أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - الاستنسابية في المجتمع: المظاهر، التداعيات، وآفاق المعالجة















المزيد.....

الاستنسابية في المجتمع: المظاهر، التداعيات، وآفاق المعالجة


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 16:29
المحور: قضايا ثقافية
    


مقدمة

تمثل العدالة قاعدة أساسية في بناء المجتمعات الحديثة، وهي الركيزة التي تقوم عليها شرعية القانون والمؤسسات. غير أن هذه العدالة كثيرًا ما تتعرض للتقويض في السياقات التي يسود فيها التمييز في تطبيق القواعد والمعايير، والذي يُعرف بمفهوم الاستنسابية.
تُعد الاستنسابية واحدة من أكثر الظواهر تقويضًا للثقة العامة، وأحد أبرز تجليات الفساد البنيوي في الدول ذات الأنظمة الهشة، إذ إنها تكرّس التفاوت بين المواطنين، وتفضي إلى شرعنة ممارسات تمييزية تهدد التماسك المجتمعي.

أولًا: تعريف الاستنسابية

الاستنسابية، من الناحية الاصطلاحية، تشير إلى الانتقائية في تطبيق المعايير القانونية أو الإدارية أو الأخلاقية، بناءً على اعتبارات غير موضوعية، مثل الانتماء السياسي أو الطائفي أو المناطقي، أو بناءً على المصالح الشخصية والفئوية.
إنها تُعبّر عن انحراف عن مبدأ المساواة أمام القانون، بحيث تُطبّق القوانين والقرارات على فئة من المواطنين، بينما يُستثنى منها آخرون، مما يُحدث اختلالًا عميقًا في العدالة المؤسساتية.

ثانيًا: أشكال الاستنسابية
تتجلى الاستنسابية في أنماط متعددة، لعل أبرزها:
1. الاستنسابية القانونية: الانتقائية في ملاحقة الجرائم أو تطبيق العقوبات.
2. الاستنسابية السياسية: توزيع المناصب والمغانم على أساس الولاءات، لا الكفاءات.
3. الاستنسابية الاجتماعية: تفضيل فئات معينة في الوصول إلى الخدمات أو الموارد العامة.
4. الاستنسابية الإعلامية: انتقاء الروايات والخطابات بما يخدم مصالح قوى بعينها.
5. الاستنسابية التعليمية: تفاوت فرص التعليم استنادًا إلى الانتماء الطبقي أو المناطقي.
ثالثًا: مظاهر الاستنسابية في المجتمع
تتعدد مظاهر الاستنسابية، ويمكن تلمّسها في النقاط التالية:
1. تغليب المحسوبيات والزبائنية في التعيينات والترقيات.
2. اختلال معايير الكفاءة والجدارة في مؤسسات الدولة.
3. تفاوت فرص الوصول إلى العدالة والخدمات العامة.
4. التعامل غير المتكافئ مع الأزمات أو الكوارث تبعًا للهوية السياسية أو الجغرافية للمواطنين.

رابعًا: آليات تطبيق الاستنسابية

1. في القانون

1. انتقائية في فتح ملفات التحقيق أو إحالتها إلى القضاء.
2. التمييز في إصدار الأحكام، أو في تنفيذها، بما يتناسب مع الانتماء أو التأثير.

2. في السياسة

1. مأسسة الاستنسابية عبر المحاصصة الحزبية أو الطائفية.
2. شرعنة الولاءات الضيقة على حساب الصالح العام.

3. في المجتمع

1. انعدام العدالة في توزيع الموارد والخدمات الأساسية.
2. هيمنة شبكات النفوذ على مقدّرات الدولة.

4. في التعليم

1. تفاوت كبير في جودة البنية التحتية والخدمات التعليمية بين المناطق.
2. اختلال معايير القبول والمنح التعليمية لصالح الفئات النافذة.

5. في الإعلام

1. تطويع الإعلام لخدمة أجندات سياسية على حساب الموضوعية.
2. تهميش قضايا حيوية لشرائح مجتمعية لمجرد افتقارها للتمثيل السياسي أو الإعلامي.

خامسًا: العلاقة بين الاستنسابية والفساد
الاستنسابية تُعد شكلًا من أشكال الفساد المقنّن، إذ تُستخدم كأداة لإعادة توزيع النفوذ والثروة بشكل غير عادل. ففي البيئات التي تفتقر إلى الشفافية، تُستخدم القوانين والقرارات كوسائل لإرضاء الحلفاء ومعاقبة الخصوم، ما يحوّل الدولة إلى منصة لإنتاج الفساد لا لمكافحته.

سادسًا: الاستنسابية والتشبيح
عندما يتحول تطبيق القانون إلى وسيلة لإرهاب الخصوم وحماية المتنفذين، تندمج الاستنسابية مع ممارسات التشبيح، أي استخدام النفوذ السياسي أو الأمني لإخضاع المجتمع. في هذه الحالة، تغيب سلطة القانون لصالح سلطة الأشخاص أو الأحزاب، مما يقوّض أسس الشرعية.

سابعًا: الاستنسابية والشفافية
تُعد الاستنسابية نقيضًا مباشرًا لمبدأ الشفافية، إذ تقوم على تغييب المعايير الموحدة، وتفترض أن "الحق" أو "القانون" أمرٌ قابل للتأويل بحسب المصلحة. في بيئة كهذه، لا يمكن مراقبة أداء المؤسسات أو محاسبتها، لأن الأسس التي تُبنى عليها القرارات ليست واضحة أو قابلة للقياس.

ثامنًا: الاستنسابية وحقوق الإنسان
تمثّل الاستنسابية انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان، لا سيما الحق في المساواة أمام القانون، وحق الوصول إلى العدالة، وحق المشاركة المتكافئة في الحياة العامة. فحين يتم تمييز الأفراد على أسس غير موضوعية، تتلاشى مفاهيم المواطنة لصالح مفاهيم الولاء والانتماء.

تاسعًا: كيفية الحد من الاستنسابية
تتطلب مواجهة الاستنسابية إجراءات متكاملة، أبرزها:
1. تعزيز استقلالية القضاء وضمان نزاهته.
2. تطبيق قوانين موحدة دون تمييز، ومحاسبة المتورطين في المحاباة.
3. تحديث أنظمة التوظيف والإدارة العامة لتستند إلى الجدارة والكفاءة.
4. ضمان الشفافية في السياسات العامة والقرارات الإدارية.
5. تمكين الإعلام المستقل ومنظمات المجتمع المدني في الرقابة والمساءلة.
6. إدماج قيم المواطنة والعدالة في المناهج التعليمية.

عاشرًا: الآثار السلبية للاستنسابية على الدولة والمجتمع والفرد

الآثار السلبية على الدولة:
1. تآكل شرعية المؤسسات.
2. ضعف فعالية السياسات العامة.
3. تصاعد النزاعات الداخلية وفقدان الاستقرار.

الآثار السلبية على المجتمع:
1. ازدياد الانقسامات الفئوية والطائفية.
2. تعطّل آليات التكافل والتضامن.
3. تفشي مشاعر الإقصاء والتهميش.

الآثار السلبية على الفرد:
1. الشعور بالظلم وفقدان الثقة بالدولة.

2. انتشار الهجرة والعزوف عن المشاركة العامة.
3. تبني ثقافة اللامبالاة أو الانخراط في سلوكيات احتجاجية عنيفة.

خاتمة

تُعد الاستنسابية مؤشرًا خطيرًا على فشل الدولة في بناء نظام عادل وشفاف. وهي، في جوهرها، نفيٌ لمبدأ المواطنة، وتكريسٌ لثقافة الامتيازات على حساب الحقوق. إن معالجتها تستدعي إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحًا مؤسساتيًا شاملًا، وثقافةً مدنيةً تُعلي من قيمة القانون والمساواة.

المراجع

1- Transparency International. (2024). Global Corruption Report.
2- Human Rights Watch. (2023). Selective Justice in Fragile States.
3- United Nations Development Programme (UNDP). (2022). Governance and Rule of Law in Arab States.
4- Rawls, J. (1971). A Theory of Justice. Harvard University Press.
5- Sen, A. (2009). The Idea of Justice. Harvard University Press.
6. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. (2021). دراسات حول العدالة الاجتماعية في العالم العربي.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عند ملقاك
- ‏سيكولوجيا الاغتصاب: دراسة للفاعل والضحية
- ‏القاف: قوة المعنى في اللغة العربية
- قِيمٌ وقُدَمٌ: رحلة في قُدرةِ القَلبِ والعقل
- في ظل غياب المساءلة، سيتفاقم العنف الطائفي في سوريا
- عقول خالدة
- هل لدينا وقت للمتعة بعد الآن؟
- لماذا يجب أن يكون الحب دليلنا في عصر الذكاء الفائق
- الرفاهية والعلم والروحانية
- طول العمر وقصره
- لماذا عدم القيام بأي شيء هو بذاته شيء جيد لنفسك
- قمتان، شطرتا الغرب إلى ضفتين
- عندما يخطئ الدماغ في السمع
- حكايات سورية-1 ابن قنوات وابن عطيل
- حكايات سورية -3 سنبكي إن أمطرت وإن لم تمطر
- حكايات سورية-2 أثقل الأشياء وأخفها
- البحث الأمل في الأوقات العصيبة
- أسرار الشيخوخة السعيدة
- أصول الحب
- سحر التعلم من التجارب


المزيد.....




- نعومي كامبل تخطف الأنظار بأسبوع الموضة في لندن
- إعصار راغاسا يضرب الفلبين.. الأقوى على وجه الأرض هذا العام
- اللون الزهري يسيطر على إطلالات شاكيرا لعام 2025
- الرئيس المصري يصدر عفوًا عن الناشط علاء عبد الفتاح وآخرين
- -108 أعوام من التأخير-.. الوليد بن طلال يُعلّق على اعتراف بر ...
- كيف يؤثر الجدال بين الوالدين على الصحة العقلية للأطفال؟
- طالبان ترفض تهديد ترامب باستعادة -باغرام-.. ماذا نعرف عن هذه ...
- رشيد حموني يسائل وزير الفلاحة حول دعم مزارعي اعوين وآيت بسري ...
- رفع العلم الفلسطيني فوق مبان بلديات بفرنسا يشعل جدلا سياسيا ...
- روبوتات الدردشة في قفص الاتهام: أطفالنا في خطر؟


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - الاستنسابية في المجتمع: المظاهر، التداعيات، وآفاق المعالجة