أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏ -القاف-: دفاع عن اللسان والهوية














المزيد.....

‏ -القاف-: دفاع عن اللسان والهوية


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 21:23
المحور: قضايا ثقافية
    



‏لا يخفى على أحد أن اللغة العربية، بما حباها الله من غنى وبلاغة، تعد من أرقى اللغات في العالم. تزينها ألفاظٌ جليلة، وتلألأ في أطيافها أصواتٌ مميزة. ومن أبرز ما يميزها حرف القاف، الذي يُعد جوهرةً في تاج الأبجدية، ويظل له في قلب كل ناطق بها مكانة خاصة. لكن في هذا الزمن الذي يعصف بالهويات الثقافية، نجد بعض العقول التي تتجرأ على السخرية من "القاف" وأهلها، تتنكّر لمكانته وتتهكم على نطقه.

‏أما آن لهذا الاستهزاء أن يتوقف؟ هل أصبحنا نعيش في زمنٍ يعاب فيه من يعتز بتراثه، ويتفاخر بلغة أجداده؟ لنحارب هذه النزعة بكل ما أوتينا من فصاحة، ولندافع عن "القاف" الذي يظل مرفوعًا بين حروف اللغة العربية، شامخًا في معناه وصوته.

‏القاف ليس مجرد حرفٍ صغير، بل هو مرآة تعكس جزءًا من هوية شعوبنا. هو الشاهد على تأريخ طويل من الأصالة والعراقة، وهو الذي يروي في نغمةٍ رخيمة حكايات الأجداد. هذا الحرف الذي نطقته الأفواه على مرّ العصور، جاء ليحمل معاني الجمال والفصاحة. في "القاف" نجد الفخر، في "القاف" نبحث عن الجود والكرم، وفيه نغمةٌ من الأصالة لا تكررها أي لغة أخرى.

‏ولكن، اليوم نجد أن هناك من يسخر من "القاف". يستهزئ بها ويقلل من شأنها، بل ويزعم أن نطقها صعبٌ أو متكلف! يا له من جهلٍ فاحش! كيف يكون حرف القاف، الذي يملأ الفم بالطلاقة ويغني الكلام بالجمال، موضع سخرية؟ هل أصبحنا نعيش في زمنٍ نرمي فيه كل ما هو فخم وجليل في سلة الاستهزاء؟

‏إن السخرية من نطق القاف هي في الحقيقة سخرية من الهوية، ومن اللغة نفسها. اللغة العربية لم تكن أداة للتخاطب فحسب، بل كانت سفيرةً للثقافة والتراث، وكان لكل حرفٍ فيها بصمة لا تمحى. فكيف لمن يسخر من القاف أن يكون جديرًا بالتحدث عن أصالة أو ثقافة؟

‏إذا أردنا التحدث عن "القاف"، فلا يمكننا إلا أن نذكر نطقها في كلمات مثل: قوة، قمة، قلب، قضاء. كلمات تتناثر في آذاننا بنغمٍ خاص، وتغني اللحن العربي بأسمى معانيها. في نطق "القاف"، نجد التناغم بين الحروف، وبين الحروف والأنفاس. ألا يحق للمرء أن يفاخر بذلك؟ ألا يستحق ذلك الحرف أن يُنطَق بحبٍ واعتزاز؟

‏نعم، "القاف" قد تكون ثقيلة على اللسان لأولئك الذين لا يملكون ثقة بأنفسهم، ولكنها ليست إلا شرفًا وفخرًا للذين يعرفون قيمتها. إن السخرية من نطق "القاف" ليست سوى عقدة نفسية تتراءى لمن لا يفهمون أن لكل لغةٍ جمالها، ولكل حرفٍ سرّه الذي يفضحه النطق الصحيح.

‏ونأتي إلى السؤال الأهم: لماذا يسخر البعض من "القاف"؟ هل لأنهم يريدون أن يتنكروا لتاريخهم، أو لأنهم يظنون أن التبعية للغرب هي السمة الأرقى؟ ولكن هيهات! إن التبعية لا تعني أبدًا أن نضحي بهويتنا أو نخفض من قيمتها. التفاخر باللغة العربية هو نوع من التفاخر بالكرامة والاحترام. من يعتز بلسانه يعبر عن تمسكه بكل ما هو جميل ونبيل في هذه الحياة.

‏في النهاية، نحن نواجه تحديًا ثقافيًا لا يقل أهمية عن أي معركة أخرى. نطوق لحماية لغتنا، وندافع عن كل حرفٍ من حروفها. نطوق لحماية "القاف"، كما نطوق لحماية عقولنا من كل ما هو دخيل. فلتظل "القاف" شامة في جبين لغتنا، ولتظل فخرًا لكل من يعتز بها.

‏لنترك الجهل يندحر، ولنشهد بأن لغتنا، ومن ضمنها "القاف"، تظل في قلب كل واحدٍ منا. لا مكان للسخرية من قوة الحروف، ولن تداعب ألسنتنا إلا الكلمات التي تحمل في طياتها الشرف والعزّ، من أول "قاف" إلى آخر "ياء".

‏سأل أحد الشّيوخ في دمشق الشاعر حامد حسن معروف (رحمه الله ):
‏- لماذا أنتم  تصرّون على حرف القاف في تداولكم الحديث ؟ وهل هذه إشارة إلى إبراز الهوية؟
‏فأجابه الشاعر حامد حسن معروف :
‏إن حرف القاف من الحروف العربية الأصيلة ، ومن المعيب بحقّ هذه اللغة لغة القرآن أن نقلبه إلى همزة كالؤرآن و الحأ و الئبلة مثلا..
‏فـقال الشيخ الدمشقيّ :
‏ يا أخي أخفّ على اللسان و المعنى مفهوم!
‏أجابه الشاعر حامد حسن معروف :
‏هناك عبارات إذا قلبت القاف همزة تتحول العبارة إلى نقيضها تماماً..
‏فقال الشيخ الدمشقيّ : مستحيل و أتحدّاك.
‏فقال له الشاعر حامد حسن:
‏ اقلب قاف العبارة التالية إلى همزة إذا تجرّأت
‏" محمد بريق من نور الله "
‏فصفن الشيخ الدمشقي و صمت لأن بمجرد قلب القاف إلى همزة تصبح نقيضتها تماما..
‏لن نذكر اسم الشيخ الدمشقي لأننا نحترم تفكير ورؤى الجميع.

‏وبالتأكيد ، ما لا يجوز اهماله عند قراءة القرآن لا يجوز استخدامه بين الناس.

‏فليحيَ "القاف"، فلتظل هي العلامة التي تميزنا عن غيرنا، ولتظل عزيزةً بين شفاهنا.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى أولئك الذين اغتصبوا إنسانيتي
- في متاهة الحب
- الاستنسابية في المجتمع: المظاهر، التداعيات، وآفاق المعالجة
- عند ملقاك
- ‏سيكولوجيا الاغتصاب: دراسة للفاعل والضحية
- ‏القاف: قوة المعنى في اللغة العربية
- قِيمٌ وقُدَمٌ: رحلة في قُدرةِ القَلبِ والعقل
- في ظل غياب المساءلة، سيتفاقم العنف الطائفي في سوريا
- عقول خالدة
- هل لدينا وقت للمتعة بعد الآن؟
- لماذا يجب أن يكون الحب دليلنا في عصر الذكاء الفائق
- الرفاهية والعلم والروحانية
- طول العمر وقصره
- لماذا عدم القيام بأي شيء هو بذاته شيء جيد لنفسك
- قمتان، شطرتا الغرب إلى ضفتين
- عندما يخطئ الدماغ في السمع
- حكايات سورية-1 ابن قنوات وابن عطيل
- حكايات سورية -3 سنبكي إن أمطرت وإن لم تمطر
- حكايات سورية-2 أثقل الأشياء وأخفها
- البحث الأمل في الأوقات العصيبة


المزيد.....




- -يوم عمل رائع-.. محمد رمضان يرقص مع لارا زوجة نجل ترامب وابن ...
- The Morning Show يكشف كواليس التلفزيون .. بعيدا عن الأضواء ا ...
- وفاة اللبناني الفرنسي زياد تقي الدين قبل صدور الحكم في قضية ...
- احتجاج عائلات سجناء سياسيي النهضة على أوضاعهم الصحية وسوء مع ...
- أنغام تعود للغناء من مسرح رويال ألبرت هول بلندن بعد 58 عاما ...
- ما قصة المثل -السقط يحرق الحرجة-؟
- عاجل | أمير دولة قطر: رئيس حكومة إسرائيل يحلم أن تصبح المنطق ...
- إيران: المشاورات بشأن العقوبات ستستمر مع الأطراف المعنية
- هل تدفع الاحتجاجات في المغرب إلى إصلاح جذري لقطاع الصحة؟
- شاهد.. بوابة إسرائيلية تفصل جنوبي الضفة عن وسطها وشمالها


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏ -القاف-: دفاع عن اللسان والهوية