طول العمر وقصره

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)

الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 15:00
المحور: قضايا ثقافية
    

إن إطالة عمر الإنسان يثير تساؤلات أخلاقية ووجودية.

أنجان تشاترجي
ترجمة محمد عبد الكريم يوسف

النقاط الرئيسية
• لقد حقق علم الأحياء تقدماً كبيراً في تعزيز فهمنا للآليات التي تساهم في الشيخوخة.
• يعتقد أنصار طول العمر أننا قد نستطيع أن نعيش لمدة 300 عام في المستقبل المنظور.
• إن طول العمر من شأنه أن يؤدي إلى زيادة عدم المساواة الفردية والعالمية والصراعات بين الأجيال.

لو استيقظ الفاتح الإسباني بونس دي ليون بعد 500 عام، لكان على الأرجح مندهشًا ومبتهجًا لأن البحث عن ينبوع الشباب لا يزال قائمًا. حضرتُ مؤخرًا مؤتمرًا حول طول العمر، أعرب فيه المتحدثون عن ثقتهم في قدرتنا على تعليق أجسادنا عند عمر بيولوجي يبلغ 30 عامًا، وأننا نتوقع بشكل معقول أن نعيش في المستقبل القريب 300 عام، إن لم ننجو من الموت.
بيولوجيا الشيخوخة
بدلاً من الخوض في غابات فلوريدا ومستنقعاتها بحثًا عن مياه ساحرة، يجري البحث الحالي عن طول العمر في مختبرات نقية في كبرى الجامعات والشركات حول العالم. لقد تسارعت في السنوات الأخيرة معرفتنا ببيولوجيا الشيخوخة، والتي استُمدت في البداية من الديدان والقوارض المُضحَّى بها، والآن من الأنسجة البشرية الحية والتجارب. لدينا فهم أعمق للأسباب الجزيئية والجينية والبيئية للتدهور البيولوجي. ونُحرز تقدمًا كبيرًا في معرفتنا بكيفية تأثير التغيرات الجينية على الشيخوخة، وكيفية تعديل الجينات لتغيير أعمار البشر، وطرق إعادة برمجة الشيخوخة الخلوية، وكيفية حصاد الخلايا الجذعية للتجدد، وكيفية استخدام عوامل الدورة الدموية ذات الصلة من بلازما الشباب، وكيف يمكن لأدوية مثل الميتفورمين والراباميسين إبطاء الشيخوخة، ولماذا قد تسمح لنا الأساليب الغذائية مثل تقييد السعرات الحرارية بالعيش لفترة أطول.
يُعدّ طول العمر اتجاهًا بارزًا في مجال الصحة والعافية. يكاد لا أحد يرغب في الموت. فلماذا قد يعترض أحد على إطالة العمر؟ بشكل عام، تُعدّ التفاوتات وعواقبها الباهظة، والخلط بين الكم والكيف، أسبابًا للتأمل.
تتفكك أجسادنا مع تقدمنا في العمر بأربع طرق على الأقل. أولها الانهيار الميكانيكي. من تجاوز سن الخمسين ولم يُزعجه ركبه أو ظهره؟ إن التآكل والتلف في مفاصلنا وعضلاتنا وأوتارنا هو جزء من التقدم في السن. ثانيًا، السباكة. تبدأ أوعيتنا الدموية بالانسداد في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر، مما يؤدي في النهاية إلى نوبات قلبية وسكتات دماغية. ثالثًا، تتكاثر خلايانا عندما لا ينبغي لها ذلك، ورابعًا، تذبل خلايانا عندما نفضل ألا تفعل ذلك. من الناحية الطبية، هذه هي الحالات العظمية وأمراض القلب والأوعية الدموية والأورام والتنكسية. حدسي ، الذي قد يكون خاطئًا، هو أن قدرتنا على إبطاء الشيخوخة ستختلف باختلاف نظام الأعضاء. قد نكون أفضل في معالجة المشكلات الميكانيكية والسباكة وأقل جودة في التحكم الخلوي. من يريد أجسادًا صحية وعقولًا هشة لسنوات متواصلة؟ بغض النظر عن صحة حدسي، فإن عمرًا صحيًا ممتدًا لا يكفي ببساطة للاعتقاد بأن طول العمر يؤدي تلقائيًا إلى ازدهار الإنسان.
عدم المساواة
تتمحور مخاوف عدم المساواة حول التفاوتات الفردية والعالمية والصراعات بين الأجيال. 1-2 تُعدّ تجارة طول العمر تجارةً رائجةً. فالشركات التي تُروّج لمفاهيم وجرعات طول العمر تجني أرباحًا طائلة بوعدها بالشباب الأبدي. تكاليف التصنيع والتوصيل وتخصيص العلاجات ليست هينة. وإذا نجحت هذه التدخلات، فستكون متاحةً بسهولة أكبر للأغنياء والنافذين. وستُضخّم الفوارق، المُقلقة في شكلها الحالي. تخيّلوا المليارديرات والسياسيين ذوي النفوذ الذين يزدحمون بوسائل إعلامنا. كم منهم تريدون أن يظلّوا على قيد الحياة خلال الـ 300 عام القادمة؟ داخل البلدان، قد يُحوّل تخصيص موارد البحث العلمي والرعاية الصحية من الرعاية الصحية الأولية الأساسية واسعة النطاق إلى إطالة أعمار القلة.
ما ينطبق على الأقوياء ينطبق أيضًا على الدول القوية. ستستفيد الدول ذات الموارد الأكبر من تدابير إطالة العمر هذه بطريقة لن تتمكن الدول الفقيرة من الاستفادة منها. ما هي العواقب الجيوسياسية المحتملة لتفاقم هذه التفاوتات؟ وأخيرًا، هل ستزيد هذه التدابير من الصراعات بين الأجيال؟ إن موجة السياسيين الثمانينيين وقضاة المحكمة العليا الأمريكية هي أمثلة حديثة على عدم رغبة الكثيرين في التخلي طواعيةً عن السلطة والهيبة لإفساح المجال للأجيال القادمة. ما هي عواقب التوترات بين الأجيال الممتدة لفترات زمنية أطول بكثير وعبر عدة أجيال في آن واحد؟
ازدهار الإنسان
المشكلة الأعمق التي غالبًا ما تُهمل في نقاشات طول العمر والصحة هي افتراض أن المزيد أفضل. وصف أرسطو الحياة الجيدة باليوديمونيا، أي حياة ذات معنى وفضيلة وقيمة. إن الاعتقاد بأن طول العمر مصدر للصحة يخلط بين الكم (مدى الحياة) والجودة (الازدهار). إن نقاشات طول العمر دون دراسة جادة لليوديمونيا تتجاهل سؤالًا جوهريًا: ما هي الحياة الجيدة؟ الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة أبدًا، لكن الخلط بين طول العمر ومعنى الحياة لن يُحسّن الأمور. من حيث المبدأ، هذا لا يعني استحالة دراسة متأنية لما يُشكل حياة ذات معنى على مدى فترة زمنية أطول، وتداعيات ذلك على سياسات الرعاية الصحية والاقتصاد.
مع ذلك، أخشى أن تُسيّر المصالح المالية تطبيقات إطالة العمر دون مراعاة عميقة لإنسانيتنا. ولعلّ التطور الحديث والمستمر في أبحاث الذكاء الاصطناعي وأعماله يُمثّل تشبيهًا ذا صلة. فرغم المخاوف التي أثارها بعض رواد هذا المجال، غالبًا ما تُهمّش الاعتبارات الأخلاقية تجاريًا. فالمال يُطغى على المعنى. في عصرٍ يسوده الوحدة والقلق والاغتراب، يتخفّى السعي الدؤوب وراء الربح في صورة السعي وراء السعادة ، ويحلّ الإنكار الجماعي للموت محلّ الانخراط الفعّال في الحياة.
من الأفضل لنا أن نتساءل عن كيفية عيش حياة أفضل بدلًا من أن نعيش حياة أطول. قد يكمن الجواب في تقبّل حقيقة فناءنا بدلًا من إنكارها. يقدم المعالج النفسي فرانسيس ويلر استراتيجية بسيطة ومُنعشة:
عادتي اليومية هي أن أستيقظ وأُركز انتباهي فورًا على هذه الفكرة: "أنا أقرب يومًا إلى موتي. فكيف سأعيش هذا اليوم؟ كيف سأُحيي من ألتقي بهم؟ كيف سأُضفي على كل لحظة روحًا؟ لا أريد أن أضيع هذا اليوم." - فرانسيس ويلر، حافة الحزن الجامحة


أنجان تشاترجي، دكتور في الطب، زميل الأكاديمية الأمريكية للتمريض، هو أستاذ علم الأعصاب وعلم النفس والهندسة المعمارية في كلية بيرلمان للطب بجامعة بنسلفانيا.
مراجع
Douglas, M. (2024, 2024/11/05). Longevity. Journal of Practical Ethics, 11(2). https://doi.org/10.3998/jpe.6216
Saliev, T., & Singh, P. B. (2025, 2025/06/01). Age reprogramming: Innovations and ethical considerations for prolonged longevity (Review). Biomed Rep, 22(6), 96. https://doi.org/10.3892/br.2025.1974
Francis Weller (2015). The Wild Edge of Sorrow: Rituals of Renewal and the Sacred Work of Grief. North Atlantic Books.

المصدر:
https://www.psychologytoday.com/us/blog/brain-behavior-and-beauty/202507/the-long-and-short-of-longevity-why-more-might-be-less

#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل