أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عماد حسب الرسول الطيب - ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي














المزيد.....

ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 08:00
المحور: قضايا ثقافية
    


الدوبامين هو ناقل عصبي أساسي في الدماغ، يربط بين التحفيز والسلوك، ويساهم في الشعور بالمتعة والمكافأة. في السياق العصبي، يوجّه الدوبامين انتباه الإنسان نحو ما يعتبره ذا قيمة ويحفزه على تكرار السلوكيات التي تمنحه شعورًا بالرضا. لكن في العصر الرقمي، لم يعد دوره محصورًا في البيولوجيا الفردية؛ بل أصبح مدخلاً لفهم كيف تستغل الرأسمالية الحديثة الرغبات البشرية، وتحوّل الانتباه والمتعة إلى سلعة قابلة للتسويق والاستثمار، في إطار ما يمكن تسميته "ثقافة الدوبامين" .

تُقدَّم "ثقافة الدوبامين" اليوم كأنها مجرد ظاهرة نفسية متعلقة بالإدمان على الهاتف الذكي أو على المنصات الرقمية، لكنها في جوهرها تعبير عن أزمة أعمق تتعلق ببنية الإنتاج الرأسمالي ذاتها. فالخوارزميات التي صُممت لتوليد التدفق المستمر من المتعة السريعة ليست حيادية، بل هي امتداد مباشر لآلية تراكم رأس المال الذي يسعى لتحويل كل لحظة انتباه إلى قيمة تبادلية [1].

في هذا السياق، يتجلى التشيؤ الرقمي في تحويل العلاقات الإنسانية إلى بيانات رقمية خاضعة للقياس والتحليل، بينما يتمثل تسليع الانتباه في تحويل اللحظات العصبية - كلّ نبضة دوبامين - إلى سلع قابلة للتسويق والاستغلال. هاتان الآليتان تتعاضدان لخلق نظام هيمنة جديد.

التحفيز الدائم عبر التنبيهات والإشعارات ليس سوى الوجه الجديد لتشييء العلاقات الإنسانية. إذا كان ماركس قد أشار إلى أن الرأسمالية تجعل كل ما هو صلب يتبخر في الهواء، فإن الرأسمالية الرقمية تجعل كل انفعال عصبي، كل ومضة انتباه، مادة أولية قابلة للتسليع. هنا لا يُستغل العامل فقط في قوة عمله، بل يُستنزف وعيه نفسه عبر إعادة تشكيل حاجاته ورغباته في دوامة لا تنتهي من الاستهلاك الرمزي [2].

بهذا المعنى، يصبح الدوبامين "أفيون الشعب الجديد" في عصر ما بعد الحداثة، حيث يحلّ محل الوظيفة التخديرية التي كان الدين يلعبها في الماضي. فكما كان الأفيون الديني يعدّ بالخلاص في الآخرة، يعدّ أفيون الدوبامين بالسعادة الفورية هنا والآن، معتماً على الاستلاب البنيوي الذي ينتجه.

إن ما يسميه البعض "إدمان الدوبامين" ليس في حقيقته مرضًا فرديًا، بل هو شكل من أشكال الاستلاب الاجتماعي. فالذات لم تعد قادرة على التمييز بين الحاجة الحقيقية والرغبة المزيفة، لأن السوق الرقمية تحتكر تحديد الحاجات مسبقًا. كل نقرة، كل مشاهدة، كل "إعجاب"، تتحول إلى بيانات خام يعاد تدويرها لزيادة الأرباح. بهذا المعنى فإن ثقافة الدوبامين ليست سوى استمرار لآلية إنتاج فائض القيمة ولكن على مستوى الانتباه البشري ذاته [3].

ومثلما وظّفت الرأسمالية في القرن العشرين السينما والإذاعة لتوحيد الأذواق وإعادة إنتاج الهيمنة الطبقية، فإنها اليوم توظف المنصات الرقمية لتعميق السيطرة. غير أن الفارق الجوهري يكمن في أن السيطرة الحالية تعمل على مدار الساعة بلا انقطاع، إذ تُدمج التكنولوجيا في الجسد ذاته عبر التطبيقات والأجهزة المحمولة، ما يجعل الزمن نفسه مُستعمرًا بالكامل من قبل رأس المال [4].

في مواجهة هذا النظام، تبرز الحاجة إلى تكنولوجيا تحررية بديلة، تتمثل في:

· منصات تعاونية مملوكة للمستخدمين تتحكم جماعياً في آلية عملها
· خوارزميات مفتوحة المصدر تخدم الصالح العام بدلاً من تعظيم الأرباح
· تصميم أنظمة رقمية تعزز الوعي النقدي بدلاً من الاستهلاك السلبي

إن مقاربات "الإصلاحية الرقمية" التي تطرح حلولاً فردية كالصيام عن الهاتف أو ضبط التنبيهات، تتجاهل أن المسألة ليست في تقنية الاستعمال بل في بنية النظام الذي يحول كل استعمال إلى قيمة رأسمالية. لذلك فإن تجاوز ثقافة الدوبامين يتطلب مشروعًا تحرريًا جذريًا، يعيد ربط الوعي الفردي بالبنية الطبقية ويضع التكنولوجيا تحت سيطرة المجتمع لا تحت هيمنة الشركات.

ماركس: "الإنسان هو، في جوهره، مجموع علاقاته الاجتماعية."
كارل ماركس.

النضال مستمر،،
--------------------------
المراجع
[1]Fisher, Mark. Capitalist Realism: Is There No Alternative? Zero Books, 2009.
[2]Zuboff, Shoshana. The Age of Surveillance Capitalism. PublicAffairs, 2019.
[3]Dean, Jodi. Blog Theory: Feedback and Capture in the Circuits of Drive. Polity Press, 2010.
[4]Crary, Jonathan. 24/7: Late Capitalism and the Ends of ---sleep---. Verso, 2013.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-
- 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي
- 4. أوهام الانتقال المدني الديمقراطي
- 3. مأزق السلام الليبرالي
- 2. من حماية الأرواح إلى احتواء الثورة: تفكيك ماركسي لشعار ال ...
- 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح ...
- 14. الخاتمة: نحو بديل ثوري
- بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس
- الحدود كجهاز قمع طبقي في عصر الإمبريالية
- 13. المهام الطبقية للثورة السودانية: من الوطني إلى الاشتراكي
- 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر الت ...
- 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي و ...
- 10. معضلة القيادة الثورية: أزمة اليسار والتحالفات المشبوهة
- 9. ثورة ديسمبر: انفجار التناقضات الطبقية
- 8. الهيمنة الطفيلية: التعليم والإعلام والدين في السودان
- 7. البعد الجندري للأزمة: النساء بين القهر والمقاومة
- 6. استعمار الداخل: الحرب كآلية للنهب المنظم في السودان
- 5. إمبراطورية العسكر
- 4. الإنقاذ وتكثيف الطفيلية: من الأيديولوجيا إلى آلة النهب
- 3. التحول النيوليبرالي في عهد نميري: تفكيك القاعدة المنتجة


المزيد.....




- ترامب يعلن عزمه محادثة مادورو مع تزايد الحشد العسكري الأمريك ...
- تقرير حقوقي: وفاة 98 فلسطينيا في مراكز احتجاز إسرائيلية منذ ...
- مادورو يعلق على تصريح ترامب بشأن إمكانية التحاور
- لماذا أفرج عن ساركوزي، وهل يعيده -شبح- القذافي إلى السجن؟
- روسيا والصين تنتقدان قرار مجلس الأمن بشأن غزة
- -عملية الرمح الجنوبي-.. هل اقترب الغزو الأميركي لفنزويلا؟
- قبل لقائه بن سلمان غدًا.. ترامب يعلن عزمه بيع السعودية طائرا ...
- مجلس الأمن يعتمد المشروع الأميركي لإنهاء حرب غزة
- حماس تنتقد تبني مجلس الأمن مشروع القرار الأميركي بشأن غزة
- السلطة الفلسطينية ترحب بإقرار الخطة الأميركية بشأن غزة


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عماد حسب الرسول الطيب - ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي