أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - عندما ينحدر الحكام














المزيد.....

عندما ينحدر الحكام


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 20:47
المحور: قضايا ثقافية
    


‏عندما ينحدر الحكام

‏لماذا يبدأ الحكام حياتهم كآلهة ثم ينحدرون إلى أنصاف آلهة ثم يصبحون من عامة الشعب ثم أدنى من الشعب؟

‏قراءة فلسفية في تطور السلطة والدولة من خلال آراء الفلاسفة والمفكرين

‏المقدمة:

‏لطالما كانت السلطة محطّ اهتمام المفكرين والفلاسفة، لأنها تشكّل جوهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الدولة والمجتمع. وتثير ظاهرة تحوّل صورة الحاكم عبر الزمن تساؤلات جدلية حول طبيعة الحكم، وبنية الدولة، وديناميكيات القوة. فلماذا يبدأ الحكام غالبًا في صورة "الآلهة" أو المخلّصين، ثم تنكسر هالتهم تدريجيًا ليغدوا أشبه بعامة الناس، وربما أحط منهم في نظر المجتمع؟ هذه الظاهرة، التي تتكرر في التاريخ مرارًا، يمكن فهمها من خلال مقاربات فلسفية متعددة، أهمها نظرية ابن خلدون في "الدولة والملك"، وأفكار فلاسفة الحداثة مثل هيغل وميكيافيلي وهوبز، وصولًا إلى فوكو وغرامشي في تحليل السلطة الحديثة.


‏أولًا: الحاكم كإله – الشرعية الكاريزمية وبدايات الدولة

‏في بداية أي نظام سياسي، غالبًا ما يظهر الحاكم في صورة المخلّص أو المؤسس الأسطوري. هذه الصورة تُبنى على ما أسماه ماكس فيبر بـ"الشرعية الكاريزمية"، حيث يستمد القائد سلطته من شخصيته القوية وقدرته على الإلهام. وفي هذه المرحلة، لا يُسائل الحاكم، بل يُبجل، ويُقدّس، وتُنسب له قدرات خارقة أحيانًا.

‏وقد لاحظ ابن خلدون في مقدمته أن الدولة تمر بمراحل تشبه حياة الإنسان: "من البداوة إلى الحضارة"، ومن القوة إلى الضعف. ففي بدايات الدولة، تكون العصبية قوية، والحاكم مدعومًا بجماعته، فتظهر الدولة في قمة صلابتها، ويظهر الحاكم في صورة منعة وهيبة تقارب الإلهية.

‏ثانيًا: الحاكم كـ"نصف إله" – ترسيخ السلطة وتحوّلها

‏مع استقرار الدولة، تبدأ السلطة في التنظيم المؤسسي، وتُبنى البيروقراطيات، ويُعاد توزيع القوة. في هذه المرحلة، يفقد الحاكم بعضًا من هالته، لأن شرعيته لم تعد فقط نابعة من شخصيته، بل من موقعه داخل جهاز الدولة. هنا تبدأ السيطرة الرمزية على الناس عبر القوانين والأنظمة، لا فقط عبر الخطاب الكاريزمي.

‏يشير هيغل إلى أن الدولة هي تجلٍ للعقل، ولكنها لا تبقى دائمًا في انسجام مع "الروح المطلقة"، فمع الوقت تتجمد المؤسسات وتفقد روحها، ويبدأ الناس في رؤية الحاكم كموظف كبير لا أكثر.

‏ثالثًا: الحاكم كإنسان من العامة – أزمة الشرعية والانكشاف

‏مع مرور الزمن، تبدأ الدولة في الشيخوخة. تفقد مؤسساتها فعاليتها، وتضمحل العصبيات المؤسسة، وتظهر الطبقات الطفيلية. هنا يبدأ الحاكم في فقدان هالته نهائيًا، ويُنظر إليه كمجرد إنسان – يُخطئ، يفسد، يعجز. وقد يصل الأمر إلى أن يصبح أضحوكة عامة، تُسخر منه العامة بدلًا من تبجيله.

‏يرى ميكيافيلي أن الحاكم الناجح هو من يحافظ على صورته بالقوة والدهاء، لكن حين يفقد أحدهما، يفقد سلطته. أما فوكو، فيلفت النظر إلى أن السلطة تقوم على الخطاب والمعرفة، وعندما يتفكك الخطاب المسيطر، تظهر الحقيقة العارية للسلطة: مجرد قوة قمعية متآكلة.

‏رابعًا: الحاكم "أدنى من الشعب" – السقوط والتشظي

‏عند نهاية الدورة، وفي مرحلة ما أسماه ابن خلدون بـ"الهرم والشيخوخة"، تصبح الدولة عبئًا على المجتمع. وتصبح صورة الحاكم مرتبطة بالفشل والظلم والفساد. لا يعود فقط من عامة الشعب، بل أدنى منهم، في نظر الناس، فيسقط من المخيلة الجمعية سقوطًا رمزيًا مدويًا، وربما يُطارد أو يُقتل أو يُنسى.

‏هذا التدهور ناتج عن فقدان "العصبية"، وتحوّل الحكم إلى ترف وفساد، كما قال ابن خلدون: "الترف مؤذن بخراب العمران". ويتكرر هذا في كل دورة سياسية تقريبًا، سواء في الدول القديمة أو الحديثة، في الملكيات أو الجمهوريات.

‏خامسًا: دورة الدولة بين الفتوة والشيخوخة – قراءة خلدونية

‏يرى ابن خلدون أن الدولة تمر بخمس مراحل:

‏1. مرحلة النشوء: العصبية قوية، والحاكم يستمد قوته من قومه.

‏2. التمكين: الدولة في أوج قوتها، والحاكم يتمتع بهالة روحية ومادية.

‏3. الركون للترف: يبدأ التراخي، وتتحول الدولة من الجهاد إلى الاستهلاك.

‏4. الفساد: تزداد الضرائب، ويتوسع الظلم، وتضعف الدولة.

‏5. الانهيار: تنهار الدولة تحت ضغط التناقضات الداخلية والخارجية.

‏ويشبه ابن خلدون الدولة بالإنسان، لها طفولة، فشباب، فرجولة، فشيخوخة، فموت. وما الحاكم إلا مرآة لهذا الكائن الحي الذي يُدعى "الدولة".

‏الخاتمة:

‏إن تحوّل الحاكم من "إله" إلى "أدنى من الشعب" ليس مجرد حدث طارئ، بل ظاهرة اجتماعية وتاريخية متكررة، لها أسباب بنيوية وفكرية. وتتكرر هذه الدورة ما دامت السلطة تُبنى على العصبية أو الكاريزما الفردية دون مؤسسات صلبة وقيم ديمقراطية. إن فهم هذه الظاهرة، من خلال عدسة الفلسفة والتاريخ، يساعدنا في قراءة حاضرنا واستشراف مستقبلنا السياسي.


‏---

‏المراجع:

‏1. ابن خلدون، المقدمة، دار الفكر.
‏2. ماكس فيبر، الاقتصاد والمجتمع.
‏3. نيقولو ميكيافيلي، الأمير.
‏4. جورج هيغل، أسس فلسفة الحق.
‏5. ميشيل فوكو، المراقبة والمعاقبة.
‏6. أنطونيو غرامشي، دفاتر السجن.




#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعفيش ممارسات نَهب ممنهج ومخاطر على الدولة والمجتمع
- الجنرال ماك آرثر، صانع يابان ما بعد الحرب
- يا قاتلي
- مالا ينطق به الليان تنطق به العين
- ‏الأمم المتحدة: خطاباتٌ عظيمة… وأزماتٌ تستمر بلا حل
- السلاح  والإنسان
- سبية
- وامعتصماه
- قانون التنظيمات العثماني ودوره في دمج العلويين بالمجتمع السن ...
- خطاب ضد الطائفية
- اغتصاب
- حكايات سورية -6-‏المليونير الأحمق والفتاة الذكية
- ‏ -القاف-: دفاع عن اللسان والهوية
- رسالة إلى أولئك الذين اغتصبوا إنسانيتي
- في متاهة الحب
- الاستنسابية في المجتمع: المظاهر، التداعيات، وآفاق المعالجة
- عند ملقاك
- ‏سيكولوجيا الاغتصاب: دراسة للفاعل والضحية
- ‏القاف: قوة المعنى في اللغة العربية
- قِيمٌ وقُدَمٌ: رحلة في قُدرةِ القَلبِ والعقل


المزيد.....




- الكوفية الفلسطينية تروي حكاية وطن عبر الموضة
- طيران الإمارات تعلن تزويد أسطولها بخدمة -ستارلينك- للإنترنت ...
- -أمالا-.. وجهة سياحية فاخرة للسفر المستدام في السعودية
- متحف الوسائط الجديدة يفتح أبوابه ويعرض الفن الرقمي عبر تقنيا ...
- مجلس الأمن يناقش مستقبل غزة اليوم: أبرز بنود وتفاصيل المقترح ...
- بيان مشترك: محاكمة هدى عبد المنعم للمرة الثالثة
- هل يزعجك أصدقاء أطفالك؟ إليك ثلاث نصائح
- ألمانيا تعتزم استئناف تصدير أسلحة إلى إسرائيل
- ترامب يدعم الإفراج عن المزيد من الملفات المتعلقة بقضية إبستي ...
- هل يضغط ترامب على نتنياهو من أجل مصلحة بن سلمان؟ وما حقيقة م ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - عندما ينحدر الحكام