنقلب ضده يومًا، أن الدماء التي تُسفك في سوريا وغزة قد تتحول إلى لعنة.

يخرج من المكتب، يسير في ممر طويل، يمر بغرف مليئة بالضباط والمستشارين، يسمع أصواتًا تتحدث عن عمليات جديدة، أسلحة جديدة، أراضٍ جديدة. لكنه يشعر بالوحدة، كأن القلعة الحصينة التي بناها أصبحت سجنًا. يقف أمام نافذة صغيرة، ينظر إلى الأفق، يرى دخانًا يتصاعد من بعيد. يعرف أن هذا الدخان من غزة، لكنه يحاول إقناع نفسه: "هذا من أجل الأمن". لكن صوتًا داخليًا يهمس: "أي أمن؟". يعود إلى مكتبه، يجلس خلف المكتب الفولاذي، ينظر إلى الخريطة. يرى المستوطنات تنتشر، لكنه يرى أيضًا عيون الأطفال في غزة، عيون لا تنام، عيون تتحدى. يغلق عينيه، يحاول النوم، لكنه يعرف أن النوم لن يأتي. القلعة الحصينة لا تحميه من نفسه، وظلال الأطفال تتبعه، كأنها تتهمه، كأنها تسأله: "إلى متى؟". لكنه لا يجيب، والحرب تستمر، والقلعة تبقى حصينة، لكنها تحمل في طياتها بذور انهيارها.


الفصل العشرون: غزة والنار التي لا تنطفئ

في زقاق ضيق في قلب غزة، حيث الأنقاض تمتزج برائحة البارود والخبز المحمص على نار صغيرة، يقف أبو خالد، مقاوم في منتصف الأربعين، يحمل بندقية قديمة مغطاة بالغبار، كأنها شاهد على عقود من الصراع. السماء فوق غزة رمادية، مشبعة بدخان القصف، لكن عيني أبو خالد تحملان بريقًا لا ينطفئ، بريق إرادة شعب يرفض أن يُكسر. حوله، عائلته تجتمع في ركن من منزل متداعٍ، جدرانه مشققة ونوافذه محطمة، لكنه يقاوم الانهيار مثل سكانه. زوجته، أم سارة، تحمل ابنتهما الصغيرة، سارة، التي تلعب بحجر مرسوم عليه علم فلسطين. ابنهما الأكبر، خالد، في الثالثة عشرة، يجلس على الأرض، ينحت قطعة خشب بمسمار، محاولًا صنع قارب صغير يحلم أن يبحر به إلى يافا. الجدة، أم يوسف، تجلس في الزاوية، عيناها بعيدتان كأنها ترى فلسطين القديمة، حقول الزيتون والبحر الذي كانت تسبح فيه. المشهد ينبض بالحياة رغم الموت المحيط: رغيف خبز مقسم بعناية، إبريق شاي على نار صغيرة، وأغنية خافتة تغنيها أم سارة لتهدئ طفلتها. أبو خالد ينظر إلى عائلته، قلبه يعتصر من الألم، لكنه يحمل قوة لا تُفسر، قوة تأتي من الأرض نفسها. يقول بصوت عميق: "هذه أرضنا، وسنبقى هنا". خالد يرفع رأسه، يسأل: "يا أبي، هل سنرى يافا يومًا؟". أبو خالد يبتسم، ابتسامة تخفي الوجع: "سنراها، يا خالد. لكن الآن، نحن نحمي الأرض".

الزقاق يعج بالحياة رغم الدمار. أطفال الحي يلعبون بكرة من قماش قديم، ضحكاتهم تتحدى أصوات القنابل البعيدة. نساء يتبادلن الطعام، يوزعن الماء، يساعدن في إصلاح جدار مهدم. رجال يحفرون تحت الأنقاض، يبحثون عن أي شيء يمكن أن يساعد: قطعة قماش، أداة، ذكرى. أبو خالد يخرج من المنزل، يحمل بندقيته، يتحرك بحذر بين الأنقاض، يتبادل الإشارات مع مقاومين آخرين. يعرف أن العالم قد تخلى عن غزة، أن دونالد الصفقة يوقّع صفقات في نيويورك، أن عبد الحميد الثالث يبيع الشعارات في أنقرة، أن محمود الرئيس يسلم الضفة مقابل شيكات، أن قطر بن خليف يمول الفوضى في سوريا بدلاً من دعم فلسطين. لكنه يعرف أيضًا أن غزة لا تنتظر العالم، بل تصنع مصيرها بحجارتها وإرادتها.

أم سارة تجلس بجانب النار الصغيرة، تغني أغنية عن البحر في عكا، صوتها مرتجف لكنه مليء بالأمل. تقول لخالد: "كنت في سنك عندما رأيت البحر. كان أزرق، مثل عيونك". خالد يبتسم، يحلم بالبحر الذي لم يره سوى في قصص أمه. الجدة، أم يوسف، تتدخل: "البحر لا يزال هناك، يا خالد. والأرض لا تزال هناك. نحن من نحافظ عليها". أبو خالد يستمع، يشعر بقوة غريبة تملأ صدره. هذه القصص، هذه الأغاني، هي سلاح غزة، أقوى من أي قنبلة. ينظر إلى سارة، الطفلة التي تلعب بحجرها، ويقول: "ستعيشين في فلسطين حرة، يا سارة". أم سارة تبتسم: "وهي ستحمل اسم الأرض، كما نحملها جميعًا".

فجأة، يسمعون صوت اقتراب طائرة. الجميع يتجمدون، أم سارة تضم طفلتها، خالد يختبئ خلف أبيه، والجدة تظل جالسة، كأنها تتحدى الموت نفسه. أبو خالد يرفع بندقيته، يتحرك نحو الزقاق، يرى ظلال جنود في الأفق. لكنه يرى أيضًا طفلًا من الحي، يقف بعيدًا، يحمل حجرًا، يرميه باتجاه الجنود. الحجر لا يصيب أحدًا، لكنه يرسل رسالة: غزة لا تستسلم. أبو خالد يبتسم: "هذا هو سلاحنا، الحجر والإرادة". الجدة تضحك، ضحكة خافتة لكنها مليئة بالحياة: "حجر واحد يكفي لإرباك جيشهم". الطائرة تمر، القصف يتوقف للحظة، والحي يعود إلى حياته: الأطفال يلعبون، النساء يغنين، والرجال يخططون.

الليل يهبط، لكنه ليل مختلف. النجوم تظهر خلف السحب، كأنها ترسل رسالة إلى غزة. أبو خالد يجلس مع عائلته، يتشاركون رغيف خبز وكوب ماء. أم سارة تحكي عن قريتها القديمة، عن شجرة زيتون كانت تلعب تحتها. تقول: "الزيتون لا يموت، يا خالد. حتى لو اقتلعوه، يبقى في قلوبنا". أبو خالد يستمع، يشعر بألم يعتصر قلبه، لكنه يشعر أيضًا بالقوة. هذه الذكريات، هذه القصص، هي ما يبقي غزة حية. ينظر إلى خالد، يرى في عينيه مستقبلًا لا يمكن للقنابل أن تدمره. يقول: "سنحافظ على الأرض، يا خالد. مهما فعلوا". الجدة تتدخل: "وهذا هو النصر، يا أبو خالد. أن نبقى هنا".

المقاومون يتجمعون في الزقاق، يتبادلون قصصًا عن انتصارات صغيرة: جندي هرب، طائرة أخطأت هدفها، طفل رمى حجرًا. هذه الانتصارات، رغم بساطتها، هي وقود المقاومة. خالد يقترب، يحمل قاربه الخشبي الصغير، يقول: "هذا للبحر، يا أبي". أبو خالد يأخذ القارب، يضعه على المكتب المتهالك، ويقول: "هذا هو سلاحنا". أم سارة تغني مرة أخرى، صوتها يعلو فوق أصوات القنابل البعيدة، كأنها تتحدى العالم. الجدة تحكي قصة أخرى، عن يوم كانت تزرع الزيتون مع أمها. خالد يستمع، يرسم في ذهنه صورة فلسطين التي لم يرها، لكنه يؤمن بها. أبو خالد يرفع صوته: "هذه هي غزة! لا دولارات، لا صفقات، فقط إرادتنا!". الجميع يهتف، الأطفال يرفعون أعلامًا مرسومة على أوراق قديمة، والنساء يغنين.

في الأفق، يظهر ضوء خافت، ربما قنبلة أخرى، ربما طائرة تقترب. لكن أبو خالد لا يخاف. ينظر إلى عائلته، يرى فيهم فلسطين الحقيقية، فلسطين التي لا تُباع. يرفع بندقيته، ليس ليطلق النار، بل ليؤكد وجوده. يقول لخالد: "هذه الأرض لنا، وسنبقى هنا". والليل يستمر، لكن غزة لا تنام، لأنها تعرف أن النوم هو الاستسلام، وغزة لا تستسلم. النار التي تحيط بها ليست نار الدمار، بل نار الإرادة، نار لا تنطفئ، تحمل في طياتها أمل شعب يقاتل من أجل أرضه، من أجل كرامته، من أجل مستقبله.

………..


ملخص للمسرحية

تتكشف هذه المسرحية كلوحة تراجيدية معقدة، تنسج خيوط الصراع الإنساني والسياسي في الشرق الأوسط، حيث تتقاطع الأحلام بالخيانات، والمقاومة بالتسويات، والإرادة البشرية بقوى أكبر منها. من خلال سبعة فصول، ترسم المسرحية صورة بانورامية لشخصيات تمثل أوجه الصراع المعاصر: مقاوم في غزة، ممول في الدوحة، قائد في أنقرة، رجل أعمال في نيويورك، رئيس في رام الله، ثوري في سوريا، وحاكم في تل أبيب. كل شخصية هي مرآة تعكس جانبًا من الحقيقة، وكل فصل هو تأمل في الثمن الباهظ للأحلام المباعة والأراضي المسروقة. المسرحية لا تقدم إجابات سهلة، بل تطرح أسئلة وجودية عن الشرف، القوة، والمقاومة، تاركة القارئ أو المتفرج ليواجه تناقضاته الخاصة.

تبدأ المسرحية في غزة، في زقاق ضيق من مخيم للاجئين، حيث يجلس ياسر الحر، مقاوم يحمل بندقية صدئة، لكن سلاحه الحقيقي هو إرادته وذاكرة شعبه. محاطًا بعائلته—أم محمد، ليلى، وأبو علي—يجسد ياسر صمود غزة في وجه القنابل والحصار. الغرفة الصغيرة، بجدرانها المتشققة وملصقات فلسطين القديمة، هي مسرح المقاومة، حيث الأغاني والقصص والرسومات تصبح أسلحة ضد الدمار. ياسر يحلم بالقدس، لكنه يعرف أن العالم قد تخلى عن غزة، أن الصفقات تُبرم في نيويورك، والشعارات تُباع في أنقرة، والأراضي تُسلم في رام الله. لكنه يرفض الاستسلام، مؤمنًا أن بقاءه على الأرض هو نصر بحد ذاته. المشهد ينبض بالحياة رغم الموت المحيط: الأطفال يلعبون، النساء يغنين، والرجال يخططون. عندما تقترب طائرة، يتجمد الجميع، لكن طفل يرمي حجرًا، وياسر يبتسم، معلنًا أن الحجر والإرادة هما سلاح غزة. هذا الفصل يضع الأساس للمسرحية، مقدمًا غزة كرمز للصمود، كنقطة ضوء في ظلام الصراع.

في الدوحة، يأخذنا النص إلى برج زجاجي حيث يجلس قطر بن خليف، رجل يحلم بإمبراطورية لكنه محاصر بدوره كممول. شاشاته تعرض الدمار في سوريا، لكنه لا يرى سوى أرقام وأوامر من لندن. شخصيته مأساوية لأنه يؤمن أنه صانع نفوذ، بينما هو مجرد ممول في مسرحية كتبها آخرون. برجه الزجاجي، بكل لمعانه، هو قصر من الرمال، هش كأحلامه. يتلقى تقارير عن قصف، عن خيانات، لكنه عاجز عن التوقف، لأن التوقف يعني خسارة مكانته. النص يرسم هذه الشخصية بحنكة، لا كشرير، بل كرجل محاصر بطموحه، يدفع تريليونات ليظل جزءًا من لعبة لا يفهم قواعدها. عندما يرى صور الدمار، يشعر بنخزة في ضميره، لكنه يطردها، مؤمنًا أن أمواله تبني عظمة، بينما الحقيقة هي أنها تمول الفوضى.

في أنقرة، نلتقي بعبد الحميد الثالث، القائد الذي يعيش في قصر يشبه السجن، محاطًا بشعارات المجد العثماني. يلقي خطابات نارية عن القدس، لكنه يوقّع على صفقات تبيع هذه الأحلام. شخصيته مأساوية لأنه يؤمن بقوته، لكنه أصبح أداة في يد واشنطن وتل أبيب. النص يقدمه كرجل محاصر بين صورته العامة وحقيقته الداخلية، يحلم بإعادة المجد لكنه يعرف أن شعاراته فارغة. عندما يرى صور غزة، يشعر بالذنب، لكنه يطرد الفكرة، مؤمنًا أن صفقاته من أجل تركيا. لكنه يعرف أن هذه الصفقات تمول قنابل تسقط على شعوب لا يعرف أسماءها. قصره، بكل فخامته، هو سجن من الشعارات، سجن يحمل في طياته بذور انهياره.

في نيويورك، يظهر دونالد الصفقة، الرجل الذي يحكم من برج زجاجي، محاطًا بالدولارات والأوهام. يتحدث عن "السلام الرائع"، لكنه يعرف أن سلامه هو قناع للدمار. شخصيته هي مركز المسرحية، لأنه يمثل العقل الذي يحرك الخيوط، لكنه محاصر بأوهامه الخاصة. يوقّع على صفقات بمليارات، يغرد عن انتصارات، لكنه يعرف أن مملكته هشة. عندما يرى صور الأطفال تحت الأنقاض، يطرد الفكرة، مؤمنًا أن أرباحه هي النصر. النص يرسمه كرجل يعيش في أوهام القوة، لكنه يخاف من الحقيقة: أن دولاراته تتحول إلى دماء، وأن مملكته مبنية على أنقاض شعوب أخرى.

في رام الله، نلتقي بمحمود الرئيس، الرجل الذي يجلس في مكتب متواضع، لكنه سجن من توقيعاته. كان يحلم يومًا بالقدس، لكنه أصبح أداة في يد بنيامين الحديد ودونالد الصفقة. توقيعاته على العقود، شيكاته التافهة، مرآته المكسورة، كلها رموز لخيانته. النص يقدمه بحساسية، لا كخائن متعمد، بل كرجل محاصر بخيارات مستحيلة، يحاول إقناع نفسه أن توقيعاته من أجل الاستقرار. لكنه يعرف أن الشعب يراه خائنًا، وأن مرآته المكسورة تعكس وجه شعب خُذل. عندما يسير في شوارع رام الله، يرى نظرات الخيبة، لكنه لا يستطيع مواجهتها، محاصرًا في سجن من صنعه.

في سوريا، نلتقي بأبو محمود الجليل، الثوري الذي أصبح دمية في خيمة محترقة. يحلم بتحرير سوريا، لكنه ينفذ أوامر من لندن، ممولة بدولارات قطر بن خليف. خيمته، المليئة بالأسلحة الصدئة والدولارات الملعونة، هي رمز للثورة التي بيعت. عندما تشتعل النار في الخيمة، يحاول إنقاذ الصندوق الخشبي، لكنه يرى الدولارات تحترق، كأنها تحمل أحلام سوريا المسروقة. النص يقدمه كضحية، رجل آمن بقضيته لكنه أصبح أداة في يد قوى لا تهتم بسوريا. عندما ينظر إلى مرآته المكسورة، لا يعرف من هو، محاصرًا بين حلمه وحقيقة خيانته.

في تل أبيب، نلتقي ببنيامين الحديد، الرجل الذي يحكم من قلعة حصينة، لكنها مبنية على أحلام محطمة. يؤمن بأنه يحمي أمة، لكنه يعرف أن هذه الحماية تأتي بثمن: دماء، أنقاض، واتهامات بالجرائم. يوقّع على صفقات مع دونالد الصفقة، يأمر بتدمير غزة، لكنه يشعر بنخزة في ضميره عندما يرى صور الأطفال. النص يرسمه كرجل محاصر بين قوته وخوفه، بين إيمانه بـ"أرض إسرائيل الكبرى" وحقيقة أن هذه الأرض تُبنى على ظلم. قلعته، بكل صلابتها، هي سجن يحمل بذور انهياره.

المسرحية، في جوهرها، هي مرثية للأمل المفقود، لكنها أيضًا دعوة للتأمل. كل شخصية هي مرآة تعكس جانبًا من الصراع: ياسر الحر يمثل الصمود، قطر بن خليف الهشاشة، عبد الحميد الشعارات، دونالد الصفقة الأوهام، محمود الرئيس الخيانة، أبو محمود الفوضى، وبنيامين الحديد القوة المغرورة. النص ينسج هذه الشخصيات في نسيج واحد، حيث الأنقاض في غزة تصبح رمزًا للإرادة، والأبراج الزجاجية رمزًا للهشاشة، والقصور سجونًا للشعارات. اللغة غنية بالصور الشعرية، حيث الحجر في يد طفل يصبح أقوى من قنبلة، والدولارات تحترق كأنها لعنة. المسرحية تطرح أسئلة عميقة: ما هو الثمن الحقيقي للسلطة؟ هل يمكن للإرادة أن تقاوم القوى العظمى؟ وماذا يحدث عندما تتحول الأحلام إلى أوهام؟ لا تقدم إجابات، بل تترك المتفرج مع المرآة المكسورة، مرآة تعكس وجوهنا جميعًا، تسألنا: من نحن في هذه المسرحية؟



#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)       Ahmad_Saloum#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشرين تريليون أو المشنقة... والمقاومة تضحك أخيراً!
- أردوغان وترامب: مسرحية الصداقة التجارية بطعم الإبادة
- تفكيك الإنسان في الأدب: قراءة في -سلاسل العقل، أغلال القلب-
- بولندا ترقص على حبل المصالح: من بروكسل إلى بكين
- وعد بلفور يعود بموسيقى تصويرية جديدة..
- مسرحية -عاصفة الاستقلال-
- مسرحية - في معابد الإله الاعظم دولار-
- مسرحية: -عباءة الطابور الخامس-..كوميديا
- مسرحية: الحقيقة تتألق بين الانقاض..-Veritas in Ruinas-
- مسرحية -إمبراطورية التكفير-
- مسرحية -جعجعة كابريه-
- خيبة التريليونات: من خردة الغرب إلى دروع الشرق
- الضربة الصهيونية لمحمية قطر وسياقات الصراع الإقليمي
- مقدمة لمسرحية : شايلوك يحلم بريفييرا غزة : وحشية الطمع الاست ...
- مسرحية: شايلوك يحلم بريفييرا غزة
- رواية : شجرة الكرز الحزين
- رواية : امواج الحقيقة الهادرة
- رواية : لمن ترفع اليافطة !
- رواية : نبوءة الرياح في شوارع شيكاغو
- تحالف الإرهاب والمال والنفوذ الصهيوني في قلب فرنسا


المزيد.....




- -السينما الغامرة-.. كيف يعيد الذكاء الاصطناعي رسم تجربة المش ...
- رحيل أيقونة السينما الإيطالية كلوديا كاردينالي عن 87 عاماً
- صور لغزة في معرض بمدريد لـ-إيقاظ الضمائر-
- عرض كتاب.. الاعتداءات الإسرائيلية على الأحياء والقرى والبلدا ...
- برعاية وزارة الثقافة .. بلدية البيرة تنظم معرض -حروف تجوب ال ...
- قصائد تحتفي بأمجد ناصر وتعاين جرح غزة
- -أجمل إيطالية في تونس-... وفاة أيقونة السينما كلوديا كاردينا ...
- -علي بابا- تطلق أكبر نماذجها اللغوية للذكاء الاصطناعي
- -صدى الأبدية-.. رواية تجمع بين الواقع والخيال للتحذير من هيم ...
- الأخلاق في عصر التفاهة.. حين تصبح القيم محض شعارات


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - مسرحية -رقصة دولارات الإبادة : عبد الحميد الثالث ودونالد الصفقة-