أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - التعفيش ممارسات نَهب ممنهج ومخاطر على الدولة والمجتمع















المزيد.....

التعفيش ممارسات نَهب ممنهج ومخاطر على الدولة والمجتمع


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 22:55
المحور: قضايا ثقافية
    


التعفيش: ممارسات نَهب ممنهج ومخاطر على الدولة والمجتمع


مقدمة

في خضم النزاعات المسلحة، والانهيارات الأمنية، أو الفوضى السياسية، تظهر ممارسات تتجاوز النهب العشوائي لتتحول إلى آليات ممنهجة للسلب والتجريد من الحقوق، تُعرف في بعض السياقات بظاهرة التعفيش.
التعفيش ليس مجرد سلوك فردي عابر، بل هو انعكاس لانهيار القيم القانونية والأخلاقية، ووجه من وجوه الفساد المعمم وغياب الدولة. في هذا المقال، نُقارب هذه الظاهرة بمفهومها الواسع، لا كمجرّد سلب للممتلكات، بل كممارسة ممتدة إلى السياسة، القانون، التعليم، والمجتمع ككل.

أولًا: تعريف التعفيش

"التعفيش" مصطلح شعبي مشتق من العامية السورية، ويدل على نهب الممتلكات الخاصة أو العامة، لا سيّما في المناطق الخارجة من نزاع أو تحت سيطرة جماعات مسلّحة. إلا أن دلالاته توسّعت لتشمل الاستيلاء غير المشروع على المناصب، الفرص، والحقوق، عبر أدوات غير قانونية أو فوق قانونية.

اصطلاحًا، يمكن تعريف التعفيش بأنه:
الاستيلاء القسري أو الاحتيالي على ما لا يحق للفرد أو الجماعة امتلاكه، سواء كان ماديًا أو معنويًا، من خلال استغلال غياب القانون أو سلطته، أو عبر التحايل على النصوص القانونية، أو التمويه المؤسساتي.

ثانيًا: أشكال التعفيش

تتخذ ظاهرة التعفيش أشكالًا متعددة، منها:
1. التعفيش المادي: سرقة الممتلكات الخاصة، كالمنازل أو المحال التجارية أو البنى التحتية، خاصة بعد العمليات العسكرية أو في ظل غياب الأمن.
2. التعفيش الوظيفي: الاستيلاء على مناصب إدارية أو حكومية دون وجه حق.
3. التعفيش السياسي: احتكار القرار العام أو التمثيل السياسي من قبل جماعات نافذة.
4. التعفيش القانوني: تطويع القوانين لخدمة أطراف معينة على حساب العدالة.
5. التعفيش الثقافي أو التعليمي: تهميش فئات أو مناطق في الخدمات التعليمية والثقافية لصالح جماعات مهيمنة.

ثالثًا: مظاهر التعفيش

تشير الممارسات الآتية إلى تجليات التعفيش في الواقع:
1. ظهور أسواق لبيع المواد المنهوبة ("أسواق السنة"، "أسواق التعفيش").
2. إصدار قرارات إدارية تخدم المحسوبين على سلطة الأمر الواقع.
3. تغييب الكفاءات وتهميشها لصالح الولاءات الشخصية أو الحزبية.
4. فرض خطابات إعلامية تبرر السطو على الممتلكات أو الفرص.
5. تمييز مناطقي أو طائفي في توزيع الموارد والخدمات.

رابعًا: آليات تطبيق التعفيش في القطاعات المختلفة

1. في القانون

1. سنّ قوانين تشرعن الاستيلاء على أملاك الغائبين أو "المعارضين".
2. تجاهل الدعاوى القضائية المتعلقة بالحقوق المسلوبة.
3. تسييس القضاء وتوظيفه في شرعنة السلب.

2. في السياسة

احتكار السلطة عبر تغييب المنافسة السياسية.
فرض "التعفيش السياسي" من خلال الإقصاء، وتوزيع المغانم السياسية.
تزييف التمثيل الشعبي من خلال تعيينات شكلية أو انتخابات مُتحكم بها.

3. في المجتمع

1. تقسيم المجتمع إلى فئات "محظية" وأخرى "منهوبة الحقوق".
2. مصادرة ممتلكات أو أرزاق خصوم سياسيين أو سكان مناطق معينة.
3. تحكّم شبكات النفوذ في الاقتصاد المحلي.

4. في التعليم

1. تفاوت نوعية التعليم والخدمات بين المناطق.
2. سيطرة مجموعات محسوبة على السلطة على المناهج أو المناصب التربوية.
3. تهميش الأكاديميين المستقلين أو المعارضين.


5. في الإعلام والثقافة

1. مصادرة الرأي المستقل.
2. تبرير ممارسات النهب والتسلط عبر خطاب تعبوي أو طائفي.
3. تحريف الوقائع وتشويه الضحايا.

خامسًا: التعفيش والفساد

يشكل التعفيش أحد أبرز مظاهر الفساد المنظم، حيث يتم الاستيلاء على الحقوق والممتلكات بطريقة ممنهجة، وبغطاء قانوني أو إداري.
في هذا السياق، لم يعد الفساد مجرّد رشوة أو اختلاس، بل بات يتجسد في سلب جماعي منظّم، يُدار من قِبل جهات رسمية أو شبه رسمية.

سادسًا: التعفيش والتشبيح

في كثير من الأحيان، يترافق التعفيش مع التشبيح، وهو استخدام العنف أو التهديد أو النفوذ الأمني لقمع المعترضين على التعفيش أو فضحهم.
التشبيح هو الأداة التنفيذية للتعفيش، إذ يحمي مرتكبيه من المساءلة، ويقمع الضحايا، ويمنع التداول الحر للمعلومات.

سابعًا: التعفيش والشفافية

تُعد الشفافية العدو الأول للتعفيش، إذ أن هذه الممارسة تعتمد على الغموض، التعتيم، وتزوير البيانات.
كلما انعدمت الشفافية، ازدهر التعفيش، وكلما فُتحت أبواب المحاسبة والرقابة والمعلومات، تراجعت ممارساته.

ثامنًا: التعفيش وحقوق الإنسان

يشكل التعفيش انتهاكًا مباشرًا لمجموعة واسعة من حقوق الإنسان، من بينها:
1. الحق في الملكية الخاصة
2. الحق في التعليم والعمل والمساواة
3. الحق في التمثيل السياسي
4. الحق في بيئة قانونية عادلة
حين تُسلب الممتلكات والفرص والحقوق بشكل ممنهج، لا يمكن الحديث عن دولة قانون، بل عن دولة قائمة على السطو والتجريد والإقصاء.

تاسعًا: سبل الحد من التعفيش
للحد من التعفيش، ينبغي اعتماد حزمة إصلاحات، تشمل:
1. تعزيز سلطة القانون وإلغاء القوانين الاستثنائية.
2. تفعيل القضاء المستقل والنزيه، ومحاسبة المتورطين في التعفيش.
3. إنشاء لجان لاستعادة الحقوق والممتلكات المسلوبة.
4. ضمان حرية الإعلام والمجتمع المدني لرصد الممارسات غير المشروعة.
5. ترسيخ مبدأ الشفافية والمساءلة في الإدارة العامة.
6. تعويض المتضررين عن الأضرار المادية والمعنوية.

عاشرًا: مخاطر التعفيش على الدولة والفرد والمجتمع

مخاطر التعفيش على الدولة:

1. فقدان الشرعية داخليًا وخارجيًا.
2. تآكل المؤسسات وانهيار سيادة القانون.
3. تفكك الدولة إلى شبكات مصالح متصارعة.

مخاطر التعفيش على على الفرد:
1. الشعور بالعجز والظلم والانتماء لدولة معادية.
2. فقدان الحافز للعمل والبناء.
3. النزوح والهجرة أو الانخراط في مسارات التطرف.

مخاطر التعفيش على المجتمع:

1. انقسام عمودي حاد بين فئات منهوبة وفئات مستفيدة.
2. تفشي ثقافة النهب والعنف كوسيلة للحصول على الحقوق.
3. انهيار منظومة القيم الوطنية والاجتماعية.

خاتمة

التعفيش ليس فقط سرقة للبيوت أو الأموال، بل هو انتهاك منهجي للمواطنة وشرعنة للفوضى والنهب.
مواجهته تتطلب تحولًا عميقًا في البنية القانونية والسياسية، وقبل ذلك، ثورة أخلاقية تعيد الاعتبار لقيم العدالة، والانتماء، والمواطنة المتساوية.
من دون ذلك، يتحوّل التعفيش من حالة استثنائية إلى منظومة حكم لا ترى في المواطن إلا غنيمة محتملة.

المراجع

1. منظمة العفو الدولية – تقارير حول مصادرة الممتلكات في مناطق النزاع.
2. هيومن رايتس ووتش – Selective Repression and Property Confiscation (2023).
3. Transparency International – Corruption in Conflict Zones (2024)



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجنرال ماك آرثر، صانع يابان ما بعد الحرب
- يا قاتلي
- مالا ينطق به الليان تنطق به العين
- ‏الأمم المتحدة: خطاباتٌ عظيمة… وأزماتٌ تستمر بلا حل
- السلاح  والإنسان
- سبية
- وامعتصماه
- قانون التنظيمات العثماني ودوره في دمج العلويين بالمجتمع السن ...
- خطاب ضد الطائفية
- اغتصاب
- حكايات سورية -6-‏المليونير الأحمق والفتاة الذكية
- ‏ -القاف-: دفاع عن اللسان والهوية
- رسالة إلى أولئك الذين اغتصبوا إنسانيتي
- في متاهة الحب
- الاستنسابية في المجتمع: المظاهر، التداعيات، وآفاق المعالجة
- عند ملقاك
- ‏سيكولوجيا الاغتصاب: دراسة للفاعل والضحية
- ‏القاف: قوة المعنى في اللغة العربية
- قِيمٌ وقُدَمٌ: رحلة في قُدرةِ القَلبِ والعقل
- في ظل غياب المساءلة، سيتفاقم العنف الطائفي في سوريا


المزيد.....




- رئيسة وزراء إيطاليا تدعو -أسطول الصمود- إلى -التوقف فورا-.. ...
- تقرير يكشف عن تجاوز -حدود السلامة- على كوكب الأرض!
- القضاء الإسباني يكشف تورط نائبين سابقين في البرلمان في قضايا ...
- فرنسا: توقيف حليمة بن علي ابنة الرئيس التونسي الأسبق زين الع ...
- الأب عبد الله يوليو للجزيرة نت: نتنياهو يكذب ومجتمعات المنطق ...
- نتنياهو يطلع حكومته على خطة ترامب وفرنسا تدعو حماس لقبولها
- -ما وراء الخبر- يناقش خيارات حماس والمقاومة الفلسطينية في ال ...
- زلزال في إندونيسيا وآخر في الفلبين يقتل 5 أشخاص
- فرنسا تعتقل ابنة زين العابدين بن علي بطلب من تونس
- قاضٍ أميركي يحكم بانتهاك إدارة ترامب الدستور في استهداف المؤ ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - التعفيش ممارسات نَهب ممنهج ومخاطر على الدولة والمجتمع