|
سيكولوجيا الاغتصاب: دراسة للفاعل والضحية
محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 15:05
المحور:
قضايا ثقافية
الاغتصاب هو أحد أفظع الأفعال التي يمكن أن يتعرض لها الفرد في المجتمع، وله تداعيات نفسية عميقة لا تقتصر على الضحية فحسب، بل تمتد إلى الفاعل والمجتمع بأسره. تعد سيكولوجيا الاغتصاب من المواضيع المعقدة التي تتطلب فهمًا دقيقًا للأسباب النفسية والبيئية التي قد تقود شخصًا إلى ارتكاب هذه الجريمة، وكذلك الآثار النفسية التي قد يعاني منها الضحية بعد الحادثة. في هذا المقال، سنتناول سيكولوجيا الاغتصاب من خلال تسليط الضوء على عدة جوانب نفسية تخص كل من الفاعل والضحية، كما سنناقش الأبحاث النفسية حول كيفية تأثير هذه الجريمة على كل طرف، بالإضافة إلى العوامل الثقافية والاجتماعية التي تلعب دورًا في حدوثها. 1. تعريف الاغتصاب والآثار المترتبة عليه الاغتصاب هو أي نوع من الاتصال الجنسي يتم بالقوة أو التهديد دون رضا الطرف الآخر، ويعتبر من الجرائم الجسيمة في معظم أنحاء العالم. قد يتسبب الاغتصاب في آثار نفسية وجسدية على الضحية التي قد تستمر لفترات طويلة بعد وقوع الجريمة. من الآثار الأكثر شيوعًا هي الاضطرابات النفسية مثل القلق، والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، فضلاً عن التغيرات في النظرة الذاتية والصورة الجسدية. 2. الآثار النفسية على الضحية 2.1. الصدمة النفسية وتعديل الصورة الذاتية إحدى الآثار الأكثر شيوعًا على الضحية هي الصدمة النفسية التي تنشأ بسبب الاعتداء الجنسي. يُعاني العديد من الضحايا من شعور بالغضب الشديد والذنب، مما يؤدي إلى تدمير شعورهم بالقيمة الذاتية. وفقًا لدراسة نشرت في المجلة الأمريكية للطب النفسي (American Journal of Psychiatry)، غالبًا ما تصاحب الضحية مشاعر متناقضة من الحزن والذنب والخجل. 2.2. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) الضحية التي تعرضت للاغتصاب غالبًا ما تتعرض لاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، حيث تؤثر المشاهد والصور الذهنية المتعلقة بالحادثة بشكل مستمر على الشخص. يشمل ذلك الذكريات المفاجئة التي تأتي بشكل غير متوقع، وتجنب الأماكن أو الأشخاص الذين قد يذكرون الحادثة، فضلاً عن نوبات الهلع المستمرة. 2.3. العزلة الاجتماعية والشعور بالوصمة من الآثار الأخرى التي قد يعاني منها الضحية هي العزلة الاجتماعية والشعور بالوصمة. في المجتمعات التي تحمل تحيزًا ضد ضحايا الاغتصاب، قد يشعر الضحايا بالعزلة والنبذ بسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالجريمة. في بعض الثقافات، يُعتقد أن الضحية ربما تكون قد شاركت في الجريمة بطريقة ما، مما يعزز الشعور بالذنب والخجل. 2.4. التأثيرات الجسدية بالإضافة إلى التأثيرات النفسية، يمكن أن يعاني الضحية من آلام جسدية شديدة، ومشاكل صحية مثل الأمراض المنقولة جنسيًا، أو حتى الحمل غير المرغوب فيه. هذه الآثار الجسدية قد تُسهم في زيادة الصدمة النفسية، مما يجعل من الصعب على الضحية الشفاء. 3. سيكولوجيا الفاعل: دوافع الاغتصاب 3.1. العوامل النفسية المؤدية للاغتصاب من المهم أن نلاحظ أن سيكولوجيا الفاعل تختلف بشكل كبير وفقًا للبيئة والتاريخ الشخصي. وفقًا للأبحاث النفسية، يمكن أن يكون لدى العديد من الفواعل تاريخ من التعرض للإيذاء الجسدي أو النفسي في فترة الطفولة، ما قد يساهم في تبلور أفكار وسلوكيات عدوانية. قد يُظهر الفاعل ضعفًا في السيطرة على غرائزه، أو قد يكون لديه مشاكل في الثقة بالنفس ويبحث عن طريقة لإثبات قوته. 3.2. السلطة والسيطرة يعتقد العديد من الفاعلين أن الاغتصاب هو وسيلة للسلطة والسيطرة على الضحية. وفقًا لعدة دراسات سيكولوجية، يميل الفاعلون إلى اعتبار النساء (أو الضحايا) كأشياء يمكن تملكها أو السيطرة عليها. هذا النوع من السلوك قد ينشأ بسبب عدم النضج العاطفي أو التورط في مفاهيم مغلوطة حول الجنس. 3.3. الدوافع الجنسية من ناحية أخرى، قد تكون الدوافع الجنسية أيضًا أحد العوامل التي تساهم في ارتكاب جريمة الاغتصاب. ففي بعض الحالات، يكون الفاعل مدفوعًا بشهوة غير معترف بها أو لا يستطيع السيطرة على الرغبات الجنسية بطريقة مناسبة، مما يؤدي إلى ارتكاب العنف الجنسي. لكن يجب التأكيد هنا أن الاغتصاب لا يتعلق بالضرورة بالشهوة الجنسية، بل بالتحكم والإيذاء. 3.4. البيئة الثقافية والاجتماعية تلعب البيئة الثقافية والاجتماعية دورًا كبيرًا في تشكيل فهم الأفراد للجنس والعلاقات. في المجتمعات التي تشجع على الهيمنة الذكورية أو تروج لفكرة أن النساء مجرد أدوات للمتعة، يمكن أن يزداد احتمال وقوع الاغتصاب. تشير بعض الدراسات إلى أن الفاعلين في هذه المجتمعات قد يشعرون بأنهم غير ملزمين بإذن الضحية. 4. عوامل الثقافة والمجتمع في الاغتصاب 4.1. التحرش الجنسي في المجتمع التحرش الجنسي هو أحد العوامل الثقافية التي قد تساهم في حدوث الاغتصاب. ففي بعض المجتمعات، يتم التعامل مع التحرش الجنسي كأمر طبيعي أو مسموح به في المواقف الاجتماعية. ويعتبر هذا بمثابة تشجيع ضمني على العنف الجنسي. 4.2. التوعية والوقاية من المهم الإشارة إلى أن الوعي العام حول الاغتصاب وكيفية الوقاية منه يمكن أن يساعد في تقليص عدد الجرائم. برامج التوعية التي تركز على احترام الحدود الشخصية والتعامل مع الجنس كحق متبادل بين الأفراد يمكن أن تُسهم في الحد من هذه الجرائم. 5. سبل العلاج والتعافي 5.1. العلاج النفسي للضحايا من أجل معالجة آثار الاغتصاب على الضحية، يعد العلاج النفسي جزءًا أساسيًا في عملية التعافي. تشمل أنواع العلاج المستخدمة في هذه الحالات العلاج المعرفي السلوكي والعلاج الأسري، بالإضافة إلى دعم المجموعات النفسية التي يمكن أن تساعد الضحايا في مواجهة صدمتهم. 5.2. إعادة تأهيل الفاعل أما بالنسبة للفاعل، فقد تتطلب إعادة التأهيل التعامل مع المشاعر السلبية مثل الغضب والكراهية، فضلاً عن تعزيز مهارات التعامل مع العلاقات الشخصية. يمكن أن يشمل العلاج العلاج السلوكي والعلاج الجماعي لمساعدة الفاعل على فهم الأسباب النفسية التي دفعته لارتكاب الجريمة. 6. الخاتمة سيكولوجيا الاغتصاب هي مجال معقد يضم العديد من العوامل النفسية والجسدية والاجتماعية. من خلال فهم دوافع الفاعل، وآثار الجريمة على الضحية، والعوامل الثقافية التي تؤثر في هذا السلوك، يمكننا تطوير استراتيجيات أكثر فاعلية للوقاية والعلاج. ويجب أن تظل جهود التوعية والإصلاح المجتمعي جزءًا أساسيًا من أي خطة لمحاربة العنف الجنسي.
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القاف: قوة المعنى في اللغة العربية
-
قِيمٌ وقُدَمٌ: رحلة في قُدرةِ القَلبِ والعقل
-
في ظل غياب المساءلة، سيتفاقم العنف الطائفي في سوريا
-
عقول خالدة
-
هل لدينا وقت للمتعة بعد الآن؟
-
لماذا يجب أن يكون الحب دليلنا في عصر الذكاء الفائق
-
الرفاهية والعلم والروحانية
-
طول العمر وقصره
-
لماذا عدم القيام بأي شيء هو بذاته شيء جيد لنفسك
-
قمتان، شطرتا الغرب إلى ضفتين
-
عندما يخطئ الدماغ في السمع
-
حكايات سورية-1 ابن قنوات وابن عطيل
-
حكايات سورية -3 سنبكي إن أمطرت وإن لم تمطر
-
حكايات سورية-2 أثقل الأشياء وأخفها
-
البحث الأمل في الأوقات العصيبة
-
أسرار الشيخوخة السعيدة
-
أصول الحب
-
سحر التعلم من التجارب
-
كاتولوس 64 تم إكتشافها
-
كاتولوس 64
المزيد.....
-
هجوم إلكتروني يشل مطارات أوروبا ويعطل حركة آلاف المسافرين..
...
-
البرتغال تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية لتلتحق بدول أوروبية
-
-عملية النظام الجديد-... تفاصيل جديدة تكشف كيف تسلل الموساد
...
-
بريطانيا قبيل قرار ستارمر: الاعتراف بدولة فلسطينية لا يعني ق
...
-
مظاهرة بمدينة دوسلدورف الألمانية تنديدا بالحرب الإسرائيلية ع
...
-
تصعيد روسي وأوكراني بالصواريخ والمسيرات يعقد فرص التسوية الد
...
-
بريطانيا: أي قرار للاعتراف بدولة فلسطينية لا يعني قيامها على
...
-
إسرائيل تعتقل حنين الزعبي بشبهة -التحريض على الإرهاب-
-
طفل غزي يصنع ساقا بلاستيكية لصديقه مبتور الساق
-
متظاهرون في ستوكهولم يدعون لإنهاء حرب إسرائيل على قطاع غزة
المزيد.....
-
التجربة الجمالية
/ د. خالد زغريت
-
الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان
/ د. خالد زغريت
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول
...
/ منذر خدام
-
ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
/ مضر خليل عمر
-
العرب والعولمة( الفصل الرابع)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الثالث)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الأول)
/ منذر خدام
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
المزيد.....
|