|
ديناصور الخراب: لوييه ميشيل وإرث النازية الجديدة في قلب أوروبا
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8489 - 2025 / 10 / 8 - 16:13
المحور:
كتابات ساخرة
في صباح 7 أكتوبر 2025، أشعلت مقابلة إذاعية على قناة RTL البلجيكية شرارة جدل سياسي يكشف عن الانقسامات العميقة في المشهد الأوروبي. لويس ميشيل، الوزير السابق والمؤسس المشارك لحزب الحركة الإصلاحية (MR)، رد بغضب على تصريحات بول ماغنيت، رئيس الحزب الاشتراكي (PS)، الذي اتهم MR بأن "اليمين المتطرف ينظم صفوفه" داخله. وصف ميشيل تصريحات ماغنيت بـ"المقززة" و"غير الصادقة"، مشيراً إلى احترامه السابق لماغنيت كسياسي وأكاديمي. لكنه لم يكتفِ، بل هاجم راؤول هيديبو، رئيس حزب العمال (PTB)، واصفاً إياه بـ"وريث ستالين" المسؤول عن "شيوعية دموية" قتلت 100 مليون شخص. هذا الهجوم ليس مجرد رد فعل شخصي، بل جزء من استراتيجية أوسع للدفاع عن النيوليبرالية وخدمة المصالح الإمبريالية الأمريكية، التي يتهمها النقاد بإعادة إحياء النازية في ثوب جديد.
هذه المواجهة ليست مجرد صدام حزبي بلجيكي، بل تعكس أزمة وجودية تهدد أوروبا: عودة النزعة النازية تحت غطاء توسع الناتو، المدعوم من شخصيات مثل ميشيل وابنه شارل، رئيس المجلس الأوروبي السابق. يُلقب ميشيل الأب في أوساط اليسار بـ"ديناصور الخراب"، ليس فقط لمسيرته السياسية الطويلة، بل لدوره في تقويض المجتمع المدني البلجيكي، الذي دافع عن الحرية والمساواة والعدالة. تصريحاته تردد الأكاذيب الغربية عن جرائم ستالين، متجاهلة دوره في إنقاذ العالم من النازية في الحرب العالمية الثانية. في الوقت نفسه، يدعم ميشيل وابنه سياسات تغطي على الإبادة الجماعية في غزة، وتسعى لإضعاف اليسار البلجيكي عبر زرع الفتنة بين ماغنيت وهيديبو.
لكن هذه القصة أعمق بكثير من صراعات بروكسل. إنها قصة صراع تاريخي بين قوى الإمبريالية والمقاومة، بين النيوليبرالية التي دمرت أوروبا والشعوب التي تسعى لاستعادة كرامتها. لنفحص هذا من خلال عدسة تاريخية وسياسية موسعة، مستفيدين من التحليل السياسي المقدم في العرض الأولي.
التاريخ المعاد كتابته: ستالين والنصر على النازية
لنبدأ بإعادة قراءة التاريخ بعيداً عن الروايات الغربية المشوهة. في 22 يونيو 1941، أطلقت ألمانيا النازية عملية بارباروسا، أكبر غزو عسكري في التاريخ، بـ3.8 مليون جندي، 3,600 دبابة، و4,000 طائرة، بهدف اجتياح الاتحاد السوفييتي. كان هتلر واثقاً من السقوط السريع لموسكو، لكن الجيش الأحمر، تحت قيادة جوزيف ستالين، صمد في معارك حاسمة. في لينينغراد، تحمل السوفييت حصاراً وحشياً استمر 872 يوماً، قتل فيه مليون مدني من الجوع والقصف. ثم جاءت معركة ستالينغراد (1942-1943)، التي وصفها المؤرخ أنتوني بيفور بـ"نقطة التحول في الحرب". دمر الجيش الأحمر الجيش السادس الألماني، مما أفقد النازيين زمام المبادرة. وفي معركة كورسك (1943)، أكبر معركة دبابات في التاريخ، سحق السوفييت القوات المدرعة النازية، مما مهد الطريق لتقدمهم نحو برلين.
في مايو 1945، وصل الجيش الأحمر إلى قلب برلين، حيث خاض حرب شوارع دامت ستة أشهر ضد نخبة القوات النازية. انتحر هتلر، ورفع السوفييت رايتهم على الرايخستاغ، معلنين نهاية النازية. كلف ذلك الاتحاد السوفييتي 27 مليون شهيد، بما في ذلك 8.7 مليون جندي، وهو ما يمثل 80% من الخسائر الألمانية في الحرب، حسب ديفيد غلانتز في كتابه "When Titans Clashed". بدون هذا التضحية، لما تمكن الحلفاء من الهبوط في نورماندي (1944)، ولما كانت الولايات المتحدة أو بريطانيا "على قيد الحياة" كما يقول النقاد.
ومع ذلك، يصر لويس ميشيل على ترديد رواية الـCIA التي تصف ستالين بـ"الديكتاتور الدموي". هذه الرواية، التي تروجها ويكيبيديا ووسائل إعلام غربية، تهدف إلى شيطنة الاتحاد السوفييتي، متجاهلة أن أخطاء ستالين، مثل التطهير الكبير (1937-1938)، كانت في سياق بناء دولة تواجه تهديدات داخلية وخارجية. كما يشير المؤرخ جيفري روبرتس في "Stalin’s Wars"، فإن ستالين، رغم قسوته، كان استراتيجياً عبقرياً وفر أمناً لأوروبا لأكثر من أربعين عاماً عبر معاهدة وارسو (1955-1991)، التي عادلت قوة الناتو.
النيوليبرالية: تدمير المجتمع المدني البلجيكي
في بلجيكا، كانت النيوليبرالية، التي يمثلها ميشيل وحزبه MR، أداة لتفكيك المجتمع المدني. منذ ثمانينيات القرن العشرين، تبنت الحكومات الليبرالية سياسات الخصخصة والتقشف، متأثرة بـ"الثورة المحافظة" لريغان وثاتشر. في عهد غي فير هوفستات (1999-2008)، رئيس الوزراء الليبرالي من VLD (شريك MR)، خُصخصت خدمات عامة مثل السكك الحديدية والبريد، مما أدى إلى تدهور الخدمات وزيادة أسعارها. حسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، انخفض الإنفاق الاجتماعي في بلجيكا بنسبة 15% بين 2000 و2020، بينما ارتفعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء: أغنى 10% يملكون الآن 43% من الثروة الوطنية.
حزب MR، الذي شارك في الحكومات منذ 2004، دعم هذه السياسات، مما أضعف النقابات وقلص الضمانات الاجتماعية. لويس ميشيل، كوزير خارجية (1999-2004)، دفع باتجاه تعزيز الروابط مع الناتو والولايات المتحدة، متجاهلاً مصالح الشعب البلجيكي. ابنه شارل، كرئيس وزراء (2014-2019)، واصل هذا النهج، مع دعم التقشف وسياسات الهجرة المثيرة للجدل، مما زاد من شعبية اليمين المتطرف مثل Vlaams Belang.
ميشيل والإمبريالية الأمريكية: من بروكسل إلى كييف
لويس ميشيل وابنه شارل ليسا مجرد سياسيين بلجيكيين؛ هما جزء من شبكة النخب الأوروبية التي تخدم المصالح الأمريكية. شارل، كرئيس للمجلس الأوروبي، دعم توسع الناتو شرقاً، خاصة في أوكرانيا. في 2021، وصف دعم كييف بـ"فرصة تاريخية" لإعادة بناء التحالف الغربي. لكن هذا الدعم كان له ثمن: تصعيد الصراع مع روسيا، الذي بدأ في 2014 بعد الانقلاب المدعوم من الغرب في كييف. وفقاً لتقارير OSCE، أدى الصراع في دونباس إلى مقتل 14,000 شخص بحلول 2022، قبل الغزو الروسي.
توسع الناتو، من 16 عضواً في 1991 إلى 32 في 2025، انتهك وعوداً لميخائيل غورباتشوف في 1990 بعدم التوسع شرقاً، كما كشفت وثائق أرشيف الأمن القومي الأمريكي. هذا التوسع، الذي بدأ في 1999 بانضمام بولندا والمجر وجمهورية التشيك، وصل إلى حدود روسيا بحلول 2004 مع انضمام دول البلطيق. جون ميرشايمر، في مقاله بـ"فورين أفيرز" (2014)، حذر من أن "توسع الناتو هو السبب الرئيسي للأزمة الأوكرانية"، لأنه يهدد الأمن القومي الروسي. في 2025، أصبحت أوروبا رهينة لصراع قد يتحول إلى تبادل نووي، مع تدمير بنيتها التحتية، حيث تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 40% (وفقاً لـIEA).
غزة: النازية الصهيونية والصمت الأوروبي
في غزة، تستمر الإبادة الجماعية تحت غطاء الدعم الغربي. منذ أكتوبر 2023، قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 67,000 مدني، معظمهم أطفال ونساء، وهجر 1.9 مليون شخص، ودمر 80% من المباني، حسب تقارير الأمم المتحدة. مجلة "فورين أفيرز" (2024) وصفت هذه الجرائم بأنها "تتجاوز وحشية الهولوكوست" في كثافة الدمار. استطلاعات "هآرتس" تظهر أن 80% من الإسرائيليين يؤيدون استمرار الهجمات، رغم معرفة الخسائر المدنية.
لويس وشارل ميشيل، عبر دعمهما للرواية الغربية، يركزان على نتنياهو كـ"المشكلة"، متجاهلين أن المشروع الصهيوني الاستعماري هو السبب الجذري. منذ 1948، أدت النكبة إلى تهجير 750,000 فلسطيني، وتوسعت المستوطنات في الضفة والقدس. في غزة، الحصار منذ 2007 حول القطاع إلى "سجن مفتوح"، حسب منظمة العفو الدولية. الغرب، بما في ذلك بلجيكا، يواصل دعم إسرائيل عبر صفقات أسلحة (بلجيكا صدرت أسلحة بـ20 مليون يورو إلى إسرائيل بين 2018-2023)، مما يجعل ميشيل جزءاً من آلة الإبادة.
الفتنة في اليسار البلجيكي: استراتيجية ميشيل
تصريحات ميشيل ضد ماغنيت وهيديبو ليست عفوية؛ إنها محاولة لإضعاف اليسار البلجيكي. الحزب الاشتراكي (PS)، بقيادة ماغنيت، يدعو إلى "جبهة ديمقراطية" ضد اليمين المتطرف، بينما حزب العمال (PTB)، بقيادة هيديبو، يركز على العدالة الاجتماعية ورفض التقشف. في 2024، حصل PTB على 8.7% من الأصوات في الانتخابات الفيدرالية، مما يظهر صعوده كقوة شعبية. ميشيل، بوصفه هيديبو بـ"وريث ستالين"، يحاول شيطنة PTB، بينما ينتقد ماغنيت لعدم مهاجمته PTB بنفس الشراسة. هذه الفتنة تهدف إلى منع تحالف يساري قوي ضد النيوليبرالية.
أوروبا على حافة الهاوية: التوسع الناتوي والنووي
توسع الناتو ليس مجرد خطأ استراتيجي، بل كارثة وجودية. في 1997، حذر جورج كينان، مهندس الحرب الباردة، من أن "توسع الناتو سيكون أخطر خطأ في السياسة الأمريكية". لكن الولايات المتحدة، بدعم من النخب الأوروبية مثل ميشيل، واصلت التوسع، مما أدى إلى أزمة 2022. اليوم، مع انضمام فنلندا والسويد، أصبح الناتو على حدود روسيا، مما يزيد من مخاطر التصعيد النووي. حسب تقرير SIPRI (2025)، تمتلك روسيا 5,580 رأساً نووية، بينما يمتلك الناتو 6,000، مما يجعل أي صراع كارثياً.
أوروبا الغربية، التي تعتمد على الغاز الروسي، تواجه أزمة طاقة غير مسبوقة. في 2022، ارتفعت أسعار الغاز بنسبة 300% بعد العقوبات على روسيا، مما أثر على الصناعات الألمانية والبلجيكية. مصنع BASF في ألمانيا أغلق خطوط إنتاج، وبلجيكا خسرت 12,000 وظيفة في القطاع الصناعي بحلول 2024.
عودة النازية: من بانديرا إلى كييف
في أوكرانيا، تُرفع صور ستيبان بانديرا، المتعاون مع النازيين في الحرب العالمية الثانية، كبطل قومي. هذا الإحياء للنازية، مدعوم من الناتو، يكشف عن تناقض الغرب: يدين النازية تاريخياً، لكنه يدعمها عملياً. في 2014، تلقت ميليشيات مثل آزوف تدريباً من الولايات المتحدة، حسب تقرير "ذا نايشن" (2019). هذه السياسة، التي يدعمها ميشيل عبر صمته، تهدد بإعادة أوروبا إلى الفوضى.
الخاتمة: الاختيار بين السلام والخراب
أوروبا على مفترق طرق: إما العودة إلى "معادلة ستالين" – خط 1990 الذي يضمن أمن روسيا واستقرار القارة – أو الاستمرار في التوسع الناتوي الذي يقود إلى تدمير البنية التحتية الأوروبية خلال أيام أو ساعات . لويس ميشيل، ديناصور الخراب، يمثل الماضي: النيوليبرالية، الإمبريالية، والدعم للإبادة في غزة. اليسار البلجيكي، بقيادة ماغنيت وهيديبو، يجب أن يتوحد لمواجهة هذا الإرث، ليس فقط من أجل بلجيكا، بل من أجل أوروبا التي تقف على حافة الهاوية.
………….
ديناصور بروكسل يزمجر: لويس ميشيل يعيد اختراع التاريخ ويحلم بمكتب ذهبي
في صباح مشمس من 7 أكتوبر 2025، استيقظت بلجيكا على صوت زئير يتردد عبر موجات قناة RTL الإذاعية. لم يكن هذا زئير أسد، بل صوت لويس ميشيل، الديناصور السياسي الأشهر في بروكسل، وهو ينفث غضبه على بول ماغنيت، رئيس الحزب الاشتراكي (PS)، الذي تجرأ واتهم حزب الحركة الإصلاحية (MR) بأنه أصبح نادياً لمحبي اليمين المتطرف. "مقزز!"، هكذا وصف ميشيل تصريحات ماغنيت، وكأنه يكتشف فجأة أن الوافل البلجيكي يُصنع بدون سكر. لكن الديناصور لم يكتفِ بماغنيت، بل استدار ليطلق النار على راؤول هيديبو، رئيس حزب العمال (PTB)، متهماً إياه بأنه "وريث ستالين" الذي يحمل وصمة "100 مليون قتيل". يا إلهي، لويس، هل أنت تكتب سيناريو لفيلم خيال علمي أم أنك فقط تحب الأرقام الكبيرة؟
هذه المعركة الإذاعية ليست مجرد مشاجرة بين سياسيين يتنافسون على لقب "من يصرخ أعلى". إنها حلقة جديدة من مسلسل "ديناصورات بروكسل"، حيث يلعب لويس ميشيل دور الوحش القديم الذي يحلم بإعادة أوروبا إلى عصر ما قبل ستالين، بينما يدير مكتبه الجديد المُرصع بملايين اليوروهات (يقال إن الأثاث مطلي بالذهب، لأن لماذا لا؟). مع ابنه شارل، نجم المجلس الأوروبي السابق، يشكل الثنائي ميشيل فريقاً يدافع عن النيوليبرالية، الناتو، وحتى الرواية الغربية التي تجعل نتنياهو "المشكلة" في غزة، وكأن المشروع الصهيوني مجرد نزهة في حديقة. دعونا نأخذ جولة ساخرة في هذا العالم الغريب حيث يعاد كتابة التاريخ، وتُحيى النازية بثوب جديد، ويحاول لويس إقناعنا أن ستالين هو الشر بعينه، بينما هو يقود أوروبا إلى حافة الهاوية.
ستالين: الرجل الذي أنقذ العالم أم شرير هوليوود؟
تخيلوا المشهد: 1941، هتلر يطلق عملية بارباروسا، جيش من 3.8 مليون جندي يقتحم الاتحاد السوفييتي، واثقاً أنه سيحتسي القهوة في الكرملين بحلول عيد الميلاد. لكن جوزيف ستالين، بشاربه الأسطوري وخططه العسكرية التي تبدو وكأنها مكتوبة على منديل، قرر أن يلعب دور البطل غير المتوقع. في لينينغراد، تحمل السوفييت حصاراً استمر 872 يوماً، حيث كان الناس يأكلون الجلود للبقاء على قيد الحياة. ثم جاءت ستالينغراد، المعركة التي جعلت هتلر يندم على فكرة الغزو بأكملها. الجيش الأحمر، بقيادة ستالين، سحق الجيش السادس الألماني، وكتب المؤرخ أنتوني بيفور أنها "نقطة التحول التي أنقذت العالم". في 1945، وصل السوفييت إلى برلين، حيث خاضوا حرب شوارع جعلت النازيين يتمنون لو بقوا في المنزل.
كلف هذا النصر 27 مليون شهيد سوفييتي، لكن لويس ميشيل يصر على أن ستالين هو الوحش الذي يجب أن نخافه. "100 مليون قتيل!"، يصرخ ميشيل، مقتبساً أرقاماً من كتاب خيالي يبدو أنه قرأه على ويكيبيديا أثناء استراحة القهوة. يا لويس، إذا كنت ستلعب دور المؤرخ، على الأقل اقرأ كتاب جيفري روبرتس "Stalin’s Wars"، الذي يقول إن ستالين، رغم أخطائه، وفر أمناً لأوروبا لأكثر من 40 عاماً عبر معاهدة وارسو. لكن لا، ميشيل يفضل نسخة هوليوود: ستالين الشرير، بينما الولايات المتحدة تدخل الحرب في الدقيقة الأخيرة لتسرق الأضواء وتوزع الميداليات.
النيوليبرالية: عندما قررت بلجيكا بيع كل شيء
في بلجيكا، لويس ميشيل وحزبه MR هما بطلا مسلسل "كيف تبيع دولة وتبدو أنيقاً". منذ ثمانينيات القرن الماضي، تبنت الحكومات الليبرالية، مستوحاة من ريغان وثاتشر، فكرة أن خصخصة كل شيء – من السكك الحديدية إلى البريد – هي الطريق إلى الجنة. في عهد غي فير هوفستات، حليف MR، تحولت القطارات إلى لغز يومي: هل ستصل في الوقت المحدد أم ستنتظر ساعة في المطر؟ البريد؟ أصبح أغلى من تذكرة سينما. حسب OECD، انخفض الإنفاق الاجتماعي في بلجيكا بنسبة 15% منذ 2000، بينما أغنى 10% يملكون الآن نصف البلاد تقريباً. برافو، لويس، لقد حولت بلجيكا إلى نادٍ للأثرياء!
ميشيل، كوزير خارجية (1999-2004)، كان مشغولاً بتقوية العلاقات مع الناتو وواشنطن، بينما الشعب البلجيكي يتساءل لماذا أصبحت تذكرة القطار تكلف كدفعة أولية لسيارة. ابنه شارل، رئيس الوزراء السابق (2014-2019)، واصل هذا الإرث، مع سياسات تقشف جعلت النقابات تشعر وكأنها تحارب تنيناً بملعقة خشبية. والنتيجة؟ صعود اليمين المتطرف مثل Vlaams Belang، لأن الناس يحبون دائماً إلقاء اللوم على المهاجرين عندما ينهار كل شيء.
ميشيل وشركاه: وكلاء الناتو في بروكسل
لويس وشارل ميشيل ليسا مجرد سياسيين بلجيكيين؛ هما مثل ثنائي الأبطال الخارقين (أو الأشرار؟) في فيلم الناتو الجديد: "مهمة مستحيلة: أوروبا". شارل، كرئيس المجلس الأوروبي (2019-2024)، كان يهتف لتوسع الناتو شرقاً، واصفاً دعم أوكرانيا بـ"فرصة تاريخية". فرصة لماذا، شارل؟ لتحويل أوروبا إلى ساحة معركة؟ الناتو، الذي انتقل من 16 عضواً في 1991 إلى 32 في 2025، نسي وعده لغورباتشوف بعدم التوسع "بوصة واحدة" شرقاً. الآن، مع فنلندا والسويد في النادي، أصبح الناتو يطرق باب موسكو، ويتوقع من الروس أن يقدموا الشاي والكعك.
جون ميرشايمر، في "فورين أفيرز"، حذر منذ 2014 أن توسع الناتو سيؤدي إلى كارثة. وها نحن الآن: أوروبا تتجمد بسبب أزمة الغاز (أسعار الغاز قفزت 300% في 2022)، المصانع تغلق (BASF في ألمانيا قالت وداعاً لخطوط إنتاجها)، وبلجيكا تخسر 12,000 وظيفة. لكن لا تقلقوا، لويس وشارل يقولان إن كل شيء تحت السيطرة، بينما يحلمان بمكاتب جديدة مطلية باليورو.
غزة: عندما يصبح الصمت جريمة
في غزة، المشهد يشبه فيلماً كارثياً، لكن بدون بطل ينقذ اليوم. منذ أكتوبر 2023، قتل الجيش الإسرائيلي 67,000 مدني، معظمهم أطفال ونساء، ودمر 80% من المباني، وفقاً للأمم المتحدة. "فورين أفيرز" تقول إن هذه الإبادة تفوق الهولوكوست في الوحشية، واستطلاعات "هآرتس" تظهر أن 80% من الإسرائيليين يؤيدون استمرارها. لكن لويس وشارل؟ يشيران إلى نتنياهو كـ"المشكلة"، وكأن المشروع الصهيوني مجرد سوء تفاهم بسيط. يا رفاق، النكبة بدأت في 1948، وحصار غزة منذ 2007 حولها إلى سجن مفتوح، حسب منظمة العفو الدولية. وبلجيكا، التي صدرت أسلحة بـ20 مليون يورو إلى إسرائيل، تقول: "نحن؟ لا علاقة لنا!"
الفتنة البلجيكية: ميشيل يلعب دور صانع المشاكل
لويس ميشيل، بعبقريته المعهودة، قرر أن أفضل طريقة للدفاع عن إرثه هي إشعال النار بين اليسار البلجيكي. بول ماغنيت، رئيس PS، يحلم بـ"جبهة ديمقراطية" ضد اليمين المتطرف، بينما راؤول هيديبو، رئيس PTB، يقاتل من أجل العمال ويرفض التقشف. PTB، الذي حصل على 8.7% من الأصوات في 2024، أصبح شوكة في خاصرة النيوليبراليين. لكن ميشيل يلقي باللوم على ماغنيت لعدم مهاجمته هيديبو بما فيه الكفاية، ويصف هيديبو بـ"وريث ستالين". لويس، هل نسيت أننا في 2025، وليس في فيلم حرب باردة؟
الناتو: مغامرة نووية أم نزهة كارثية؟
توسع الناتو يشبه قصة رجل قرر استفزاز دب نائم بمقلاة. في 1997، حذر جورج كينان من أن توسع الناتو "خطأ كارثي"، لكن النخب الأوروبية، بقيادة أمثال ميشيل، قررت أن الحل هو إحاطة روسيا بحلقة من الصواريخ. الآن، مع 5,580 رأساً نووية روسية و6,000 للناتو، أصبحت أوروبا على بعد زر واحد من أن تصبح أطلالاً. وفي الوقت نفسه، أزمة الغاز تجعل الأوروبيين يرتجفون، والمصانع تغلق، لكن لا تقلقوا، فلويس يقول إن كل شيء سيصبح على ما يرام... بعد تجديد مكتبه، بالطبع.
عودة النازية: بانديرا يبتسم من كييف
في أوكرانيا، تُرفع صور ستيبان بانديرا، المتعاون مع النازيين، كبطل قومي. ميليشيات مثل آزوف، التي دربها الأمريكيون، تجوب الشوارع، بينما لويس وشارل يبتسمان في بروكسل، وكأنهما يقولان: "النازية؟ أي نازية؟". هذا التناقض يجعلك تتساءل: هل الغرب يعاني من فقدان ذاكرة جماعي، أم أن هذا مجرد جزء من خطة "إعادة إحياء النازية بأسلوب 2025"؟
الخاتمة: ديناصور على حافة الهاوية
أوروبا تقف على مفترق طرق: إما العودة إلى "معادلة ستالين"، التي وفرت السلام لأربعين عاماً، أو الاندفاع نحو كارثة نووية بقيادة ديناصورات مثل لويس ميشيل. بينما يحلم لويس بمكاتب ذهبية ويحاول إشعال الفتنة بين ماغنيت وهيديبو، يبقى السؤال: هل سيستيقظ اليسار البلجيكي قبل أن تتحول أوروبا إلى حلقة من "Mad Max"؟ أو ربما، كما يقول المثل، "اترك الديناصور يزمجر، فهو على أي حال ينقرض".
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصص سبع عن مدن الظلال المقيتة أو مدن الوهابية الظلامية
-
أردوغان: خليفة الوهم أم منظف مراحيض الناتو؟
-
عصابات الجولاني ومهرجان البصمات على أوامر الناتو الاستعماري
-
مسرحية -حافة الهاوية-
-
أمريكا: إمبراطورية الفقاعات وأوهام الدولار السحري..كتابات سا
...
-
رواية: رقصة النيل الساخرة
-
السلام المزيف: قصة كيف غرقت مصر وفلسطين في بحر من النكات الس
...
-
السيرك العالمي يفتتح موسمه الجديد في تل أبيب وواشنطن..كتابات
...
-
أزمة الإمبراطورية الأمريكية : الهبوط نحو الهاوية
-
مسرحية : ايقاعات الورك المتمرد
-
مجموعة قصصية : أكوام الخيال - الجزء الأول-
-
الثقب الأسود الأوكراني: كوميديا جيوسياسية في مسرح العبث
-
خيوط الاستعمار الإنكليزي ومحميات الخليج في صلب الفوضى العالم
...
-
مسرحية -مدرسة الوحدة العجيبة-
-
من إيقاعات النيل إلى أسواق إدلب : رقصة الشرق ضد الإسلام الصه
...
-
رواية: خيوط الزيف
-
-مسرحية الخيانة: عباس والجولاني في عرضٍ ساخر -
-
التاريخ المُعاد كتابته بريشة الروتشيلد وسكين لورانس
-
مسرحية: -أزقة باريس تحترق-..كوميديا
-
عالم المخدرات العجيب حيث الشعر البرتقالي والعيون الزرقاء تحك
...
المزيد.....
-
-ترحب بالفوضى-.. تايلور سويفت غير منزعجة من ردود الفعل المتب
...
-
هيفاء وهبي بإطلالة جريئة على الطراز الكوري في ألبومها الجديد
...
-
هل ألغت هامبورغ الألمانية دروس الموسيقى بالمدارس بسبب المسلم
...
-
-معجم الدوحة التاريخي- يعيد رسم الأنساق اللغوية برؤية ثقافية
...
-
عامان على حرب الإبادة في غزة: 67 ألف شهيد.. وانهيار منظومتي
...
-
حكم نهائي بسجن المؤرخ محمد الأمين بلغيث بعد تصريحاته عن الثق
...
-
مخرج «جريرة» لـ(المدى): الجائزة اعتراف بتجربة عراقية شابة..
...
-
أصيلة تكرم الفنان التشكيلي المغربي عبد الكريم الوزاني.. ناحت
...
-
المصري خالد العناني مديرًا لليونسكو: أول عربي يتولى قيادة ال
...
-
-نفى وجود ثقافة أمازيغية-.. القضاء الجزائري يثبت إدانة مؤرخ
...
المزيد.....
-
رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج
/ د. خالد زغريت
-
صديقي الذي صار عنزة
/ د. خالد زغريت
-
حرف العين الذي فقأ عيني
/ د. خالد زغريت
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
المزيد.....
|