أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي














المزيد.....

رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8486 - 2025 / 10 / 5 - 10:14
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


​لا يمر يوم المعلم العالمي (الخامس من أكتوبر)، الذي تتبناه الدولة السودانية شكلياً، إلا كذكرى مُرّة تفضح التناقض الجوهري في وضع المعلم. فبينما تُختزل قضيته في خطابات "الفضل" والعرفان، تُسلخ عنه صفته كـ"عامل" ينتج أهم سلعة في المجتمع: الوعي البشري. هذه العملية ليست بريئة، بل هي آلية هيمنة تهدف إلى تحويل المعلم من فاعل سياسي في الصراع الطبقي إلى مجرد أداة تقنية في آلة الدولة البرجوازية. إن إخفاء الاستغلال المادي وراء حجاب التبجيل الأخلاقي هو ذروة التلاعب الأيديولوجي، مما يستدعي قراءة مادية جدلية تكشف تشيؤه وتحوله إلى سلعة منزوعة القيمة في اقتصاد السوق التابع.

​يكشف الوضع المادي للمعلم السوداني عن الوجه العاري للرأسمالية الطرفية، حيث يعيش أكثر من 85% من المعلمين تحت خط الفقر، وبلغ متوسط الراتب أقل من 50 دولارًا شهرياً، أي أن قوة عملهم لم تعد تُعادل حتى قيمة إعادة إنتاجها الحيوي. فالتدهور الاقتصادي هو تعمية طبقية مقصودة، تضمن بقاء هذه الشريحة الكادحة في وضع الضعف المادي، فالراتب الذي لا يكفي إعادة إنتاج القوة العاملة يتحول إلى أداة لإخضاعها. وهكذا يتحول الفقر من حالة اقتصادية إلى أداة سياسية لتفريغ الوعي من محتواه الثوري، مما يجعل نضالهم من أجل البقاء يطغى على نضالهم السياسي من أجل التغيير الجذري، وهو تحليل يتسق مع المنهج الماركسي الذي يربط بين البنية التحتية الاقتصادية والبنية الفوقية الأيديولوجية.

​إن المعلم السوداني لا يخضع لاستغلال قوة عمله كأي بروليتاري فحسب، بل يُجبر على المشاركة في إنتاج وتكريس الوعي الزائف الذي يُعيد إنتاج شروط استغلاله. إنه يعيش اغتراباً مزدوجاً: مغترب عن منتجه (الوعي النقدي) وعن ذاته ككائن ثوري في آن واحد، فهو لا يُستلب فقط من منتجه، بل يُستلب من قدرته على إنتاج الذات الثورية ذاتها. وهكذا يتحول المعلم من منتج للوعي إلى حارس لوعي زائف يُعيد إنتاج شروط استغلاله. ويُعد هذا التهميش المنهجي عبر خصخصة التعليم وتدهور المدارس الحكومية استراتيجية واضحة لسحب القوة الثورية من هذه الشريحة، وتحويلها من مثقفين عضويين (بالمعنى الغرامشوي) إلى بروليتاريا رثة مهمتها تلقين الرضوخ بدلاً من إشعال النقد.

​لم تعد الأزمة مجرد استغلال اقتصادي، بل تحولت إلى هجوم وجودي في ظل الحرب الحالية. فتشريد نصف مليون معلم ليس مجرد نزوح، بل هو تفكيك ممنهج لبنية إنتاج المعرفة وتدمير للقوة المنتجة للوعي الثوري ذاته. إن حرمان ملايين الأطفال من التعليم يضمن إعادة إنتاج دورة التخلف والتبعية، وهو ما يخدم المشروع الإمبريالي الذي يحتاج إلى أطراف جاهلة لضمان هيمنة المركز. فـتدمير البنية التحتية التعليمية (أكثر من 70% من المدارس خارج الخدمة) هو تدمير لوسائل الإنتاج الفكري، وتحويل المعلم من حامل لرسالة إلى لاجئ مشرد بلا وسيلة لإعادة إنتاج ذاته المادية أو الفكرية.

​لطالما كان المعلمون في قلب المعارك التحريرية في السودان، مما يؤكد طليعيتهم الطبقية. ففي انتفاضات ديسمبر، لم تكن نقابات المعلمين مجرد تجمعات مطالبية، بل كانت خلايا تنظيمية للثورة، وحاضنات للوعي الجمعي في الأحياء. وهذا الدور يؤكد الرؤية اللينينية التي ترى في النقابة نواة التنظيم السياسي للطبقة، وأداة لقلب علاقات الإنتاج. فلا يمكن لأي نضال مطلبي أن ينتصر دون أن يتحول إلى نضال سياسي يواجه جوهر السلطة الطبقية. لذا فالنضال من أجل الأجر العادل ليس منفصلاً عن النضال من أجل التعليم المجاني والعلماني، فكلاهما وجهان لمعركة التحرر من هيمنة رأس المال على الوعي والمادة.

​إن النضال من أجل قضية المعلمين يجب أن يكون نضالاً ضد التشيؤ برفع شعار "المعلم منتج للوعي، وليس سلعة"، ونضالاً ضد الاغتراب بالمطالبة بحق المعلم في المشاركة في وضع المناهج وإدارة المؤسسات التعليمية. ويجب أن يرتبط هذا النضال بمشروع الاشتراكية، عبر ربط مطالب الأجر العادل بمشروع مجانية التعليم وإلغاء خصخصة القطاع، لأنه لا تحرر حقيقي للمعلم دون تحرر كامل للمجتمع من قيد علاقات الإنتاج الرأسمالية. فجوهر الصراع حول التعليم هو الصراع حول من يملك الوعي ومن يحدد اتجاهه الطبقي. إن نضال المعلم السوداني هو جزء من النضال الأممي ضد رأسمالية التعليم وهيمنة رأس المال على الوعي البشري.

​"لا أحد يحرر أحداً، ولا أحد يحرر نفسه بنفسه، الناس يحررون أنفسهم في شراكة."
باولو فريري.

​النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 8. القطيعة الثورية: الاشتراكية كطريق وحيد لتحطيم أوهام الإصل ...
- 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السو ...
- ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي
- 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-
- 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي
- 4. أوهام الانتقال المدني الديمقراطي
- 3. مأزق السلام الليبرالي
- 2. من حماية الأرواح إلى احتواء الثورة: تفكيك ماركسي لشعار ال ...
- 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح ...
- 14. الخاتمة: نحو بديل ثوري
- بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس
- الحدود كجهاز قمع طبقي في عصر الإمبريالية
- 13. المهام الطبقية للثورة السودانية: من الوطني إلى الاشتراكي
- 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر الت ...
- 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي و ...
- 10. معضلة القيادة الثورية: أزمة اليسار والتحالفات المشبوهة
- 9. ثورة ديسمبر: انفجار التناقضات الطبقية
- 8. الهيمنة الطفيلية: التعليم والإعلام والدين في السودان
- 7. البعد الجندري للأزمة: النساء بين القهر والمقاومة
- 6. استعمار الداخل: الحرب كآلية للنهب المنظم في السودان


المزيد.....




- احتجاجات جيل زد بالمغرب.. أرقام عن البطالة والفوارق الاجتماع ...
- التعليم والبطالة وتأثيرها على الشباب الصاعد في المشرق العربي ...
- الاتحاد العام لنقابات عمال مصر يُثمن مبادرة «بصمة شباب مصر» ...
- الجزيرة ترصد معاناة المستشفيات والعاملين فيها في غزة
- إضراب عام في إيطاليا تضامنا مع أسطول الصمود ورفضا لحرب غزة
- النسخة الألكترونية من العدد 1869 من جريدة الشعب ليوم الخميس ...
- بعد دعوة جيل زد إلى حل الأحزاب الفاسدة في المغرب، هل مازال أ ...
- الآلاف يعتصمون أمام السفارة الأميركية بكوالالمبور بسبب أسطول ...
- إيطاليا: احتجاجات واسعة وإضراب عام مفاجئ دعماً لـ-أسطول الصم ...
- بلاغ اخباري حول لقاء الهيئات النقابية والمهنية لقطاع الصحافة ...


المزيد.....

- ملامح من تاريخ الحركة النقابية / الحاج عبدالرحمن الحاج
- تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الحركة النقابية / الحزب الشيوعي السوداني
- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - عماد حسب الرسول الطيب - رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي