أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-















المزيد.....

6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8483 - 2025 / 10 / 2 - 20:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يمكن النظر إلى شعارات الإصلاح في السودان كأدوات محايدة للتغيير السياسي، فهي تمثل في جوهرها مأزقاً بنيوياً يعكس التناقضات الطبقية داخل المجتمع وعلاقته بالنظام الإمبريالي. تكشف القراءة الماركسية أن شعارات "السلام" و"الحياة" و"الانتقال" تشكل نظاماً أيديولوجياً متماسكاً لإعادة إنتاج الهيمنة الطبقية، حيث تتحول هذه الشعارات من مطالب جماهيرية إلى أدوات لتحويل الطاقة الثورية للجماهير من المسار الجذري إلى قنوات إصلاحية قابلة للإدارة [1].

فحين تُطرح شعارات مثل "السلام" و"الانتقال المدني" و"الحكم الرشيد"، فإنها لا تُقدَّم كنتاج لصراع شعبي من الأسفل، بل كجزء من حزمة إملاءات خارجية تتبناها البرجوازية الطفيلية لتجميل مشروع التبعية. يصبح الخطاب الإصلاحي بنية فوقية تحجب التناقض الأساسي بين العمل ورأس المال، بين المنتجين والفئات المستفيدة من إعادة إنتاج الاستغلال.

يُقدم شعار "السلام" في الخطاب السائد كغاية في ذاته، بينما هو في التحليل الماركسي آلية لإدارة الصراع الطبقي بوسائل أقل كلفة. ففي سياق دارفور، تحول "السلام" من مطلب جماهيري إلى سلعة سياسية تُتداول في أسواق النخبة، حيث تُفرغ الجذور الطبقية للصراع من مضمونها وتُختزل إلى مجرد أزمة "إدارة موارد" قابلة للتسويق في مؤتمرات المانحين [2].

أما شعار "الحياة" فيُختزل إلى مجرد بقاء بيولوجي، يُدار عبر صناعة المساعدات الإنسانية التي تحول الفقراء إلى كائنات مستهلكة للعون بدلاً من فاعلين في الإنتاج. و"الانتقال المدني" يُقدَّم كبديل للديكتاتورية العسكرية، لكنه يظل محصوراً في إطار دولة برجوازية مرتبطة بمصالح الرأسمال العالمي.

ويتجلى المأزق البنيوي في تعامل القوى السياسية مع هذه الشعارات. فمبادرة الحزب الشيوعي لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة، رغم نواياها الوطنية، تتحرك ضمن الإطار المفاهيمي ذاته الذي صممته القوى الإمبريالية [3]. تدعو المبادرة إلى "وقف إطلاق النار" و"عودة إلى المسار الديمقراطي"، أي أنها تتعامل مع الثالوث الإصلاحي نفسه الذي تم تصميمه أساساً لاحتواء الثورة.

يكمن التناقض الأساسي في أن المبادرة، كغيرها من المبادرات "الوطنية"، تفتقر إلى الآلية الطبقية لتحقيق أهدافها. فهي تدعو إلى "وحدة القوى الوطنية" دون تمييز طبقي واضح، وإلى "إصلاح النظام" دون تحديد للعدو الطبقي الرئيسي [4]. هذا الغياب للتصور الطبقي الجذري يجعل المبادرة، موضوعياً، جزءاً من المشكلة التي تحاول حلها.

وفي هذا السياق، يتجلى المأزق البنيوي في أن هذه الشعارات تبدو في ظاهرها تقدمية، لكنها في الواقع تُفرغ الصراع من مضمونه الثوري. فالمجتمع الدولي لا يدعم "السلام" إلا بالقدر الذي يضمن تدفق الموارد إلى الأسواق العالمية، ولا يدعم "الانتقال" إلا بالقدر الذي يكرس التعددية الشكلية داخل بنية اقتصادية تابعة، ولا يموّل "الحكم الرشيد" إلا بما يضمن الشفافية في جباية الضرائب وتسديد الديون [5].

ويؤكد غرامشي أن "الأزمة تكمن في أن القديم يموت والجديد لا يستطيع أن يولد"، تتجلى هذه الأزمة في السودان بوضوح: فالشعارات الإصلاحية تحاول إنقاذ ما هو قديم عبر أقنعة جديدة، بينما يُخنق البديل الثوري تحت ثقل المؤسسات الدولية والبرجوازية المحلية [6]. فبدلاً من أن تكون الشعارات جسراً نحو التحرر، تحولت إلى آليات لإعادة إنتاج السيطرة الإمبريالية، حيث تندمج البرجوازية الطفيلية في هذا المشروع وتقدم نفسها كـ"شريك موثوق" في عملية الانتقال.

وتمتد جذور هذا المأزق إلى الطبيعة التابعة للبرجوازية السودانية، التي تفتقر إلى المشروع الوطني المستقل. هذه البرجوازية الطفيلية، بكل أجنحتها العسكرية والمدنية، تفضل التعاون مع الإمبريالية على خوض مواجهة طبقية حاسمة. ومن هنا يأتي عجزها عن قيادة تحرر حقيقي، وخوفها الدائم من تفجير الطاقات الثورية للجماهير.

ويتجلى الإطار العالمي لهذا المأزق في أن النظام الرأسمالي العالمي، في مرحلته الإمبريالية، لم يعد يسمح بتحرر حقيقي للشعوب. فكل محاولات التغيير يجب أن تمر عبر بواباته (الأمم المتحدة، المؤسسات المالية الدولية، المنظمات "الإنسانية")، وأن تلتزم بشروط لعبة مصممة أساساً للحفاظ على الهيمنة.

إن تجاوز هذا المأزق يتطلب إعادة ربط الشعارات بمضمونها الطبقي الحقيقي. فـ"السلام" لا يمكن أن يتحقق دون إنهاء هيمنة الرأسمالية الطفيلية على الأرض والثروات. و"الانتقال المدني" لا يكتسب معناه إلا إذا ارتبط ببناء مؤسسات ديمقراطية شعبية قائمة على الإنتاج الجماعي. أما "الحكم الرشيد"، فلا يمكن فصله عن سيادة الشعب على موارده وقطع التبعية لمؤسسات التمويل الإمبريالية.

ويقتضي الخروج من هذا المأزق البنيوي قطيعة جذرية مع منطق الإصلاح. فالثورة الحقيقية لا تعني تغيير الوجوه أو تعديل الدساتير، بل تحطيم جهاز الدولة البورجوازي وبناء سلطة جديدة للجماهير. والسلام الحقيقي لا يعني وقف إطلاق النار، بل إسقاط نظام الاستغلال بأكمله. والحياة الحقيقية لا تعني البقاء البيولوجي، بل الرفاه والكرامة والتحرر.

وبذلك يصبح البديل الثوري هو تحويل هذه الشعارات من أدوات تضليل إلى أدوات تحرر، عبر إدماجها في برنامج اشتراكي يضع العدالة الطبقية في المركز. فالمطلوب ليس هدم الشعارات بل تفكيك بنيتها الإمبريالية وإعادة صياغتها في أفق ثوري، حيث يتحول "السلام" إلى نزع جذور الحرب الطبقية، و"الانتقال" إلى سلطة شعبية ديمقراطية، و"الحكم الرشيد" إلى سيطرة المنتجين على وسائل الإنتاج.

"لا يمكن تحرير الإنسان دون تحرير المجتمع من الاستغلال"
روزا لوكسمبورغ.

النضال مستمر،،
--------------------------
المراجع:
[1] Gramsci, A. (1971). Selections from the Prison Notebooks. International Publishers.
[2]Poulantzas, N. (1978). State, Power, Socialism. Verso.
[3]Sudanese Communist Party. (2023). Initiative for Stopping the War and Restoring the Revolutionary Path.
[4]Lukács, G. (1971). History and Class Consciousness. MIT Press.
[5]Amin, S. (1976). Unequal Development: An Essay on the Social Formations of Peripheral Capitalism. Monthly Review Press.
[6]Wallerstein, I. (2004). World-Systems Analysis: An Introduction. Duke University Press.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي
- 4. أوهام الانتقال المدني الديمقراطي
- 3. مأزق السلام الليبرالي
- 2. من حماية الأرواح إلى احتواء الثورة: تفكيك ماركسي لشعار ال ...
- 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح ...
- 14. الخاتمة: نحو بديل ثوري
- بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس
- الحدود كجهاز قمع طبقي في عصر الإمبريالية
- 13. المهام الطبقية للثورة السودانية: من الوطني إلى الاشتراكي
- 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر الت ...
- 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي و ...
- 10. معضلة القيادة الثورية: أزمة اليسار والتحالفات المشبوهة
- 9. ثورة ديسمبر: انفجار التناقضات الطبقية
- 8. الهيمنة الطفيلية: التعليم والإعلام والدين في السودان
- 7. البعد الجندري للأزمة: النساء بين القهر والمقاومة
- 6. استعمار الداخل: الحرب كآلية للنهب المنظم في السودان
- 5. إمبراطورية العسكر
- 4. الإنقاذ وتكثيف الطفيلية: من الأيديولوجيا إلى آلة النهب
- 3. التحول النيوليبرالي في عهد نميري: تفكيك القاعدة المنتجة
- 2. التأسيس الطائفي للرأسمالية الطفيلية في السودان (1898–1956 ...


المزيد.....




- ماذا قال بوتين عن نجل مسؤول بـCIA مات في أوكرانيا خلال القتا ...
- أول تعليق لأمريكا بعد اعتراض إسرائيل لـ-أسطول الصمود-
- إسرائيل تواجه إدانات دولية عقب اعتراضها -أسطول الصمود العالم ...
- بعد الاشتباه بارتباطه بـ-أسطول الظل- الروسي.. قبطان ناقلة ال ...
- ما خيارات إيران المتاحة للرد على العقوبات الأممية؟
- الاحتلال يقتل أبا وأبناءه الأربعة ويواصل استهداف المجوّعين ب ...
- فرنسا تعتقل 100 مناصر لغزة وألمانيا تحاكم أشخاصا بتهمة العما ...
- قيادي بحماس: ردنا على خطة ترامب لن يتأخر ولا نقبل التهديدات ...
- الحرب على غزة مباشر.. غارات عنيفة على القطاع وحماس تعد برد ق ...
- بعد العنف: -جيل زد- يشدد على السلمية وأخنوش يفتح باب الحوار ...


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-