أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - امغار محمد - السياسة القانونية والتتمية في مغرب الانتقال الديمقراطي اطروحة جامعية















المزيد.....


السياسة القانونية والتتمية في مغرب الانتقال الديمقراطي اطروحة جامعية


امغار محمد
محام باحت في العلوم السياسية

(Amrhar Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 16:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الحلقة 8
اطروحة الدكتور محمد امغار


الفقرة الرابعة: الإنتقال الديمقراطي والإصلاح الإجتماعي:

إن مقاربة إشكالية علاقة الإنتقال الديمقراطي بالإصلاح الإجتماعي تتطلب الإجابة عن سؤالين:
السؤال الأول هل إشكالية الإنتقال الديمقراطي تندرج ضمن إشكالية الإصلاح أم العكس؟ وهل هناك علاقة ضرورية بين الإثنين؟
ودون الغوص في أعماق النقاش النظري نسجل على مستوى الملاحظة التاريخية أن قضية الإصلاح سابقة من حيث الزمن على قضية الانتقال الديمقراطي.
إن الإصلاح الذي حصل في مغرب القرن 19 مثلا لايمكن تصنيفه في خانة الإنتقال الديمقراطي، حيث ان هدا الاصلاح كانت له علاقة بإنتقال آخر، وهو الانتقال المثمتل في الإنتقال إلى المجتمع المحمي أو المجتمع المستعمر بعد فشل محاولة الإصلاح الذي كان قائما على الإنغلاق على الآخر (58).
كما أنه من جهة أخرى سيكون من الصعب إدراج مختلف الإصلاحات التي أنجزت في المغرب قبل فترة التسعينات والتي مست مجالات مختلفة ومتعددة ومنها المجال القانوني ضمن إصلاحات الإنتقال الديمقراطي.
أما السؤال الثاني فيتمثل في هل يمكن للإصلاح أن يسرع وثيرة الإنتقال أم أن الإنتقال الديمقراطي يفترض من الفاعلين نوعا من الحذر وعدم القيام بأعمال قد تترتب عنها نتائج غير محمودة من شأنها أن تعصف بالإصلاح أو بالإنتقال؟(59).
إن أهمية هذا التساؤل تكمن في كونه لايعتبر الإصلاحات الدستورية أو الإجتماعية أو الإقتصادية، أعمالا أو سياسات عمومية تشير بشكل طبيعي ومنطقي لسيرورة الإنتقال.
وفي نفس الوقت يسمح هذا التساؤل بالتغلب على مقولات المنطق الفكري المناهض للإصلاح والتي يتبناها أغلب المطالبين بالحفاظ على الوضع القائم .
لذلك فإن هذه المقولات المؤسسة للمنطق الفكري المحافظ والتي ينطلق منها المطالبين بالحفاظ على الوضع القائم هي:
1) مقولة النتائج غير المحمودة.
2) مقولة التفاهة.
3) مقولة التعريض للخطر(60)
وإذا كان هذا النقد المحافظ للإصلاح لايصمد أمام الفحص الموضوعي فإن هذا لايعني أنه ينبغي إعتبار ان الإصلاح هو" الحل" كما يقول البعض أن الإسلام هو الحل أو أن الثورة هي الحل.
لذلك فإن أي دراسة موضوعية لأي إصلاح تقتضي ربطه بالسيرورات الموضوعية التحتية أي سيرورة الأنساق الإقتصادية والإجتماعية، فإصلاح القضاء مثلا لايتعلق فقط بعملية سن القوانين أو إصدار مراسيم وتحقيق إستقلال القاضي وتوفير الشروط المؤسسة لهذا الاصلاح من خلال تطبيع علاقة وزارة العدل مع الحكومة ككل ومع باقي المكونات الأخرى للدولة، بل يقتضي كذلك التقدم على مستوى إصلاح المقاولة وإصلاح المدرسة والجامعة وكل مؤسسات الدولة والمجتمع ،من خلال توفير خيطية إجتماعية ونشر وعي جديد بالمواطنة في أوساط النخبة وفي أوساط الجماهير.
ولهذا فالإصلاح والإنتقال يرتبطان إرتباطا عضويا بالضغوطات النسقية(61)، ذلك أن الإنتقال الديمقراطي سيرورة تتحكم فيها ضغوطات نسقية موضوعية تؤثر على إيقاعها وتفسر تدبدبها وتواثرها وحدوديتها وهذه الضغوطات هي ذات طابع تكويني أي ترتبط بتطور النسق السياسي والإجتماعي ككل وذات طابع بنيوي له صلة عضوية بطبيعة البنية السياسية والإجتماعية بتحولاتها وضبطها وعلاقتها بالمحيط، بمعنى أن الضغوطات النسقية لها صلة بالتحولات التي يعرفها نظام العائلة ونظام الملكية العقارية ونظام المجتمع والدولة بصفة عامة (62).
لهذا فإن الحديث عن الإصلاح هو حديث عن التحول في المجتمع والدولة، فالمغرب مثلا ليس فريدا في وجود برجوازية، وبمعنى أعم وجود طبقة وسطى هي غير واثقة تماما هل تريد إجراءات ديمقراطية أم لاتريد ذلك.
وفي هذا الإطار فإن الأمر الذي يتميز به المغرب والشرق الأوسط بصفة عامة هو وجود نسبة كبيرة من الطبقات الوسطى تعتمد إعتمادا مباشر على الدولة أو تستخدم من قبلها الشيئ الذي يفسر بالملموس تداخل مصالحها مع مصلحة النظام القائم ( 63) .
وقد أدرك مانفريد هالبرن MANFRED HALPERN منذ زمن هذه الظاهرة،ووجد في تحليله للطبقة الوسطى الجديدة، أن موظفي الحكومة وقادة الجيش هما جناحان للكيان الطبقي ذاته، ومتقفوا الشرق الأوسط هم من نواح متعددة، مثقفوا الدولة وهذه حقيقة لاحظها منذ أمد طويل الباحثون في العلوم الإجتماعية بصفة عامة ، ذلك إن إتفاق مصالح الأنتليجنسيا والدولة تتجاوز موضوع المكافآت والإستخدام والإجازات المهنية فتشمل شعورا قويا بالهوية والأهداف المشتركة.(64)
لذلك كانت الأنتليجنسيافي المغرب في كثير من الأحيان هي اللسان الخطابي لرسالة الدولة، لذا فإنها لم تصبح قط في حالات متعددة الفئة الحافزة على تشكيل جماعات جديدة نافذة ضمن المجتمع المدني، بل إنها رأت في التعددية الناشئة نوعا من الفتنة تنذر بالتغيير الجدري •.
ومن جهة أخرى فقد دخلت برجوازية القطاع الخاص التي ظهرت مع العولمة و الخوصصة في حلف مع الدولة مما أعاق التقدم نحو الديمقراطية وقد كتب كلارك رينولدز CLARK ROYNOLDS قبل سنين عن الدولة والبرجوازية في المكسيك فوصف هذا الترتيب بأنه حلف من أجل الأرباح، كما وجد غسان سلامة الأمر ذاته في العالم العربي(65) ومنه المغرب.
وهذا ما يفسر التفاهم الضمني الذي يقضي بأن تتخلى البرجوازية عن أي دور سياسي علني فتقوم بإتباع توجيهات الدولة الإقتصادية العامة، وذلك لقاء السماح لها بجني أرباح كبيرة، وتقوم الدولة من جانبها بتطويع العمال من خلال المزج بين منافع الرعاية الإجتماعية والقمع السياسي.
وبهذه الطريقة تتطور لدى نقابات العمال الكبرى وزعمائها، ولدى برجوازية القطاع الخاص، ولدى القادة والمدراء في الدولة، شبكة من المصالح التي يمكن أن يهددها الإنفتاح الديمقراطي، ويقوم ارباب العمال وأصحاب الرأسمال، وأغلبهم يتركز في القطاع العام، بضم صفوفهم للإبقاء على السيطرة الإستبدادية بدلا من تشكيل النواة لظهور مجتمع مدني متفتح (66).
ويرى كل من ليونارد بايندر وليزا أندرسون، أن دور البرجوازية هو دور حاكم في أية بداية ديمقراطية.
ففي نظر الأول يكمن التحدي في تبيين إمكانية ربط التفسير الليبرالي للعقيدة الإسلامية الأساسية بالمصالح المادية للبرجوازية الإسلامية وذلك للحفاظ على نظام حكم إسلامي ليبرالي ومتسامح على نحو واسع(67) .
أما أندرسون فترى خلافا لذلك أن ضعف البرجوازية الحالية وخضوعها هما السبب الرئيسي في إستمرار الإستبداد، إنها وهي تقول هذا، تفرق بين وجود طبقات وسطى وبين ما تسميه ببرجوازية متخلفة، إنها متخلفة لأنها أعيقت في نموها من قبل الدول الإستعمارية ثم غلبت على أمرها من قبل دولة متطورة جدا أكثر من اللازم وموروثة عن العهد الإستعماري(68) .
أن التنمية تبعا لذلك أصبحت هي التطلع إلى نمط الإستهلاك الغربي وإلى نمطه في الحياة من خلال قلب أوضاع التنظيمات التقليدية للإنتاج والإستهلاك بواسطة متطلبات السوق وقوانين المنافسة والعنف المكشوف وخلق الأبنية التحتية للإتصال الشئ الذي أدى إلى سوق عالمي واحد.(69)
وهذا ما يؤكد الفرضية التي إنطللق منها ريمي لوفو، الذي يرى أن النظام السياسي المغربي يدين بإستمراريته إلى مهارته وثقافته الخاصة اللتين جعلتاه قادرا بعد الإستقلال على لعب دور أكثر وظيفة وتوازنا من الدور الذي كان من الممكن أن يلعبه حزب وحيد متسلط، برز من الطبقة المتوسطة الحضرية، أو من دور نظام عسكري قام بإنقلاب ويستفيد منه الجيش لوحده.
لذلك فإن ظهور طبقة متوسطة وتناميها، وبروز مقاولين وشبكات جمعوية قوية ومتنوعة وغيرها من التحولات تشكل في العمق، دعما وتحديا للملكية في نفس الوقت.
حيث أن مثل هذا التطور يعقد النسيج المجتمعي لدرجة لايمكن معها إدعاء إمكانية دوام أي نزعة تسلطية، من دون أن تكون هناك مقاومة لها.
ويفترض هذا التطور المجتمعي، على مستوى آخر تطورا ضروريا للنسق السياسي ليسمح للفاعلين الجدد بالمشاركة في ممارسة السلطة(70) .
إن المعضلة في هذا الإطار تكمن في أن الأسلوب المخزني التقليدي في حكم الرجال تصلب وفقد المهارات التي طورها عبر تاريخه في سياق عولمة شرسة تؤثر على المخيلات الجماعية.
لذلك فبسبب عدم التجديد العميق للخطاب السياسي، تبقى الملكية معرضة لأن تتأثر بشكل مباشر بالتحولات التي سيفرضها تطور المجتمع، وفي هذا السياق، لم يعد المحيط الدولي يمثل أي مورد للملكية، بل يساهم في الحد من قدرة تصرفها في وقت لم تعد فيه تتحكم في التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع الدولي(71) .
وأكثر من هذا فالتهديد لايأتي من عدم تلاؤم المخزن مع التحولات العميقة الداخلية والخارجية، بل يأتي أيضا من الإرث اليعقوبي للحماية الفرنسية وهو الإرث الذي يمثل الوجه الآخر للسلطة الملكية القائمة على المركزية المطلقة.
لذلك فإن رفض الخطة القائمة على أطروحة حكم ذاتي موسع لحل مشكل الصحراء مثلا، يفهم كخوف غير مباشر من طلبات حكم ذاتي موسع يأتي من باقي جهات المملكة التي تتمتع بشخصية جهوية قوية تقوم على هوية ثقافية أو لغوية أمازيغية،(72) كما هو الحال في جهة سوس أو الريف.
وهذا ما يوضح أن مداخيل الإنتقال الديمقراطي ليست سياسة فقط ولكنها تنظيمية وترابية كذلك بحيث يعتبر توسيع نظام الجهوية مذخل للديمقراطية المحلية الحقيقية شريطة أن تكون الحاجة إلى هذه الجهوية محكومة بفكرة ديمقراطية تنظيمية وليس بتوازنات وتوافقات سياسية ما دام أن جوهر براديغم دولة الجهات يكون مسطريا محظا ومحكوما بقوة المسطرة في الدفع بوثيرة التمثيلية والمشاركة السياسية(73) .
ومن جهة أخرى فإن مقاربة الإصلاح تتطلب التطرق للمرتبة التي يحتلها القانوني في موضوع الإصلاح الدستوري، ذلك أن ضعف الثقافة الدستورية للمجتمع المغربي منحت للخبير في القانون الدستوري وضعا متميزا، يمكنه أن يقدم ليس فقط معرفته الموضوعية بل أيضا معرفته كخبير وإصلاحي(74) قادر على الرفع والسمو بالمسطرة القانونية المنبثقة من التوازنات السياسية والإجتماعية والإقتصادية.
إن إصلاح الدستور يعني في الأخير إصلاحا للمضمون وللشكل في الوقت ذاته، وتعتبر مسطرة مراجعة الدستور إمتدادا لمضمونه،لذلك فقد تم وضع مشروع الدستور المغربي من قبل دائرة صغيرة من الخبراء الأجانب في الصناعة الدستورية مما لا يسهل فهمه واستعاب مضمونه بالنسبة للمواطن المغربي .(75)
وتبدو الدولة ونخبها في الظرف الراهن، متفقة على ضرورة تبني إستراتيجية عدم الإقصاء لما ترتب عنها من نتائج وخيمة، كما أن الإدماج من جهة اخرى لايعني دائما ضمان مشاركة واسعة ولا حتى الدمقرطة، ويبدو أن الدولة مدفوعة بمنطق المراقبة وبالتنظيم المفرط إلى حد قد تعتبر معه في أقصى الحالات أن الدولة السلطوية تشكل ضررا أقل بالمقارنة مع وضعية توجد فيها جماهير واسعة مجزأة ومنفصلة عن أجهزة الدولة(76) .
لذلك أدى تأثير الحركة الإسلامية على جماهير المحرومين في المجتمع إلى إزدياد العزلة التي تعانيها النخب المسلمة الكوسموبوليتية، هذه النخب التي تعيش في أوضاع مريحة في ظل أنظمة لاتزال تتساهل مع وجود الفروقات وأحوال الفقر الواسعة الإنتشار،هذه الانظمة ومنها النظام المغربي التي إستخدمت في البداية الحركات الإسلامية كقوة مضادة في سبيل قمع أشكال المعارضة الأخرى(77) .
ويدل نجاح الإسلاميين على مستوى القدرة على تعبئة المجتمع على أن المسلمين المتعطشين إلى الحرية لم يحسنوا الدفاع عن قضيتهم بما يكفي من الحزم، ويتبت ضرورة الإسراع في إنجاز المهمات المطلوبة.
لذلك يرى البعض على ان على كل مسلم حديث يتفتح في عالم متعدد الإثنيات والثقافات والمذاهب أن يدافع بشغف عن الإسلام المتسامح(78)، يعني ذلك أن علينا الدفاع عن العدالة الإجتماعية والمؤسسات السياسية الديمقراطية والعلاقات الدولية التي تصون كرامة جميع الأمم وسيادتها، عوض الإنخراط في صراع النخب، أي صراع ما بين نخبتين لكل منها مرجعية ورؤية خاصة.
نخبة ترتبط بالمرجعية الأوربية الحديثة التي ترسخ فيها نموذج خاص في الحكم هو ما يعبر عنه بالديمقراطية، أي الحكم بواسطة إنتخابات حرة نزيهة، ونخبة ترتبط بالثراث العربي الإسلامي، وبنوع الحكم الذي تكرس فيه كنموذج يتمثل في المستبد العادل.
النخبة الأولى تبرر إختيارها بكون العالم الإسلامي يواجه تحديات الحداثة، وأنه بدون الإنخراط في العالم المعاصر وتبني الأسس التي قامت عليها الحداثة الأوربية في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية لايمكن أن يتقدم ولا أن يحتل المكانة اللائقة به وبوزنه التاريخي وإمكانياته في الحاضر والمستقبل.
أما النخبة الثانية فتنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى ذلك أنها ترى أن العالم الإسلامي يواجه فعلا تحديات، ولكن ليس تحديات الحداثة والتحديث بوصفهما نتاج التطور التاريخي للبشرية ككل فحسب، بل هو يواجه الوجه الآخر لهذه الحداثة والمتمثل في الإستعمار والهيمنة والتوسع والإختراق الثقافي وغيره.
ومن هنا كانت المهمة المطروحة باستعجال هي التصدي لهذا الوجه السلبي للحداثة الأوربية التي جعلت من الغرب العدو الذي يفرض نفسه كعدو وليس كصديق، والإضطلاع بهذه المهمة المستعجلة والمصيرية يتطلب إستعمال الإمكانيات الموجودة، وفي مقدمتها تعبئة الشعوب لمقاومة التدخلات الأجنبية الإستعمارية.
وبينما إختار فريق إعتماد الفكرة القومية والوطنية، كوسيلة لتغذية هذه التعبئة، ارتآى فريق آخر أن العقيدة الدينية هي أكثر قدرة على تعبئة أقوى وأوسع، تعبئة تخترق الفوارق الطبقية والحدود القومية.
وفي كلتا الحالتين فالتعبئة إذ تحتاج إلى عقيدة قومية أو دينية تحتاج أيضا إلى من يقودها ويجسم أهدافها خطابا وسلوكا.
ومن هنا طرحت أهمية القائد أو المرشد الذي يستمد شرعية القيادة في مرحلة الكفاح، وشرعية الحكم في حالة النصر، من خاصيتين أساسيتين، الحزم والعدل،ومن هنا تكرست مقولة " المستبد العادل" التي كانت سائدة في الخطاب العربي الإسلامي منذ العصر الأول للحضارة العربية الإسلامية. (79)
هذا مع العلم أن كلمة الإستبداد لم يكن لها في المرجعية العربية القديمة ذلك المضمون السلبي الذي لها اليوم(80) الشيء الذي جعل شخص الخليفة بنفس قدر المؤسسة التي يرعاها مصدر للتشريع الأسمى.
لذلك حرصت الخلافة والمتربعون على كرسيها على أن لا تتم المناداة عليهم بأسمائهم أو بألقاب تدل على وظائفهم، وإنما بعبارات بلاغية تبرز بشكل جلي آيات الولاء والتعظيم التي هم أهل لها.
وساعدهم ذلك في تأويلهم للنصوص في اتجاه يخدم تقوية ساعد مؤسسة الخلافة ضدا عن التهديد المستمر الذي تشكله حالة السيبة في تاريخ البلاد، فالسيبة كانت مصدر هوس القائمين بشؤون الرعية سواء السلاطين أو العلماء ومن أجل تفاديها كان يبيح السلطان لنفسه ولمن هم في خدمته القيام بتجاوزات تهدف إلى التأكيد على جبروت الخلافة وسداد رأيها(81) .
وهذا يحيلنا على أنه لايمكن أن يسود ولي إلا بتوفره على القوة المشروعة وعلى خلاف مقولة أتباع النظرية الإنقسامية، من أمثال كلنر، فان التيقنوقراطيات المحلية الساعية إلى الإستيلاء على المركز، كان عليها أن تتوفر على قوات مسلحة.
وهنا تلتقي المغامرة الروحية بالمغامرة السلالية، وتغذيان بعضهما بصورة طبيعية، مما يحث الحاكم على إبداء يقظة خاصة إزاء الأضرحة وأولياء الله و المؤسسات التقليدية والتحالف معهم خطير مثل ما هو حيوي، ولاينحصر السبب في التأثير الذي يمكن أن يمارسوه على تابعيهم الذين تربط شبكاتهم كل مدن البلاد وقراها القريبة والنائية.
لذلك يتضح أن التعاون مع رجال الله وزواياهم ضروري بالنظر إلى الإندماج الثقافي القوي الذي تحققه مذاهبهم وحساسياتهم، إضافة إلى الممارسة الولائية التي نشرتها حركتهم في كل المجتمع، بما في ذلك أرستقراطية العلماء التي تراقب الشرعيات في إطار هذا الإندماج الثقافي الحقيقي، الذي يعتبر إندماجا إجتماعيا أيضا،و يظل الدور الذي تقوم به الزوايا دورا بارزا، حتى أنه يتحتم على الحاكم الواع به إحاطتهم بإجلال واضح المعالم.
وقد يصل هذا الإجلال حد الإفراط أحيانا، وتتلقى الإحتفالات التي تقام حول أضرحة الزوايا بتشريفات السلطات العليا(82) .
إن هذا النموذج الذي يسثنتجه الأستاذ عبد الله حمودي من تحليله يحيل على مجتمع محدث السلطة المخزنية فيه من طبيعة دينية ويظهر فيه الملك حكما بين القبائل والمدن على مستوى ثاني(83) .
غير أن هذا وإن نجح في إظهار موارد النظام السياسي ونمط الحكم الذي يميزه، فان هذا يدفعنا إلى أن نتساءل ألا يعكس هذا التحليل في الواقع ضعف الدولة وحتى ضعف الملكية أكثر مما يعكس قوتهما؟
ألا تعوض المغالاة في إسثتمار منظومة الرمزيات والتمثلات ضعف المؤسسات؟.
إن هذا التحليل ذهب إلى حد التمسك بالموروث المخزني المتمثل في وحدة المذهب المالكي ورفض إستيراد مذاهب أخرى منافية للهوية المغربية المرتكزة على وحدة المذهب المالكي والتصدي لكل من يروج لها، بحيث سيتم إعتبار الإلتزام بالوحدة المذهبية المالكية بمثابة مبدأ دستوري جديد لايقل أهمية عن المبادئ الدستورية الأخرى كالوحدة الترابية والوطنية• (84).
إن هذه المعطيات تؤكد بالملموس العلاقة الموجودة بين السلطة والمعرفة الدينية على أرض الواقع وفي مختلف الحقب التي مر منها المجتمع والدولة المغربيين، وهذا ما يوضح الأهمية التي كانت ولازالت للعلماء والفقهاء في صياغة الحياة السياسية، كما تبرز أهمية دورهم في التأسيس لفكرة الدولة في المغرب وتعهدهم لها إلى أن أصبحت واقعا ملموسا في عصرنا الحاضر(85).
من كل ما سبق يمكن إعتبار أن إمكانية الإنتقال الديمقراطي وحقوق الإنسان هي مسألة تتعلق بالسطح، مشكل سطحي، ولكن ما معنى مشكل سطحي؟ هل ذلك يعني أنها مسألة سطحية.
إن السطح يمكن أن يكون موضوعا لدراسة جدية، ولكن ذلك يحتاج إلى عملية تربط السطح بالأعماق أي بتحول الأنساق الموضوعية، تلك الأنساق الإجتماعية والإقتصادية التي تشكل مؤثرات عقلية في تاريخ المجتمعات(86) .
لذلك فإن الربط مابين القانون والممارسة من المناهج الحديثة في التحليل ذلك أن دراسة نظرية محظة للسياسة القانونية من خلال نصوص الدستور قد تنتهي بنا إلى الإقرار بكون الدولة ديمقراطية قطعا في حين لو درسنا نفس الدستور مع ربطه بالممارسة أي من خلال المؤسسات فقد نصل إلى نتائج مخالفة للأولى(87).
وإستفاذة من هذا المنهج التحليلي وإقتناعا منا بأن القانون يتسع ليشمل كل القواعد الملزمة للأفراد بغض النظر عن مصدرها، وأن وجود هوة سحيقة بين القانون والممارسة يعد من العوامل التي تحد من تقدم المجتمع والدولة(88).
لذلك فإن مقاربة السياسة القانونية والتنمية في مغرب الإنتقال الديمقراطي يتطلب النظر لمختلف أبعاد الظاهرة لسبر أعماقها والإشكاليات المرتبطة بها وهذا ما سوف يتضح من خلال معالجة المعطيات المرتبطة بالتداخل في بنية السياسة القانونية في المغرب.



#امغار_محمد (هاشتاغ)       Amrhar_Mohamed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة القانونية والتنمية في مغرب الانتقال الديمقراطي
- السياسة القانونية والتنمية في مغرب الانتقال الديمقراطي اطروح ...
- قوة التقاليد في الفعل السياسي
- السياسة القانونية والتنمية في مغرب الانتقال الديمقراطي اطروح ...
- السياسة القانونية والتنمية في مغرب الانتقال الديمقراطي
- السياسة والتتمية في مغرب الانتقال الدبمقراطي اطروحة في العلو ...
- الحكومة ومشاريع القوانين
- تحليل الخطاب السياسي نموذج لقاء صحافي مع السيد وزير العدل ذ ...
- حرية في التعبير والنسبية في الاراء
- ماذا بعد اللقاء الوطني للمحاماة بالمغرب؟
- لماذا ترشحت لتولي منصب النقيب؟
- المحاماة القوية
- مختصر افكار برنامج 2024_2026
- عمل المحاكم الادارية بالمغرب
- كفالة الاطفال اليتامى ضحايا الزلزال بين قانون 01_15 وقانون 9 ...
- الزلزال وعلاقته بالقانون في المغرب
- الوكيل الرياضي بين الواقع والقانون
- الاستثمار في كرة القدم
- الاستثمار الرياضي في المغرب وتحكم التنظيم الجمعوي
- موقع المحامية في الانتخابات المهنية


المزيد.....




- فيديو منسوب لإدلاء نتنياهو بتصريحات حول السيسي وغزة.. ما حقي ...
- تحذيرات قصوى في اليابان جراء فيضانات وانهيارات أرضية تضرب كي ...
- بعد خطوات مماثلة اتخذتها سيول.. كوريا الشمالية تفكك بعض مكبر ...
- بعد توقيفه لمخالفته شروط الإقامة.. مالك -ترامب برغر- في تكسا ...
- شرطة لندن توقف المئات خلال مظاهرة ضد حظر -فلسطين أكشن-
- ألمانيا تؤكد استمرار دعمها لإسرائيل رغم قرار وقف تصدير بعض ا ...
- مذكرة توقيف دولية بحق دبلوماسي في السفارة الجزائرية بباريس ف ...
- -هنا نبقى.. وهنا نموت-.. الغزيون يتحدّون تهديد الاجتياح
- ترحيب دولي واسع باتفاق أذربيجان وأرمينيا وإيران تحذر
- معركة الفنادق مع -بوكينغ-.. ما الذي تعنيه للمسافرين؟


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - امغار محمد - السياسة القانونية والتتمية في مغرب الانتقال الديمقراطي اطروحة جامعية