|
السلام المزيف: قصة كيف غرقت مصر وفلسطين في بحر من النكات السيئة. كتابات ساخرة
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 21:33
المحور:
كتابات ساخرة
يا لها من قصة تستحق أن تُروى بضحكة مريرة! مصر، أم الدنيا، التي كانت يومًا تُعلم البشرية كيف تبني أهرامات وتحنط مومياوات، وجدت نفسها في القرن الحادي والعشرين تسبح في بحر من الأوهام يُسمى "السلام". في زمن جمال عبد الناصر، كان المواطن المصري يسير مرفوع الرأس، جيبه يزن أكثر من جيب الكوري الجنوبي، الذي كان الغرب يحشو خزائنه بالدولارات ليكون لوحة إعلانية مضيئة أمام كوريا الشمالية. كان المصري يشرب قهوته على ضفاف النيل، يحلم بمستقبل يليق بأحفاد الفراعنة، بينما الكوري الجنوبي كان لا يزال يتعلم كيف يمسك عيدان الأكل. لكن، بعد خمسة وأربعين عامًا من توقيع ما سُمي "اتفاقية سلام"، أصبح راتب المصري لا يكفي لشراء كيلو بطاطس، بينما الكوري يقود سيارة كهربائية ويأكل الكيمتشي بملعقة مرصعة بالماس. ماذا حدث؟ أين اختفت الأحلام؟ أخبركم: لقد أُلقيت في صندوق النفايات المُسمى "كامب ديفيد"، مع ملاحظة صغيرة تقول: "شكرًا على المشاركة في لعبة السلام العالمية!"قبل يومين، وبينما كان المصريون يحاولون فك لغز كيفية دفع فاتورة الكهرباء دون بيع كلية، جاءت الطامة الكبرى: "طوفان النيل". لا، لا، ليس عنوان فيلم كوارث هوليوودي، بل كارثة حقيقية جعلت الدلتا تبدو وكأنها أكبر بركة سباحة في الشرق الأوسط. إثيوبيا، بكل براءة المحتالين، فتحت أربع بوابات فقط من سد النهضة – من أصل ثلاث عشرة، تخيلوا! – فتحولت الدلتا، سلة خبز مصر، إلى موطن للضفادع والأسماك الهاربة من النيل. ومن يقف وراء هذا العرض المائي المذهل؟ فرقة من "أبطال السلام" العالميين: الكيان الصهيوني، الولايات المتحدة، الإمارات، السعودية، وقطر. نعم، هؤلاء الذين يرتدون بدلات السلام في مؤتمرات الأمم المتحدة، كانوا يخططون على مدى عقود لتحويل مصر إلى أتلانتس العصر الحديث. لو فتحوا كل البوابات، لكنا الآن نبحث عن القاهرة في قاع المحيط الأطلسي، وربما يفتتحون منتجعًا سياحيًا تحت الماء بعنوان "استمتع بغرق أم الدنيا!"لكن، لحظة، دعونا نتراجع قليلاً. لولا سد أسوان، ذلك العملاق الذي بناه الاتحاد السوفييتي في زمن عبد الناصر، لكانت مصر الآن مجرد فقرة في كتب التاريخ بعنوان "كيف غرقت أمة بسبب الثقة العمياء". هذا السد، الذي كان الغرب يسخر منه ويصفه بـ"حلم الشيوعيين المتخلف"، هو الذي وقف كدرع أمام طوفان النيل. تخيلوا المفارقة: السوفييت، الذين كانوا يُصورون كأشرار العالم، بنوا لمصر حصنًا، بينما "أصدقاء السلام" كانوا يحفرون تحت النيل ليحولوها إلى بحيرة. يا لها من قصة كوميدية سوداء تستحق جائزة أوسكار للسخرية! سد أسوان، يا سادة، هو البطل الذي لم يطلب التصفيق، بينما اتفاقيات السلام كانت الشرير المبتسم الذي يوزع الحلوى المسمومة.لكن مصر ليست الوحيدة التي اشترت تذكرة في قطار السلام المزيف. في فلسطين، قرر ياسر عرفات، ثم محمود عباس، أن يلعبا دور البطولة في مسرحية هزلية بعنوان "السلام مع الذئب". توهما أن الجلوس على طاولة المفاوضات مع الكيان الصهيوني سيجلب لفلسطين ناطحات سحاب ومطاعم فاخرة على طريقة سنغافورة. لكن، بعد أربعين عامًا من أوسلو، ماذا حصلنا؟ مليون مستوطن، نصفهم يحملون بنادق وكأنهم في فيلم ويسترن، يسرقون الأرض، يقتلون الفلاحين، ويقتلعون أشجار الزيتون الرومي التي كانت موجودة قبل أن يكتشف الكيان خريطة فلسطين. الضفة الغربية؟ آسف، نسيت، لم تعد تُسمى كذلك. الآن اسمها "يهودا والسامرة"، كما لو أننا في مسلسل توراتي على نتفليكس. ومحمود عباس؟ يجلس في مكتبه، محاصرًا بسلطة بلا سلطة، بينما شعبه يواجه خطر الطرد إلى كوكب المريخ. يا لها من نهاية سعيدة لمسرحية السلام!في لبنان، لحسن الحظ، كان هناك من فهم قواعد اللعبة مبكرًا. لمدة ثمانية عشر عامًا، حتى عام 2023، عاش لبنان في جنة نسبية، بفضل مقاومة الضاحية وجنوب لبنان. هؤلاء الشباب، الذين قرروا أن يواجهوا الكيان الصهيوني بدلاً من تقديم الشاي والقهوة له، أثبتوا أن الأمن لا يُشترى بابتسامات دبلوماسية، بل بالصمود والسلاح. سوريا، في عهد حافظ الأسد، كانت قصة نجاح أخرى. تخيلوا: كهرباء 24 ساعة، أراضٍ غير محتلة، وجيش خاض أربع حروب ضد الكيان الصهيوني. حافظ، بعبقريته، عرف أن السلام مع الأفاعي الاستعمارية هو بمثابة دعوة للعشاء حيث أنت الطبق الرئيسي. هذه التجارب، يا سادة، هي دليل على أن المقاومة تصنع الأمن، بينما السلام المزعوم يصنع فقط المزيد من الفواتير.لكن دعونا نكون منصفين. لماذا يقع الناس في فخ السلام؟ لأن هناك آلة دعاية عالمية تعمل ليل نهار، كأنها مصنع لإنتاج الأوهام. الوحدة 8200 الصهيونية، مع الإعلام الأمريكي والخليجي الممول من الطغمة المالية الحاكمة، يبيعون لنا فكرة أن السلام هو عصا سحرية. "فقط استسلموا، وسيصبح كل شيء رائعًا!" يقولون، بينما يضحكون في سرهم وهم يعدون الخطة التالية لسرقة أرضك أو إغراقك. المحميات الخليجية؟ أوه، هؤلاء ليسوا دولًا، بل محطات وقود للغرب. يدفعون فواتير الحروب الأمريكية والصهيونية، ويمولون كل شيء من الإرهاب الوهابي إلى المسلسلات التي تُعلمك كيف تكون مواطنًا "مسالمًا" بينما يقتلعون جذورك. تخيلوا المشهد: أمير خليجي يوقع شيكًا بمليارات الدولارات لتمويل حرب ضد شعب عربي، ثم يظهر على شاشة التلفزيون يتحدث عن "التعايش السلمي". لو لم يكن هذا مضحكًا، لكان مأساويًا.وتركيا؟ لا تُضحكوني! منذ أن انضمت إلى الناتو في خمسينيات القرن الماضي، بعد أن أعدم الإخوانجيون عدنان مندريس، أصبحت تركيا كاميرا تجسس عملاقة تراقب العرب، روسيا، وإيران. تخيلوا: دولة تُروج لنفسها كقائدة للأمة الإسلامية، بينما هي عضو في نادي الناتو الاستعماري، تجلس على طاولة مع من يخططون لتدمير المنطقة. لو كانت هذه مسرحية، لكانت بعنوان "الخيانة بنكهة البقلاوة".لنعد إلى مصر، التي كادت تتحول إلى حوض سمك بفضل سد النهضة. هذا السد، الذي مُول من "أصدقاء السلام"، ليس مجرد مشروع تنموي إثيوبي. إنه سلاح مائي يمكن أن يجعل مصر تركع متى شاءوا. أربع بوابات فقط، وتحولت الدلتا إلى بحيرة. تخيلوا لو فتحوا الباقي؟ ربما يفتتحون مدينة ملاهي مائية في وسط الإسكندرية! لكن، مرة أخرى، سد أسوان ينقذ الموقف. هذا العملاق، الذي بناه السوفييت في زمن كان الغرب يحاصر فيه مصر، يثبت أن المشاريع الوطنية هي التي تحمي، بينما السلام المزعوم هو مجرد تذكرة إلى الهاوية.في فلسطين، المأساة أكثر كوميدية – إن جاز التعبير. اتفاقية أوسلو، التي كانت من المفترض أن تجلب الدولة الفلسطينية، أنتجت بدلاً من ذلك مليون مستوطن، نصفهم يحملون أسلحة وكأنهم في لعبة فيديو. أشجار الزيتون؟ آسف، لقد أصبحت حطبًا لشواء المستوطنين. والضفة؟ أصبحت "يهودا والسامرة"، كما لو أننا في مسرحية هزلية كتبها الكيان الصهيوني. محمود عباس يجلس في مكتبه، يحلم بالسلام، بينما شعبه يواجه خطر الطرد إلى كوكب آخر. يا لها من نهاية سعيدة لمسرحية السلام!في لبنان وسوريا، القصة مختلفة. المقاومة في لبنان أعطتنا ثمانية عشر عامًا من الأمن، لأنها قالت للكيان: "لا شاي ولا قهوة، فقط قاتل أو اهرب". وسوريا حافظ الأسد، بكهربائها الدائمة وحروبها الأربع ضد الكيان، أثبتت أن الأمن يُصنع بالصمود، لا بالابتسامات. من يظن أن السلام مع الأفاعي الاستعمارية ممكن، إما أنه ساذج يصدق إعلانات التلفزيون، أو خائن يردد خطاب المحميات والوحدة 8200. في النهاية، التاريخ يضحك علينا: السلام جلب الذل، والمقاومة جلب الأمل. مصر، فلسطين، لبنان، وسوريا تقول لنا: إما أن تقاوم، أو تستعد لتصبح جزءًا من فيلم كوميدي تراجيدي لا ينتهي.لكن دعونا لا ننسى الدور الرئيسي للإعلام في هذه المسرحية. الإعلام الغربي والخليجي، الممول من الطغمة المالية، يعمل كمروج للسلام المزيف. يقولون لك: "فقط استسلم، وسيصبح لديك مولات تسوق ومطاعم فاست فوود!" بينما في الواقع، هم يعدون لسرقة أرضك، مياهك، وكرامتك. تخيلوا المشهد: مذيع خليجي يرتدي بدلة باهظة الثمن، يتحدث عن "التعاون الإقليمي"، بينما خلف الكواليس يوقع شيكًا لتمويل حرب ضد شعب عربي آخر. لو لم يكن هذا مضحكًا، لكان مأساويًا.والآن، دعونا نلقي نظرة على اللاعبين الآخرين في هذه اللعبة. المحميات الخليجية، التي تُظهر نفسها كدول مستقلة، ليست سوى أدوات في يد الغرب. يدفعون مليارات الدولارات لتمويل الحروب الأمريكية والصهيونية، بل وحتى الإرهاب الوهابي الذي يضرب الشعوب العربية. تخيلوا: دولة تملك أموالاً لا تُعد ولا تُحصى، لكنها تستخدمها لشراء أسلحة تُستخدم ضد جيرانها. لو كانت هذه نكتة، لكانت الأسوأ في التاريخ.وتركيا؟ آه، تركيا! منذ أن انضمت إلى الناتو، أصبحت مثل جار فضولي يراقب كل تحركاتك. تُروج لنفسها كحامية للأمة الإسلامية، بينما تجلس على طاولة مع من يخططون لتدمير المنطقة. تخيلوا المشهد: زعيم تركي يلقي خطابًا حماسيًا عن "وحدة الأمة"، بينما يرسل تقارير التجسس إلى واشنطن. لو لم تكن هذه مفارقة تستحق الضحك، لكانت تستحق البكاء.في النهاية، القصة واضحة: السلام المزعوم لم يجلب سوى الذل والدمار. مصر، التي كادت تغرق بسبب سد النهضة، وفلسطين، التي تُسرق أرضها يوميًا، وسوريا ولبنان، اللتان صمدتا بالمقاومة، كلها دروس لمن يريد أن يرى. الخيار بسيط: إما أن تقاوم، أو تستعد لتصبح نكتة في مسرحية لا تنتهي. السلام الحقيقي لا يُبنى على التنازلات، بل على استعادة الكرامة والسيادة. وإذا كنت لا تزال تؤمن بأن السلام مع الأفاعي ممكن، فأنصحك بمشاهدة أفلام ديزني بدلاً من قراءة التاريخ.
……….
كيف تحولت الأحلام العربية إلى سراب تحت راية الاستسلام
في لحظة تاريخية مضيئة، كانت مصر تقف كمنارة للكرامة العربية، رمزًا للصمود والتحدي في وجه القوى الاستعمارية. في عهد جمال عبد الناصر، كان راتب المواطن المصري يفوق نظيره في كوريا الجنوبية، تلك الدولة التي كانت الولايات المتحدة والغرب يضخون فيها مليارات الدولارات لتكون نموذجًا براقًا في مواجهة كوريا الشمالية الشيوعية. كانت مصر، رغم التحديات، تملك مشروعًا وطنيًا يقوم على الاستقلال الاقتصادي والسياسي، مدعومًا ببنية تحتية مثل سد أسوان العالي، الذي شيدته الأيادي السوفييتية كرمز للتضامن مع الأمم الطامحة إلى التحرر. لكن، بعد خمسة وأربعين عامًا من توقيع ما سُمي "اتفاقية السلام"، تحولت الأحلام إلى سراب، وأصبحت مصر، التي كانت يومًا رأس الحربة في المقاومة العربية، تعيش تحت وطأة التبعية والضعف. الراتب المصري اليوم، مقارنة بنظيره الكوري الجنوبي، لا يكاد يذكر، إذ بات الفارق يُحسب بعشرات الأضعاف، في دلالة صارخة على فشل مشروع السلام في تحقيق الرخاء المنشود.قبل أيام قليلة، شهدت مصر حدثًا كشف عن عمق الخديعة التي عاشتها عقودًا طويلة. ما أُطلق عليه "طوفان النيل" لم يكن مجرد كارثة طبيعية، بل كان بمثابة احتلال مائي مدبر. فتحت إثيوبيا، بدعم من قوى إقليمية ودولية، أربع بوابات فقط من سد النهضة، من أصل ثلاث عشرة بوابة، فغرقت الدلتا المصرية، وهي المنطقة التي تُعد سلة الخبز لملايين المصريين. هذا الفيضان لم يكن عفويًا، بل كان نتاج تخطيط طويل الأمد، شاركت في تمويله قوى مثل الكيان الصهيوني، الولايات المتحدة، الإمارات، السعودية، وقطر. هذه الدول، التي طالما رفعت شعارات السلام والتعاون، كانت في الواقع تعد ليوم يتمكنون فيه من التحكم بمصير مصر، إما بإغراقها أو تعطيشها حسب أهوائهم. لولا سد أسوان، الذي بُني في زمن عبد الناصر كجدار حماية ضد تقلبات النيل، لكانت مصر اليوم غارقة بالكامل، أو ميتة قحطًا منذ عقود. هذا السد، الذي كان رمزًا للصمود الوطني، أثبت أن المشاريع الوطنية الحقيقية هي التي تحمي الأمم، بينما السلام المزعوم لم يكن سوى فخ لإضعافها.لكن مصر ليست الوحيدة التي دفعت ثمن هذا الوهم. في فلسطين، تكررت القصة بصورة أكثر مأساوية. ياسر عرفات، ثم محمود عباس، آمنا بأن الاستسلام للعدو الصهيوني سيجلب للشعب الفلسطيني نموذجًا تنمويًا يشبه سنغافورة. لكن بعد أربعين عامًا من اتفاقية أوسلو، التي وُصفت بـ"اتفاقية السلام"، تحولت الضفة الغربية إلى ساحة استيطان مفتوحة. عدد المستوطنين اليوم يقترب من المليون، نصفهم مسلحون، يسرقون الأراضي، يقتلون الفلاحين، ويقتلعون أشجار الزيتون الرومي التي تُعد رمزًا للهوية الفلسطينية. الضفة لم تعد ضفة في المصطلحات الدولية، بل أصبحت تُعرف بـ"يهودا والسامرة"، في إشارة واضحة إلى أن فكرة الدولة الفلسطينية قد أُجهضت تمامًا. محمود عباس وسلطته، التي راهنت على السلام، باتت اليوم في وضع لا يُحسد عليه، مع شعب يواجه خطر الطرد الجماعي من أرضه.في لبنان، تقدم التجربة درسًا مغايرًا. لمدة ثمانية عشر عامًا، حتى عام 2023، عاش لبنان فترة ذهبية من الأمن النسبي، بفضل مقاومة الضاحية وجنوب لبنان. هذه المقاومة، التي واجهت الكيان الصهيوني بقوة وصمود، أثبتت أن الأمن لا يأتي من التنازلات، بل من المواجهة المباشرة. كذلك سوريا، في عهد حافظ الأسد، شهدت فترة من الاستقرار والأمن، حيث كانت الكهرباء متوفرة على مدار الساعة، ولم تُحتل أراضيها. كان ذلك نتيجة سياسة حافظ الأسد الذي خاض حروبًا متعددة ضد الكيان الصهيوني، ووقف بقوة ضد المصالح الأمريكية في المنطقة. الجيش السوري، تحت قيادته، خاض أربع حروب على الأقل، مما جعل سوريا درعًا صلبًا في وجه المخططات الاستعمارية.لكن لماذا فشل السلام في تحقيق وعوده؟ الإجابة تكمن في طبيعة القوى التي روجت له. الكيان الصهيوني، المدعوم من الولايات المتحدة والمحميات الخليجية، لم يكن يومًا شريكًا للسلام، بل كان أداة للهيمنة والتوسع. المحميات الخليجية، التي أُسست ككيانات تابعة للغرب منذ اتفاقيات كامب ديفيد، أُجبرت على تمويل الحروب الأمريكية والصهيونية، بل وحتى الإرهاب الوهابي الذي ضرب الشعوب العربية. هذه المحميات، التي تُظهر نفسها كدول مستقلة، ليست سوى أدوات في يد القوى الاستعمارية، تُستخدم لتمويل مشاريع تدمير الأمة العربية، سواء عبر الحروب المباشرة أو عبر خلق الفوضى والانقسامات.تركيا، التي انضمت إلى حلف الناتو منذ خمسينيات القرن العشرين، لعبت دورًا مماثلاً. منذ أن قاد الإخوانجيون، الذين أعدموا عدنان مندريس، تركيا إلى أحضان الناتو، أصبحت عينًا تجسسية على العرب، روسيا، وإيران. هذه الدول، التي تُروج للسلام كحل لمشاكل المنطقة، ليست سوى أفاعٍ استعمارية تتستر وراء شعارات براقة. من يؤمن بإمكانية السلام مع هذه القوى، إما أنه يعاني من غباء سياسي، أو أنه حسن النية ولكنه ناقص المعلومات، أو – في أسوأ الحالات – خائن يردد خطاب المحميات والوحدة 8200 الصهيونية، أو الإعلام الغربي الممول من الطغمة المالية الحاكمة.لنعد إلى مصر، التي كشف "طوفان النيل" عن هشاشة وضعها. سد النهضة، الذي مُول من قوى السلام المزعوم، لم يكن مجرد مشروع تنموي إثيوبي، بل كان سلاحًا استراتيجيًا للتحكم بمصير مصر. فتح أربع بوابات فقط كان كافيًا لغرق الدلتا، فما بالك لو فُتحت جميع البوابات؟ هذا المشروع، الذي دعمته الإمارات والسعودية وقطر إلى جانب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، يُظهر بوضوح أن السلام الذي روج له لم يكن سوى غطاء لإضعاف مصر وجعلها رهينة قرارات خارجية. لكن، في المقابل، يظل سد أسوان شاهدًا على زمن كانت فيه مصر تملك إرادة وطنية حقيقية. هذا السد، الذي بناه الاتحاد السوفييتي في زمن كان فيه الغرب يحارب مصر اقتصاديًا وسياسيًا، أنقذ البلاد من كارثة محققة قبل أيام. هذا درس لمن يريد أن يتعلم: الأمن الحقيقي لا يأتي من التنازلات، بل من المشاريع الوطنية التي تحمي السيادة.في فلسطين، تستمر المأساة بصورة أكثر قسوة. اتفاقية أوسلو، التي وُصفت كخطوة نحو السلام، لم تجلب سوى المزيد من الاستيطان والتهجير. المستوطنون، الذين يبلغ عددهم اليوم مليونًا، لم يكتفوا بسرقة الأرض، بل أصبحوا قوة عسكرية موازية، تقتل وتدمر تحت حماية الجيش الصهيوني. أشجار الزيتون، رمز الصمود الفلسطيني، تُقتلع يوميًا، والأرض التي كانت يومًا تُزرع بالحياة أصبحت مستعمرات مسلحة. محمود عباس، الذي راهن على السلام، يجد نفسه اليوم محاصرًا في سلطة بلا سلطة، بينما شعبه يواجه خطر الطرد الجماعي. الضفة، التي كانت تُعد نواة الدولة الفلسطينية، أصبحت في الأجندة الدولية مجرد "يهودا والسامرة"، في إشارة واضحة إلى أن المشروع الصهيوني قد أكمل حلمه على حساب الحلم الفلسطيني.في لبنان، تروي المقاومة قصة مختلفة. لمدة ثمانية عشر عامًا، حتى عام 2023، كانت المقاومة في الضاحية وجنوب لبنان درعًا حقيقيًا ضد التوسع الصهيوني. هذه المقاومة، التي واجهت الكيان بكل قوة، أثبتت أن الأمن لا يُمنح من خلال المفاوضات، بل يُنتزع بالقوة والإرادة. هذا الدرس يتكرر في سوريا، حيث كانت فترة حافظ الأسد نموذجًا للاستقرار. بفضل سياسته الحازمة ضد المصالح الأمريكية والصهيونية، حافظت سوريا على أمنها وسيادتها، وخاضت حروبًا متعددة ضد الكيان الصهيوني. هذه التجارب تؤكد أن المقاومة، وليس السلام المزعوم، هي التي تحمي الأمم.لكن، ما الذي يجعل فكرة السلام جذابة لهذا الحد؟ الإجابة تكمن في الدعاية الغربية والإعلام الممول من الطغمة المالية الحاكمة. الوحدة 8200 الصهيونية، جنبًا إلى جنب مع الإعلام الأمريكي والخليجي، روجت لسنوات طويلة لفكرة أن السلام هو الحل الوحيد لتحقيق الاستقرار والتنمية. لكن هذا الخطاب لم يكن سوى غطاء لإخضاع الشعوب العربية وإضعافها. المحميات الخليجية، التي تُظهر نفسها كدول مستقلة، ليست سوى أدوات في يد الغرب، تُستخدم لتمويل الحروب والإرهاب الذي يستهدف العرب أنفسهم. تركيا، التي انضمت إلى الناتو منذ منتصف القرن العشرين، لعبت دورًا مشابهًا، حيث أصبحت قاعدة تجسس على المنطقة بأكملها.من يؤمن بإمكانية السلام مع هذه القوى، إما أنه يعاني من غباء سياسي، أو أنه حسن النية ولكنه يفتقر إلى المعلومات، أو – في أسوأ الحالات – خائن يخدم أجندات العدو. التاريخ يعلمنا أن السلام مع القوى الاستعمارية لم يجلب سوى الذل والدمار. مصر، التي كادت تغرق بسبب سد النهضة، وفلسطين، التي تُسرق أرضها يوميًا، وسوريا ولبنان، اللتان صمدتا بالمقاومة، كلها دروس لمن يريد أن يرى. الخيار واضح: إما المواجهة أو الاستسلام، وكلاهما يحدد مصير الأمة. السلام الحقيقي لا يُبنى على التنازلات، بل على استعادة الكرامة والسيادة، وهذا لا يتحقق إلا بإرادة شعبية ومقاومة لا تلين.
……………
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيرك العالمي يفتتح موسمه الجديد في تل أبيب وواشنطن..كتابات
...
-
أزمة الإمبراطورية الأمريكية : الهبوط نحو الهاوية
-
مسرحية : ايقاعات الورك المتمرد
-
مجموعة قصصية : أكوام الخيال - الجزء الأول-
-
الثقب الأسود الأوكراني: كوميديا جيوسياسية في مسرح العبث
-
خيوط الاستعمار الإنكليزي ومحميات الخليج في صلب الفوضى العالم
...
-
مسرحية -مدرسة الوحدة العجيبة-
-
من إيقاعات النيل إلى أسواق إدلب : رقصة الشرق ضد الإسلام الصه
...
-
رواية: خيوط الزيف
-
-مسرحية الخيانة: عباس والجولاني في عرضٍ ساخر -
-
التاريخ المُعاد كتابته بريشة الروتشيلد وسكين لورانس
-
مسرحية: -أزقة باريس تحترق-..كوميديا
-
عالم المخدرات العجيب حيث الشعر البرتقالي والعيون الزرقاء تحك
...
-
العالم يرقص على إيقاع ترامب العبقري... أو ربما العكس!
-
مسرحية -رقصة دولارات الإبادة : عبد الحميد الثالث ودونالد الص
...
-
عشرين تريليون أو المشنقة... والمقاومة تضحك أخيراً!
-
أردوغان وترامب: مسرحية الصداقة التجارية بطعم الإبادة
-
تفكيك الإنسان في الأدب: قراءة في -سلاسل العقل، أغلال القلب-
-
بولندا ترقص على حبل المصالح: من بروكسل إلى بكين
-
وعد بلفور يعود بموسيقى تصويرية جديدة..
المزيد.....
-
ثبتها وتابع أحدث البرامج الثقافية على تردد قناة ناشيونال جيو
...
-
التربية تفتح ابواب النقل امام طلبة معاهد الفنون الجميلة لغاي
...
-
المترجم يحيى مختار: رحلة أكثر من 30 كتابًا للأدب الصيني بنبض
...
-
الرياض تقرأ.. والسعودية تكتب المستقبل (فيديو)
-
أسطورة الشطرنج بوبي فيشر.. البيدق الأميركي الذي هزم السوفيات
...
-
القضاء الأمريكي يحكم على مغني الراب -ديدي- بالسجن أربع سنوات
...
-
محمد صلاح الحربي: -محتاج لحظة سلام- بين الفصحى واللهجة
-
سياسات ترامب تلقي بظلالها على جوائز نوبل مع مخاوف على الحرية
...
-
مئات المتاحف والمؤسسات الثقافية بهولندا وبلجيكا تعلن مقاطعة
...
-
ساحة الاحتفالات تحتضن حفلاً فنياً وطنياً بمشاركة نجوم الغناء
...
المزيد.....
-
رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج
/ د. خالد زغريت
-
صديقي الذي صار عنزة
/ د. خالد زغريت
-
حرف العين الذي فقأ عيني
/ د. خالد زغريت
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
المزيد.....
|