أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السوداني














المزيد.....

7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السوداني


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 21:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تشكل البرجوازية الطفيلية في السودان الحلقة المحورية لفهم أزمة الإصلاح وتعثر مسارات التغيير. فهي ليست مجرد شريحة طبقية عابرة، بل تمثل الأساس المادي لنظام اقتصادي وسياسي قائم على الريع والوساطة والتبعية. ارتبطت هذه الطبقة منذ نشأتها بالهيمنة الإمبريالية، إذ تكونت في ظل الاستعمار البريطاني الذي رسّخ اقتصاداً أحادياً معتمداً على تصدير المواد الخام، مما جعل السودان حلقة وسيطة بين المركز الإمبريالي (الدول الرأسمالية المتقدمة) والمحيط (الاقتصادات التابعة ضمن النظام العالمي) [1]. ولم يتغير هذا الدور الجوهري بعد الاستقلال، بل تكيّف مع التحولات السياسية المتعاقبة: من نظام عبود العسكري إلى ديمقراطية الأحزاب التقليدية، ومن حكم نميري إلى نظام الإنقاذ الإسلاموي، وصولاً إلى المرحلة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر. في كل هذه المراحل، حافظت البرجوازية الطفيلية على موقعها كحلقة وصل بين الاقتصاد المحلي والقوى الإمبريالية، مطوّرة أشكالاً جديدة من الريع والوساطة بما يخدم مصالح المرحلة ورأس المال العالمي.

إن السمات البنيوية لهذه البرجوازية تجعلها العقبة الأساسية أمام أي مشروع إصلاح حقيقي. فهي لا تعتمد في تراكمها على النشاط الإنتاجي، بل على الوساطة والريع والفساد. ويتجلى ذلك بوضوح في انتقالها من الوساطة في تجارة الصمغ العربي إلى السيطرة على قطاعات النفط والذهب والمشاريع الكبرى [2]. ويفسر هذا الانفصال الكامل عن عملية الإنتاج عداءها البنيوي لأي توجه نحو اقتصاد منتج، مما يدفعها إلى إفشال محاولات بناء قاعدة إنتاجية وطنية، إذ يتناقض وجودها مع أي مسعى نحو التصنيع أو الإصلاح الزراعي.

تتجلى وظيفة البرجوازية الطفيلية كوسيط إمبريالي في آليات متعددة. ففي قطاع النفط، لعبت دور الواجهة المحلية للشركات الدولية، مستفيدة من عقود الامتياز والوساطة في التراخيص. وفي قطاع المساعدات الدولية، حوّلت المنح والقروض إلى قنوات للتراكم الفردي عبر شبكات زبائنية معقدة [3]. لكن أخطر أدوارها يتمثل في إعادة صياغة برامج "الإصلاح الاقتصادي" بما يخدم مصالح الشركات متعددة الجنسيات، فتتحول هذه البرامج من أدوات للتنمية إلى أدوات لتعميق التبعية، حيث يُعاد إنتاج الاقتصاد الريعي تحت مسميات الليبرالية والإصلاح.

يتعزز موقع هذه الطبقة من خلال تحالف عضوي مع المؤسستين العسكرية والبيروقراطية. هذا التحالف الثلاثي يمثل النواة الصلبة للنظام القائم: فالبرجوازية الطفيلية توفر التمويل والتغطية الاقتصادية، ويقدم الجيش الحماية السياسية، بينما تضفي البيروقراطية الطابع القانوني والإداري على عمليات النهب [4]. وهذه الشبكة المعقدة من المصالح تفسر استحالة أي إصلاح جذري ضمن الإطار القائم، إذ يعيد النظام إنتاج نفسه عبر أزمات متعاقبة.

ولا يمكن فهم استمرار الأزمة الاقتصادية من دون مساءلة الدور التاريخي للبرجوازية الطفيلية في تعميق التبعية وإفشال مشاريع التنمية المستقلة. فسياساتها تحافظ دائماً على اقتصاد الريع وتمنع قيام صناعة وطنية أو زراعة حديثة [5]. وبذلك تحولت الدولة من أداة للتنمية إلى أداة للنهب المنظم، مما يفسر التناقض الحاد بين وفرة الموارد واستمرار الفقر والأزمات. لقد ساهم هذا النمط الطفيلي في تحويل السودان إلى نموذج للاقتصاد المنهوب، حيث تلتهم شبكات الوساطة موارد النفط والذهب والزراعة من دون أن تترجم إلى تنمية حقيقية.

في مرحلة ما بعد ثورة ديسمبر، أظهرت البرجوازية الطفيلية قدرة كبيرة على إعادة التموضع، فاستخدمت خطاب "الانتقال الديمقراطي" و"الإصلاح الاقتصادي" كأدوات للوساطة الدولية، محوّلة الزخم الثوري للجماهير إلى غطاء لإدامة النظام القائم [6]. كما تسللت إلى المؤسسات الانتقالية واللجان الثورية، فأفرغت شعارات الثورة من مضمونها الطبقي، وحوّلتها إلى إصلاحات شكلية تعيد للنظام توازنه دون المساس بجوهره.

تتطلب مواجهة البرجوازية الطفيلية استراتيجية شاملة متعددة المستويات تبدأ بتفكيك شبكاتها الاقتصادية واستعادة الأموال المنهوبة، وبناء تحالف طبقي بديل بقيادة العمال والفلاحين والفئات المنتجة [7]. فالإصلاح الزراعي والتصنيع هما المدخلان الأساسيان لتقويض الأسس المادية لهذه الطبقة، كما أن الربط بين النضال الاجتماعي والوطني شرط ضروري لقطع علاقة التبعية مع الإمبريالية. إن تجاوز الأزمة لا يتم عبر إدماج البرجوازية الطفيلية في أي مشروع إصلاحي، بل عبر نزع الأساس الاقتصادي الذي تقوم عليه.

إن إدراك دور البرجوازية الطفيلية كحلقة مفقودة في أزمة الإصلاح السوداني يفتح الطريق لفهم تعثر كل محاولات التغيير السابقة. فلا ديمقراطية يمكن أن تترسخ في ظل هيمنة طبقة تعيد إنتاج التبعية وتقوض أسس الاقتصاد المنتج. لذلك فإن النضال من أجل الديمقراطية يظل مرتبطاً عضوياً بالنضال من أجل القطيعة مع نمط التراكم الطفيلي وبناء اقتصاد وطني مستقل قائم على الإنتاج.

"البرجوازية التابعة تعمل كوسيط محلي للإمبريالية، مساهمة في إعادة إنتاج التبعية."
سمير أمين.

النضال مستمر،،
--------------------------
المراجع:
[1] Hubert, L. (2018). Parasitic Capitalism in Post-Colonial Economies. Cambridge University Press.
[2] Stiglitz, J. (2002). Globalization and Its Discontents. W.W. Norton & Company.
[3] Collier, P. (2007). The Bottom Billion: Why the Poorest Countries are Failing and What Can Be Done About It. Oxford University Press.
[4] Mamdani, M. (1996). Citizen and Subject: Contemporary Africa and the Legacy of Late Colonialism. Princeton University Press.
[5] Arrighi, G. (1994). The Long Twentieth Century: Money, Power, and the Origins of Our Times. Verso.
[6] Klein, N. (2007). The Shock Doctrine: The Rise of Disaster Capitalism. Metropolitan Books.
[7] Harvey, D. (2003). The New Imperialism. Oxford University Press.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي
- 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-
- 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي
- 4. أوهام الانتقال المدني الديمقراطي
- 3. مأزق السلام الليبرالي
- 2. من حماية الأرواح إلى احتواء الثورة: تفكيك ماركسي لشعار ال ...
- 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح ...
- 14. الخاتمة: نحو بديل ثوري
- بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس
- الحدود كجهاز قمع طبقي في عصر الإمبريالية
- 13. المهام الطبقية للثورة السودانية: من الوطني إلى الاشتراكي
- 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر الت ...
- 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي و ...
- 10. معضلة القيادة الثورية: أزمة اليسار والتحالفات المشبوهة
- 9. ثورة ديسمبر: انفجار التناقضات الطبقية
- 8. الهيمنة الطفيلية: التعليم والإعلام والدين في السودان
- 7. البعد الجندري للأزمة: النساء بين القهر والمقاومة
- 6. استعمار الداخل: الحرب كآلية للنهب المنظم في السودان
- 5. إمبراطورية العسكر
- 4. الإنقاذ وتكثيف الطفيلية: من الأيديولوجيا إلى آلة النهب


المزيد.....




- مسؤول كبير في -حماس- لـCNN: الحركة سترد -قريبا- على مقترح تر ...
- مسؤول في -حماس- لـCNN: الحركة قدمت ردها على خطة ترامب للوسطا ...
- سُليمى إسحاق: الدعم السريع فوجئ بالإسقاط الجوي من قبل الجيش ...
- ترامب يهددها بـ-الجحيم- إن رفضت خطته...ما خيارات حماس؟
- بيان: حماس توافق على الإفراج عن كل الرهائن الإسرائيليين الأح ...
- الدليل الذكي لاختيار غسالة الأطباق المثالية
- كيف ضلل الإعلام الغربي العالم وطبّع المجازر في غزة؟
- تحقيق مثير يكشف تهديد تجميد المساعدات الأميركية لحياة الملاي ...
- حركة -جيل زد- في المغرب تدعو لمظاهرات جديدة
- فيديو.. ضربة أميركية لقارب تهريب مخدرات قرب فنزويلا


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السوداني