|
العالم يرقص على إيقاع ترامب العبقري... أو ربما العكس!
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 07:21
المحور:
كتابات ساخرة
في دوائر صنع السياسة الأوروبية الجديدة في بروكسل وواشنطن ، حيث الخطابات المعسولة تتحول إلى قنابل دخانية والوعود البراقة تنتهي بفواتير باهظة، يقف دونالد ترامب كالمايسترو الذي يقود أوركسترا عالمية من الكوميديا السوداء. كان الجميع يعتقد أن ترامب سيغير رأيه عن روسيا، كما توقعت دوائر الكرملين الحكيمة التي، على ما يبدو، تمتلك كرة بلورية أدق من توقعات خبراء وول ستريت. لكن، دعونا نكون منصفين، تغيير الرأي بالنسبة لترامب ليس حدثًا سياسيًا، بل طقس يومي يتكرر مع كل تغريدة على منصة X أو خطاب في نادي جولف. روسيا؟ عدو أم صديق؟ من يهتم؟ المهم أن الكاميرات تلتقط زاوية وجهه المثالية!
في هذه المسرحية العالمية، الحرب في أوكرانيا ليست سوى عرض جانبي للعبة الكبرى التي تديرها الولايات المتحدة. الهدف؟ ليس النصر، بالطبع، بل التأكد من أن أوروبا تتحول إلى أطلال اقتصادية تشبه مسرحًا رومانيًا مهجورًا. خطة عبقرية، أليس كذلك؟ دمر اقتصادات حلفائك، بِعْهم أسلحتك بأسعار خيالية، ثم اتركهم يتوسلون لقروض من صندوق النقد الدولي. المجمع الصناعي العسكري الأمريكي يضحك في طريقه إلى البنك، بينما الشعوب الأوروبية تتساءل: "لماذا أصبحت فاتورة الكهرباء أغلى من راتبي؟"
في بروكسل، باريس، برلين، ولندن، تجلس نخبة من الحكام الذين يبدون كأنهم تلاميذ في مدرسة ترامب الابتدائية للسياسة. يرتدون بدلاتهم الأنيقة، يحملون حقائب ديبلوماسية، ويستمعون بإذعان لمحاضرات المايسترو الأمريكي عن كيفية إدارة العالم. "أنتم تدفعون، ونحن نربح!"، هكذا يلخص ترامب الأمر بابتسامته المعهودة التي تجمع بين الثقة والسخرية. لكن، دعونا لا نلومه كثيرًا. فهؤلاء القادة الأوروبيون اختاروا طواعية أن يكونوا أبطال مسرحية "فيشي الأطلسية"، حيث يدفعون فواتير الأسلحة الأمريكية بينما شعوبهم تتأوه تحت وطأة الضرائب وارتفاع الأسعار.
ومع ذلك، هناك من يقاوم هذا العرض الكوميدي. إيران، على سبيل المثال، لم تقتنع بإنجيل ترامب المقدس الذي يعد بالخلاص مقابل الخضوع. قواعده العسكرية تُقصف، وهو يرد بـ"بارك الله فيكم!"، كما لو أن صواريخ طهران مجرد تحية ودية. اليمن، تلك الدولة الصغيرة التي بالكاد تراها على الخريطة، أذلت أساطيله بمسيّرات رخيصة الصنع، بينما ترامب يتفرج من مكتبه في مارالاغو وهو يحتسي الدايت كوك. أما روسيا، فهي تلعب لعبة الشطرنج بينما الغرب يلعب "المونوبولي" ويخسر أملاكه واحدًا تلو الآخر. موسكو وجدت في الصين شريكًا استراتيجيًا يشتري غازها بأسعار أرخص من تلك التي كانت تدفعها أوروبا. النتيجة؟ الصين تزداد تنافسية، بينما أوروبا تغرق في مستنقع الديون والأزمات.
لنكن صريحين: عصابة بروكسل، كما يحلو للبعض تسميتها، ليست سوى مجموعة من الممثلين الكوميديين الذين نسوا أن دورهم في المسرحية هو تمثيل مصالح شعوبهم، وليس مصالح واشنطن. لقد أغرقوا قارتهم في ديون لا نهائية، وقطعوا الغاز الروسي الرخيص ليحلوا محله بالغاز المسال الأمريكي الذي يكلف ثروة. والآن، يتساءل المواطن الأوروبي: "لماذا أصبح تدفئة بيتي تكلفني أكثر من رحلة إلى المالديف؟" الإجابة بسيطة: لأن قادتكم قرروا أن مصلحة المجمع الصناعي العسكري الأمريكي أهم من راحتكم.
في هذا العالم المجنون، يظل ترامب نجم العرض. خطاباته الساخرة، تهديداته الفارغة، وشعره الذي يتحدى قوانين الفيزياء، كلها تجعله رمزًا لعصرنا. لكنه، في النهاية، مجرد ممثل في مسرحية كتبها آخرون. روسيا، الصين، إيران، وحتى اليمن، يلعبون أدوارًا أكثر ذكاءً. بينما أوروبا؟ حسنًا، إنها الضحية التي تصفق لمن ينهبها، معتقدة أنها تشارك في خطة عبقرية.
كما يبدو ، العالم يرقص على إيقاع ترامب، لكن الراقصين الحقيقيين هم من يعرفون متى يغادرون المسرح قبل أن ينهار. أما أوروبا، فهي لا تزال تحاول تعلم خطوات الرقصة، بينما فاتورة الغاز ترتفع والضحكات من واشنطن تدوي في الأفق.
إذا كنت تعتقد أن المسرحية العالمية التي يديرها دونالد ترامب قد وصلت إلى ذروتها، فأنت لم ترَ شيئًا بعد! العالم يواصل دورانه في فلك هذا العبقري المزيف، الذي يقود الأمور بمنطق طفل في روضة يحاول حل أزمة نووية بقلم تلوين. ترامب، بكل تأكيد، ليس مجرد سياسي؛ إنه ظاهرة كونية، مزيج من مهرج سيرك ومغني أوبرا ينسى كلمات الأغنية لكنه يصر على الصراخ بصوت أعلى. وفي هذه الحلقة الجديدة من مسلسل "العالم يحترق ونحن نضحك"، نرى كيف أن أوروبا لا تزال تلعب دور الضحية المغفلة، بينما روسيا والصين تتبادلان النظرات الساخرة من بعيد، وإيران واليمن يلقيان بالمفرقعات النارية على الحفلة دون دعوة رسمية.
لنبدأ بأوروبا، تلك القارة التي كانت يومًا رمزًا للحضارة، والآن أصبحت تشبه متجرًا لبيع التحف القديمة التي لا أحد يريد شراءها. قادة بروكسل، ببدلاتهم المصممة خصيصًا وابتساماتهم المصطنعة، يواصلون دورهم كأبطال مسرحية تراجيدية كتبها كاتب هاوٍ في واشنطن. تخيلوا المشهد: رؤساء وزراء ووزراء خارجية يجلسون في غرفة مغلقة، يستمعون إلى خطاب ترامب الملهم عن "عظمة أمريكا" بينما يوقعون على شيكات بيضاء لشراء صواريخ وغاز مسال بأسعار تجعل أي عقل سليم يصاب بالدوار. "لماذا نشتري الغاز من روسيا بثلاثة دولارات، بينما يمكننا دفع عشرين دولارًا للأمريكيين؟"، يتساءل أحد الوزراء الأوروبيين بفخر، وكأنه اكتشف نظرية أينشتاين الجديدة. الجواب؟ لأن واشنطن قالت إن هذا هو الطريق إلى "الحرية"، ومن يرفض الحرية يُتهم بالخيانة أو، الأسوأ، بعدم الولاء للعلم النجوم والخطوط.
في هذه الأثناء، روسيا تلعب دور الشطرنجي المحترف الذي يعرف أن خصمه يلعب الداما. بينما أوروبا تقطع أنابيب الغاز عن نفسها في عرض درامي لإثبات "استقلاليتها"، تجلس موسكو مع بكين في مأدبة عشاء فاخرة، يتبادلان النكات عن غباء الغرب بينما يوقعان صفقات غاز بأسعار مخفضة. الصين، تلك الدولة التي لا تعرف النوم، تستعد لتصبح المصنع الأكبر والأرخص في العالم، بينما المصانع الأوروبية تغلق أبوابها لأن فاتورة الكهرباء أصبحت أغلى من إنتاج سيارة فيراري. "من يحتاج إلى أوروبا؟"، يتساءل رجل أعمال صيني وهو يحتسي الشاي، بينما يشاهد شاحنات محملة بالسلع تغادر موانئ شنغهاي إلى كل أنحاء العالم، باستثناء أوروبا التي لا تستطيع تحمل تكلفة الشحن.
أما ترامب، فهو يواصل عرضه المسرحي الذي يجمع بين الكوميديا والتراجيديا. في إحدى خطاباته الأخيرة، وقف أمام حشد من المؤيدين يلوحون بقبعات "عظّم أمريكا مجددًا"، معلنًا أن "روسيا ستدفع الثمن!"، ثم، بعد ثلاث دقائق، أضاف: "لكن بوتين رجل عظيم، ربما نتفق معه!" هذا التناقض ليس عيبًا في شخصية ترامب، بل هو استراتيجية عبقرية: إذا أربكت الجميع، فلن يعرف أحد ما الذي تخطط له، بما في ذلك أنت نفسك! وهكذا، يواصل ترامب إلقاء تهديداته الفارغة، بينما إيران ترسل له تحية عسكرية على شكل صواريخ باليستية، واليمن يحول سفنه الحربية إلى أهداف تدريب لمسيّراتهم المصنوعة يدويًا. رده؟ "بارك الله في الجميع!"، كما لو أن السلام العالمي سيتحقق بمجرد أن ينشر تغريدة جديدة على منصة X.
لكن دعونا نعود إلى أوروبا، تلك القارة التي قررت أن تلعب دور الضحية المطيعة في هذه المسرحية. في برلين، يتظاهر المواطنون ضد ارتفاع أسعار الطاقة، بينما الحكومة تشرح لهم بصبر أن هذا هو ثمن "الدفاع عن القيم الديمقراطية". في باريس، يحرق المتظاهرون الإطارات في الشوارع، بينما الرئيس يلقي خطابًا عن "التضامن الأطلسي" من قصر الإليزيه المُدفأ بغاز أمريكي باهظ الثمن. وفي لندن، حيث الاقتصاد يشبه سفينة تايتانيك بعد اصطدامها بالجبل الجليدي، يصر السياسيون على أن "بريطانيا العظمى" لا تزال عظيمة، حتى وهم يطلبون قروضًا جديدة لدفع فواتير الكهرباء.
في هذا السياق، لا يسع المرء إلا أن يضحك على عبقرية عصابة بروكسل. هؤلاء القادة، الذين يبدون كأنهم خريجو مدرسة ترامب للدبلوماسية، قرروا أن أفضل طريقة لإنقاذ شعوبهم هي تدمير اقتصادهم وبنيتهم التحتية بالحرب مع روسيا ، روسيا التي كانت مصدر ازدهار نسبي ووحيد لاوروبا ، خلال العقود الثلاثة السابقة ، كما تبين في ركود الاقتصادات الأوروبية الحالي ،بعد عقوبات بروكسل على روسيا ، التي أصابت بروكسل في مقتل ، ودفعت روسيا للازدهار النسبي على المدى القريب والبعيد ..فلا تملك دوائر بروكسل للتهريج السياسي غير استهداف شعوبهم بإغراقهم بالديون، وسرقة صناديق الضمان الاجتماعي و استعباد فئات الشعب بالعمل كسخرة حتى حدود السبعين من العمر وتحويل قارتهم إلى سوق مفتوح للأسلحة الأمريكية. "لماذا نصنع سلعًا تنافسية إذا كنا نستطيع دفع المزيد لشراء الأسلحة؟"، يتساءل أحد المسؤولين الأوروبيين، وكأنه يكتشف للتو أن المال لا ينمو على الأشجار. النتيجة؟ قارة بأكملها أصبحت رهينة لسياسات فاشلة، بينما المجمع الصناعي العسكري الأمريكي يحتفل بأرباح قياسية.
وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نشفق على أوروبا، تلك القارة التي كانت يومًا مركز العالم، والآن أصبحت مجرد ديكور في مسرحية ترامب. بينما روسيا والصين تلعبان الشطرنج، وإيران واليمن يلقيان بالمفرقعات ليباركهما رب ترامب الذي هو الربح ، يواصل قادة أوروبا رقصتهم المضحكة، متوهمين أنهم جزء من خطة عظيمة. لكن الحقيقة؟ إنهم مجرد دمى في يد مايسترو يعزف على إيقاع الفوضى، بينما العالم يضحك... أو ربما يبكي.
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسرحية -رقصة دولارات الإبادة : عبد الحميد الثالث ودونالد الص
...
-
عشرين تريليون أو المشنقة... والمقاومة تضحك أخيراً!
-
أردوغان وترامب: مسرحية الصداقة التجارية بطعم الإبادة
-
تفكيك الإنسان في الأدب: قراءة في -سلاسل العقل، أغلال القلب-
-
بولندا ترقص على حبل المصالح: من بروكسل إلى بكين
-
وعد بلفور يعود بموسيقى تصويرية جديدة..
-
مسرحية -عاصفة الاستقلال-
-
مسرحية - في معابد الإله الاعظم دولار-
-
مسرحية: -عباءة الطابور الخامس-..كوميديا
-
مسرحية: الحقيقة تتألق بين الانقاض..-Veritas in Ruinas-
-
مسرحية -إمبراطورية التكفير-
-
مسرحية -جعجعة كابريه-
-
خيبة التريليونات: من خردة الغرب إلى دروع الشرق
-
الضربة الصهيونية لمحمية قطر وسياقات الصراع الإقليمي
-
مقدمة لمسرحية : شايلوك يحلم بريفييرا غزة : وحشية الطمع الاست
...
-
مسرحية: شايلوك يحلم بريفييرا غزة
-
رواية : شجرة الكرز الحزين
-
رواية : امواج الحقيقة الهادرة
-
رواية : لمن ترفع اليافطة !
-
رواية : نبوءة الرياح في شوارع شيكاغو
المزيد.....
-
في حلق الوادي قرب تونس العاصمة... شواهد مقر إقامة نجمة السين
...
-
رحيل الممثلة كلوديا كاردينالي عن 87 عاماً... -أجمل إيطالية
...
-
توماس فوسين: لا معايير للشرعية السياسية والارتباط بالسلطة يت
...
-
توماس فوسين: لا معايير للشرعية السياسية والارتباط بالسلطة يت
...
-
-السينما الغامرة-.. كيف يعيد الذكاء الاصطناعي رسم تجربة المش
...
-
رحيل أيقونة السينما الإيطالية كلوديا كاردينالي عن 87 عاماً
-
صور لغزة في معرض بمدريد لـ-إيقاظ الضمائر-
-
عرض كتاب.. الاعتداءات الإسرائيلية على الأحياء والقرى والبلدا
...
-
برعاية وزارة الثقافة .. بلدية البيرة تنظم معرض -حروف تجوب ال
...
-
قصائد تحتفي بأمجد ناصر وتعاين جرح غزة
المزيد.....
-
صديقي الذي صار عنزة
/ د. خالد زغريت
-
حرف العين الذي فقأ عيني
/ د. خالد زغريت
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
المزيد.....
|