امغار محمد
محام باحت في العلوم السياسية
(Amrhar Mohamed)
الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 18:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحلقة17
اطروحة جامعية في العلوم السياسية
المطلب الثالث: العرف في عهد الحماية والإستقلال
نشر بالجريدة الرسمية في عددها742 ظهير للسلطان مولاي يوسف صدر في11 شتنبر 1914 يتعلق بإدارة القبائل البربرية وتطبيق أعرافها في القضايا والنوازل امام القضاء وجاء في الفصل الأول منه أن القبائل البربرية ستحتفظ بالقوانين والأعراف التي تنظمها وتسيرها، وذلك تحت مراقبة السلطان.
وعلل السلطان المغربي في ديباجة هذا الظهير الدوافع التي أدت به إلى إتخاذ هذا القرار بعدد القبائل التي توافق يوميا على الخضوع للسلطة المخزنية نتيجة التقدم الذي تحققه التهدئة la pacification وحرص هذه القبائل على الإحتفاظ بقوانينها وأعرافها العريقة في القدم ويرى العاهل المغربي أن مصلحة الرعايا وطمأنينة المملكة تقتضيان الإحتفاظ بالتنظيم العرفي لهذه القبائل(30).
وتنفيذا لمقتضيات هذا الظهير أصدرت عدة قرارات وزيرية بهدف إحصاء القبائل ذات الأعراف الأمازيغية، وكذا دورية الإقامة العامة في 22شتنبر 1915 التي تهدف إلى تنظيم العدالة البربرية وتتضمن هذه الدورية تعليمات حول إختيار أعضاء الجماعات القضائية العرفية وتعيين كتاب الضبط المكلفين بتحرير مداولات الجماعات والحفاظ على سجلاتها وتعيين حكام الجماعات والقاضي الحكم وأخيرا متابعة تنفيذ المخالفات .
وقد بلغ عدد المحاكم العرفية سنة 1929 إحدى وثمانين محكمة بمختلف المناطق التي أصبحت خاضعة للنظام العرفي، وتزايد عددها بعد إستسلام القبائل التي إستمرت في المقاومة، غير أن سيرها تعرض لمشكل جوهري يكمن في ان الأحكام التي تصدرها الجماعات لاتتمتع في نظر المصالح العمومية بقوة الشئ المقضى به في حالة رفضها من طرف أحد المتقاضين لإعتبار ان تنظيم المحاكم الجماعية مبني فقط على تدابير إدارية وينقصها سند قانوني، خلافا لمحاكم الباشوات والقواد وغيرها، التي أحدتث منذ سنة 1913 بنصوص تشريعية(31) .
وهذا ما يوضح أن الجماعة القضائية التي تم إنشاؤها بظهير 1914 والمتمتعة بالسلطة التحكيمية كانت أقرب إلى الجماعة العرفية السائدة قبل الحماية منه إلى محكمة حقيقية.(32)
وقد اصبحت هذه الجماعة القضائية محكمة عرفية حقيقية مع ظهير 1930
هذه المحاكم إذن كانت تعقد جلساتها بحضور مندوب الحكومة وكانت تصدر أحكاما نهائية في مادة الأحوال الشخصية والعقارية بخصوص القضايا التي تقل عن1000 فرنك وأحكام إبتدائية قابلة للإستئناف أمام محاكم الإستئناف العرفية المنظمة بمقتضى ظهير 8ماي 1934 فيما زاد عن المبلغ المشار إليه.
وكانت هذه المحاكم محاكم بربرية فرنسية، بربرية من حيث الأعراف المطبقةوحكامها وفرنسية فيما يخص المسطرة المتبعة أمامها من حضور كتاب الضبط وتحرير المقالات والإستدعاءات والمحاضر باللغة الفرنسية أي أن كل الوثائق الصادرة عن المحاكم العرفية كانت تحرر باللغة الفرنسية (33).
وبذلك يكون هذا النص قد سوى وضعية عريقة في القدم، لأن القضاء العرفي كان قبل الحماية، وأقره ظهير 1914 ولم يصدر ظهير 1930 سوى للتنظيم القضاء العرفي، وفق التشريع الغربي المنظم للهيئات العمومية ببلادنا منذ الحمايةعوض التنظيم الذي كان من قبل والذي كانت تفصل فيه النزاعات في غالبية المناطق المغربية من طرف شيوخ القبائل، والفقهاء ومقدمي الزوايا، وتحضى برضى الجميع (34).
وقد حالت ردود فعل مكونات الحركة الوطنية المغربية وحساسية المسألة الدينية في الثقافة الأمازيغية المحافظة دون نجاح هذه التجربة المتعلقة بالمحاكم العرفية، وفي هذا الإطار ذهب علال الفاسي إلى القول في موقفه من الظهير المنظم للمحاكم العرفية، <<أن سلطة الحماية عمدت إلى الجماعات القبلية التي كانت مهمتها الدفاع عن القبيلة وتدبير مصالحها المحلية وتمثيلها امام ولاة الملك فتقلبها إلى محاكم وتجعل مما بقي من بعض الأعراف الجاهلية قانونا ثابثا، ويصل بها الغلو إلى أن ترفع قضايا الجنايات التي تقع في الأراضي البربرية إلى المحاكم الفرنسية ذاتها، وهكذا تجرد القسم الأكبر من رعايا البلاد من سلطة الملك الدينية والزمنية التي تتجلى في القضاء الشرعي والمخزني وتعمد إلى الكتاتيب القرآنية والمساجد فتقفلها وتحول بين الفقهاء ورجال الدين وبين التجول لتعليم الناس أحكام دينهم.>>
ويرى أن الظهير غامض الدلالة وجرد الحكومة الشريفة من سيادتها على القبائل البربرية وأحدث محاكم عرفية لم يعرفها المغرب في تاريخه بحال(35) .
ذلك أنه حسب علال الفاسي ليس بصحيح أن غاية الحماية من السياسة البربرية هي بعث الأعراف المحلية، وإنما الغاية من ذلك التمهيد للقضاء النهائي على المحاكم المغربية وإلغاء الشريعة الإسلامية، وبما أن الأعراف البربرية بحسبه لاتصلح للبقاء ولا وجود لها في كثير من الحالات إلا في مخيلة القائمين على خلقها أو بعثها من مرقدها. وبما أن اللغة الفرنسية أصبحت هي لغة الجماعات العرفية فقد أصبح من السهل الإنتقال التدريجي إلى المحاكم الفرنسية وتطبيق القوانين التي سنتها السلطات الفرنسية للأجانب على الأهالي وهي مقتبسة طبعا من القوانين الفرنسية(36) .
وبالفعل فإن صاحب القرار الفعلي في هذه المحاكم كان هو مندوب الحكومة المفوض(37) الذي كانت له الصلاحيات الحقيقية في هذه المحاكم.
وإذا كانت الحماية أول سلطة سياسية حاولت عصرنة الأعراف من خلال إحداث المحاكم العرفية التي تعتبر شيء جديد داخل القبائل المغربية، فإن القوانين المنظمة لهذه المحاكم تتناقض قواعدها مع معطيات العدالة العرفية كما هي متعارف عليها سواء فيما يخص المساطير المتبعة وإسناد الإختصاص الغير القائم على مبدأ الإقليمية، بقدر ما كان قائما على مبدأ الشخصية أي ان الخضوع لهذا القانون كان قائم على انتماء الفرد للقبيلة هذا المبدا الذي أفرغ المحاكم المحدثة من محتواها.
غير أنه و مع ذلك فإن المرجعية العرفية شكلت إحدى الدعائم القانونية في النظام التشريعي المغربي لعهد الحماية ولم يتم إلغاء التنظيم القضائي العرفي إلا في بداية حصول المغرب على الإستقلال بمقتضى ظهير صادر في25 غشت1956 الذي أحدث محاكم تشريعية في القبائل ذات العرف البربري سابقا حيث صار تطبيق مدونة الأحوال الشخصية التي صدرت بشأنها ظهائر سنة 1958 يتم بكيفية موحدة على جميع المغاربة.
وهكدا ارتفعت وثيرة الإنتاج التشريعي(38) في الفترة الممتدة مابين 1956و1960 حيث ان الدولة كانت مطالبة بالإستجابة لرغبة الحركة الوطنية الداعية إلى توحيد ومغربة القوانين والقضاء على كل ما من شأنه في نظرها أن يهدد الوحدة الوطنية.
وفي هذا الاطار كانت أولى الإجراءات التي إتخذت مباشرة بعد الإستقلال هي إصدار ظهير سابع مارس سنة 1956القاضي بإلغاء القسم الجنائي العرفي الذي كان موجودا بالمحكمة العليا الشريفة وبعده ظهير 14أبريل سنة 1956 الذي أحدث المحاكم العادية لتحل محل المحاكم العرفية وأيضا ظهير25 غشت 1956 القاضي بإحداث محاكم على رأسها حكام مفوضين في دائرة نفوذ المحاكم العرفية(39) .
وهكذا فإن النخب المدينية المكونة للحركة الوطنية وامام الحماس المصاحب للحصول على السلطة لم تأخذ بعين الإعتبار في قراراتها أن أي بناء تشريعي يجب أن يوافق الحقيقة الإجتماعية والإنسانية و التاريخية ولو على وجه التقريب قبل أن يتم الإقرار بصفة نهائية تعويض أي من القوانين السائدة.
ويرجع اتخاد هذه القرارات الى أن أغلب العناصر المكونة لهذه النخبة تجهل الواقع السوسيولوجي للبلاد(40) ذلك ان تكوينهم لايسمح بمعرفة بلدهم إلا من خلال ذواتهم وينظرون إلى الشعب وقضاياه في الغالب عبر قوالب جاهزة مأخوذة ومقتبسة من الخارج(41) .
وهذا ما أدى إلى تلاشي دور الاعراف داخل القبيلة كمؤسسة إدارية وإقتصادية وثم نهج إستراتيجية التنمية من الأعلى بشكل يتجاهل الخصوصيات المحلية والثقافية، مما ساهم في تعثر وثيرة تحديث العالم القروي بصفة عامة.
ولهذا فإن إستمرار نخب الدولة في الإنتاج اللامحدود للتشريعات الحديثة التي تطابق في أغلب الأحيان مع مجتمع لم يوجد بعد ولم يطالب به احد (42) قد سمح للعديد من الأعراف بالبقاء والإستمرارية ذاخل المتخيل الجمعي.
الملاحظ أن سلطات المغرب المستقل حاولت إعادة الإعتبار لتطبيق الأعراف المحلية في كثير من مناطق البادية المغربية من خلال إحداث أجهزة قضائية محلية سنة 1974 ضمن التنظيم القضائي الجديد للمملكة.
هذه المحاكم التي تعرف بقضاء الجماعات و المقاطعات تتكون من قضاة عرفيين، وتصدر أحكامها إعتمادا على الأعراف القبلية والمحلية•وتعتبر هذه التجربة القانونية والقضائية محاولة من مشرع مغرب الإستقلال للحفاظ على بعض الممارسات العرفية كأداة للتنظيم وحل النزاعات في القضايا البسيطة جدا.
إن الظهير المنظم لهذه المحاكم، أي محاكم الجماعات والمقاطعات نص على أنها لايحق لها أن تبث في قضايا العقار كيفما كان نوعه بالإضافة إلى أن قيمة الطلب أمام هذه المحاكم لايجوز أن يتعدى 1000درهم تحت طائلة عدم الإختصاص.
هذه إذن بعض النقط المتعلقة بطبيعة القاعدة العرفية والإشكاليات السياسية التي طرحتها على الفاعل السياسي على إعتبار أنها جزء من القواعد المعيارية المستبطنة من طرف الانسان المغربي.
#امغار_محمد (هاشتاغ)
Amrhar_Mohamed#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟